بصمة المحيطات و مؤشر الــــــــــــــــصيد المستدام في زمن كورونا

تعتبر المعرفة بالبيئة البحرية التي لا تزال محدودة للغاية هي مفتاح المستقبل، حيث يحتوي المحيط تقريبا على جميع الموارد اللازمة للبشرية، علاوة على ذلك، كان البحر دائما الفضاء الرئيسي للاتصالات والتبادلات بين الشعوب، فضاء بلا حدود وفضاء استراتيجيا بامتياز، ومن دون المعرفة العلمية والخبرة الميدانية بالبيئة البحرية ومنظوماتها الايكولوجية لا يمكن للفاعل المدني البيئي أن يناضل من أجل المحافظة عليها وحمايتها من التدمير المنهج عبر الانخراط في الهيئات التشاورية الوطنية الموضوعاتية وبلعب دور الحياد السلبي اتجاه تمرير مجموعة من القوانين والمخططات الاستراتيجية التي سترجع على البيئة بأضرار خطيرة باسم الحفاظ عليها وحمايتها، بل الدفاع على البيئة البحرية يبدأ من عمق المحيط و ينتهي بالمختبرات العلمية التي تحتضنها الجامعات ومراكز البحوث، حيث هنا لا مجال للحديث إلا عن العمل المدني البيئي الاحترافي.
ويبقى الكندي بول واتسون نموذجا للفاعل المدني البيئي الذي تشبع بالنضال البيئي في الميدان ومنذ الصغر، وأصبح خبيرا دوليا يحتذى به في مجال التصدي لصيد الحيتان في سواحل كندا في البداية، و بعدها عبر مطاردة كبريات السفن في البحار والمحيطات لمنعها من الصيد الجائر ، حيث لا تنفع هنا العضوية في اللجان الوطنية و لا المشاركات في المؤتمرات الدولية “والتقاط عشرات الصور لتبرير النضال البيئي الوهمي” للقيام بمثل هذه المهمة النبيلة و السامية.
ويجزم اللاجئ البيئي بول واتسون أن لا غاية ترجى من المؤتمرات الدولية، فقد ساءت الحالة منذ مؤتمر ريو حيث لم تقدم كل من هذه المؤتمرات شيئا سوى المناقشات والوعود التي لم يحترمها أي سياسي، لهذا جاءت التغييرات من المواطنين، و يضيف واتسون: “لدينا الآن أكبر حركة الحفاظ على التاريخ على أساس التدخل السلمي والفعال، إنها حركة عالمية وتشهد نموا قويا، فهناك اليوم ما يفوق عن ثلاثة ملايين منظمة بيئية غير حكومية حول العالم من روسيا إلى الولايات المتحدة عبر بنجلاديش وناميبيا لقد فهمت هذه المنظمات أنها مسألة ضمان بقاء الأنواع بما في ذلك جنسنا البشري”.

صحة الإنسان من صحة المحيطات

فإذا مات المحيط سوف نموت جميعنا لأن المحيطات توفر 80٪ من الأوكسجين الذي نتنفسه، فهي تنظم المناخ وتوفر الغذاء. ومنذ عام 1945 اختفت حوالي 90٪ من الكائنات الحية في المحيطات، وفقدنا 30٪ من الأوكسجين الناتج عن العوالق النباتية بسبب التلوث البلاستيكي والمعادن الثقيلة و كذا التحمض بسبب ثاني أوكسيد الكربون، بالإضافة إلى تدمير مصبات الأنهار والصيد الجائر،
لكن معظم الناس لا يفهمون خطورة التهديدات أو العلاقة الوثيقة التي تربط صحة المحيطات بصحتهم، ومع تناقص التنوع البيولوجي للمحيطات تتأثر قدرتها على البقاء، وكذلك قدرتنا على البقاء، والآن لا تكتفي القوارب العملاقة النرويجية أو اليابانية بتفريغ محيطات أسماكها وتهاجم القوارب العوالق التي يريدون تحويلها إلى عجينة بروتينية من أجل إطعام الماشية على الأرض، إنها قمة الجهل، لأنهم ينسون بأن العوالق النباتية توفر الأوكسجين الذي نتنفسه.
وتحدث ظواهر التدمير هذه تحت المحيط بعيدا عن أعيننا، ففي الأسواق والمطاعم العالمية تأتي 40٪ من الأسماك المباعة من الصيد غير القانوني، وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال تستورد أمريكا أسماكا أكثر من كل الحصص القانونية المسموح بها، بالإضافة إلى ذلك يتم استخدام 40٪ من الأسماك لإطعام الماشية والخنازير والدجاج فليس لدينا أي اعتبار للحياة في المحيطات، نتحدث عن الأسماك كـ”أطنان” متناسين أنها مخلوقات فريدة واعية.

