بوبكري: وسطاء التأمين يفلسون في صمت بسبب جشع شركات التأمين

خاض في الآونة الأخيرة وسطاء التأمين؛ وكلاء وسماسرة، إضرابين متتاليين، احتجاجا على الأوضاع التي أصبح يعيش فيها وسيط التأمين، التي يصفونها بالكارثية، مؤكدين على ضرورة دق ناقوس الخطر، للحد من ما يسمونه بالعبث في القطاع.
وفي هذا الصدد، أجرت جريدة بيان اليوم حوارا مع يونس بوبكري رئيس جمعية وسطاء مستثمري التأمين، الذي تحدث فيه عن مختلف المشاكل التي تعترض وسيط التأمين، من قبيل ضعف العمولة، والمنافسة غير المشروعة، ثم الافتتاحات العشوائية، فضلا عن التعسفات التي تقوم بها شركات التأمين في حق الوسطاء، من قبيل ما يطلقون عليه مهنيا، بـ le blocage des attestations automobiles.
ويرى يونس بوبكري أن شركات التأمين هي المستفيدة من هذا الوضع، خصوصا وأن القطاع يحقق أرقاما جيدة في الظرفية الأخيرة، في الوقت الذي لا يستفيد فيه الوسيط من هذا التطور الحاصل في القطاع، ذلك أن مجموعة من الوسطاء يعانون في صمت، ولا يحتجون على هذه الشركات من الممارسات التي تلحقهم، ولو اضطرتهم الظروف إلى غلق أبواب وكالاتهم.
وانتقد بوبكري، غياب فعالية المؤسسة الوصية في القطاع، أي هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، التي سجل غيابها الكلي في المجال، وعدم تدخلها في القضايا الخلافية بين الوسيط والشركة، في الوقت الذي تتدخل فيه لصالح الشركة فقط، على حد ما جاء في نص الحوار.
وإلى جانب هذه النقط تحدث يونس بوبكري عن مجموعة من المشاكل التي يتخبط فيها وسطاء التأمين، والحلول المقترحة لحلها، وفيما يلي نص الحوار:

< في الآونة الأخيرة هناك إضرابات متسلسلة لوسطاء التأمين، لماذا ؟
> في البداية، لابد من الإشارة إلى أن جمعية وسطاء مستثمري التأمين كانت سباقة في التحذير من وقوع أزمة غير مسبوقة في صفوف وسطاء التأمين مطلع سنة 2019. وذلك تنظيرا منا لحجم الإكراهات والمشاكل التي يعاني منها الوسطاء.
والإضرابين الوطنيين الأخيرين هما نتيجة مؤكدة لما سبق وحذرت منه جمعيتنا، من أن وسيط التأمين يشتغل في ظروف أقل ما يقال عنها كارثية، ويجب دق ناقوس الخطر حولها. وأن على الدولة من خلال سلطة الوصاية تحمل جميع مسؤولياتها في هذا الشأن، لإيقاف العبث الذي يشهده القطاع منذ سنوات.
إحدى الجمعيات المهنية المماثلة بالقطاع، سارعت بدورها بإعلان الاحتجاج عن الأوضاع، بواسطة المناداة للإضراب الوطني عبر غلق الوكالات ومكاتب التأمين، وذلك في 14 يونيو 2019، وهي الدعوى التي انخرطت معها جمعيتنا بشكل تلقائي كوسيلة أخرى للاحتجاج، باعتبار أن الجمعية انخرطت في مبادرات أخرى سنأتي على ذكرها فيما بعد.
وقد ساهمت الجمعية بكل الوسائل من أجل الدعوى لإنجاح المحطة النضالية الميدانية. وكانت الاستجابة لهذا الإضراب جد واسعة عبر ربوع المملكة، هذه الاستجابة تترجم حجم المشاكل والاكراهات التي يعيشها وسطاء التأمين، سواء تعلق الأمر بوكلاء أو سماسرة، وأن الأمر لا يتعلق بحالات معزولة، وإنما يهم قطاعا بأكمله، وهو ما ينبئ بقرب وقوع الأزمة بالقطاع، وذلك من خلال دراسة المعطيات الكمية والنوعية التي تتوفر عليها الجمعية، و مدا تسارعها و تطورها بالميدان.

