باحثون يدعون بمراكش لملاءمة مواد مدونة الأسرة مع دستور 2011

دعا  باحثون ومحامون مزاولون بالمغرب ونظرائهم بالخارج وقضاة في رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وممثلون عن وزارة العدل، في ختام أشغال ندوة حول “مدونة الأسرة على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية”، السبت  الماضي بمراكش، إلى إحداث آلية لرصد وتتبع الصعوبات والتحديات التي يثيرها التعاون القضائي بين المغرب وبلدان الاستقبال في مجال الأحوال الشخصية.
وأبرزوا خلال التوصيات التي توجت أشغال هذه الندوة التي نظمتها الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة بمناسبة المنتدى الثالث للمحامين المغاربة المقيمين بالخارج، على مدى يومين، ضرورة ملاءمة مواد مدونة الأسرة مع دستور المملكة لسنة 2011 مع الأخذ بعين الاعتبار الاجتهادات القضائية المرتبطة بالقانون المغربي وإدراج مبادئ القانون الدولي الخاص في التعديلات المرتقبة.
كما أكدوا على ضرورة إحداث غرفة بمحكمة النقض متخصصة في القانون الدولي الخاص، وتوحيد العمل القضائي في المادة الأسرية، وإعداد دليل عملي يتضمن الحلول القضائية والإدارية للمشاكل العالقة التي تهم مغاربة العالم مع استحضار الأسرة في بعدها الكوني الإنساني.
وتضمنت التوصيات، أيضا، التأكيد على أهمية الرفع من مستوى التكوين المستمر للقضاة والمحامين المختصين في المادة الأسرية والانفتاح على الاتفاقيات الدولية والقوانين المقارنة، مع السعي نحو تبادل الممارسات الفضلى على المستويين القضائي والتشريعي إلى جانب تشكيل شبكة تضم قضاة وخبراء ممارسين مهتمين باختطاف الأطفال لتبادل المعلومات وتقديم الفتاوى وتسريع الإجراءات القضائية والإدارية ذات الصلة بالنقل غير المشروع للأطفال المغاربة.
وكانت أشغال هذه الندوة، قد انطلقت صبيحة يوم الجمعة بمراكش، بعقد جلسة افتتاحية، ألقيت فيها عدة كلمات، أجمعت على أهمية تنظيم هذه الندوة، باعتبارها مناسبة  سانحة لمناقشة الإشكالات التي تعترض تطبيق المدونة لاقتراح حلول مناسبة تساهم في صياغة نصوص قانونية تعالج هذه الإشكالات.
وفي هذا الإطار، أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مصطفى فارس، أن محكمة النقض تضع في صلب رؤيتها الإستراتيجية، وضع كل الآليات للسهر على حماية وضمان حقوق مغاربة العالم كمكون أساسي للمجتمع المغربي والتفكير في حلول ومقاربات تراعي خصوصية واقعهم وهشاشة أوضاع فئات كبيرة منهم.
وأضاف في كلمة خلال هذه الجلسة الافتتاحية، تلاها بالنيابة عنه المستشار بمحكمة النقض القاضي حسن فتوخ، أنه “على مستوى هذه الهيئة القضائية باعتبارها على رأس الهرم القضائي المغربي، لن نذخر جهدا على مستوى الإدارة القضائية من أجل تجويد الخدمات، وتحقيق النجاعة، والحرص على التطبيق العادل للقانون بمعايير دولية وبمقاربة حقوقية تعمل على كفالة حقوق المغاربة عبر العالم، وإيجاد حلول للإشكاليات التي يثيرها اختلاف النظم والأنساق القانونية وتضارب مفهوم النظام العام وتأثير ذلك على الأسرة المغربية”. وسجل فارس أن التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، رفعت من سقف التحديات الموضوعة أمام كل الدول وأدت إلى ظهور مفاهيم جديدة غيرت من هيكلة بنية المجتمعات وطبيعة العلاقات، وأفرزت قيما جديدة جعلت من مدونة الأسرة وكل الترسانة القانونية المرتبطة بقضايا الأسرة تقف عاجزة عن الإحاطة بكافة النوازل والأقضية بحكم صيرورة التغيير وحتميته”.
وأضاف أن العولمة تفرض على الجميع اليوم توحيد الجهود والمعايير بخصوص القضايا المشتركة “حتى نستطيع حل الإشكاليات وضمان الأمن الأسري للجميع”، مؤكدا على الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه شبكة المحامين المغاربة عبر العالم في هذا المجال وبذل كل الجهود لخلق جسور للتواصل خاصة مع الدول التي تعرف قضايا أسرية كثيرة للمواطنين المغاربة. وسجل أنه بعد 15 سنة من تطبيق مدونة الأسرة أظهر القضاء الأسري المغربي قدرته على إخضاع القانون لسنة التطور، وعلى تقريب المسافة بين الحقيقة الواقعية والحقيقة القانونية، والتفاعل الايجابي مع التحولات الاجتماعية والثقافية والتعامل السلس مع القضايا الأسرية ذات البعد الدولي خاصة تلك المتعلقة بمغاربة العالم.