التعبئة لحماية المحيطات مهمة شبه مستحيلة

أصبح اليوم من الصعب جدا التعبئة لحماية المحيطات لأن المزيد من الناس يدركون ما يجري، يقول الخبير البيئي الكندي بول واتسون: “لقد قطعنا شوطا طويلا، أتذكر أنني كنت أبحث عن مطعم نباتي في باريس عام 1972 ونظروا إلي بعيون عريضة كما لو كنت أسأل عن مكان لتناول الكوكايين، واليوم أصبح عدد النباتيين في تزايد، أيضا في عام 1972 وضعنا لافتة عملاقة في مدينة فانكوفر الكندية كتب عليها: “علم البيئة ثقف نفسك وتورط” ولم يفهم أحد معنى شعارنا، أما اليوم يعرف الجميع كلمة “علم البيئة” لكن المشكلة تكمن في أننا نفتقر إلى الرحمة وقوة الإرادة، فنحن مشغولون للغاية بالإلهاء والاستهلاك، ليس أننا لا نعرف بل نحن لا نهتم، ثم أصبح الحصول على المعلومات في وسائل الإعلام أكثر صعوبة، فعندما نظمنا حملتنا ضد أسطول من الحيتان في عام 1975 قمنا بتصويرها وأرسلنا الفيلم إلى قناة CBS الوطنية وشاهده الجميع، اليوم من سابع المستحيلات أن تفعل نفس الشيء فالمعلومات تنتشر عبر وسائط مختلفة على الإنترنت”.
وبالرغم من دخول قانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة في المغرب، إلا أنه من الصعب جدا الحصول على أية معلومة تتعلق بالمنظومات البيئية والمناطق الرطبة المصنفة وغير المصنفة وكذا الوضعية الراهنة لتلوث الهواء، وتلوث مياه الأنهار والبحار ، بل إنه يتم “تدويل” قضية تلوث بحر معين أو نهر معين من طرف ناشطين بيئيين محليين عبر شبكة الانترنت ليعرفها العالم و عبره المواطن المغربي، كما وقع مع نهر النيكرو بشاطئ الفنيدق شمال المغرب وما خلفته محطة تصفية المياه العادمة من أثر بيئي سلبي على المنظومة البحرية، حيث نفقت الأطنان من الأسماك والأنواع البحرية الأخرى.

صيد الحيتان إلى متى؟

لقد تم صيد الحيتان لدرجة أنها اختفت تقريبا، وهذا ما دفع بالمجتمع الدولي إلى التصويت على وقف الصيد التجاري في عام 1986 الذي أصدرته لجنة صيد الحيتان الدولية، ليزداد عدد الحيتان مرة أخرى بعد إيقاف صيدها، ولكن بعض الأنواع لا تزال مهددة للغاية، ولكن استمرت عملية استنزاف الثروة السمكية باسم البحث العلمي تارة حيث منذ عام 1986 قامت أيسلندا والنرويج واليابان بذبح أكثر من 25000 حوت لأغراض تجارية و علمية.
وتعد المحيطات تراثا مشتركا نتحمل جميعا مسؤوليتنا في حمايته، ويتطلع المغرب إلى مؤتمر المحيط الذي سيعقد في البرتغال، المؤتمر الذي كان من المنتظر عقده في شهر يونيو الماضي وتم تأجيله بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، حيث سيجتمع قادة العالم لإرسال رسالة قوية وموحدة في السعي لإنقاذ محيطاتنا وبحارنا وتقديم التزامات رفيعة المستوى لتحقيق هذه الغاية، حيث سيعرف المؤتمر العالمي مشاركة المجتمع المدني البيئي المغربي الذي لن ينتظر من مشاركته الشيء الكثير لعدة أسباب.
وخلال الأسابيع الأخيرة بدأت تعرف سواحل المغرب نفوق أعداد كبيرة من الدلافين  بشواطئ الفنيدق وسبتة وعدد من شواطئ جهة الشمال، وأرجع الخبراء سبب نفوق الدلافين إلى عمليات الصيد التي يقوم بها الصيادون في عرض البحر، وأوضحت الأبحاث والتحقيقات التي أجراها عدد من الخبراء على عدة دلافين لفظتها أمواج شواطئ المملكة في الأيام الأخيرة دفعة واحدة، أظهرت تعرضها لجروح وإصابات بسبب معدات الصيد مما رفع الشكوك حول احتمال أن يكون العامل البشري هو المسبب لهذه الجرائم البيئية الخطيرة.

