انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية

اندلعت معارك أول أمس الثلاثاء بين عقدت الأربعاء جولة أولى من مفاوضات غير مسبوقة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية الأمم المتحدة ووساطة أميركية، وسط إجراءات أمنية مشددة، في وقت أمل الجيش اللبناني إنجاز الملف ضمن “مهلة زمنية معقولة”.
ووصفت الحكومة الأميركية ومكتب المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان في بيان مشترك المحادثات بأنها كانت “مثمرة”. وقالت إن وفدي التفاوض أكدا التزامهما “بمواصلة المفاوضات في وقت لاحق من هذا الشهر”.
وأعلن لبنان وإسرائيل بداية الشهر الحالي التوصل إلى تفاهم حول بدء المفاوضات في منطقة الناقورة الحدودية في جنوب لبنان، في خطوة وصفتها واشنطن التي لعبت دور الوسيط في التوصل للاتفاق وتضطلع بدور ميسر المحادثات، بأنها “تاريخية” بين دولتين في حالة حرب.
واستمرت الجلسة الأولى التي ع قدت في مقر لقوة الأمم المتحدة في الناقورة، قرابة ساعة، ومن المقرر أن تعقد الجولة الثانية في 28 أكتوبر، وفق مصدر عسكري لبناني.
وإلى جانب الوفدين اللبناني والإسرائيلي، شارك وفد من الأمم المتحدة برئاسة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش ومساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر والدبلوماسي الأميركي جون ديروشر، الذي سيضطلع بدور الميسر في الجلسات المقبلة.
وفي كلمة افتتاحية نشرها الجيش اللبناني اثر انتهاء الجلسة، قال رئيس الوفد اللبناني العميد الركن الطيار بسام ياسين “لقاؤنا اليوم سوف يطلق صفارة قطار التفاوض التقني غير المباشر، ويشكل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل حول ترسيم الحدود الجنوبية”.
وأضاف “نتطلع لأن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة”.
وعقدت جولة التفاوض الأولى وسط إجراءات أمنية مشددة فرضها الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان (يونيفيل)، تزامنت مع تحليق مروحيات تابعة للقوة الدولية في الأجواء، وفق ما أفاد مصور وكالة فرانس برس. وقطع الجيش الطريق المؤدية إلى النقطة الحدودية، حيث عقد الاجتماع، مانعا اقتراب الصحافيين منها.
ووصفت إسرائيل المفاوضات، التي تتعلق بمساحة تمتد لنحو 860 كلم مربع، بـ”المباشرة” وهو ما يصر لبنان على نفيه.
وقال رئيس الجمهورية ميشال عون الثلاثاء “المفاوضات تقنية والبحث يجب أن ينحصر في هذه المسألة تحديدا”.
ويضم وفد التفاوض اللبناني أربعة أعضاء هم عسكريان ومدنيان. وهم العميد ياسين والعقيد الركن مازن بصبوص والخبير التقني نجيب مسيحي وعضو هيئة قطاع البترول وسام شباط.
في المقابل، يضم الوفد الإسرائيلي ستة أعضاء بينهم المدير العام لوزارة الطاقة أودي أديري، ورؤوفين عازر المستشار الدبلوماسي لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ورئيس دائرة الشؤون الإستراتيجية في الجيش.
وأثارت تسمية إسرائيل لسياسيين ضمن وفدها جدلا في لبنان الذي يصر على طابع التفاوض التقني، على غرار محادثات سابقة جرت في إطار لجنة تفاهم أبريل إثر عملية “عناقيد الغضب” الإسرائيلية في 1996، أو مفاوضات ترسيم الخط الأزرق بعد انسحاب الإسرائيلي في 2000، وأخيرا الاجتماع الثلاثي الذي يعقد دوريا منذ حرب 2006 برئاسة اليونيفيل وبمشاركة عسكريين من الدولتين.