< تتحدثون عن وجود أزمة في القطاع ما الذي تقصدونه بالضبط ؟
> بالفعل يعرف القطاع أزمة حقيقية، فوسطاء التأمين هم ضحية هذه الأزمة، صحيح أن قطاع التأمينات إجمالا يعرف ثورة حقيقية، من خلال تحقيقه لأرقام معاملات غير مسبوقة، إلا أن ذلك لا ينعكس على وسيط التأمين، فالوسطاء لازالوا يتخبطون في إكراهات التسيير، حيث هم يمثلون شركات التأمين وإعادة التأمين بعقود حصرية خاصة الوكلاء منهم، وقد تم الترخيص للعديد من الوكلاء في العشرية الأخيرة، إلا أن المشكل الأساسي أصبح يتمثل في حجم المصاريف التي يتحملونها يوميا في تسيير وكالاتهم، نظرا لضعف هامش العمولة الذي لا يتجاوز 12%، دون احتساب الضريبة، بالنسبة لتأمين العربات، الذي يشكل 60% من رقم معاملات الوسطاء من مجمل فروع التأمين، الذي من المفروض أن يغطي تكاليف الإنتاج والتسيير التي أصبحت جد مكلفة، مع الذكر أن نسبة المخاطرة في استخلاص قيمة التأمينات لدى المستهلك أصبحت كبيرة، نظرا لضعف القدرة الشرائية لدى المستهلك بالبلاد.
والحل الذي نراه مناسبا للخروج من هذا المستنقع وبالضبط على مستوى هذه النقطة، هو مراجعة قيمة العمولة للعديد من فروع التأمين، وتعويض الوسيط عن تدبيره وتسييره لملفات الحوادث لفائدة شركات التأمين وإعادة التأمين والتي لا يتلقى عن تسييرها أي أجر.
الإشكال الثاني يتعلق بالتخطيط وغياب إستراتيجية حقيقية لضمان ديمومة نشاط الوساطة في التأمين، فقد توالت الافتتاحات العشوائية لمكاتب الوساطة لفائدة شركات التأمين وإعادة التأمين، وبطريقة غير مدروسة. دون الحديث عن الرخص التي تمنح للمكاتب المباشرة أيضا، و التي تسير مباشرة من طرف شركات التأمين وإعادة التأمين، والتي تطور عددها بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة، منافسة بذلك الوسطاء فعليا.
والضحية في هذا المشهد هو ذلك الشاب الذي تمكن من اجتياز مباراة الحصول على مهنة وسيط في التأمين، واستثمر من ماله الخاص في مشروع مهني اعتقد أنه سيكون استثمار رابح-رابح، ليجد نفسه أمام دوامة من الإكراهات، هو الخاسر الأكبر فيها، نظرا لعدم توفر العديد من المترشحين لمهنة الوساطة في التأمين، على فكرة واضحة عن القطاع قبل القيام بأي استثمار، من قبيل حجم التنافسية، ومشاكل التسيير التي سبق الحديث عنها.

< لكن من المسؤول عن تراخيص وسطاء التأمين ؟
> المسؤول الأول عن المراقبة بالقطاع، وكذا منح التراخيص وتحديدها هي هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، والتي نلاحظ في الآونة الأخيرة اللامبالاة من جانبها في لعب دورها المحوري في تنظيم القطاع والسهر على تطبيق القانون على الجميع المتدخلين في قطاع التأمين بدون استثناء. بل إن هناك غياب فعلي في حل المشاكل التي تنشأ بين الوسطاء وشركات التأمين بشكل ودي، بل أضحت هي المشكل في حد ذاته، لا سيما في ظل تعرض عدد كبير من الوسطاء للإفلاس والمتابعات القضائية، دون أي تدخل من جانبها لإصلاح ذات البين، أو الحفاظ على مقاولات ساهمت في تدوير عجلة الاقتصاد، وفي تشغيل يد عاملة مهمة، وحققت أرقام معاملات مهمة، لنجدها بين ليلة وضحاها، قد قد أغلقت أوضاع مورد الرزق للعديد من الأسر، دون أي تدخل أو تقييم من طرف الهيئة الوصية.
