بأي حال عدت يا عيد..!

في شهر نونبر 2017 وبمناسبة انعقاد قمة المناخ في نسختها 23 بألمانيا، وزعت “جمعية مغرب أصدقاء البيئة” بين أروقة الدول الأطراف المشاركة في المؤتمر منشورات إخبارية ومطويات وملصقات تقدم ملخصا للمخاطر والتحديات المرتبطة بتغير المناخ، وتأثيرها على خدمات المياه والصرف الصحي بالمغرب وعبر العالم.
هذه السنة و احتفالا باليوم العالمي للماء تم رفع شعار  ’’المياه وتغير المناخ‘‘ للتوعية بترابط المسألتين ارتباطا وثيقا، ويراد من حملة هذا العام إبراز أن استخدام المياه يساعد في خفض الفيضانات والجفاف والندرة والتلوث، فضلا عن أنه يساعد في مسألة تغير المناخ ذاتها.
ويصادف اليوم العالمي للمياه تاريخ الثاني والعشرين من شهر مارس من كل عام، حيث يتم الاحتفال بهذا اليوم من أجل التركيز على أهمية المياه العذبة، والدعوة للإدارة المستدامة لمواردها، حيث أوصى مؤتمر الأمم المتحدة بريو دي جانيرو بتعيين يوم دولي للمياه العذبة، ولهذا قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة تحديد يوم 22 مارس من عام 1993 كأول يوم عالمي للمياه.
ومن خلال التكيف مع الآثار المائية لتغير المناخ، سنستطيع حماية الأنفس واستخدام المياه استخداما كفؤا مع الالتزام بخفض الغازات الدفيئة، و تبقى أهم الرسائل الرئيسية لهذا اليوم العالمي في نسخة 2020 الموجهة لواضعي السياسات المناخية وضع قضية المياه في موضع القلب من خطط العمل، حيث يمكن أن تساعد المياه في مكافحة تغير المناخ، كما توجد حلول مائية صحية، مرنة، غير مكلفة ومستدامة، بالإضافة الى أنه لكل منا دور يؤديه، باتباع خطوات بسيطة لمكافحة تغير المناخ.
هيئة الأمم المتحدة، في نشرتها الأخيرة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للماء، أكدت على أنه حاليا يعيش ثلثا سكان العالم بدون مياه صالحة للشرب، و مع حلول عام 2050، سيعيش ما يقرب من 6 مليار فرد في مناطق تعاني من ندرة المياه مرة واحدة في العام على الأقل، كما يمكن أن تنقذ موارد المياه والمرافق الصحية المكيفة مناخيا أنفس ما يزيد على 360 ألف رضيع سنويا، هذا بالإضافة إلى أنه إذا استطعنا الحد من الاحترار العالمي دون درجة ونصف مئوية فوق مستويات الثورة الصناعية، سيمكننا خفض الإجهاد المائي بسبب المناخ بنسبة تصل إلى 50% خصوصا أنه مع حلول 2040، يُتوقع أن يزيد الطلب على الطاقة العالمي بنسبة تزيد عن 25%، في حين يُتوقع أن يزيد الطلب على المياه بنسبة 50%.
تغير المناخ هو قضية عالمية رئيسية، وأصبحت تأخذ يوما بعد يوم أهمية كبرى على الساحة الدولية، و تبين الدراسات العلمية بوضوح أن التغييرات التي تحدث منذ بداية الفترة الصناعية لا تتناسب مع التغير الطبيعي للمناخ، حيث يرتبط الاحترار العالمي والتدريجي لهذا الكوكب ارتباطا وثيقا بأنماط الحياة، بالإنتاج والاستهلاك المعاصر، و بالغازات الدفيئة التي تنبعث منه، هذه التغيرات المناخية لها تأثير مباشر على النظم الإيكولوجية والمجتمعات.
ويبقى الماء في قلب كل هذه التغيرات، هذا ما أجمعت عليه التقارير الأولية والملاحظات والتوقعات الرئيسية لهيئة علماء المناخ، حيث تتأثر الدورة الهيدرولوجية في كل جوانبها من خلال تغير المناخ: تغير أنظمة هطول الأمطار، الجريان السطحي للمياه، ارتفاع مستوى سطح البحر، عملية التصحر، إلخ.
وبشكل عام، فإن الفوارق في توزيع الموارد المائية سوف تتسع مع مرور السنين و الأعوام، حيث من المرجح أن تكون ظروف الجفاف أكثر تواترا في المناطق القاحلة في حين من المتوقع أن تزداد المياه في خطوط العرض الشمالية للكوكب، هذه التغيرات في دورة المياه لا تخلو من عواقب على المجتمعات والنظم الإيكولوجية، حيث ستصبح موارد المياه مهددة ومتضررة في العديد من المناطق، مع تأثيرات على جميع مناطق التنمية :الوصول إلى المياه والأمن الغذائي والصحة وغيرها، في حين أن المخاطر و الكوارث المتعلقة بالمياه ستعرف زيادة كبيرة في حدتها.
المغرب ضمن “الخانة الحمراء”