استنزاف خطير في أعالي البحار

لنتخيل سحب شبكة صيد عملاقة لمائة كيلومتر عبر محمية سيرينغيتي في طنزانيا)يعد متنزه سيرينغيتي الوطني أفضل  “محمية الحياة البرية” محمية للحياة البرية في  “أفريقيا”
أفريقيا بسبب كثافة الحيوانات المفترسة والفرائس به(، مما سيسفر عن مقتل جميع الحيوانات التي ستصادفها الشبكة في طريقها، هذا ما تقوم به كبار سفن الصيد في أعالي البحار والمحيطات وبشكل أعمق، ومع ذلك لا يوجد فرق بين أسد وتونة زرقاء الزعانف كلاهما مفترسات عملاقة وفريدة من نوعها في بيئتها، فأسماك التونة زرقاء الزعانف هي سمكة ذات دم دافئ وهي استثنائية وهي واحدة من أسرع الأنواع مثل أسماك الفهد، لكننا لا نتردد في القضاء عليها لأننا لا نراها،

تأثير البصمة الإيكولوجية  و نمط استهلاك الفرد على الثروة السمكية

قد يتطلب الأمر ثلاثة كواكب حتى يتمكن كل شخص على وجه الأرض من التوافق مع نمط حياة مواطن ياباني أو فرنسي أو بريطاني، أو خمسة كواكب للتوافق مع نمط حياة مواطن أسترالي أو أمريكي، فهناك الكثير من الناس على الأرض، الذين يأكلون الكثير من الطعام ويلقون بالكثير من النفايات، والكثير من السكان المحليين أصبحوا يطلبون الكثير وهذا وضع مستحيل، ففي عام 1950 كان كوكبنا الأزرق موطنا لـثلاثة ملايير نسمة فقط في حين يوجد حاليا 7.7 مليار منا اليوم ومعظمهم تحت سن الخامسة والعشرين، وفي أفق 2050 ستصبح الأرض تحتضن 9.7 مليار نسمة، و من المنتظر أن تصل الى 11 مليار في حدود 2100، فنحن نسرق القدرة الاستيعابية للأرض من الأنواع الأخرى التي نعتمد عليها نحن أنفسنا، لأننا جميعنا مترابطون، ولن يتمكن العالم من دعم هذا النمو، فنحن نسير نحو فترة انهيار عالمي والذي يمكن أن يحدث فجأة، يكفي أن بعض الأنواع الرئيسية لبقائنا مثل النحل وأشجار الأرز في طريقها الى الاختفاء وبسرعة خطيرة جدا و وضعية أشجار الارز المغربية خير دليل على ذلك، فبالرغم من كونها مصنفة تراثا عالميا إلا أن التدمير البشري يطالها دونما ترافع للهيئات المدنية البيئية التي تفضل الاشتغال على مشاريع بيئية تستهدف السياحة الايكولوجية و التربية البيئية وسط منظومات بيئية تتدهور يوما بعد يوم.
وتعتبر أسماك القرش من الأنواع الأساسية لأنها مفترسة لأنواع عديدة تأكل العوالق، وإذا تمت إبادتها مثلما تتم إبادة أشجار الأرز فسوف تنهار المنظومة البحرية بأكملها، إن دول آسيا وفي مقدمتها اليابان ليست هي المسؤولة الوحيدة عن إبادة أسماك القرش، ففرنسا هي الدولة الثانية التي تقتل معظم أسماك القرش في أوروبا.