ومن المفترض أن تقوم هذه الهيئة بدراسات في القطاع من أجل التوجيه والتنظير له، في إطار احترام القانون. وحتى لا يكون الوسطاء ضحايا لشركات التأمين فقد حققت بفضلهم تطورا نوعيا، وانتعاشا ورواجا كبيرين، دون أن يعود ذلك بالنفع على الكل.
وإلى الآن وحدهم شركات التأمين المستفيدة من ما يحققه القطاع من أرقام، وهي تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية في الفوضى التي يشهدها، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في إفلاس العديد من الوكالات، بل إن هناك عدد كبير من الوسطاء أغلقوا مكاتبهم بشكل مفاجئ.
وذلك إما لعدم قدرتهم على مواجهة الواقع المفروض عليهم، والغياب التام لأي قنوات تواصل بينهم وبين شركائهم (شركات التأمين)، أو خوفا من المتابعات القضائية التي أصبحت تمارس بشكل فاضح بالميدان، من قبل جل شركات التأمين. دون المراعاة لما قدمه الوسيط من المساهمة الفعلية في تطوير العلامة التجارية التي اشتغل إلى جانبها.

< أشرت قبل قليل إلى مشكل العمولة، هلا وضحت لنا هذا المشكل ؟
> كما قلت سلفا، العمولة ضعيفة بالنسبة للمنتوج الرئيسي، وحجم التدبير اليومي لملفات حوادث تأمين العربات والتي يتم تسييرها بدون أي مقابل مادي، يجعل الوكالات مهددة بالإفلاس (العمولة هي الأجر) خصوصا وأن الوكيل لا يستفيد منها حسب الممارسة الميدانية التي تخالف القانون، إلا بعد استيفاء قسط التأمين كاملا.
وفي الغالب يصعب على الوكيل استخلاص قسط التأمين دفعة واحدة، لأنه في أغلب الأحيان يقدم تسهيلات لفائدة الزبناء، نظرا لضعف قدرتهم الشرائية، وتواجد أغلبهم في المناطق القروية والنائية وضرورة تمكينهم من الحصول على عقود التأمين لالزاميتها، هذا إن تمكن من استيفاء الأقساط، أما إن لم يتمكن من ذلك فالمشكل أكبر لدى الوسيط، فأغلب شركات التأمين، لا تتوانى في احتساب القسط غير المؤدى كمديونية على ذمة الوسيط، رغم أن العقد يهم الزبون. وهذا كافي لتعريض الوكيل إلى الإفلاس.
والملاحظ هو أن عدد زبناء الوكلاء سائر نحو الانخفاض بشكل مستمر، نظرا للتنافسية الشرسة في القطاع، وكما هو معلوم فإن الوكيل إذا لم يقم بعمليات البيع فسيتوجه نحو الإفلاس، على اعتباره يتحمل مصاريف الشركة بشكل كلي، وهذه هي الخطورة التي نتحدث عنها وتواجه المشتغلين في القطاع.
من هنا، أؤكد بأن العمولة ضعيفة ومجمدة، في حين نجد مصاريف التسيير تفاقمت كلها، في الوقت الذي نجد هناك بعض العوامل قد تطورت، والتي تستفيد منها شركات التأمين بالدرجة الأولى خصوصا في الزيادة الكبيرة للمؤمنين..
وكما أوضحت فإن المستفيد من افتتاح الوكالات هي الشركات، لأنها تضع علامتها وصورتها (لوغو) في الحي، وذلك على حساب خسارة الوكيل الذي سيغلق محله بدون جدل في ذلك، إذ العشرات من الوكالات أفلست في السنوات الأخيرة.

< هل تعتبرون أن بعض شركات التأمين تخرق القانون في تعاملاتهم مع وكلائهم ؟
> للأسف الشديد نعم، فبعض شركات التأمين تخرق القانون وكذا العقود الموقعة في تعاملاتها مع الوسطاء. فمن الضغوطات التي يواجهها الوكلاء بشكل دوري هو إلزامهم بتسديد قيمة عقد التأمين دفعة واحدة، دون مراعاة للإكراهات التي تتحملها الوكالة للحفاظ على ديمومة استثمارها، أو المشاكل التي تواجه الوسطاء في استيفاء أقساط التأمين لدى زبناء وكالاتهم. إذ تعمد بعض شركات التأمين وإعادة التأمين إلى توقيف إنتاجية الوسيط عن طريق رفض تزويده بشهادات التأمين على العربات، وهي الوثائق اللازمة لاستنساخ عقود التأمين، ممارسة بذلك، نوعا من استغلال النفوذ، وهذا الأمر خطير صراحة.
