انتهاج سياسة حافة الهاوية يعيد “الحرب الباردة” بين روسيا وبريطانيا

قررت بريطانيا التصعيد في مواجهة روسيا، بعد ساعات من الترقب انتهت بتحوّل قضية تسميم عميل روسي سابق وابنته إلى أزمة جيوسياسية، قد تهدّد بشن هجمات إلكترونية بين موسكو ولندن، بعد طرد دبلوماسيين روس من بريطانيا.
وتكمن المعضلة الرئيسية في توقيت الأزمة المتزامن مع قرب الانتخابات الرئاسية الروسية، كما وقعت أيضا في وقت تواجه فيه بريطانيا وضعا حرجا في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وانقساما كبيرا في صفوف حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماي، التي لا تتمتع بأغلبية مطلقة في البرلمان.
ومثلت هذه العوامل منطلقات منطقية لجعل التصعيد خيارا وحيدا للجانبين. ويحاول الرئيس فلاديمير بوتين، الذي يتوقع إعادة انتخابه لولاية جديدة في الانتخابات المقررة في 18 مارس الجاري، الظهور كـ”رئيس قوي لدولة قوية”، وهو الشعار الانتخابي الذي تعتمده حملته الانتخابية. وسيتطلب ذلك عدم التراجع أمام إجراءات بريطانيا التصعيدية لمعاقبة روسيا.
وبالمثل، تسعى ماي إلى تعزيز موقعها في الداخل، والانتقال من موقع الدفاع إلى الهجوم، في سجال حادّ تقوده المعارضة العمالية حول إدارة الحكومة لملف بريكست.
وأعلنت ماي طرد 23 دبلوماسيا، كما أعلنت زيادة إجراءات الأمن على الرحلات الخاصة والجمارك والشحن.
والدبلوماسيون، الذين منحوا مهلة أسبوع واحد لمغادرة البلاد، هم جواسيس غير معلنين، ويعملون في محطة الاستخبارات في السفارة الروسية، لكن تحت غطاء دبلوماسي.
وشملت الإجراءات أيضا عمل أجهزة الاستخبارات الداخلية البريطانية على تفكيك شبكات تجسس روسية تعمل في بريطانيا، وإجراءات أمنية أخرى لن تعلن عنها لندن.
وقالت ماي أيضا إنه سيتم تجميد أصول لروسيا في بريطانيا، إذا وجدت أدلة على أنها قد تستخدم لتهديد حياة أو ممتلكات المواطنين أو المقيمين في المملكة المتحدة.
و من المقرر أن تقاطع الأسرة الملكية والوزراء البريطانيون كأس العالم لكرة القدم في روسيا، المقررة في وقت لاحق من هذا العام، إلى جانب تعليق جميع الاتصالات الثنائية عالية المستوى المخطط لها بين المملكة المتحدة وروسيا.
وسرعان ما ردت روسيا في بيان صادر عن سفارتها في لندن، اعتبرت فيه، الأربعاء، طرد دبلوماسيين روس أنه عمل “عدائي وغير مقبول وغير مبرر وينم عن قصر نظر”.
ويرقد سيرجي سكريبال وابنته يوليا، في العناية المركزة في مستشفى بلدة سيلسبري حيث وقع الهجوم، الأحد الماضي، في مطعم قريب، واستخدم فيه ما تقول الحكومة البريطانية إنه “غاز أعصاب نادر” ولا يتم إنتاجه سوى في روسيا.
واعتبرت الحكومة أن مهاجمة سكريبال، الذي جندته الاستخبارات البريطانية الخارجية بينما كان لا يزال برتبة عقيد في الاستخبارات العسكرية الروسية، هجوما بالأسلحة الكيميائية على الأراضي البريطانية.
واستدعى ذلك انعقادا طارئا لمجلس الأمن لبحث الهجوم، كما أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك دعمهم للندن.
و رغم ذلك لا تزال بريطانيا تعاني من تقييد كبير لحركتها في مواجهة روسيا، التي تملك أوراق ضغط تتمثل في أموال الأثرياء الروس التي تتحكم مع أموال الأثرياء العرب، في توازن قطاع العقارات في لندن، بالإضافة إلى الاستثمارات في شراء السيارات الفارهة واللوحات الفنية غالية الثمن.
ويقول معلقون بريطانيون إن تهديد الحكومة بتجميد أصول أثرياء روس من الممكن أن يتسبب في نزوح المليارات من الدولارات من السوق البريطانية إلى الخارج، وقد يستدعي إجراءات انتقامية من قبل روسيا، تتمثل في استهداف شركات كبرى تعمل على الأراضي الروسية، وتستثمر فيها صناديق التقاعد البريطانية المليارات من الدولارات.
وطردت لندن دبلوماسيين بعد تسميم العميل السابق ألكسندر ليتفيننكو بمادة البولونيوم المشعة في عام 2006، لكن هذه الخطوة لم تكن كافية لردع روسيا حينها، وهو ما يفسر الحزم الذي أرادت بريطانيا إظهاره هذه المرة.
وأعادت الحكومة البريطانية إلى الأذهان مرة أخرى لغة الإنذارات التي ارتبطت بحقبة الحرب الباردة، بعدما وجهت إنذارا إلى موسكو لتقديم تفسير “مقنع″ للهجوم قبل منتصف ليل الثلاثاء، دون رد فعل من قبل روسيا.
ومنذ الاستفتاء في يونيو 2016 على خروجها من الاتحاد الأوروبي، فقدت بريطانيا قدرتها على حشد أصوات الدول الأوروبية لفرض عقوبات اقتصادية موحدة على موسكو، كما حدث بعد استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014، في وقت تحاول دول أوروبية فيه تحسين علاقاتها مع روسيا.
وتوقع مراقبون ألا يتم التصعيد أكثر من ذلك، إذا ما أرادت روسيا احتواء الأزمة، إذ لا يريد الجانبان الدخول في مواجهة قد يتسع نطاقها لاحقا.

Related posts

Top