مجهودات المغرب في تحقيق الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة

تؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار أن مشاكل حيز المحيطات مترابطة ترابطا وثيقا وتحتاج إلى النظر إليها بصورة كلية، وبوصفه طرفا فاعلا على الصعيد العالمي يتقاسم المغرب الالتزامات والمسؤولية الأساسية عن حماية المحيطات ومواردها وحفظها واستخدامها على نحو مستدام، ونحن نعلم أن المحيطات الصحية والمنتجة هي مفتاح التنمية المستدامة الطويلة الأجل، فنحن نؤمن بأنه هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات بشأن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ومعالجتها حتى يتسنى للمحيطات والبحار ومواردها أن تدعم سبل عيش المجتمعات الساحلية وأن تواصل العطاء للأجيال المقبلة، و بالتالي فالمغرب هو ملتزم بالتنفيذ الناجح لخطة الأمم المتحدة لعام 2030 وتحقيق الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة الذي يدعو المجتمع الدولي للمرة الأولى إلى “الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام من أجل التنمية المستدامة”.
وقد أكدت الأمم المتحدة والمجتمع المدني العالمي، من خلال إدراج مصايد الأسماك الصحية بين أهداف التنمية المستدامة، أكدت على أهمية مصائد الأسماك في تحقيق الأمن الغذائي العالمي والتوظيف، فضلا عن مساهمتها في التخفيف من وطأة الفقر.
وعلى الرغم من التزامات المغرب الدولية، لا تزال الأرصدة السمكية في كثير من المناطق البحرية على الساحل المتوسطي عن طريق استعمال المتفجرات للصيد في أعالي البحار وهذه الطريقة هي ممنوعة دوليا، كما تستغل المناطق البحرية المتواجدة على الشاطئ الأطلسي استغلالا مفرطا عبر السفن الاوروبية وفق اتفاقية الصيد البحري التي وقعها المغرب مع الاتحاد الاوروبي السنة الماضية، وبموجب هذا الاتفاق تم رفع عدد السفن الأوروبية المبحرة في المياه المغربية إلى 128 سفينة، وسيكون بإمكانها الإبحار من كاب سبارتيل بالعرائش إلى الرأس الأبيض نواحي الداخلة؛ في حين تم استثناء البحر الأبيض المتوسط من هذه الاتفاقية بهدف الحفاظ على موارده التي تعاني من الإفراط في الاستغلال ويلزم هذا الأمر اتخاذ إجراءات عاجلة على الصعيدين الوطني والدولي لمعالجة هذه المشكلة، ولا سيما الحفاظ على أرصدة البحر الابيض المتوسط السمكية واستعادتها إلى مستويات مستدامة.
وينبغي أن تنطوي هذه الإجراءات على تنفيذ تدابير إدارية قائمة على العلم؛ وتطبيق نهج وقائي عندما تكون المعارف العلمية محدودة؛ وتكثيف مكافحة الصيد غير المشروع وغير المبلغ عنه وغير المنظم، ومع ذلك فإنه من الصعب جدا فهم تأثير الصيد على البيئة البحرية الهشة والتنبؤ به، وهذا هو السبب في اعتماد سياسة مصايد الأسماك المشتركة نهجا وقائيا ونظاما بيئيا يأخذ في الاعتبار أثر النشاط البشري على جميع مكونات النظام الإيكولوجي ويسعى إلى ضمان   عدم إسهام أنشطة مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية بأي شكل من الأشكال في تدهور البيئة البحرية.

المحيطات و تغير المناخ

يستخدم البحر لأشياء كثيرة، أكثر مما قد يتخيله المرء مسبقا، لكن ماذا سيحدث لكوكبنا بدون محيطاته؟ بالطبع لن تكون الحياة ممكنة وستكون أرضنا ببساطة قمرا آخر، وعلى العكس من ذلك، سيكون الكوكب الأزرق حصريا قابلا للحياة، لذلك فإن البحر ضروري، وهذا ليس هو الحال مع الأرض في حد ذاتها، فالمحيط هو الجهاز الحراري الذي ينظم درجات الحرارة والمناخ، ويمتص الطاقة الشمسية ويخزنها ويعيدها وكذلك ينظم توزيع المياه العذبة و يقوم بامتصاص وإعادة توزيع ثاني أكسيد الكربون لتجديد الأوكسجين من الهواء بالإضافة إلى ذلك يحتوي المحيط على كميات غير محدودة تقريبا على جميع الموارد اللازمة لحياة البشرية.
ومع ذلك لا يمكن الوصول إلى هذه الثروات بسهولة ففي أغلب الأحيان اعتبرت البيئة البحرية معادية للإنسان وكان كل تقدم كبير في غزو المحيطات يتطلب إرادة قوية وإتقانا لأحدث العلوم والتقنيات، وكانت الاكتشافات العظيمة من عمل الحكام أصحاب الرؤى والنقباء المغامرين، ولكن أيضا عمل العلماء المتمرسين في جميع التخصصات، وتعتبر البيئة البحرية أكثر تقييدا والبيئة بصفة عامة الأكثر صعوبة لكنها أيضا الأكثر تعقيدا وبالتالي فهي أكثر ثراء وتنوعا، ونظرا للصعوبات التقنية، اليوم كما في الأمس، أصبح عدد قليل من الدول الكبيرة النادرة فقط مثل فرنسا لديها القدرة على استكشاف قاع المحيط أو إجراء أبحاث حول الكتلة الحيوية.

