بزيكا.. وأنت هناك.. ما أصغرنا…

أستاذي وأنت هناك…

هل أذكر غيرك بهده الجملة (بحث ذكي) هو تقييم للناقد احمد سعيد أدونيس على بحثكم لنيل دبلوم الدراسات العليا حول موضوع «مكونات النظرية الأدبية عند أدونيس»، أم تراني أعمم هذه الشهادة لأستاذكم أحمد الطريس والمشرف على بحثكم لنيل دكتورة الدولة تحت عنوان «حمو أونامير في الأدب العربي الحديث»، وهو يكرر على أن العمل معكم تشريف له. كان ذلك أواخر الثمانينات… أم أذكر نفسي بأنك كنت لا تمر بمكان إلا وتترك فيه أثرا…. حتى صيف 1991 تاريخ عودتك إلى الزاوية كأي صوفي يحول عينيه نحو داخله يبحث عن الخيط الرابط بين الأسماء والأشياء… بين الألفاظ والمعاني… بين الذاكرة واللاتذكر… بين الحضور والنسيان… بين التجلي والاختفاء… بين وفاء الروح وخيانة الذاكرة في منتصف الطريق.  

أستاذي وأنت هناك… 

وضدا في النسيان سأعيد ترتيب هذه الذاكرة.. منذ أن فاجأت الجميع بحفظك للقرآن وأنت ابن الثانية عشرة لتسجل نفسك بنفسك بالمعهد الإسلامي بتارودانت بعد وقفة قصيرة بالمدرسة العتيقة بسيدي بيبي… في المعهد كانت ساعة كافية لكي تقرر إدارته مباشرة تسجيلك بالسنة الأولى إعدادي، ولأنك تسابق الزمن نحو المجد، لم تنتظر السنوات النظامية للدراسة، بل تقدمت بلمف الترشيح الحر لنيل شهادة التعليم الثانوي، لتفك بذلك عقدة الشهادات الجامعية من الباكالوريا إلى مشروع دكتورة دولة..  ومن بنسركاو كمعلم إلى المحمدية كأستاذ للسلك الأول، ومن ثانوية يوسف بن تاشفين بأكادير إلى كلية الآداب بجامعة ابن زهر…

إن السقف الزمني لهذا المسار التصاعدي على المستوى المهني لم يتجاوز عشرين سنة.. أيها الباقون ألا يدفع هذا الرقم على التأمل؟… 

ولأنك تؤمن أن بناء الذات لا يكفي، لذلك انخرطت باكرا في العمل الجمعوي، ومازال رواد الكشفية الحسنية يتذكرون تلك المسرحية التي ألفتها في رقم قياسي وخلقت الحدث بمضمونها الذي يحاكي إحدى القمم العربية بطريقة كاريكاتورية تماما، وبنفس الحيوية قمت بتأطير «النادي السنيمائي 2000» بأكادير، مرورا بتوجيه بوصلة الأغنية الأمازيغية نحو أفق ثقافي إبداعي ملتزم من خلال مجموعة «إزنزارن عبد الهادي»، دون أن تنسى الواجهة الثقافية من خلال تأسيس فرع اتحاد كتاب المغرب بأكادير.. ولأنك اكتشفت أن الجغرافيا تساهم في التهميش، سارعت إلى المطالبة بتأسيس «اتحاد كتاب الجنوب» لتتسارع معها كل أدوات الإقصاء والتضييق عليك.. وبالرغم من ذلك، كنت حاضرا وبقوة عبر النشر في الملحق الثقافي لجريدة «المحرر» ومجلة «الثقافة الجديدة».. وبالمناسبة هل أذكر غيرك بالتعويض الذي حصلت عليه من طرف مؤسس مجلة «الثقافة الجديدة» أثناء قيامك بتغطية المهرجان الثقافي لأصيلا.. 20 درهم لا غير أدخلتها إلى جيبك وأخرجت يديك بيضاء من غير سوء… هي بيضاء كصفاء روحك ونبل إنسانيتك.. 

أستاذي وأنت هناك…    

من أنت…. نعم من أنت حتى تمتد في كل هذه المجالات المعرفية والثقافية والإبداعية والنقدية.. ثم كيف استطعت أن تفك طلاسم الثقافة الشعبية المغربية وأنت تؤسس لتصور نظري عنونته في البداية بـ «الوجه والقناع في الثقافة الشعبية»، كان ذلك خلال الدورة الأولى للجامعة الصيفية بأكادير، بل سافرت بشغفك المعرفي إلى مصر لتنجز أول بحث على المستوى الوطني حول الشاعر أحمد فؤاد نجم. 

من أنت…. وأنت القادم من المسيد لتستوعب النظرية الأدبية عند أدونيس وتبحث عن حمو أونامير الأمازيغي في الأدب العربي الحديث… وأنت القادم من هامش الهامش لتصارع المركز المستحوذ على كل شيء.. ولتبرهن أن الذكاء لا يعترف بالجغرافيا، وأن النبوغ لا انتماء طبقي له.. هل هذا هو الذي جعلك تحتفظ بالتقرير الإيدلوجي لعائلتك السياسية مع عدم ترددك في قبول أية دعوة للتأطير أو المساهمة في بناء الأداة الحزبية بالجنوب إلى درجة أنك خصصت المنزل السفلي وإلى الآن مقرا للحزب….

من أنت… أنت الأستاذ محمد بزيكا… عقدة تأنيب ضمير لدينا نحن الباقين.. لقد رحلت عن الدنيا وأنت زائد فيها ولم تكن زيادة عليها…. فللموت كرامات… كرامة النفس ونبل المقصد أيها المتفرجون.. 

أستاذي وأنت هناك.. 

رجاء.. امنح لمشاعري صك غفران.      

* تلميذك يوسف غريب

شهادة بقلم: يوسف غريب *

Related posts

Top