بشار الأسد يؤدي اليمين الدستورية لولاية رابعة من سبع سنوات

أدى الرئيس السوري بشار الأسد السبت اليمين الدستورية لولاية رئاسية رابعة من سبع سنوات، بعد نحو شهرين من إعادة انتخابه، وسط أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة تعصف بالبلاد التي تشهد نزاعا داميا منذ أكثر من عشر سنوات.
وفاز الأسد في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 26 ماي، كما كان متوقعا، بـ 95 في المئة من الأصوات، في ثاني استحقاق من نوعه منذ اندلاع النزاع. وشككت قوى غربية وخصومه بنزاهة الانتخابات ونتائجها، حتى قبل حدوثها.
وأدى الأسد السبت القسم الدستوري على مصحف والدستور في احتفالية ضخمة أقيمت في قصر الشعب في دمشق أمام أعضاء مجلس الشعب وبحضور زوجته أسماء وأكثر من 600 ضيف، بينهم وزراء ورجال أعمال وفنانون ورجال دين وإعلاميون، وفق دوائر القصر الرئاسي.
وتزامن ذلك مع قصف للنظام على منطقة إدلب في شمال غرب سوريا أسفر عن مقتل ستة مدنيين بينهم ثلاثة قاصرين، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وقال الأسد في خطاب ألقاه إثر القسم، استمر لأكثر من ساعة، وقوطع خلاله مرارا بالتصفيق والهتافات المؤيدة وأبيات الشعر، إن نتائج الانتخابات “أثبتت قوة الشرعية الشعبية التي يمنحها الشعب للدولة وسفهت تصريحات المسؤولين الغربيين حول شرعية الدولة والدستور والوطن”.
ونقلت وسائل الإعلام الرسمية ومنصات الرئاسة كلمة الأسد بينما اتخذت إجراءات أمنية مشددة في دمشق ومحيط القصر الرئاسي.
واعتبر الأسد (55 عاما) أنه “خلال عشر سنوات ونيف من الحرب كانت هواجسنا متعددة فطغت الأمنية منها والخوف على وحدة الوطن، أما اليوم فجلها حول تحرير ما تبقى من الأرض ومواجهة التداعيات الاقتصادية والمعيشية للحرب”.
وبعدما ضعفت في بداية النزاع وخسرت مناطق كثيرة، استعادت القوات الحكومية بدعم عسكري مباشر من حليفتيها إيران وروسيا مساحات واسعة. ورغم توقف المعارك إلى حد كبير، لا تزال مناطق غنية، تضم سهولا زراعية وآبار نفط وغاز، خارج سيطرتها.
وجرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مناطق سيطرة قوات الأسد المقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد، فيما غابت عن المناطق الخارجة عن سيطرتها، وأبرزها مناطق نفوذ الإدارة الذاتية الكردية (شمال شرق) ومناطق تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وفصائل موالية لأنقرة في شمال وشمال غرب البلاد.
وكرر دعوته “لكل من راهن على سقوط الوطن (…) وعلى انهيار الدولة” إلى أن “يعود الى حضن الوطن لأن الرهانات سقطت وبقي الوطن”، مضيفا “نقول لكل واحد منهم، أنت مستغل من قبل أعداء بلدك ضد أهلك، والثورة التي خدعوك بها وهم”.
وجدد تأكيد عزمه على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته. وقال “تبقى قضية تحرير ما تبقى من أرضنا نصب أعيننا، تحريرها من الإرهابيين ومن رعاتهم الأتراك والأميركيين”.
وأعاقت اتفاقات تهدئة تركية روسية في إدلب ومحيطها (شمال غرب) ووجود قوات أميركية في مناطق الأكراد (شمال شرق) مضيه حتى الآن في الخيار العسكري.
وقبيل إلقائه خطابه، أطلقت قوات النظام صاروخين على قرية سرجة بجنوب محافظة إدلب، ما أدى إلى مقتل ستة مدنيين بينهم ثلاثة قاصرين ومسعف، إضافة إلى سقوط العديد من الجرحى، بحسب المرصد.