بصمة مستوى مياه البحر

أعلن مختبر تابع لجامعة كاليفورنيا الأمريكية عن أول عملية لقياس بصمة مستويات المياه في عمليات رصد المحيط، عبر قياس اختلافات مستوى المياه حول العالم الناتجة عن تغيرات في مخزون المياه في القارات الخمس وقياس كتلة الصفائح الجليدية، وستزيد هذه النتائج ثقة العلماء بإمكانية استخدام هذه البيانات لتحديد مقدار ارتفاع مستوى المياه في أي نقطة في محيطات العالم نتيجة ذوبان الكتل الجليدية، وبسبب ذوبان كتل وصفائح الجليد نتيجة عوامل مناخية فإنها تؤدي إلى تغير في حقل الجاذبية الأرضية، ما ينتج عنه تغيرات غير متماثلة في مستويات المياه في كل أرجاء العالم. فعلى سبيل المثال، عندما تفقد كتلة جليدية جزءا منها، تنخفض قيمة جذبها الثقالي؛ وتتحرك مياه المحيط المجاورة مبتعدة ما يسبب ارتفاع مستوى المياه بسرعة في المناطق البعيدة عن الكتلة الجليدية، ويعرف نمط تغير مستويات المياه الناتج بـ “بصمة مستوى المياه” وتتأثر مناطق معينة بشكل أكبر بهذا الأمر، خصوصا الواقعة على خطوط العرض المتوسطة والقريبة من خط الاستواء، وتسهم كل من غرينلاند والقطب الجنوبي في هذه العملية بنسب مختلفة. فمثلا يصل مستوى ارتفاع المياه في فلوريدا وكاليفورنيا الناتج عن ذوبان صفائح القطب الجنوبي إلى نسبة أعلى بـ 52% من متوسط تأثير هذا الذوبان على باقي أرجاء العالم.  
ولاحتساب بصمة مستوى المياه المرتبط بخسارة الجليد من الكتل والصفائح الجليدية ومن التغيرات في مخزون اليابسة من المياه، استخدم فريق من الخبراء و الباحثين التابعين لجامعة كاليفورنيا بيانات الجاذبية التي جمعها ثنائي الأقمار الصناعية الأمريكية GRACE بين عامي 2002 و2014 خلال ذلك الوقت، أدت خسارة الكتلة الناتجة عن تغيرات الصفائح الجليدية وتغيرات في مخزون اليابسة من المياه إلى ارتفاع متوسط مستوى المياه العالمي بحوالي 0.07 إنشا في السنة حيث أتى 43% من الزيادة في كتلة المياه من غرينلاند الشمالية، و%16من القطب الجنوبي، و30% من الجبال الجليدية، وتحقق بعدها العلماء من نتائج حساباتهم هذه لبصمات مستويات المياه اعتمادا على بيانات عن الضغط في قاع المحيط من محطات في المناطق الاستوائية.

الصيد المستدام في زمن كورونا

وفي دراسة نشرت على مجلة العلوم تبين أنه أصبح بإمكان الخبراء تقدير حجم الصيد في العالم وصولا إلى تتبع تحركات أصغر سفينة وأنشطتها ساعة بساعة بواسطة تقنيات عالية الجودة تقدمها الأقمار الاصطناعية المعدة لهذا الغرض، وبالتالي فهذه الدراسة تفتح الباب لإمكانيات جديدة لتحسين إدارة المحيط، فبينما تغطي بصمة المصايد الطبيعية أكثر من نصف محيطات العالم، أصبح من الواضح جدا أن النشاط محدود اعتمادا على أنظمة الإدارة، ومن ثم فهو يظهر بوضوح الدور الذي يمكن أن تلعبه السياسة المطبقة بشكل صحيح في مكافحة الاستغلال المفرط للثروة السمكية.
فباستخدام روابط الأقمار الصناعية وتقنيات التعلم الآلي والتكنولوجيا الكلاسيكية لتتبع السفن ، قام فريق من الباحثين ضمن مشروع البحار البكر التابع للجمعية الجغرافية الوطنية لجامعة كاليفورنيا اكتشفت سانتا باربرا وجامعة دالهوزي وسكيتروث وجوجل وجامعة ستانفورد أن الصيد الصناعي يستغل أكثر من 55٪ من سطح المحيط أي أكثر من أربعة أضعاف المساحة التي تشغلها الزراعة، وتتمتع مجموعة بيانات مصايد الأسماك الجديدة بدقة أعلى بمئات المرات مما كانت عليه في المسوحات العالمية السابقة وهي تسجل أنشطة أكثر من 70000 سفينة أكثر من 75٪ منها عبارة عن سفن صيد صناعية كبرى.
يؤكد خوان مايورجا الخبير المشارك في الدراسة التي تعمل على المشروع أن: “توفر البيانات دقة عالية في أنشطة الصيد لدرجة أنه يمكننا حتى ملاحظة الأنماط الثقافية، على سبيل المثال عندما يكون الصيادون في مناطق معينة في إجازة”، و يضيف أن “البيانات بهذه الدقة تزود الحكومات والهيئات الإدارية والباحثين بالمعلومات التي يحتاجونها لاتخاذ قرارات تنظيمية شفافة ومستنيرة بشأن أنشطة الصيد ولتحقيق أهداف المحافظة والاستدامة. “
و يضيف بوريس وورم الخبير المشارك في جامعة دالهوزي أن: “وقت ومكان الصيد يعتمد أكثر على السياسة والثقافة أكثر من الدورات الطبيعية مثل التغيرات المناخية أو هجرة الأسماك” و يقول: “تكشف هذه الدراسة أن الصيد هو عملية صناعية حيث تعمل السفن مثل المصانع العائمة التي يجب أن تعمل على مدار الساعة حتى تكون مربحة” و يختم: “ومع ذلك هناك أيضا نقاط إيجابية: فهذه البيانات تحدد بوضوح المناطق التي يتم فيها إدارة الصيد وتظهر أين تساعد تدابير الإدارة في الحد من جهد الصيد. “
ويقول كريس كوستيلو مؤلف مشارك للدراسة وخبير اقتصادي في كلية برين لعلوم البيئة والإدارة بجامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا: “ستكون هذه المجموعة الجديدة من البيانات في الوقت الفعلي مفيدة في تحقيق إدارة أفضل لمحيطات العالم، وهي إدارة نأمل أن تفيد الأسماك والنظم البيئية والصيادين.”
وتضيف باربارا بلوك المؤلفة المشاركة وأستاذة العلوم البحرية في الجامعة: “كشفت دراستنا بوضوح عن غزو الصيد البشري في أعالي البحار، حيث تتعرض التونة وأسماك القرش وأسماك الخرمان لاستغلال مكثف وتعتبر بياناتنا ضرورية لتحسين التنظيم والتطبيق وبالتالي ضمان مستقبل الأسماك السطحية. “