أما  الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، محمد عبد النباوي، فأكد أن النيابة العامة تضطلع بدور هام في تطبيق اتفاقيات التعاون الدولي في مجال الأسرة والحضانة واختطاف الأطفال مما يجعل منها آلية أساسية لتعزيز نجاعة العدالة على المستوى الدولي. وأبرز في كلمته، الدور الكبير الذي تقوم به النيابة العامة في قضايا الأسرة سواء من منظور المدونة التي جعلتها طرفا في جميع القضايا مما يسمح لها بالمساهمة في نجاعة العدالة ومساعدة قضاء الحكم على إصدار أحكام تستجيب لتطلعات المتقاضين أو فيما ينيطه بها قانون المسطرة المدنية أو قانون المسطرة الجنائية من إجراءات لحماية الأسرة عموما والنساء والأطفال على وجه الخصوص.
وسجل أنه بعد مرور 14 سنة من تطبيق مدونة الأسرة يتعين على الجميع القيام بوقفة تأمل لرصد المكتسبات والكشف على مكامن الاختلالات لتحديد مداخل الإصلاح المرتقب، مضيفا أن تحقيق هذا الرهان لن تكتمل معالمه إلا إذا تم تبني قراءة تستحضر أبعاد وآثار هذا التطبيق على المغاربة المقيمين بالخارج. وسجل في هذا السياق، أن نجاح أي نص ولاسيما قانون الأسرة لا يتوقف بالضرورة على استيعابه للإشكالات الداخلية ولكن بقدرته على الانسجام والصمود أمام أي اختبار لمقتضياته داخل الأنظمة القانونية الأجنبية في تماه مع التطورات التي تشهدها التشريعات المقارنة في هذا الصدد لا سيما وأن المعنيين بأحكامه من المواطنين ينتقلون أو يقيمون بدول أخرى ويعرضون خلافاتهم الأسرية على محاكمها مما يقتضي أن يكون هذا القانون منسجما مع المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ومراعيا لتطورها.واعتبر من جهة أخرى، أن هذا اللقاء يعتبر مناسبة للتفكير الجماعي بشكل مسؤول في الإشكاليات التي تعترض مغاربة العالم في مجال قضاء الأسرة.
من جهته، قال وزير العدل محمد أوجار، إن الوزارة بصدد إجراء تقييم شامل وموضوعي لمدونة الأسرة، ورصد مكامن الضعف والخلل فيها، ومقاربة مقتضياتها مع التطورات السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة. وأبرز في كلمة له، تلاها بالنيابة عنه الكاتب العام للوزارة عبد الإله لحكيم بناني، أن هذا التقييم يأتي في أفق تحديد المقتضيات التي تستدعي المراجعة والتعديل، مع نهج مقاربة تشاركية وتشاورية واسعة مع كل الفاعلين من منظومة العدالة والعلماء وفعاليات المجتمع المدني.
وأضاف أوجار أن هذا اللقاء العلمي المميز يعتبر مساهمة من الجميع في تنزيل التعليمات الملكية السامية، لرصد ما يمكن أن يفيد في تقييم تطبيق مقتضيات مدونة الأسرة على مغاربة العالم، وطرح تصورات لبدائل ناجعة يمكن أن تساعد على تقويم هذه المدونة.
وأوضح أن انعقاد هذا الملتقى القانوني الهام يأتي في ظل ظرفية خاصة، تتزامن مع استكمال مدونة الأسرة خلال هذا الأسبوع لخمس عشرة سنة من التطبيق، مضيفا أن المدونة شكلت سنة 2004 بما تضمنته من مقتضيات مستلهمة من قواعد الشريعة الإسلامية السمحاء والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، تحولا جذريا في تعاطي المشرع المغربي مع القواعد التي تنظم مجال الأحوال الشخصية للمواطنين المغاربة ليس فقط بالنسبة للمقيمين منهم داخل المغرب، بل امتدت لتشمل أولئك المقيمين بالخارج.وأكد على أن مدونة الأسرة وإن كانت تعتبر مكسبا مهما للأسرة والمجتمع المغربي، إلا أنه آن الأوان لمراجعة بعض موادها التي أبانت التجربة العملية عن ضرورة مراجعتها، واحتواء الثغرات التي رصدها التطبيق العملي لمقتضياتها خصوصا بعد صدور دستور 2011، ورفع المغرب لتحفظه عن بعض بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وبدوره، أبرز رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب عمر ودرا، أن هذه الندوة تعد خطوة هامة من أجل طرح الإشكالات المتعلقة بتطبيق مدونة الأسرة على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية، مسجلا أن المدونة لم تستطع أن تحقق ما كان مرجوا منها حيث لازالت العديد من بنودها تفسر وتأول على “نحو خاطئ”.وأضاف أن تطور قانون الأسرة بالمغرب لا يمكن أن يتم بمنأى عن النقاش المفتوح وطرح الإشكاليات التي يفرزها الواقع بكل شفافية ومسؤولية في أفق تعديل مدونة الأسرة، مستحضرا في هذا السياق الرسالة الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة في فبراير 2018 والتي تعتبر منطلقا أساسيا للتفكير في مداخيل هذا الإصلاح.