وشاهد مراسل فرانس برس في القرية عملية انتشال الجثث من تحت أنقاض مبنى انهار جراء القصف، وقام مسعفون بلف ها ببطانيات حمراء.
اتخذ الأسد عبارة “الأمل بالعمل” شعارا لحملته الانتخابية، في محاولة لتسليط الضوء على دوره المقبل في مرحلة إعادة الإعمار، بعد عقدين أمضاهما في سدة الرئاسة.
لكنه يبدأ ولايته الجديدة اليوم فيما تشهد بلاده أقسى أزماتها الاقتصادية، التي خلفتها عشر سنوات من الحرب، وفاقمتها العقوبات الغربية، فضلا عن الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع رجال أعمال سوريون كثر، أموالهم.
واعتبر الأسد أن “العائق الأكبر حاليا هو الأموال السورية المجمدة في المصارف اللبنانية” مقدرا قيمتها بعشرات المليارات من الدولارات. ويلي ذلك من ناحية حجم التأثير على قوله “الحصار الذي سبب اختناقات وخلق صعوبات” في إشارة إلى العقوبات الدولية التي تثقل كاهل نظامه منذ اندلاع الحرب.
وعلى وقع الانهيار الاقتصادي، رفعت الحكومة خلال الأسابيع الماضية أسعار البنزين غير المدعوم والمازوت والخبز والسكر والرز، فيما تفاقمت في الأسابيع الماضية مشكلة انقطاع الكهرباء، جراء نقص الغاز المغذي لمحطات توليد الطاقة الكهربائية بحسب مسؤولين سوريين، ووصلت مدة التقنين في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا .
ويفاقم رفع الأسعار معاناة السوريين الذين ينتظرون في طوابير طويلة للحصول على البنزين المدعوم ويشكون من الغلاء واستمرار ارتفاع الأسعار. ويعيش أكثر من ثمانين في المئة من السوريين راهنا تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة بينما يعاني 12,4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.
وبعد حفل أداء اليمين، استقبل الأسد وزير الخارجية الصيني وانغ يي الذي يعتبر أول مسؤول رسمي صيني يزور دمشق منذ بداية 2012.
وقالت الرئاسة السورية إن “الصين دولة قوية ولها موقع كبير ومهم على الساحة الدولية، وسوريا تتطلع إلى توسيع مجالات التعاون معها على مختلف الأصعدة”، لافتة الى أنه “تم خلال اللقاء بحث مشاركة سوريا في مبادرة الحزام والطريق”.
تسبب النزاع منذ اندلاعه في مارس 2011 بمقتل نحو نصف مليون شخص، وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتية واستنزف مقدرات الاقتصاد. كما أدى الى نزوح وتشريد نحو نصف السوريين داخل البلاد وخارجها.
ولن يكون بمقدور الأسد، وفق محللين، المضي في عملية إعادة الإعمار من دون الحصول على أموال المجتمع الدولي، إذ لا يمكن أن يحصل ذلك خارج تسوية سياسية تحت مظلة الأمم المتحدة، يعمل ومن خلفه حلفائه على جذب “مانحين محتملين” على رأسهم دول الخليج، وسط مؤشرات على بدء انفتاح خليجي نحو سوريا.
وخلال السنوات الأخيرة، راهن المجتمع الدولي على تسوية سياسية تحدث تغييرا في بنية النظام قبل الانتخابات، بعدما تخلت قوى غربية وعربية عدة عن مطلب تنحي الأسد. لكن جهود الأمم المتحدة التي قادت جولات تفاوض بين الحكومة والمعارضة في جنيف اصطدمت بعقبات كثيرة ولم تحقق أي تقدم يذكر.
وتبذل روسيا، أبرز داعمي الأسد جهودا لإعادة سوريا إلى الساحة الدولية. وأثنى الأسد في خطاب القسم على دورها مع الصين، التي وصل وزير خارجيتها السبت إلى دمشق، “في تغيير وجهة المسار الدولي انطلاقا من دفاعها عن القانون والشرعية الدولية”.

< أ.ف.ب

Related posts

Top