شهادة الصيد المستدام بكندا و اللعب بالمصطلحات

وتكشف منظمة حماية المحيطات بلوم الكندية أن العلامة البيئية لصيد الأسماك الأكثر شهرة تشهد على أكثر من 80٪ من مصايد الأسماك الصناعية لا تحترم النظم البيئية.
ووفقا للحسابات التي أجراها باحثون في جامعتي نيويورك ودالهوزي الكندية، فإن 7٪ فقط من مصايد الأسماك المعتمدة من قبل MSC تندرج ضمن “الصيد الصغير النطاق منخفض التأثير” أما الغالبية العظمى (84٪) ممن يقومون بختمها لديهم طرق صناعية ذات تأثير مدمر على النظم البيئية البحرية.
وتؤكد منظمة بلوم أن الصيد بالمتفجرات والسموم مثل السيانيد ليس”مستداما” فكل شيء آخر غير الصيد بالمتفجرات يمكنه المطالبة بشهادة المنظمة للصيد المستدام، بالإضافة إلى ذلك، فإن المنظمة غير الحكومية التي اشتهرت علنا بحملاتها الناجحة ضد الصيد بشباك الجر في أعماق البحار تطرح تساؤلات عنيفة تماما حول طرق إصدار الشهادات نفسها ووفقا لحسابات بلوم فإن نصف الرسوم التوضيحية في وثائق الاتصال الخاصة بها تمثل قوارب صيد صغيرة ذات تأثير ضئيل في حين تظهر شباك الجر المدمرة الكبيرة في أقل من ثلث كومها، إخفاء هذه الشباك التي لا نتمكن من رؤيتها …
ومن المثير للدهشة أنه حتى لو تم اعتماد 70٪ من المنتجات البحرية في إقليم كيبيك الكندي من قبل مجلس الإشراف البحري فإن صناعة صيد الأسماك وخاصة صناعة جراد البحر تحجم عن الاستثمار للترويج لهذه العلامة الخاصة بمصايد الأسماك المستدامة للمستهلكين.
وتعمل إمكانية تتبع المنتجات والتنمية المستدامة المعتمدة على البيئة على زيادة الاتجاهات في الغذاء لسنوات عديدة، فإذا كانت هناك صناعة غذائية واحدة تم فيها تحقيق خطوات عملاقة في هذه المناطق فهي مصايد الأسماك في إقليم كيبيك الكندي

