بنعبدالله: لا يمكن بلورة نموذج تنموي دون حضور قوي للمساواة

دعا نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، إلى استثمار الفرصة التاريخية التي يمثلها طرح صياغة بلورة النموذج التنموي الجديد، للدفع بقوة في اتجاه إشراك المجتمع في النقاش، إذ يشكل الأمر فرصة إضافية قوية للعودة لمناقشة بعض المقاربات الأساسية ويعض القضايا الجوهرية المطروحة داخل المجتمع، خاصة ما يرتبط بالمساواة ، كما يشكل فرصة أمام قوى اليسار للعودة بخطاب قوي يؤكد على بعض القضايا المفصلية والتي تعد من صميم هويتها.
وقال نبيل بن عبد الله ، خلال افتتاحه أشغال اللقاء الذي خصص لمناقشة موضوع “المساواة رافعة لنموذج تنموي منصف ومستدام”، والذي يندرج في إطار منتديات النقاش الموضوعاتي في إطار بلورة نموذج تنموي للمغرب”، “هناك فترات تاريخية حاسمة يتعين فيها الإدلاء بالرأي والموقف بشأن قضايا تعد جوهرية ومفصلية، وأنه في انتظار تعيين اللجنة التي ستتكلف بتلقي المساهمات الخاصة بالنموذج التنموي، يجب جعل هذه الفرصة مناسبة إضافية قوية للنقاش الجماعي المجتمعي، كما كان الشأن إبان إعداد مقترحات لصياغة دستور 2011، الذي تميز بإعمال الذكاء الجماعي”، ولو أن الأمر بالنسبة للوضع الحالي، حسب تعبير الأمين العام، ليس بنفس الوقع.
وأوضح نبيل بن عبد الله أن حزب التقدم والاشتراكية اختار في محطات أساسية من نهجه أن يجعل من بعض القضايا رافعة لإعطاء نفس جديد لخطاب اليسار، وللتأكيد على أن هناك مفارقات ومنطلقات تختلف وأن هناك هوية مرتبطة بمدارس سياسية معينة في مواجهة مدارس سياسية أخرى، وذلك بغض النظر عن ما يمكن أن يوجد من تحالفات في الواقع الرسمي أو الحكومي.
وكشف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في هذا الصدد، عن المساعي الجارية من أجل تطوير بعض المقاربات على هذا المستوى مع جمعية جسور وبعض الجمعيات الأخرى، حتى يعود الخطاب اليساري بقوة وذلك في الوقت الحالي من خلال قضية المساواة وقضايا أخرى في المستقبل، والتي هي مرتبطة في العمق بالمقاربة اليسارية كقضية الديمقراطية كفلسفة في تأطير المجتمع والحرية سواء كانت فردية أو جماعية، و العدالة الاجتماعية كمنطلق أساسي بالنسبة لمقاربة اليسار.
و لم يفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية أن يؤكد على المسار الشاق الذي قطعته قضية المساواة، مشيرا في هذا الصدد إلى بعض المحطات الأساسية التي قطعتها القضية والتي لم تتحقق العديد من أعمدتها إلا عبر مسار نضالي وقع فيه شرخ حقيقي في المجتمع وبعدها تحقق التوافق، قائلا” يجب أن لا ننسى، وهذا خطاب نوجهه حتى لبيتنا الداخلي أي حزب التقدم والاشتراكية، على أنه بات من الضروري أن نعود بخطاب قوي لتحديد هذه الهوية وللتأكيد على بعض القضايا المفصلية ومن ضمنها قضية المساواة”.
وسجل الأمين العام بهذا الخصوص أن المغرب حقق تقدما في عدة قضايا تهم المساواة، يأتي على رأسها المحطة الكبيرة المرتبطة بمدونة الأسرة التي بعد مرور 15 سنة على إقرارها باتت تحتاج إلى تقييم وإصلاح لرفع العراقيل التي تحول دون التطبيق السليم لمقتضياتها، وكذا الأمر بالنسبة للتمثيلية السياسية للنساء، وكذا الحضور القوي للنساء في مراكز القرار في الإدارة العمومية وفي بعض المناصب.