وكان معهد الموارد العالمية قد حذر في تقريره الأخير من أن المغرب مهدد بجفاف حاد بسبب ندرة المياه وارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق، إلى جانب الاستنزاف الكبير للموارد المائية، هذا ما نعيش فصوله بالفعل خلال هذه السنة.
التقرير الدولي، الذي صنف المغرب في الرتبة 12 عربيا و22 عالميا وبالتالي فهو ضمن الخانة الحمراء لأكثر الدول التي تواجه مستويات عالية من الضغط على الموارد المائية، والمهددة بالجفاف.
وبرر التقرير هذه الرتبة المتقدمة التي تبوأها المغرب بكون «قطاعات الصناعة والزراعات السقوية والمؤسسات الحكومية تستهلك ما يزيد على 40 في المائة من الموارد المائية المتوفرة خلال السنة، وإلى جانب المغرب، صُنفت أيضا العديد من دول المنطقة ضمن «الخانة الحمراء»، على رأسها اليمن التي حلت في المرتبة الـ20، فيما جاءت الجزائر في المرتبة الـ29، وتونس في المرتبة الـ30، وجاءت سوريا في المركز الـ31.
وصنف التقرير ذاته دول الخليج في خانة «أكثر البلدان افتقارا إلى الماء»، مشيرا إلى أن هذه الدول يتهددها خطر الجفاف بشكل كبير، بسبب الإجهاد الكبير على المستوى المائي، حيث تنبأ معهد الموارد العالمية بإمكانية وقوع جفاف حاد ينهي وجود الماء في المستقبل القريب في تلك المنطقة، وحلت قطر في المرتبة الأولى، وجاءت المملكة العربية السعودية ثانية، ثم الإمارات العربية المتحدة ثم البحرين، فعمان على التوالي، في الوقت الذي برزت الهند دولة «تواجه تحديات حرجة بشأن استخدامها وإدارتها للمياه، والتي ستؤثر في كل شيء، بدءا من الصحة وحتى تنميتها الاقتصادية».
يذكر أنها ليست المرة الأولى التي يحذر فيها تقرير أممي من أزمة مياه مرتقبة في المغرب خلال السنوات القليلة المقبلة، لعل آخرها صدورا هو تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي، والذي كشف أن ندرة المياه في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ضمنها المغرب، يمكن أن تكون عاملاً مزعزعاً للاستقرار.
وأشار التقرير، الذي حمل عنوان «إدارة المياه في النظم الهشة: بناء الصمود في وجه الصدمات والأزمات الممتدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»، إلى أن الإدارة الفعالة للموارد المائية يمكن أن تكون مفتاحاً للنمو والاستقرار. وأكد خبراء منظمة «الفاو»، التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي، أن عدم الاستقرار المقترن بضعف إدارة المياه يمكن أن يتحول إلى حلقة مفرغة تزيد من تفاقم التوترات الاجتماعية بين السكان.
كما صدرت دراسة لمرصد الأرض، التابع لجامعة كولومبيا الأمريكية، أكدت، في نهاية سنة 2018، أن آثار ظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري ستكون لها عواقب كارثية على المغرب أيضا، مشيرة إلى أن حزام التصحر ينتشر في المنطقة التي تشمل المغرب وإسبانيا وتركيا.
وذهبت الدراسة إلى أن الجفاف في المنطقة راجع إلى أن الاحترار العالمي الذي يدفع نشاط الأعاصير إلى التحرك نحو القطب الشمالي بعيدا عن البحر الأبيض المتوسط، وعندما تتحرك العواصف شمالا، فإن المناطق المعتدلة في خطوط العرض الوسطى، من إسبانيا إلى تركيا، ستشهد دفئا وعواصف أقل في فصل الشتاء.
مؤتمر عالمي للمياه في إفريقيا