شارة الاعتماد لمجلس الإشراف البحري

ويمكن إرجاع أصل هذه المنتجات بالكامل إلى منطقتها وحتى وقت الصيد، حيث توضح سيلين روزود مديرة الاتصالات والتسويق في مجلس الاشراف البحري في كندا أن الاعتماد يجبر السلسلة بأكملها على البدء: “كل عمل يلامس المنتج حتى يصل إلى المستهلك يحتاج إلى اعتماد، وهذا ما يسمى سلسلة ضمان المنشأ، وهذا هو البرنامج الوحيد الذي يقدم سلسلة الحراسة” كما توضح روزود، مضيفة : “ومع ذلك ونظرا لأن الملصق ليس مطلوبا من قبل المستهلكين في كيبيك، فإنه يصبح من غير المثير للاهتمام بالنسبة للصناعة أن تعرضه، خاصة وأن لصق الملصق على المنتج ليس مجانيا، وحتى الآن تفضل كيبيك الترويج للمصادقة البيئية على جميع المنتجات بدلا من منتج معين” وتكمن المشكلة في إرفاق الشهادة مباشرة بالمنتج، كما يعلق أونيل كلوتير ، مدير ائتلاف الصيادين المحترفين لجنوب غاسبيزي الكندي: “إنه مكلف للغاية وعلينا دفع رسوم جبائية لفائدة مجلس الإشراف البحري”.
ولا تزال الشهادة غير معروفة لدى الكثير من المهنيين في كندا، تعترف روزود، وكما توضح المتحدثة باسم مجلس الاشراف البحري أن: “العمل الذي نقوم به الآن في كندا عامة وكيبيك خاصة هو تثقيف وتوعية المستهلك حول هويتنا، ومعرفة ما تعنيه علامة المجلس، ومعرفة أنها خيار لزيادة الطلب على المنتج المستدام”.
و تعتبر شهادة مجلس الاشراف البحري معيارا بيئيا يعتمد على حالة مخزون الأنواع التي يتم صيدها وحالة النظام البيئي البحري، والذي يشمل الأنواع الأخرى المتأثرة بمصايد الأسماك بالإضافة إلى إدارة مصايد الأسماك والتي تشمل الخطط الموضوعة للاستجابة للتغيرات البيئية أو التغيرات الأخرى من أجل الحفاظ على الاستدامة.
شارة اعتماد معولمة
إنه البرنامج الأكثر شهرة على المستوى العالمي، موجود في مائة دولة، لاستدامة مصايد الأسماك البرية حيث يجب تجديد الشهادة كل خمس سنوات، وإذا تم اعتماد مصايد الأسماك في كيبيك بصفة خاصة و في كندا بصفة عامة وبشكل متزايد، فذلك لأن المشترين والعملاء في الدول الاسكندنافية وباقي بلدان المعمور طلبوها، حيث يباع الروبيان الاسكندنافي بشكل رئيسي في أوروبا وتكون رفقته الشهادة المعروفة لدى المستهلكين، حيث سيبحث المزيد من الناس عن الملصق قبل شراء كيس روبيان السويدي أو الدانمركي أو الفنلندي أو النرويجي، لذلك استثمر كل من الصناعيين والصيادين الكنديين في كيبيك وباقي أقاليم كندا قدرا كبيرا للحصول على شارة الصيد المستدام و المنتوج المستدام المعروف مصدره وطريق صيده.
أما بالنسبة لسرطان البحر فقد جاء الطلب من سلاسل الغذاء الكبيرة، ففي كندا على سبيل المثال تتطلب بعض الأسواق التجارية الكبرى مثل لابلاوس أن تكون منتجات المأكولات البحرية هذه معتمدة من طرف مجلس الاشراف البحري، وهذا هو الحال بالنسبة للمنتجات الطازجة والمنتجات المجمدة، ولكن أيضا بالنسبة للحيوانات المعلبة المصنوعة من الأسماك أو المأكولات البحرية، ويوضح المتحدث باسم قوارب غاسبي أونيل كلوتير أنه هذا العام ستكون العلامة أكثر وضوحا وبروزا للسياح ولساكنة غاسبي، يوضح أونيل كلوتير: “سنرى ملصقات شهادات كبيرة تظهر على القوارب وهي ليست فقط معتمدة من طرف مجلس الاشراف البحري لوحده بل إنها أيضا معتمدة بشهادة أخرى لحوض أسماك فانكوفر”.
في كندا وبينما أنت ترغب في شراء الأسماك والمأكولات البحرية التي يتم صيدها بشكل مسؤول ومستدام، فقد يكون عليك من الصعب التنقل عبر اختيار المنتوج الذي يحمل علامة الصيد المستدام لتعدد الشارات وعلامات الاستدامة، ففي الآونة الأخيرة شهد صيد السرطانات الموجود في جنوب خليج سان لوران الكندي تعليق شهادة “الصيد المستدام” من قبل مجلس الإشراف البحري وهي منظمة تؤكد أن الصيد يتم بطريقة مستدامة ومسؤولة، لقد أضرت طرق صيد هذه السرطانات بالحيتان الصحيحة وتسببت في موت بعضها: “طلبت لجنة السلامة البحرية أن تكون هناك إجراءات مطبقة وأثناء انتظار وضعها والتحقق من فعاليتها يتم تعليق الشهادة” يوضح جان كلود بريثيس أستاذ علم المحيطات البيولوجي في معهد ريموسكي لعلوم البحار وحائز على كرسي اليونسكو في التحليل المتكامل للأنظمة البحرية.
وتبقى المشكلة هي الحبال التي تربط الخزانة بعوامة على السطح، يقول البروفيسور جان كلود بريثيس: “تعلق الحيتان في الأسلاك وبالتالي يمكن أن تختنق وتغرق”، و يؤكد البرفيسور بريتيس أن: “الصيد المستدام يتعلق باحترام المورد أي الصيد حتى لا يستنفد المورد، مع اصطياد فقط ما هو ضروري أي صيد الكمية التي يمكننا استخدامها وتجنب صيد الأسماك الصغيرة وتقليل الصيد العرضي في احترام تام للبيئة والنظم البيئية والمجتمعات التي تعتمد على هذا المورد للعيش”.