وللتوضيح أكثر، فمن أجل خدمة زبناء تأمين العربات، فالوكالة في حاجة ماسة إلى شواهد التأمين، التي من المفترض التوصل بها بشكل دوري وحسب طلب الوكيل من طرف شركة التأمين، بهدف تغطية إنتاجية مقاولته، وهذا هو المتفق عليه في “اتفاق التعيين”، أي الاتفاق الذي يجمع بين وسيط التأمين وشركة التأمين، والمصادق على جميع بنوده من قبل هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي. والتي تنص في مجملها على أن توفر شركة التأمين لوكيلها جميع مستلزمات الإنتاج من أجل بيع وترويج منتجاتها. والسهر على دعمه في مجهوداته التجارية.
غير أنه على مستوى التطبيق، نجد الممارسات غير القانونية والتعسفية أصبحت شائعة من طرف بعض المسؤولين بشركات التأمين. وذلك من أجل تحقيق أهداف داخلية لهاته الشركات، ولو على حساب مصالح الوسطاء أو عبر خرق القانون والأعراف التجارية وهو ما أصبح يصطلح عليه le blocage des attestations automobiles.
وبالرغم من أن القانون وبنود اتفاق التعيين واضحة في هذا الشأن. نجد مؤخرا العديد من الوكالات يتوقف إنتاجها بشكل دوري، وتوقيف الإنتاج يعني فقدان مباشر للزبناء المحتملين أو الدائمين لدى الوكالة، وهو ما يعرض الوكالات للإفلاس، وإن إلى حين، كما أن هذه الممارسات تهين وسيط التأمين نفسه، بل وتحقر من زبنائه، وهي تصرفات غير قانونية، وغير أخلاقية لكن للأسف أصبحت جد شائعة.
وهناك شركات أضحت لا تتوانى في قطع النظام المعلوماتي مباشرة على الوكيل، وهذا أمر خطير أيضا أي أنها تعاقبه بشكل انفرادي ودون أي إنذار مسبق، بل وتعاقب ضمنيا زبناءه باعتبار أنه لم تعد أي وسيلة لخدمتهم، وبذلك فالوكالة تصبح مفتوحة بدون تقديم أي خدمة للعموم !!! مما يفسر كما سبق ذكره الإغلاقات المفاجئة للعديد من الوسطاء.
وهناك بعض الشركات من تمارس تعسفات أخرى ضد وكلاءها، من قبيل القيام بالمنافسة غير المشروعة دون أي مراعاة للعقود المبرمة أو القوانين الجاري بها العمل، مادمت هيئة مراقبة التأمينات لا تقوم بواجبها ولأن الوكيل مغلوب على أمره لأنه يشتغل لحساب مؤسسة كبرى، ويتجنب ما أمكن أي اصطدام معها ولكي لا يخسر علاقته التجارية.
في حين أن ما يغيب عنه أنه وأمام هاته المنافسة غير المشروعة والتوقيف الدوري للإنتاج سيكون مصيره الإفلاس لا محالة ولاشيء غير ذلك، والأرقام تتحدث عن نفسها، فالمئات من الوسطاء أغلقوا استثماراتهم في السنوات الأخيرة.

< ما الذي تقصدونه بالمنافسة غير المشروعة ؟
> من بين المشاكل الأخرى الفادحة التي تواجه الوسطاء، والمتعلقة بالمنافسة غير المشروعة، نجد ظاهرة بيع التأمينات من قبل بعض الأبناك، هذه الأخيرة تقدم على بيع جميع فروع التأمين، مع العلم أن لهم الحق ببيع بعضها فقط، مثل الإسعاف والأشخاص.
