بمناسبة ” يوم الغفران” سنويا …

سلطت الصحف الاسرائيلية الصادرة مؤخرا الضوء على إخفاقات اسرائيل في حرب السادس من شهر اكتوبر 1973 كما هي العادة كل عام بحلول عيد “يوم الغفران اليهودي” خاصة وأن تلك الحرب اندلعت حسب التقويم العبري في ” يوم الغفران “.
ويستذكر الاسرائيليون في هذا اليوم، المفاجأة الصاعقة بعبور الجيش المصري خط بارليف العسكري الاسرائيلي المحصن ووصول القوات السورية الى مشارف بحيرة طبريا، إذ يعتبر الإسرائيليون هذه الحرب “إخفاقا كبيرا” و”صدمة” ما زالت تقض مضاجعهم، لأنهم فوجئوا بها ولم يتوقعوا مبادرة مصر وسورية إلى شنها.
و بهذه المناسبة، نشرت مئات المقالات وعشرات الكتب والأبحاث، على مدار الـ43 سنة الماضية، التي سعت إلى فهم كيفية حدوث هذه المفاجأة، التي توصف بأنها “الإخفاق” بـ”أل” التعريف، وهو تعبير عن “عقدة نفسية”، ما زالت ترافق إسرائيل كما يشير موقع “عرب 84 “الذي نشر تقريرا بهذا الشأن .
وفي السنوات الأخيرة، جرت إماطة اللثام وإزالة السرية عن عدد من الوثائق وأجزاء من تقرير لجنة التحقيق الرسمية التي تشكلت في أعقاب “الإخفاق” برئاسة رئيس المحكمة العليا الإسرائيلية، شمعون أغرانات. لكن أجزاء من تقرير “لجنة أغرانات”، ما زال يخضع للسرية حتى اليوم. ويذكر أنه بعد أن وضعت الحرب أوزارها، استقالت رئيسة الحكومة الإسرائيلية، غولدا مئير، ورئيس أركان الجيش، دافيد إلعازار.
وترددت طوال هذه السنوات روايات عديدة في إسرائيل، رافقها تبادل اتهامات، ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، مشحونة بالغرائز والعواطف والمعسكرات، بين جنرالات تلك الحرب. و”حرب الجنرالات” هذه، دارت وما زالت تدور وتتمحور حول عدم قدرة إسرائيل على توقع والهجوم المفاجئ ضدها. فشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، المسؤولة عن وضع التقييمات القومية الإستراتيجية، برئاسة إيلي زاعيرا، عشية الحرب وخلالها، تتهم جهاز “الموساد” ورئيسه أثناء الحرب، تسفي زامير، بعدم توفير الإنذار، بينما يتهم الموساد وزامير “أمان” وزاعيرا بتبنيهم مفهوم أن مصر لن تجرؤ على المبادرة إلى شن حرب ضد إسرائيل.
وبعد أن أحضر زامير “المعلومة الذهبية”، قبل ساعات من نشوب الحرب، بعد لقائه في لندن مع أشرف مروان، صهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والمقرب من الرئيس الأسبق أنور السادات، بأن مصر ستشن هجوما في 6 أكتوبر على حد قول المصادر الاسرائيلية، لم يقتنع ولم يستوعب “أمان” هذا الإنذار. ولا يزال السجال دائرا حتى اليوم حول ما إذا كان مروان جاسوسا لإسرائيل، لمجرد طمعه بالمال، أم أنه جاسوس مزدوج، عمل بموجب خطة مصرية محنكة جرى بموجبها دفعه لأن يكون جاسوسا وتضليل الإسرائيليين.

توقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978

وصدرت في السنوات الأخيرة عدة كتب حول هذه الحرب. أحدها صدر في العام 2011، بعنوان “بعينين مفتوحتين – رئيس الموساد يحذر: فهل إسرائيل مصغية؟’ من تأليف زامير نفسه. وسعى في هذا الكتاب إلى إثبات أن مروان كان جاسوسا إسرائيليا وتفنيد رواية زاعيرا و”أمان” حول الجاسوس المزدوج. وكتاب آخر، صدر في العام 2012، بعنوان “1973 – الطريق إلى الحرب” من تأليف الأكاديمي يغئال كيبنيس. ووفقا لهذين الكتابين، فإنه بعد توجهات السادات المتكررة إلى إسرائيل، عبر الولايات المتحدة، للتوصل إلى تسوية تستعيد مصر بموجبها شبه جزيرة سيناء، ورفض إسرائيل المطلق لهذه التوجهات، اتخذ السادات قرارا إستراتيجيا بشن حرب مفاجئة بهدف إنهائها من خلال إطلاق عملية سياسية، والتي قادت في النهاية، وبعد سنوات، إلى اتفاقية سلام منفرد بين مصر وإسرائيل.
مؤشرات لدى الموساد

بحلول “يوم الغفران” ، نشر رئيس الموساد في الأعوام 1989 – 1996، شبتاي شابيط، مقالا مطولا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” ، عبر فيه عن دعمه لرواية زامير، بل أنه أشار إلى أن “المعلومات التي جمعها الموساد، خلال السنوات التي سبقت الحرب، كان ينبغي تفسيرها كإنذار واضح للحرب”. والنظرية المركزية التي يطرحها شابيط الآن، هي أنه تم إقصاء الموساد عن صناعة القرار.
وبحسب هذه النظرية، فإن من يريد فهم خلفية حرب يوم الغفران، يتعين عليه أن يكون شاهدا على أن العلاقات بين (وزير الأمن أثناء الحرب موشيه) ديان وزامير كانت فاترة جدا، لأن زامير يعتبر مقربا أو تحت رعاية يغئال يدين، منافس ديان الأكبر. وكانت العلاقات فاترة لدرجة أن زامير لم يُدعَ أبدا للمداولات لدى وزير الأمن ديان. ورئيس أمان، اللواء إيلي زاعيرا، كان الصديق الودود لموشيه ديان، وكان يعده لتولي منصب رئيس هيئة الأركان العامة. شافيط نفسه كان يتولى منصب رئيس دائرة العمليات في الموساد أثناء الحرب. وبحكم منصبه هذا كان مسؤولا عن الاتصالات مع أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأخرى، ومقربا من زامير، وحضر اجتماعات للحكومة والمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية.
ويفيد شابيط بأنه بعد تشكيل “لجنة أغرانات”، أبلغت اللجنة زامير بأنه سيُستدعى للإدلاء بشهادة أمامها. وعلى أثر ذلك، شكل زامير طاقما مؤلفا من مندوبين عن وحدات الموساد المختلفة، برئاسة شافيط، مهمته استعراض مساهمة الموساد، من الناحية الاستخبارية، قبل حرب أكتوبر، وحصر ذلك في أربعة جوانب: النوايا الإستراتيجية المصرية والسورية، تعاظم قوة هاتين الدولتين، وصف مصادر المعلومات الاستخبارية لطبيعة الحرب المقبلة، والإنذارات التي زودها الموساد حول مواعيد يمكن أن تنشب فيها الحرب.
واستعرض شابيط في مقاله، ، جزءًا من المعلومات حول مصر وأداء السادات، والتي وصلت إلى الموساد من خلال عملائه أو بواسطة أجهزة استخبارات أجنبية “صديقة”:
إحدى التقديرات لدى الموساد كانت أنه “من أجل إخراج الصراع من الجمود”، فإن السادات يرى ضرورة نشوب حرب محدودة النطاق. “وليس السادات وحده يتمسك بمفهوم سياسي إستراتيجي كهذا، وإنما وافقت عليها كل القيادة المصرية”. وبحسب شابيط، فإن الموساد توصل إلى هذا التقييم بعد حصوله على مجموعة من المعلومات الاستخبارية.
القدس المحتلة- وليد أبو سرحان

Related posts

Top