الصيد المستدام مصطلح غير منظم بكندا

في كندا توجد جميع أنواع الشارات على منتجات مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية لمساعدة المستهلكين على التأكد من استدامة مصايد الأسماك، لكن غالبا ما يكون التنقل صعبا وخاصة الوثوق به، فبالنسبة لخبير التغذية برنارد لافالي: “واحدة من المشاكل الكبيرة في العمل في الوقت الحالي هي أن مصطلح الصيد المستدام غير منظم، وينصح برنارد لافالي الناس بإلقاء نظرة فاحصة على الشعارات والتعرف على معناها، فمنذ أن أصبح المستهلكون أكثر اهتماما بالصيد المستدام ازداد عدد الشارات كما يقول برنارد لافالي: “لقد رأيت من خلال تجربتي شركات تضع شارات مزيفة، يبدو وكأنه شعار صيد مستدام، لأن هناك سمكة زرقاء صغيرة على خلفية بيضاء نقول لأنفسنا هذه سمكة يتم صيدها بشكل مستدام لكنها في الواقع تبقى عبارة عن زينة على العلبة. ”
بالإضافة إلى ذلك هناك العديد من الشهادات والشارات التي يمكن أن نجدها على علب الاسماك المعدة للبيع في الأسواق، على سبيل المثال شارة غرينبيس والتي هي في الواقع أدلة للمستهلكين، و”في النهاية يمكن لجمعية أو مجموعة أو حوض مائي أن يقرر وضع قائمة خاصة به من الشارات والشهادات وفي الواقع هناك الكثير منها” يقول بريثيس.

الدور الهام للمستهلك

نظرا لأن 93 مليون طن من الأسماك يتم صيدها سنويا في جميع أنحاء العالم فإن للمستهلكين دورا هاما يلعبونه من خلال تنويع الأنواع السمكية والبحرية التي يشترونها وأيضا عن طريق طرح الأسئلة.
بالنسبة للبروفيسور بريتيس: “ربما ينبغي أن نبدأ بالضغط على تجار السمك أو البقالة بشكل عام وتتمثل إحدى المشكلات في أنه في كثير من الأحيان في عدادات الأسماك لا يعرف الشخص بالضبط من أين تأتي أسماكه وما هي، وربما تبدأ في الضغط من أجل وضع علامات أفضل على المنتجات التي تشتريها، لمعرفة مصدرها” ويؤكد البروفيسور: “إذا لم يتمكن بائع السمك من إعطائك معلومات عن سمكتك، فغير بائع السمك”.
في زمن كورونا إذا لم يكن لدينا بائع أسماك تحت تصرفنا، فيمكننا دائما اللجوء إلى بائع أسماك افتراضي، وبصفته خبيرا كنديا في التغذية، غالبا ما يواجه برنارد لافالي معضلة: “أشجع الناس على تناول السمك ولكن في الوقت نفسه كلما أكلنا أكثر كلما اضطررنا إلى تفريغ المحيطات، إذا أردنا أن يكون لدى الأجيال القادمة ما يكفي من الأسماك لتأكلها فعلينا اتخاذ خيارات متسقة بحيث نتخذ الخيارات الصحيحة من الأسماك”.

*رئيسي جمعية أصدقاء البيئة

 بقلم : محمد بن عبو

Related posts

Top