من جانبه، قال رئيس جمعية المحامين المغاربة ومن أصول مغربية الممارسين بالخارج، هلال تاركو لحليمي، إن هذا اللقاء يكتسي دلالة كبيرة لكونه يعكس حب الانتماء والتشبث بالوطن والرغبة الصادقة في الانخراط في المسارات الإصلاحية التي رسمتها السياسة المولوية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس.
بدوره، قال نقيب هيئة المحامين بمراكش، سليمان العمراني، إنه بعد مرور 15 سنة على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ أبانت التجربة عن وجود نواقص تعتري تطبيق المدونة يتعين تداركها للوصول إلى الغايات المرجوة، وتأتي هذه الندوة، المنظمة بشراكة مع وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، على مدى يومين، في إطار تنزيل استراتيجية الوزارة المنتدبة الرامية إلى حماية حقوق ومصالح مغاربة العالم داخل وخارج أرض الوطن وتعبئة كفاءاتهم بالخارج وإشراكهم في الدينامية التي يشهدها بلدهم الأصل. كما تندرج في سياق النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة والذي شكلت الرسالة الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة في فبراير 2018 منطلقا أساسيا للتفكير في مداخل هذا الإصلاح باستحضار ما واكب التجربة العملية لتطبيق هذا النص من صعوبات وما أبانت عنه من نواقص.
ويقارب موضوع هذه الندوة قانون الأسرة المغربي على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية وهي مزواجة تروم من جهة استحضار آفاق تطبيق هذا النص في الخارج وقدراته على الصمود، ومن جهة أخرى الكشف عن موقف القضاء المغربي بخصوص آثار الأحكام الصادرة عن محاكم وسلطات دول الاستقبال الإدارية في المادة الأسرية.
أما الوزير المنتدب المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، عبد الكريم بنعتيق، فاعتبر أن الوزارة أخذت على عاتقها تعبئة كفاءات مغاربة العالم في كل المجالات والاهتمام بالقضايا المرتبطة بها سواء في بلدان الاستقبال أو في علاقتها بالمنظومة القانونية بالبلد الأم. وأضاف في كلمته، أن هذه التعبئة تتجسد من خلال تقوية الجسور بين مغاربة العالم أينما كانوا وبين وطنهم الأم وتحسيسهم بأن المغرب يشهد تطورا في كثير من القطاعات وأن هذا التطور رهين بمشاركة الجميع في النقاش والمقترحات وفي صياغة التدابير.
وأبرز بنعتيق، أن المغرب اختار تحت قيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس أن يجابه التحديات والتحولات المجتمعية الطارئة سواء داخل أرض الوطن أو في بلدان الاستقبال في إطار نقاش رصين وهادئ بعمق قانوني من أجل الوصول إلى أجوبة تكون في مستوى انتظارات وتطلعات المواطنين المغاربة أينما تواجدوا.كما أكد على العناية الخاصة والاستثنائية التي يوليها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لمغاربة العالم الذين يشكلون 13 في المائة من ساكنة المغرب ويقدر عددهم بحوالي 5 ملايين عبر العالم ولهم ثقل ووزن في ارتباطهم بالوطن الأم أو في حضورهم في مجموعة من مواقع صناعة القرارات ذات طابع اقتصادي وخدماتي وثقافي. وأشار إلى أن هذه الندوة تناقش إحدى أهم القضايا الأساسية المرتبطة بالتحولات المجتمعية وهي مدونة الأسرة التي تنظم بقواعد قانونية إحدى مرتكزات المجتمع المتمثلة في الأسرة.
وعرف هذا اللقاء مشاركة عدد من المختصين والباحثين والمحامين المزاولين بالمغرب ونظرائهم بالخارج وقضاة في رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية وممثلين عن وزارة العدل وباقي القطاعات الوزارية والمؤسسات المتدخلة في هذا المجال. وتطرق المشاركون في الندوة في إطار عدد من الجلسات، لموضوعين رئيسيين يتعلقان بآثار الأحكام والعقود الدولية في المادة الأسرية على ضوء الاتفاقيات الدولية، وحماية الطفل على ضوء الاتفاقيات الدولية.

> حسن عربي

Related posts

Top