بالإضافة إلى ذلك، نجد ظهور البيع عبر الانترنيت من طرف شركات التأمين، بالرغم من تأكيد المدونة على عدم البيع إلا عن طريق الوسطاء، غير أنه نجد البيع بطريقة مباشرة وغير قانونية في الانترنيت، حيث تستغل هذه الشركات لامبالاة هيئة القطاع.
وأمام هذه المنافسة الشرسة للأبناك والانترنيت فحتما سيغلق الوكلاء محلاتهم ويفلسون بشكل كلي، خصوصا وأن البيع عبر هذين الوسيطين يتم بأثمنة تفضيلية عن الأثمنة التي يبيع بها الوسيط، وبطبيعة الحال فالزبون أو المستهلك سيقبل على هذا التأمين المباشر عوض التأمين عن طريق الوكيل أو الوسيط، وكأن الشركة تقول لك: “أنا فتحت معك وكالة التأمين لكنني أبحث عن غلق أبوابها الآن”.
والمسؤول عن كل هذه المشاكل هو عدم قيام هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي بكل أدوارها الخاصة بمراقبة القطاع، وسهرها على تطبيق النصوص التشريعية والقانونية، فهذه الهيئة غائبة تماما وتجدها في حالة واحدة، وهي إذا كانت هناك شكاية من شركة تأمين ضد وسيط ما، أما في حالة العكس فلا مجيب.

< ألا يمكن الحديث هنا، عن وجود فراغ قانوني في القطاع ؟
لا أبدا، لا وجود لفراغ قانوني بالقطاع، فبما أننا نمارس التأمين، فتؤطرنا مدونة التجارة، وقانون الالتزامات والعقود، ومدونة التأمينات، وكذلك قانون المستهلك وغيرها.. بمعنى أن هذه القوانين كافية للحد من التجاوزات الحاصلة، ولكن للأسف الشديد نجد الهيئة لا تسهر على تطبيق القوانين، هذا مع الإشارة هنا، إلى أن بعض الوكلاء ليست لديهم دراية قانونية بشكل كافي، مع العلم بأن رأس مال شركات التأمين هو الجانب القانوني.
من هنا، فإن الشركات تستغل هذا النقص القانوني لدى بعض الوسطاء، خصوصا في ظل غياب نظام أساسي يحميهم من تغول الشركات بغض النظر عن القوانين التي تؤطر القطاع.

< لماذا ينتقد وسطاء التأمين بشكل كبير الدورية الصادرة في سنة 2015 ؟
> كما سبق وأشرنا بأن الهيئة الوصية بدلا أن تكون جزءا من الحل أصبحت جزءا من المشكل، فالدورية الصادرة خلال سنة 2015، أثرت على القطاع بشكل كبير، حيث جاءت لمطالبة الوسطاء بأداء أثمنة التأمينات في أجل لا يتعدى 15 يوما بعد كل شهر من استخلاصها، وهذه الدورية كانت شروطها قاسية على وسيط التأمين، وهي دورية تتميز بخرقها ومخالفتها للقانون.
والقصد من الدورية في الأصل هو أنها تنظيمية أكثر منها قانونية، كما أنها غير ملزمة للجميع بل هي داخلية، غير أن شركات التأمين استغلتها بشكل فضيع، حيث ألزمت شركاءها الجدد بمجموعة من الشروط القاسية صراحة.
بالإضافة إلى فرضهم لهذه المذكرة على الوكلاء الجدد، ذهبوا إلى فرض ملحق عقد على الوكلاء القدامى، يتضمن شروطا لا يمكن أن يستمر من خلالها وسيط التأمين، وهي لا تواكب واقع السوق، وتفرض شروطا تخالف القانون.
ومن بين المستجدات التي جاءت بها المذكرة، نذكر مثلا، اعتبار “الشيك”، وكأنك تخلصت نقدا، وهذا يعني أنه يجب أن أؤدي للشركة ثمن التأمين بالرغم من عدم توصلي بكل المستحقات المالية الخاصة بالتأمين نقدا، لا سيما وأنني قدمت “الشيك” إلى البنك ولكنني لم أستخلص ثمن التأمين.