وقبل ساعات من عقد الجلسة، طالب حزب الله وحركة أمل في بيان مشترك بـ”إعادة تشكيل الوفد اللبناني بما ينسجم مع اتفاق الإطار”، معترضين على ضمه “شخصيات مدنية”. وأكدا “رفضهما الانجرار إلى ما يريده العدو الإسرائيلي من خلال تشكيلته لوفده المفاوض”، معتبرين أن في ذلك “تسليما بالمنطق الإسرائيلي الذي يريد أي شكل من أشكال التطبيع”.
وفي إسرائيل، قال مصدر في وزارة الطاقة لصحافيين الثلاثاء “هدفنا أن نحل النزاع حول ترسيم الخط البحري”، مضيفا “لا أوهام لدينا، ليس هدفنا أن نخلق نوعا من التطبيع أو عملية سلام”.
وتوقع أن تستغرق المفاوضات بضعة أشهر فقط إذا لم يكن هناك من عوائق.
وبعد ساعات من انتهاء أول جولة تفاوض، أجرى الجيش الإسرائيلي مناورات عسكرية وصفها بأنها “محاكاة لحرب ضد حزب الله في لبنان”.
وقال الكولونيل إسرائيل فريدلر المسؤول عن هذه التدريبات إن “المناورات العسكرية هذه كانت مقررة قبل تنظيم محادثات الناقورة”.
وعلى مدى سنوات، قادت واشنطن وساطة بين الجانبين، تكثفت مع توقيع لبنان العام 2018 أول عقد للتنقيب عن الغاز والنفط في رقعتين في مياهه الإقليمية، إحداها تقع في الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت هلال خشان لفرانس برس “ليس أمام لبنان خيار أفضل ليتمكن من العمل في البلوك رقم 9”.
وأثار إعلان بري عن “اتفاق إطار” حول المفاوضات، انتقادات في لبنان خصوصا من قبل حزب الله، الذي يعد الخصم اللدود لإسرائيل وطالما اعتبر واشنطن وسيطا “غير نزيه”.
واعتبرت صحيفة الأخبار المقربة من حزب الله، الاثنين في ملف خصصته للمفاوضات أن “قرار التفاوض غير المباشر مع العدو يمثل لحظة ضعف سياسية لبنانية غير مسبوقة”. ورأت أن إسرائيل تبدو “المستفيدة” إذ أن حاجتها “إلى إطلاق آلية تفاوض مباشر أو غير مباشر مع بلد مثل لبنان، يمثل انتصارا للعدو بمعزل عن نتائجه”.
وكان حزب الله الذي ترى فيه واشنطن ذراعا لإيران وتصنفه “إرهابيا”، حرص في وقت سابق عبر كتلته النيابية على التأكيد ألا علاقة للمفاوضات بـ”المصالحة” أو “بسياسات التطبيع”.
وقال العقيد الإسرائيلي المتقاعد آساف اوريان، الباحث في جامعة تل أبيب لفرانس برس في القدس، إن “إسرائيل ولسنوات طويلة كانت مستعدة لأن تظهر مرونة ولم يكن لديها أي مشكلة في الجلوس مع لبنان على أي مستوى كان”، معتبرا أن التوقيت اليوم يرتبط “بالأزمة الشديدة” في لبنان.
واعتبر أوريان الذي ترأس وفد إسرائيل للاجتماع الثلاثي الدوري بين 2010 و2015، أن أهمية هذه المفاوضات تكمن في أنها “تتخطى المنظور العسكري إلى القضايا الاقتصادية مثل ترسيم الحدود”.
ولطالما أصر لبنان سابقا على ربط ترسيم الحدود البحرية بتلك البرية، لكن المفاوضات ستتركز فقط على الحدود البحرية، على أن يناقش ترسيم الحدود البرية، وفق الأمم المتحدة، في إطار الاجتماع الثلاثي الدوري.
ويعتبر خشان أن موضوع ترسيم الحدود البحرية سهل أمام تلك البرية.
ويوضح “إذا جرى الاتفاق على الحدود البرية فسيثير ذلك تساؤلا حول الحاجة إلى سلاح حزب الله، كونه لا يزال يؤكد على ضرورته لاستعادة الجزء المحتل من مزارع شبعا وتلال كفر شوبا”.
ويضيف “حزب الله لن يقبل التخلي عن السلاح”.

Related posts

Top