برنامج حكومي بعيون أفلاطونية

يدمج البرنامج الحكومي الذي قدمه السيد عزيز أخنوش رئيس الحكومة أمام نواب الأمة الإثنين 11 أكتوبر 2021؛ حبكاته ما بين التشويق والإثارة، وبين الأسئلة الفلسفية والوجودية والتحليلات التي أخذت تنظر بشكل مختلف إلى حركة التاريخ والمجتمع المغربي في إطار الزمن؛ برنامج يتضمن سلسلة من المشاريع الكبرى وما تستلزمه من تكاليف التنفيذ والأطقم البشرية التي سيعول عليها في رهان تفعيله أو إخفاقه، برنامج يحمل الأمل والحلم، برنامج سيسود أو قد لا يسود، مقارنة مع مختلف برامج 16 حكومة المنصرمة، برنامج يحمل آمالا متعددة وواعدة تستمد مقوماتها من روح الدستور ومن كينونة النموذج التنموي الجديد ومن مغازيه ومضامينه؛ والبحث عن سبل تفعيله وإعطائه انطلاقة فعلية تحول أفكاره إلى تنمية وتقدم ورهان حقيقي يدعو كافة المغاربة إلى الانخراط في تحدياته والمساهمة في تحقيقه وبلورته في حياتنا العامة لما يخدم المصالح العليا للبلاد والعباد، كل منا من موقع مسؤولياته المدنية والسياسية والحقوقية، من أجل وطن متقدم بكل ما تحمله أحرف الكلمة من معان صادقة.

النموذج التنموي الجديد الذي دعى إليه جلالة الملك محمد السادس كتعبير عن إرادته الملكية السامية ودعوة صريحة إلى استنهاض الهمم، وتقدير حجم الواجبات وقدر المسؤوليات، وما تحتمه علينا الأوضاع الخارجية من تحديات وما تعرفه التقنيات الحديثة والوسائل العلمية والتكنولوجيا والمعلوميات والإعلاميات من تطور يومي؛ على المغرب أن يكون راكبا في قطاره مدركا وجهته مادامت الظروف والإمكانيات الوطنية تسمح بذلك، نموذج تنموي جديد غير مستورد وبصبغة وعبقرية وطنيتين، ساهم في إثرائه وتتريبه وتمتينه بمقترحات ومذكرات  فعاليات الأمة وهيئاتها السياسية والنقابية والجمعوية في سبيل إنعاش النموذج التنموي الجديد ووضع خارطة طريق تنموية، والذي جاء ليطرح البديل الديمقراطي الحداثي وترسيخ قيم المواكبة الاجتماعية وجعل المواطن في صلب رحى التنمية وتحويل الوطن من بلد مستهلك إلى بلد منتج وبأعلى المستويات التكنولوجية والصناعية والعلمية، وتحقيق المكانة اللائقة به بين مختلف دول العالم، وأكثر ارتقاء في تحسين ظروف المواطنين وصون كرامتهم، محليين وأجانب، نموذج تنموي يتملك النظرة التفاؤلية لتحقيق أهدافه وما يحمله لكل المغاربة، إذا ما توفرت العزيمة والإرادة بين مختلف الشركاء والفاعلين داخل المجتمع وتحفيز الكفاءات الوطنية التي يحدوها روح الابتكار والانتماء والعطاء والتجديد والمواكبة للمتغيرات العالمية والدولية والعمل من أجل رفع العلم الوطني بين الأمم. 

برنامج حكومي بهذا الحجم وهذا الحلم، وهذا الزخم من صبيب الأمل الذي يتجلى بين فقراته، من تدعيم لركائز الدولة الاجتماعية، كشعار المرحلة للحكومة الحالية، “الدولة الاجتماعية” التي تهدف إلى خلق البيئة التي ستقدم التطور الحر للحياة البشرية وكريمة لكل منهما، وهو نظام ساد بعض البلدان المتقدمة، بظهور مصطلح السياسة الاجتماعية الذي يطلق على جميع النشاطات والقوانين الموجودة من أجل توفير الأمان للمواطنين وتحسين حياة الضعفاء والمرضى وكذلك المحتاجين. والحماية الاجتماعية مدى الحياة، والسياسة الاجتماعية تلعب دوراً هاماً في الدولة الاجتماعية. وتعمل على توفير الرفاهية والراحة لمواطني الدولة، وكذلك الحيلولة دون وقوع خلافات ونزاعات داخل المجتمع. بعدالة اجتماعية وسلطة القانون؛ وذلك ما شمله المحور الأول وما تضمنه البرنامج الحكومي من عهود ومواثيق وأسس وقواعد النهوض بالأوضاع الاجتماعية؛ محددا المؤشرات الاجتماعية والفئات المستهدفة معرجا – البرنامج –  في محوره الثاني على مواكبة تحول الاقتصاد الوطني من أجل خلق فرص شغل للجميع؛ اعتبارا لكون المحور الأول لن يتم تحقيقه إلا اعتمادا على نتائج المحور الثاني الذي يعد العمود الفقري لإصلاح أوضاع البلاد والعباد، وتحفيز الاستثمار والتطور وتشجيع المقاولة المتنافسة والمبتكرة، واستدامة وتحويل الصناعة وتحرير النشاط الاقتصادي للمرأة، والاستثمار في رأس المال البشري، وتشجيع المنتوجات الوطنية، وخلق سياسة تنافسية حقيقية محفزة؛ وواعدة بين الفاعلين الاقتصاديين بما يضمن فتح آفاق الشغل في وجه كل العاطلات والعاطلين من العمل، وتحقيق النمو الاقتصادي  والارتقاء به كي يساهم في تحرير المحور الأول وألا يبقى معلقا بين الحلم والأمل والتحقيق والتقدم أو الاستسلام والتبخر. 

