بوادر الحكومة التكنوقراطية تعزز الغموض حول مصير الأزمة الجزائرية

أعطى قرار الرئيس الجزائري بتعيين أستاذ جامعي كرئيس للوزراء، انطباعا على أن الحكومة القادمة ستكون حكومة تكنوقراط بامتياز، للنهوض بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية المطروحة في البلاد، مما يبقي مخارج الأزمة السياسية تحت طائلة الغموض والريبة.
وتتجه السلطة الجديدة في الجزائر إلى تحقيق الحد الأدنى من الثقة لدى الشارع الجزائري المنتفض منذ أكثر من عشرة أشهر، عبر الإعلان التدريجي عن شكل وهوية الحكومة الجديدة، حيث أعلنت، الأحد، عن استحداث منصب جديد يجمع بين الوزارة والاستشارة.
وأعلن بيان لرئاسة الجمهورية، في برقية بثتها وكالة الأنباء الرسمية، عن تسمية بلعيد محمد أوسعيد، في منصب وزير مستشار للاتصال ناطقا رسميا باسم الرئاسة، وذلك في أول خطوة لتجسيد البيان الصادر عنها والموجه لوسائل الإعلام، القاضي بضرورة العودة إلى البيانات الرسمية لمؤسسة الرئاسة التي تبث عبر الوكالة الرسمية.
وحذر بيان الرئاسة الذي تباينت ردود الفعل بشأنه من طرف الفاعلين في قطاع الإعلام الجزائري، من “النشاط الحصري والمصادر الغامضة سواء في الإعلام الرسمي أو الاجتماعي، وحذّرت من وقوع أصحابها تحت طائلة القانون”، الأمر الذي اعتبرته نقابة الصحافيين “خرقا جديدا لميثاق العمل الصحافي ولحرية التعبير والوصول إلى مصادر الخبر”.
وسبق للوزير الجديد بلعيد محمد أوسعيد، الذي أعلن قبل يومين عن استقالته من رئاسة حزب الحرية والعدالة، أن شغل منصب وزير الاتصال في عهد الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، واصطدم حينها بنفوذ جهاز الاستخبارات لمّا حاول القيام بإصلاحات في الإعلام الحكومي.
وجاء الكشف عن المنصب والشخصية الجديدة، غداة الإعلان عن تعيين عبدالعزيز جراد، في منصب رئيس الوزراء، والذي خلّف ردود فعل متباينة حول الرجل رغم الإجماع على ايجابية الرصيد الأكاديمي وخبرته في المجال الرسمي، حيث سبق له شغل منصب مستشار لدى رئاسة الجمهورية أثناء رئاسة الرئيس السابق للبلاد اليامين زروال، كما شغل مناصب دبلوماسية في وزارة الخارجية.
ويعتبر عبدالعزيز جراد، المتخرج من أكبر مدرسة في الجزائر لتكوين كوادر الدولة (المدرسة الوطنية للإدارة)، شخصية أكاديمية، حيث أدار المدرسة المذكورة لخمس سنوات، قبل أن يلتحق بكلية الاتصال والعلوم والسياسية.
وتباينت المواقف بشأنه، خاصة في ما يتعلق بموقفه من الاحتجاجات الشعبية المعارضة للسلطة، ففيما ينقل عنه “الإقرار بحق الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، في الترشح للانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في أبريل الماضي”، في تصريح أدلى به لصحيفة حكومية، ويذكر عنه أيضا تغريدة في حسابه الشخصي على تويتر، يعبّر فيها عن امتعاضه من “المتزلفين لقائد أركان الجيش السابق، الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، ومن خطرهم على أي انتكاسة تصيب ثورة الشعب السلمية”.
ولا يعرف عن الوافد الجديد إلى رئاسة الحكومة، أي انتماء أو لون سياسي أو حزبي، إلا بعض التصريحات أو التغريدات المقتضبة غير المنسجمة مع نظام الرئيس السابق، رغم أنه اضطلع بعدة وظائف رسمية في نفس النظام خلال عهد الرئيس السابق اليامين زروال “1995- 1998”.
وهو ما يصنّف الرجل في خانة اللفيف التكنوقراطي، الموجه للنهوض بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية، حسب التصريح الذي أدلى به فور تعيينه في المنصب واستلام مهامه من سلفه صبري بوقادوم، الذي خلف نورالدين بدوي بالنيابة بعد انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، الأمر الذي يُبقي مصير الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد محلّ غموض.
لكن الاستقبال غير المعلن عنه لغاية مساء أمس، لرئيس الوزراء السابق المعارض أحمد بن بيتور، من طرف الرئيس عبدالمجيد تبون، في مقر رئاسة الجمهورية، يذهب إلى التأسيس لرؤية جديدة لدى السلطة لإحداث صدمة تدريجية من أجل احتواء غضب الشارع، خاصة وأن الشخصية المذكورة تحظى بثقة لدى المعارضة، قياسا بمواقفها الثابتة تجاه الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ بداية العشرية الأخيرة.
وعلى غير العادة، ورغم أن دستور العام 2016، الذي يقر باستشارة رئيس الجمهورية لأحزاب الأغلبية لدى اختيار رئيس الوزراء، فإنّ توجهات السلطة تتجه إلى تجاوز هذه العقبة، رغم أن الأمين العام بالنيابة لحزب الأغلبية (جبهة التحرير الوطني) علي صديقي، أكد في تصريح سابق على “ضرورة الامتثال للدستور واستشارة أحزاب الأغلبية”، الأمر الذي يكشف ملامح مواقف الكتل النيابية خلال عرض برنامج الحكومة على البرلمان.
ويبدو أن العلاقة المتوترة بين الرئيس الجديد، وبين أحزاب الأغلبية، خاصة جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، على خلفية دعمهم للمرشح عزالدين ميهوبي في الاستحقاق الرئاسي الأخير، ستسرع بمخطط السلطة الجديدة القاضي بتنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مبكّرة.
ولا زالت الاحتجاجات الشعبية المناوئة مستمرة في البلاد، رغم انتخاب رئيس جديد، وتغييب الموت للرجل القوي في السلطة والجيش قائد الأركان الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، ورغم ظهور بوادر انزلاق في مظاهرات الأسبوع الخامس والأربعين، بدخول ما يعرف بـ”البلطجية” للاعتداء على المتظاهرين وتخويفهم، إلا أن المطالب الأساسية للحراك الشعبي لا زالت قائمة، “من أجل رحيل النظام وتحقيق التغيير الشامل”.
وهو ما يثير التساؤل حول قدرة الحكومة الجديدة على الصمود في وجه الاحتجاجات، خاصة وأن طابعها تكنوقراطي، فضلا عن تساؤلات عن قدرة الرئيس الجديد على احتواء الوضع وتجسيد تعهداته السابقة، لقطع الطريق على بوادر الانزلاق الاجتماعي وحالة الشحن غير المسبوقة في البلاد.

Related posts

Top