وهذا الأمر يخالف قانون المحاسبة لأنه لا يمكن اعتبار الأداء بـ”الشيك”، كالأداء النقدي، بمعنى أنه لكل وسيلة ضوابطها الخاصة بها، بيد أن شركات التأمين طبقتها بطريقة تعسفية واستغلتها بشكل كبير، بل أصبحت من بين النقط التي تقفل بها الشركات أبواب الوكالات، بحجة عدم أداء المستحقات المالية في منتصف كل شهر.
ومن بين ما جاءت به المذكرة أيضا، هو عدم تقديم التأمين لفائدة الزبون على شكل أقساط، دون أخذ الموافقة من شركة التأمين، بالرغم من أن هذه الطريقة هي وسيلة لتسهيل وتمكين الزبون من التأمين.
وفي هذا الإطار هناك اجتهاد قضائي مهم صدر في الموضوع، بتاريخ 21 دجنبر 2017، بالمحكمة التجارية الاستئنافية بالدار البيضاء، الذي اعتبر تلك الدورية غير ملزمة، إذ خرج هذا الحكم ضد إحدى شركات التأمين، والتي خالفت كل القوانين المؤطر للقطاع، بخصوص البيع عبر الانترنيت، والأبناك، ووقف الإنتاج على وكلائها..
والمحكمة التجارية، أنصفت الوسيط بهذا الاجتهاد القضائي الذي يعتبر سابقة في القطاع، لأنها بنت حكمها بناء على وجود خروقات في اتفاق التعيين، إذ ألزمت شركة التأمين بتعويض الوكيل على المدة التي حرم منها من وسائل الإنتاج الخاص به، والمتعلقة أساسا ببوليصات تأمين السيارات، بالإضافة إلى تمكينه من بوليصات التأمين.
من هنا، فإن الاجتهاد القضائي لازم، وجاء لرفض كل تلك التجاوزات التي اعتبرها غير قانونية، كما أنه اعتبر الدورية غير ملزمة طالما هناك اتفاق ثنائي بين الوسيط وشركة التأمين.
غير أن شركة التأمين توصلت بالحكم الصادر باسم جلالة الملك ولم تنفذه إلى الآن، وبالرغم من توصل الهيئة الوصية هي الأخرى بالحكم، لم يحركا ساكنا في الموضوع، وهنا تتضح خطورة الوصول إلى تهديد المشتغلين في هذا القطاع الحيوي، على اعتبار الحديث هنا عن التأمينات وله علاقة بالشأن الاجتماعي، فالتأمين له دور كبير في حياة جميع شرائح المجتمع، لأننا نؤمن من خلاله سياراتنا، وعملنا، وكل تحركاتنا اليومية..
وفي هذا الصدد، ندعو إلى ضرورة وجود ضمانات مهمة من طرف شركات التأمين، وذلك، بهدف تحقيق الأمن والأمان بالبلاد، وهذا التعنت من طرف هذه الشركة، يوضح تحدي شركات التأمين للقانون في المغرب، وهذا أمر خطير، ويتم تحت أنظار الهيئة الوصية.
وجودنا كجمعية، جاء لحملنا لتصور جديد في الدفاع بشكل فعال على وسطاء التأمين، وفق برنامج واضح ومحدد سلفا، فالقصد من إنشاء جمعية جديدة ليس بهدف تشتيت المهنيين بل محصلة للدفاع عن مصالحهم، خصوصا وأنه لم يسبق التطرق للمواضيع التي أتينا على ذكرها أعلاه.
وتأسيس الجمعية جاء كنفس جديد للحديث عن مشاكل القطاع، وحماية مصالح الوسطاء كمستثمرين في القطاع، ونحن نتوفر على دراية مسبقة بالإضافة إلى أحكام قضائية صادرة، بمعنى هناك معطيات ملموسة حول القطاع، وجمعيتنا ذهبت إلى جوهر المشكل من أجل إيجاد حلول فعلية للمشاكل التي يتخبط فيها هذا المجال.
والجمعية تتوفر على رأس مال بشري مهم خصوصا في الجانب القانوني والعلاقات التجارية والمالية، إذ استعانت بمؤسسات البلاد من أجل قول “Basta”(يكفي) من هذه التعسفات، كما أنها ركزت على توضيح مشاكلنا لفائدة الرأي العام المغربي.

