بطاقة التعريف لن تكون وطنية من دون الأمازيغية

صادق مجلس الحكومة منذ أسابيع على مشروع قانون رقم 04-20 يتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية، وهو مشروع قانون ينسخ ويعوض القانون رقم 35.06 المحدثة بموجبه البطاقة الوطنية للتعريف، وسيحال النص على لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة بمجلس النواب، لكن الغريب أن المشروع الحكومي جاء خارج سياقه الزمني والدستوري، ولم يستحضر كون دستور 2011 ينص في فصله الخامس على اعتبار اللغة الأمازيغية واللغة العربية هما معا لغتان رسميتان في هذا البلد، وأن الوثائق الثبوتية والإدارية وكل مستندات الإدارات والقطاعات الحكومية المتصلة بالناس والمرفق العمومي يجب أن تستحضر هذا المقتضى الدستوري الواضح.
وعلاوة على التنصيص الدستوري، هناك كذلك القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، الذي لم تمض سوى بضع شهور على إقراره، وهذه الترسانة التشريعية والقانونية هدفها أن تضمن امتدادا واقعيا ملموسا في مختلف مناحي الحياة، وليس أن تبقى مجرد أحكام وكلمات جيدة تذاع عبر الإعلام ويجري ترديدها في الخطب والتقارير.
الأمر لا يتطلب لا كلفة مالية ضخمة ولا تغييرات راديكالية كبرى، وليس فيه أي استعصاء تقني، وإنما كان يقتضي فقط قليلا من الذكاء للانتباه إلى الأمر منذ البداية، وأساسا كان يقتضي وجود قناعة راسخة وإرادة سياسية تفهم أن البطاقة الوطنية وكل الوثائق الثبوتية هي تعبير رمزي عن هوية المواطنات والمواطنين، وأن كتابة الإسمين، العائلي والشخصي لحامل البطاقة وباقي معلوماته المتعلقة به، باللغة الأمازيغية، سيجعل فئات واسعة من شعبنا معتزة بهويتها الوطنية المغربية المتعددة والغنية والمتميزة، وسيساهم في تقوية التمثل الشعبي العام للغتنا الأمازيغية التي هي ملك مشترك لكل المغربيات والمغاربة.
الاجتهاد التقني والتكنولوجي والفني يتيح بسهولة إيجاد الصيغ لتفعيل هذا المقتضى الدستوري الهام، وتلبية حق مشروع لشعبنا، كما أن خبرة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وكفاءة أطره من شأنها المساعدة في الإنجاز، وفقط الإدارة المعنية يجب أن تمتلك مبادرة استثمار هذه الإمكانيات المتوفرة، وأن تكون لها الإرادة لتحقيق ذلك.
من جهة ثانية، من غير المفهوم وجود أحزاب في التحالف الحكومي طالما قدمت نفسها أنها مدافعة عن اللغة الأمازيغية، أو كان بعض قادتها يحرصون على الظهور أمام الكاميرات ينطقون بها أو ينادون برد الاعتبار لها، لكنهم هذه المرة سكتوا على هذا “الإغفال” الحكومي، الذي تجسد في المشروع المشار إليه، ولم نسمع أنهم نبسوا ببنت شفة، والأهم الآن أن هذا النص سيحال، عمليا وفعليا، على مجلس النواب من دون أي إشارة إلى الأمازيغية، التي ينص الدستور على أنها لغة رسمية في البلاد، أي أن المشروع يعتبر، في الحقيقة، تجزيئيا وإقصائيا.
تبعا لكل هذا، نأمل أن تتدارك الحكومة ورئيسها هذا الخلل الكبير، وتتدخل للتصحيح، أو أن يقدم البرلمان نفسه على ذلك، وإلا فلن يكون هناك أي معنى لتنصيص دستوري أو لوجود قانون تنظيمي أو للترسيم، من دون أن يكون لكل هذا، الامتداد الضروري في القوانين والممارسات ومظاهر الحياة العامة المرتبطة بالناس.

< محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top