وأوضح أنه، بالنسبة للتمثيلية السياسية للنساء، يسجل تأخر، وباتت تطرح كلما حل موعد الاستحقاقات الانتخابية قائلا:إننا نقف في هذا الصدد وسط الطريق بشأن هذا الأمر، إذ في الوقت الذي كان من الضروري اعتبارها من المسلمات بعد أن حقق المغرب قفزة في هذا الجانب، يظل مستوى التمثيلية السياسية للنساء متنيا، مقارنة مع بعض الدول “، فيما بالنسبة لمواقع القرار والمسؤولية اعتبر المسؤول الحزبي أن النساء “لازلن يعانين من بعض مظاهر الحيف وانعدام الإنصاف قي العديد من المناصب القطاعية على وجه الخصوص”.
وشدد في هذا الصدد، على أن حزب التقدم والاشتراكية يعتبر أنه “لا يمكن بلورة نموذج تنموي لا تكون فيه مسألة المساواة حاضرة بقوة، كاشفا أن المشروع الذي يوجد الحزب بصدد صياغته، والذي سيعلن عنه في القريب، ينبني على خمس مداخل أساسية، كلها تجعل مسألة النساء ومكانة النساء حاضرة بقوة، سواء تعلق الأمر بالمدخل الأول المتعلق بوضع الإنسان في صلب العملية التنموية، وكذا الشأن بالنسبة للنمو الاقتصادي الذي لا يمكن تصوره دون القيام بخطوات جريئة يكون للمرأة فيها دور متميز.
وبخصوص المدخل الخاص بالعوامل الغير اقتصادية للتنمية، حيث هناك أمور قيمية حضارية، فإن المشروع يعتب المتحدث أنه يجب التأكيد فيها على أن الخط الفاصل بين الطابع المحافظ للمجتمع المغربي وبين انفتاح هذا المجتمع على الحداثة وكل ما هو جديد بالمعني الإيجابي ، يمر عبر قضية المساواة بين المرأة والرجل في مجتمعنا وباقي المجتمعات، مضيفا للتوضيح في هذا الإطار، أنه، “عندما نتحدث عن القيمية والحضارية عمليا نثير أمورا مرتبطة بالتأويلات الدينية”
وشدد نبيل بنعبدالله على أن التقدم والاشتراكية، كحزب ينتمي لحركة سياسية يسارية، وضع مسألة المساواة مسألة أساسية ومركزية، من صلب هويته، وأنه يعتقد بضرورة طرح مسألة التأويل للنصوص الدينية مع الأطراف الأخرى، إذ يعتبر من واجبه كحزب ينتمي لحركة اليسار طرح هذه الأفكار داخل المجتمع للنقاش.
من جانبها اعتبرت الفاعلة الحقوقية، خديجة الرباح، المنسقة الوطنية لحركة أمل من أجل ديمقراطية المناصفة، أن المساواة تعد أساس المبادئ التي يجب أن ينبني عليها تحديد المرجعيات لبناء المشروع التنموي الجديد، منبهة إلى ضرورة توفر إرادة سياسية حقيقية لتحديد المرجعيات التي ينبغي أن نستعين بها للنهل مما تضمنته توصيات اللجات التعهدية الأممية الموجهة للمغرب وكذا ما تضمنته مقتضيات دستور 2011 الذي يطبع التأخر تنزيل مضامينه.
وشددت خديجة الرباح، في نفس الإطار على أن النموذج التنموي يجب أن يبنى وفق مقاربات وبناء على مؤشرات قوية مع تحديد المرجعيات التي ينبغي أن تكون واضحة، ووضع استراتيجيات جديدة لمقاربة النوع، تكون متكاملة ببعدها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي، هذا مع العمل بالموازاة مع ذلك على توضيح المعنى الحقيقي لمقاربة النوع التي لازال مضمونها مثار خلط لدى العديد من الفاعلين، والقطع في ذات الوقت مع منطق الاشتغال السائد حاليا لتجاوز أزمة النخب التي لاتمس الأحزاب السياسية فحسب، يل تمتد لهيئات المجتمع المدني وحتى للمؤسسات .