< ما هي الخطوات التي أقدمت عليها الجمعية لحل المشاكل التي يعرفها القطاع ؟
> لجأت الجمعية لمجموعة من المؤسسات، حيث قمنا بعرض ملفنا على الفريق البرلماني لحزب التقدم والاشتراكية الذي استقبلنا وأنصت لمشاكلنا التي طرحنها أمامه، حيث وضع الفريق التقدمي سؤالا كتابيا لدى وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 03 يونيو 2019 ونحن ننتظر جوابه في الموضوع.
وطرح الفريق أيضا، سؤالا كتابيا آخرا على وزير العدل، ويتعلق بموضوع الخروقات التي ذكرناها سابقا، علاوة على عدم احترام الأحكام القضائية الصادر باسم جلالة الملك، ونحن ننتظر جوابه عن طريق الفريق البرلماني.
ونظرا لحجم الخطورة التي أصبحت تواجهنا من لا مبالاة هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي، اتجهنا نحو مؤسسة الوسيط، حيث استقبلنا من طرف المؤسسة، وعقدنا اجتماعا ثنائيا وطرحنا فيه تظلماتنا، وقدمت المؤسسة إحاطة لدى وزير الاقتصاد والمالية حول هذا المشكل، مع تسليمنا للوسيط ملف الشكايات التي وجهناها للهيئة ولم يتم البث فيها منذ سنة 2016، بالرغم من أن القانون الأساسي للهيئة يلزم الهيئة بالإجابة عن أي شكاية توصلت بها من طرف المهنيين.
وبعد ذلك قدمنا شكاية إلى بنك المغرب حول بيع التأمينات من طرف أحد الأبناك، وهي أول جمعية راسلته في الموضوع، بالرغم من أن البيع في الأبناك موجود منذ سنة 2016، وذلك بتواطئ مع إحدى شركات التأمين، ويطلق على هذه الممارسة غير القانونية، بالتركيز الاقتصادي بين الشركة والبنك، وهذا يؤثر بالفعل على السوق بشكل خطير، وقدمنا جميع الدلائل التي تثبت هذه الممارسات لفائدة بنك المغرب، والشكاية محل الدراسة إلى الآن.
وفي الوقت ذاته، وضعنا ملفا متكاملا لدى مجلس المنافسة، بتاريخ 03 يونيو 2019، حيث استدعانا المجلس للاستماع بتاريخ 15 يوليوز 2019، وكان هذا اليوم هو يوم إضراب في القطاع، إذ قدمنا له مجمل المشاكل التي استعرضتها لك سابقا، بالإضافة إلى تركيزنا على غياب تنافسية حقيقية في القطاع.
وكمثال على عدم وجود تنافسية في القطاع بين الشركات، نذكر توحيد تعرفة التأمين الإجباري على السيارات بمعنى تأمين المسؤولية المدنية للعربات، هذا التأمين كانت الدولة محددة لثمنه (تسقيف السعر) بين جميع الشركات، وباقي الضمانات التكميلية الأخرى تبقى حرة بين الشركات والزبون، غير أنه منذ سنة 2006 أصبح القطاع محرر، بيد أنه للأسف إلى غاية سنة 2019، نجد نفس الثمن موحد بين جميع الشركات حول التأمين الإجباري على السيارات.
ويوضح هذا المعطى الاتفاق بين شركات التأمين، كما أنه يبين غياب تنافسية حقيقية في القطاع، والضحية بطبيعة الحال هو وسيط التأمين، وهذا كله في ظل صمت الهيئة الوصية، على اعتبار الهدف الخفي لشركات التأمين حاليا هو القضاء على وسطاء التأمين والاتجاه نحو البيع في الأبناك والانترنيت.
والقضاء على الوسيط ليس في صالح المستهلك، لأن هذا الأخير في حاجة إلى من يرشده وينصحه قبل أن يؤمنه، وفي غياب النصح فأكيد أنه سيكون ضحية ضبابية عقود التأمين، لا سيما في ظل عدم وعيه بالذي يوجد في هذه العقود، وكذا في ظل غياب الرادع القانوني.