هذه الإشكالية البيئية العالمية ستكون موضوع استضافة العاصمة السنغالية داكار للمنتدى العالمي التاسع للمياه في شهر مارس من السنة المقبلة، حيث تعتبر هذه المرة الثانية التي يعقد فيها هذا المنتدى في إفريقيا بعد ان احتضنها المغرب في عام 1998.
سيكون الأمن المائي من أجل السلام والتنمية هو الموضوع الرئيسي لمنتدى 2021 الذي تنظمه الحكومة السنغالية والمجلس العالمي للمياه. وسيعقد المنتدى لأول مرة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وسيجمع بين السلطات السياسية وأصحاب المصلحة في مجال المياه من جميع أنحاء العالم.
وفقا لرئيس لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأوروبا، “سيكون منتدى داكار العالمي للمياه فرصة فريدة لتعزيز جدول أعمال التعاون بدعم من جميع أصحاب المصلحة”.
و”سيساعد التعاون بين وكالة الأمم المتحدة التي تضم أمانة اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية (اتفاقية المياه) والأمانة التنفيذية للمنتدى العالمي التاسع للمياه بنشاط على دعم الديناميكية الواعدة لصالح الانضمام إلى اتفاقيات الأمم المتحدة العالمية للمياه في أفريقيا وفي العالم” كما يقول سعيد عبد الله سيني، الأمين التنفيذي لمنتدى داكار.
سيكون المنتدى الذي سيعقد في العاصمة السنغالية فرصة لتعبئة جميع الجهات الفاعلة للإسراع بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية، وخاصة التعاون عبر الحدود.
وستساهم وكالة الأمم المتحدة التي تضم أمانة اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية العابرة للحدود والبحيرات الدولية أيضًا في “مبادرة 2021” التي قامت بها حكومة السنغال، و تهدف هذه المبادرة على وجه الخصوص إلى إطلاق العديد من البرامج والمشروعات ذات التأثير الاجتماعي والاقتصادي الكبير في قطاع المياه والصرف الصحي مع إبراز نتائج ملموسة خلال المنتدى.
وبالمناسبة أطلقت السنغال والمجلس العالمي للمياه يوم الخميس 16 يناير 2020 “مبادرة داكار 2021″: ” هي الابتكار الرئيسي للمنتدى العالمي التاسع للمياه وتهدف إلى تطوير مشاريع ملموسة سيتم تقديمها خلال الحدث. ويمثل تجسيد شعار “من الالتزام بتنفيذ إجراءات ملموسة على أرض الواقع”.
ويهدف المنتدى العالمي التاسع للمياه “داكار 2021” الذي سيكون موضوعه الرئيسي “الأمن المائي من أجل السلام والتنمية” إلى تصحيح هذه الفجوة من خلال وضع العملية التحضيرية في الاعتبار وقت تنفيذ إجراءات لصالح المجتمعات التي تشكك في الأهمية الاجتماعية لتنظيم منتدى عالمي للمياه.
من المتفق عليه أن منتدى “داكار 2021” يمثل فرصة عظيمة ونقطة تحول حاسمة لإعطاء توجه جديد إلى المنتدى العالمي للمياه مع عملية متجددة ومهيكلة حول أربعة محاور ذات أولوية، وهي: الأمن المائي، والتعاون، والمياه للتنمية الريفية ومجموعة الأدوات والموارد تجمع المسائل الحاسمة في التمويل والابتكار.
على هذا النحو، فإن تنظيم مثل هذا المنتدى له أهمية حيوية بالنسبة للقارة الأفريقية وخاصة بالنسبة للسنغال، حيث تحديات الوصول الشامل إلى المياه والصرف الصحي شديدة، ومن هنا كانت الحاجة إلى اعتماد منتدى داكار 2021 نهجًا أكثر تركيزًا على تنفيذ الإجراءات الرامية إلى تحسين ظروف الحصول على خدمات المياه والصرف الصحي وأيضًا تعزيز التنمية. المساحات الحضرية والريفية المستدامة والتعايش السلمي بين الشعوب على نطاق الأحواض المشتركة.