وتجاوزا لبعض المحاور التي تبقى شبيهة بكل البرامج الحكومية السابقة مثل الحكامة الجيدة، والإدارة الحكيمة، وتقريبها من المرتفقين وإصلاح الأنظمة الإدارية وولوج عهد الرقمنة وإصلاح المنظومة الصحية والتعليمية والارتقاء بجودة خدماتهما في إطار عدالة اجتماعية منصفة، ولم تتحقق بالشكل المطلوب لأعطاب حكومية ولأجهزتها التي تتحكم فيها المصالح السياسية والإيديولوجية لأهداف دوما تكون انتخابية بعيدا عن الرؤية الشمولية لتحقيق التنمية؛ وهي محاور تعتبر عصب كل نهضة أو ثورة  حقيقية منتظرة. ولو أن البرنامج الحكومي تحدث عن المدرسة وتكافؤ الفرص إلا أنه استثنى الخوض في المدرسة الخصوصية التي تمتص دماء الشعب في غياب وانهيار دور المدرسة العمومية التي أصبحت تشكل مصدر خوف الأسر على بناتهم وأبنائهم في غياب منظومة متكاملة وواضحة المعالم؛ جودة وأمنا وتربية وتكوينا.

فرفع الطاقة المتجددة إلى نسبة 52 بالمائة في مطلع سنة  2030 وتخفيض الطاقة الأحفورية والتي ستوجه أساسا للتجمعات الصناعية كفيل بإعطاء نفس قوي للإستراتيجية الوطنية في هذا المجال الذي يعتبر الرائد من نوعه في القارة السمراء، وسيمكن لا محالة من خلق مناصب شغل ذات تخصصات عالية من المهارات والجودة.

كما ستعمل الحكومة… 

كما ستعمل الحكومة… 

كما ستعمل الحكومة

 كما ستعمل الحكومة

 كما ستعمل الحكومة

وفي هذا السرد النصي للبرنامج الحكومي تخيلت نفسي وأنا في عالم آخر من الحلم لما يحمله من آمال وانفراجات للشعب المغربي، حيث ستعمل الحكومة على…. وعلى… وعلى… وأيضا ستعمل الحكومة على.. وكأن الحكومة فعلا تتملك خاتم سيدنا سليمان أو خزائن لم تكن مفاتيحها لدى الحكومات السابقة التي فشلت معظم قطاعاتها في تدبير دواليب التسيير والحكم ولما لهذه المشاريع الواعدة الحالمة من تكلفة مالية باهظة، ونرجو ألا يكون الحل الأساس في إنهاك المواطن بالضرائب بقدر ما نريدها عدالة اجتماعية تحتكم للمعايير القانونية دون محاباة أو مجاملة ولا سيما في تقدير حجم التملص الضريبي لقطاعات كبرى بالبلاد وما كبدته جائحة  كوفيد 19 من خسائر وأضرار على مستوى بنيات الاقتصاد.

فالنظرة الأفلاطونية التي حملها البرنامج الحكومي تحمل جرأة كبيرة وجرعة قوية في الرغبة الجامحة نحو التغيير والتطور ومناهضة كل أشكال الإقصاء الاجتماعي؛ تربية، صحة، سكنا وغذاء وأمنا؛ وتأمين حياة كريمة للمواطن/ المواطنين، من خلال تضامن وطني بين جميع الأطراف: الدولة، والمجتمع المدني، والأحزاب، والمنظمات العمالية والفلاحية والفئوية والنقابات المهنية، والأفراد، على تحقيق هدف “الحماية الاجتماعية”، وذلك وفق الخطة التنموية للدولة، والتي تتكون من حزمة سياسات متكاملة ومتشابكة في مجالات: الصحة، والضمان الاجتماعي، والتعليم، وتوفير الخدمات الأساسية من مياه نظيفة، وهواء نظيف، وعدالة في علاقات العمل، والسلامة المهنية لبيئة العمل، وعدم انقطاع  التلاميذ عن التمدرس وعدم السماح بوجود ظواهر من عينة عمالة الأطفال أو أطفال الشوارع، وفي المجمل تطوير مستوى المعيشة، وضمان تكافؤ الفرص أمام جميع المواطنين بدون تمييز. مع ما يلزم من تأمين مصادر الحياة الأساسية؛ الدمج في عملية تنموية شاملة؛ تأمين الحاجات الإنسانية الأساسية؛ مواجهة الآثار السلبية للحداثة في مجتمع سائر في إطار النمو؛ ضمان حرية التنظيم القاعدية: لضمان حضور فاعل معترف به في الإطار الوطني والعام وليس موازيا له من جهة، وتعكس أن هناك وعيا بأن هناك ديناميكية بازغة، لاعتبارات كثيرة منها السياسية والجيلية.. لابد من تفهم وجودها ومن تم فتح أفق التعبير، بأنواعه أمامها للحيلولة دون اتباع مسارات عنفية أو العزلة.

وهذا هو الاستثمار في رأس المال البشري إن بقي البرنامج الحكومي بنفس النظرة الأفلاطونية.

بقلم: عبد الهادي بريويك 

Related posts

Top