بشرى دردار تعرض بتطوان: حنين الفضاءات اللانهائية

عبد الله الشيخ*
تقترح الفنانة التشكيلية بشرى دردار (تعيش وتعمل بالدار البيضاء) مقاربة صباغية مشخصنة ومعالجة أسلوبية جديدة تركز على الإبداع التلقائي، والاستبطاني أو الحدسي، وذلك ما بين 15 يناير و5 فبراير  2016 برواق برتوتشي بمدرسة الصنائع والفنون الوطنية بتطوان.
تنحدر اللغة التشكيلية لدى هذه الفنانة المدرج اسمها ضمن صفحات توراة الفن التجريدي (الجزء الدولي الأول، 2008، فرنسا) من التركيب القائم بين المقصدية الانفعالية و سخاء التعبيريين على مستوى الجمالية التشخيصية الجديدة للمدارس التجريدية كالتعبيرية التجريدية، والنزعة التشكيلية الجديدة، والتفكيكية .
لأعمالها الإيحائية صورة تعبيرية، شفافة وانسيابية. في الممارسة، كل لوحة بمثابة عالم بصري صغير حر ومستقل. نجد اختلاف الأساليب المتراوحة ما بين التجريد والتعبير الخالصين. أساليب غير موضوعية وذات طاقة خلاقة من الناحيتين التقنية والجمالية.
يولي فعلها الصباغي أهمية للتعبير بالنظر إلى العقل، وللخيال بالنظر إلى التحليل النقدي. انه رد فعل حقيقي إزاء الفكر المعياري، فهو يفصح عن ذاته أولا في الأشكال، ثم في الألوان، والصور الرمزية. يتمحور مسار هذه الفنانة الحالمة حول مواضيعها المفضلة (الطبيعة، الأنا، الحلم، الغريب، اللانهائي، الذاكرة، الحداثة…)، وكذا حول الأشكال الإلزامية (الدوائر، المنحنيات، الشذرات…) . يتمظهر تجريب الحدود و بيانها في الأعمال الفنية المتراوحة ما بين التعبيرية والرمزية، وهي حلقة لا تنفصل عن نموذجها الصباغي المثالي .
إن بشرى دردار في بحث متواصل عن التعبير المؤثر سواء على صعيد التلوين أو على صعيد التركيب الشكلي. فملونتها مسكونة بالمعالجة اللونية الجريئة . فهي تنفرد بالأنوار والإشراقات، والبحث عن الطبيعة الخالصة و اللاعقلانية، مع الإخلاص للتجريديين وللرؤى الاستبطانية، والرغبة الجامحة في الرجوع إلى البساطة والبعد الروحي الذاتي والوجداني، والغرائبية الخامة : ” لقد ألهمني الفنانون الحداثيون أمثال بيكاسو، وبلكاهية، والشرقاوي وآخرين. في الفن، أحاول إبراز ما أحس به، وصياغته بطريقة تجريدية ” ، أسرت لنا الفنانة.
لدى دردار، نلاحظ سبك الألوان المهيمنة، الأحمر ، الأبيض ، الأسود ، والأزرق : حنين الفضاءات اللانهائية ! يمتزج الانشغال بالظواهر شبه الفيزيائية مع البحث عن مفعولها وآثارها على الحالات الروحية. في النور واللون، يغيب الفضاء القياسي، ويخترق التعالي كل التصورات الاصطلاحية للفضاء.
إن التلقائية أو الانطباع التلقائي يسم الأعمال الرصينة لهذه الفنانة، خريجة ” ديبلوما دي ميريتوا بروميو ” (ألبا ، 2008 ، ايطاليا) والميدالية الأوروبية البرونزية (2010). ملونة ناصعة، وانحلال عناصر المشهد في النور. تعطي الأشكال والألوان انطباعا بوحدة كبرى: فهي تترجم ذوق الحس التعبيري ذي الحدود شبه الصارمة، التي يمكن تصنيفها في إطار
 ” أسلوب تشخيصي جديد ” : أسلوب الانفرادية الذي يجعل من التعبير الشخصي طقسا.
بشرى دردار، عضو الجمعية الدولية للفنون التشكيلية باليونسكو، مبدعة تركب وفق السليقة لوحاتها التشكيلية ذات التصميم الفياض الذي يستلزمه حجمها. لقد طلقت العنان لتعبيرها الواضح عن أفكارها المتعلقة بالجانب الروحاني ، وباللاوعي، وبالفكر، مستسعفة بتقنية تركيبية قادرة على ترجمة التشبث المطلق بالحرية .
لا تستأثر دردار كثيرا بالبعد التصويري، بل تبحث خصوصا عن الدروس الجمالية، مغذية روحها الصوفية بالأصل الطبيعي. لقد استكملت مفردات مغامرتها التشكيلية التي يقودها الولع بالإدراك البصري، و الافتتان بأعلام الفن الحديث و الصفائية المبحوث عنها. إنها تهيئ، بكل تأكيد ، الطريق لطقس الطبيعة الداخلية على شرف الجيل المقبل.
* (ناقد فني)

Related posts

Top