الأمن المائي في المغرب

ولضمان الأمن المائي بالمغرب على المدى القصير والمتوسط وتماشيا مع الأهداف الاستراتيجية للمخطط المائي وتفعيلا للتوجيهات الملكية السامية، تم إعداد برنامج وطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي للفترة الممتدة ما بين 2020-2027 بكلفة إجمالية تصل إلى 115 مليار درهم، برنامج تم إعداده بشكل تشاوري بين مختلف القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية المتدخلة في قطاع الماء من أجل تسريع وتيرة الاستثمارات في قطاع الماء مع إيجاد حلول مهيكلة لتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب ومياه السقي.
ويتألف البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي (2020-2027) من مجموعة من الإجراءات، تتوزع على خمسة محاور هي تنمية العرض المائي؛ وتدبير الطلب واقتصاد وتثمين الماء؛ وتقوية التزويد بالماء الصالح للشرب بالمجال القروي؛ وإعادة استعمال المياه العادمة المعالجة؛ والتواصل والتحسيس.
وتهم هذه الإجراءات تنمية العرض المائي عبر تشييد سدود جديدة، أو الرفع من القدرة التخزينية للبعض منها، وإنشاء محطات لتحلية مياه البحر عند الاقتضاء، وتشجيع إعادة استعمال المياه العادمة وتقوية إنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب، و الرفع من مردودية شبكات إنتاج وتوزيع الماء الصالح للشرب، واقتصاد وتثمين الماء في السقي، ومواصلة العمل لتعميم تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب، بالإضافة إلى تنظيم حملات تحسيسية بشراكة مع المنظمات غير الحكومية وجهات أخرى معنية بإشكالية الماء، بهدف تحسيس مختلف المستعملين وحثهم على ترشيد استعمال هذه المادة الحيوية.
في ظل الجفاف الذي يعرفه المغرب هذه السنة، ألقت أزمة الماء بظلالها على عدة جهات بالمغرب وبالخصوص بجهة سوس- ماسة بعد انخفاض مستويات تخزين المياه بالسدود الى مستويات إنذارية، مما سيهدد بـ”استقرار الساكنة” وعودة ظاهرة الهجرة الاضطرارية.
وفي هذا السياق أصبح من اللازم على القطاع الوصي “اتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية والتدابير الاستعجالية اللازمة والاستباقية لدعم المواطنات والمواطنين المتضررين والمتوقعِ تضررهم من آثار الجفاف؛ وذلك حفاظا على استقرار الساكنة وأمنها وتفادي الهجرة الاضطرارية وتوفير السلم، وضمان استدامة وانتظام تزويد كافة مناطق الجهة بالماء الصالح للشرب، وتفعيل البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي”.
ولظروف استثنائية هذه السنة، يمكن اعتبار جهة سوس ماسة ذات أولوية يطبعها الاستعجال في مجال الماء، بسبب تأثر القطاع الفلاحي، حيث يعتبر الموسم الأسوأ منذ ثلاثين سنة، بسبب الجفاف وتدني ملء حقينات السدود والتراجع المهول في منسوب المياه الجوفية، في انتظار أن تصبح محطة معالجة مياه البحر جاهزة في غضون سنة 2021، علما أن الفلاحة بجهة سوس ماسة تعتبر مورد رزق غالبية ساكنة الجهة، وتساهم وطنيا بثلث القيمة المضافة ونصف الصادرات، ويستثمر فيها أزيد من 8000 منتج، كما توفر 21 مليون يوم عمل في السنة.
الجفاف أرخى بضلاله أيضا على غلاء الأعلاف مما أدى إلى انخفاض كبير في أسعار المواشي في الأسواق خاصة في صنف الأبقار والأغنام؛ مما سيؤدي في النهاية إلى انهيارها؛ وسينتج عن ذلك ضرر كبير سيعرفه قطاع تربية الماشية في الجهة إن لم يتم تداركه في الوقت المناسب، هذه الوضعية تستدعي اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة تداعيات تأخر التساقطات المطرية، واتخاذ تدابير ملائمة لتخفيف تأثير الجفاف على قطاع تربية الماشية، وذلك بتنزيل برنامج التقليص من آثار تأخر التساقطات المطرية بأقصى سرعة.

> محمد بنعبو*

(*)ناشط وخبير بيئي، رئيس المكتب الوطني لجمعية “مغرب أصدقاء البيئة”.

الوسوم , , , ,

Related posts

Top