وبحكم مقر الجمعية يوجد بمدينة أكادير، فقد قدمنا شكاية لفائدة والي جهة أكادير نشير فيها إلى تعسف إحدى الشركات على وسطاء التأمين، بمعنى أن وزارة الداخلية هي الأخرى لها إطلاع بالملف.
والجمعية تبنت ملف قضائيا لأحد وكلاء التأمين، المتابع من طرف شركة تأمين، بتهمة خيانة الأمانة، بحيث راسلنا رئاسة النيابة العامة على الخروقات في الملف، موضحين كل المغالطات التي قدمتها الشركة التي اتهمت الوكيل بخيانة الأمانة في إضرار بالمشغل.
وراسلنا في آخر بيان لنا، رئيس الحكومة، ووزير الاقتصاد والمالية، من أجل التدخل العاجل وفتح حوار جدي حول الملف، غير أنه لم نتلقى أي تفاعل من طرفهما، وهذا يخيفنا حقا، لما لا وأن التأمين الإجباري يجب أن يكون متوفرا لفائدة المواطنين المغاربة، بحيث لا يمكن أن يكون المغرب بدون تأمينات، خصوصا خلال أيام الإضراب.
والآن هناك ضغوطات من طرف بعض شركات التأمين على الوكلاء، من أجل عدم المشاركة في الإضرابات التي يخوضونها، حيث تتصل الشركات بالوكلاء يوم الإضراب من أجل التأكد من عدم مشاركتهم.

< ما هي الحلول التي تقترحونها لحل هذه الأزمة ؟
> من بين الحلول الممكنة لحل هذه الأزمة التي يتخبط فيها القطاع، الاحتكام أولا إلى القانون من خلال احترامه والسهر على تطبيقه، ولو لا القانون ما كان القرار القضائي السابق ليصدر، ففي حالة تطبيق مدونة التأمينات سنستطيع القضاء على ما بين 80 و90 في المائة من المشاكل، خصوصا البيع في الأبناك، والانترنيت، والأثمنة التفضيلية، والمنافسة غير المشروعة في السوق…
وفي الجانب الآخر، سيبقى مشكل العمولة، والجانب التدبيري والقانوني لوسطاء التأمين، لهذا نطالب الهيئة بلعب دورها المتمثل في السهر على تطبيق القانون، والتجاوب مع شكايات المهنيين، كما تتجاوب مع شكايات الشركات، بمعنى يجب أن تلعب دورها الحيادي في الملف.
وندعو الشركات إلى وقف جميع تعسفاتها، وضرورة مراجعة العمولة خصوصا بالنسبة للعربات التي يجب أن تصل إلى 25 في المائة عوض 12 في المائة، وذلك من أجل تغطية مصاريف الوكالة، ومواجهة الخطر، وللإشارة فهناك شركة تأمين النقل تقدم عمولة 6 في المائة بالنسبة للعربة، وهذا كارثي بكل المقاييس، فهذه العمولة لا يمكن أن يعيش بها وكيل التأمين أبدا.
ونطالب في الآن ذاته، إلى فتح حوار جدي مع جمعيات وسطاء التأمين والهيئة الوصية ومع الجامعة المغربية لشركات التأمين وإعادة التأمين، وذلك من أجل النهوض بالقطاع كشركاء فنحن لسنا أعداء، بحيث تجمعنا علاقات تجارية مشتركة، ولا يمكن أن نتلاعب بمصالح البلاد من أجل أهداف ذاتية.
وأود أن أسجل هنا، أنه بالرغم من فتح مجموعة من الحوارات بين الأطراف المتدخلة سابقا، غير أنها بقيت بدون نتيجة، وهذا يؤكد غياب إرادة حقيقية ورغبة في إيجاد حلول عملية، لهذا نحن ننادي بضرورة إيجاد حلول مرضية بين الأطراف، وكل هذا من أجل تجاوز الاحتقان الحالي.
ونطالب في الأخير بضرورة خروج نظام أساسي خاص بوكيل التأمين، بحيث لا يمكن أن يبقى هذا الوسيط تحت رحمة شركات التأمين، أو الهيئة الوصية، اقتداء بالأنظمة الأساسية للمهن الحرة للمحاسبين والمحامين والأطباء وغيرهم.

> حاوره: يوسف الخيدر

Related posts

Top