ودعت إلى إعمال القانون التنظيمي للمالية، الذي جاء ليفعل مضامين الدستور، حيث نص على مسألة التنسيق البين قطاعي والقطع مع العمل بمنطق قطاعي صرف، وأن يتم اعتماد ذلك على مستوى السياسة الوطنية والجهوية والمحلية، قائلة، بهذا الخصوص،”إنه يجب عدم الاقتصار على العمل على المستوى الوطني بل ينبغي التنسيق بين المصالح المركزية والإدارات اللاممركزة، ليس فقط في مرحلة الإعداد بل أيضا في مرحلة إقرار نظام المعلوميات والبرامج والمشاريع والميزانيات “، وإعمال الشراكة .
وشددت، في هذا الإطار، على ضرورة ربط إعمال المساواة بمنظومة الحسابات الوطنية لكون هذه الأخيرة تأخذ بعين الاعتبار اقتصاد الرعاية أي “عمل النساء في البيت”، في مستواها الوطني والجهوي، وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة ومحو الأمية للنساء والفتيات والقضاء على الفقر”.
من جانبها، أكدت رشيدة الطاهري على ضرورة إعمال المساواة الفعلية وجعلها في صلب النموذج التنموي، مشيرة إلى أن المغرب يتوفر على تراكمات إيجابية في المجال، لكن مسار الإنجازات يتسارع أحيانا وتتخلله عراقيل أحيانا أخرى.
وشددت في هذا الإطار على ضرورة الانتباه إلى بعض العراقيل التي تتضمنها بعض القوانين والمساطر والتي تحول دون إعمال المساواة وحصول النساء حتى على حقوقهن بل وتساهم في إقصائهن.
وأبرزت أن النموذج التنموي العادل هو الذي يقوم على رؤية مندمجة والتقائية بين القطاعات، أي أن النموذج التنموي الناجع اقتصاديا والمنصف اجتماعيا يجب أن يعتمد مقاربة النوع، وأوردت في هذا الصدد عددا من المعطيات الرقمية التي تبرز الحيف الذي تعاني منه النساء ويحول دون إنصافهن.
ونبهت إلى أنه في الغالب ما يتم استحضار هذه الأرقام دون أن تكون مقرونة بالتفاوتات المسجلة بين وضعية النساء والرجال، معتبرة أنه لا يمكن الحديث عن نموذج تنموي في غياب مساءلة المعطيات.
أما عبد الله أونير، أستاذ جامعي بكلية الحقوق بطنجة، منسق ماستر النوع وحقوق النساء، فقد أكد أن على الأحزاب السياسية، خاصة التي تنتمي لحركة اليسار، أن تقطع مع الخطاب الذي يستعمل المرأة واستبدال ذلك بمقاربة النوع التي تؤدي إلى المساواة، مؤكدا من جهته، أن هذه المقاربة تعد العمود الفقري لأي تغيير وينبغي أن يتم إعمالها كمفهوم من طرف جميع الفاعلين.
وبرر الأستاذ أونير، هذا الطرح بالصور النمطية التي باتت تلصق بالخطاب الذي يستعمل كلمة المرأة، داعيا في هذا الصدد إلى توضيح مفهوم مقاربة النوع حتى يتم إعمالها في القوانين سواء تعلق الأمر بالقانون الجنائي أو القوانين الأخرى، ويتملكها مختلف الفاعلين وفئات الموظفين، بما فيهم القضاة في المحاكم الذين تصدر أحكامهم دون أن تأخذ بعين الاعتبار مضمون المقاربة، التي لازالت تعد مثار خلط ، إذ هناك من يخلط بين كونها تعني الأطفال والمعاقين والنساء.

< فنن العفاني

< تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top