بيان اليوم تحاور الفنان المسرحي خالد بويشو

الفنان خالد بويشو من مواليد الدار البيضاء ومن أصول أمازيغية دوتوريرت أساكي ـ تاليوين، كاتب ومخرج وسيناريست، مؤسس فضاء تافوكت للإبداع سنة 1997 بالبيضاء،أخرج مجموعة من الأعمال للمسرح منها: تجلا نوفات ـ أجديك ن تافوكت ـ يات سيات ـ تيلاس ـ تماوايت ن أودرار ـ إسكراف ـ أوسان صميدنين ـ قمشيش ـ تاكزيرت… ومعظمها أنتج بدعم من وزارة الثقافة وبشراكة مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
كما أخرج للتلفزيون مجموعة من البرامج منذ أواخر 2006 وكان من أوائل المخرجين الذين قدموا أعمالا أمازيغية للشاشة الصغيرة. وتعامل في ذلك مع القناة الثانية والقناة الأولى.. كما تعامل مع القناة الثامنة الأمازيغية بعد تأسيسها في مجموعة من البرامج وأخرج لها مسلسل ـ كار أمود ـ وكذلك قناة العيون الجهوية.
كما قدم عملا مسرحيا وندوة للقناة الأمازيغية الجزائرية سنة 2009 بمدينة تيزي أوزو
كتب خالد بويشو للسينما مجموعة سيناريوهات: فيلم «زاينة» إخراج عبد الرحيم مجد. فيلم «أوتار» إخراج علي الطاهيري. فيلم «يامنة» إخراج منتصر أحمد. ويعد مرحليا لإخراج شريط سينمائي أمازيغي طويل معد عن رواية للكاتب الراحل محمد خير الدين..
بمناسبة اليوم الوطني للمسرح، التقته بيان اليوم في غمرة جولته المسرحية بعمله الجديد «تيركيت» وانتزعت منه الحوار التالي:

> من خلال مسارك المسرحي كمخرج، راكمت تجربة متميزة في المسرح الأمازيغي ضمن فريق فضاء تافوكت للإبداع بمدينة الدار البيضاء، ويشهد لك الجميع، لاسيما النقاد والمتتبعين، أنك ساهمت بقسط وافر في تطوير المسرح الأمازيغي وفق مقاربة جديدة وخاصة ترتكز أساسا على الانتصار للتاريخ والهوية، سواء تعلق الأمر بالنصوص التي تشتغل عليها أو تعلق بالاختيارات الجمالية والفنية التي تؤطر رؤيتك الإخراجية.. فما هي أهم المعالم التي تنبني عليها اشتغالاتك الفنية، نظريا وممارسة..
< في البدء أشكر أخوتكم على فتح هذه الكوة فيما يخص المسرح المغربي الأمازيغي. أما بالنسبة للانتصار للتاريخ والهوية في ممارستنا المسرحية فقد جاءت منذ البداية كقناعة راسخة لما للأمازيغية من عمق في جذور الزمن وبالتالي فإنها أكثر ثراء في كل النواحي الثقافية والفنية والحضارية.. من ثمة انبنت الرؤية التي نشتغل عليها في مسرح تافوكت كما أطرت اختيارنا للنصوص سواء الأصلية أو المستنبتة بما يخدم الاختيارات الفنية والجمالية التي نريد إيصالها للجمهور عموما وللمهتمين بالفن الدرامي خصوصا من ممارسين ونقاد. ومن وجهة نظري يجب أن يكون المسرح الأمازيغي ذا خصوصيات معينة تمتح من الحضارة الأمازيغية وتكيفاتها على مر التاريخ وكذلك روافدها. فكما نعلم فإن للأمازيغية موطنا أصليا هو شمال إفريقيا وبالتالي فإنه، من خلال القراءة الواعية بعيدا عن الفلكلرة، يمكننا الانطلاق من الغنى المحلي إلى ما هو أبعد. والحمد لله أثبتت التجربة على الصعيد الوطني أنه كانت نظرتنا للأمور صحيحة. كما أن ممارسة المسرح الأمازيغي، حتى وإن كانت احترافية وذات جودة، تتطلب استحضار شروط موازية كثيرة من مثل الوعي بالذات والاعتزاز بالإرث الثقافي والفني الأمازيغي المغربي حتى لا نسقط في ممارسة مسرح ناطق فقط بالأمازيغية. لأن هاجسنا الفني في الممارسة لا يرتبط فقط بالشكل والمبنى بقدرما ينتصر أيضا وأساسا وأساسا للمعنى. كما أنه للجمهور الأمازيغي خصوصيات أخرى تختلف من منطقة إلى أخرى بحيث يتوجب على الممارسين دراستها قبل إعداد منتوجهم الدرامي.
> هذه المقاربة الخاصة التي تتبناها كمخرج مسرحي، جعلتك تبلور خطابا سوسيو ثقافيا مفاده أن المسرح الأمازيغي ليس وافدا على المشهد المسرحي الوطني بقدرما هو قديم وعريق، معللا ذلك بمعطيات وأحداث ووقائع تاريخية مرتبطة بحضارة المغرب وشمال أفريقيا.. كيف يمكن لك بسط وجهة نظرك هذه؟
< بالطبع المسرح والفرجة عموما ليسا وافدين علينا بل كانا منذ الأزل لدى الأمازيغ في المعابد والساحات وغيرهما كما يعرف ذلك جيدا الباحثون – عن الحقيقة – من مثقفين عضويين وملتزمين. إذن فالفرجة المسرحية ليست دخيلة على الفنون الأمازيغية.. وكما هو معلوم فإن منطقة المغرب الكبير كانت على الدوام مطمعا للغزاة وتلاقحت مع حضارات متعددة، فالفراعنة وغيرهم عاصروا المنطقة الأمازيغية ومر عليها الرومان والفينيقيون… وبالتالي فمن المؤكد تاريخيا، حتى من أب التاريخ هيرودوت، ما خلفته الحضارة والثقافة الأمازيغيتان من إبداع وغنى وتنوع. ومن هنا وهناك نؤكد على وجوب الوعي بالذات والبحث عن الحقائق رغم محاولات الطمس اليائسة ورغم قلة التدوين وتسويق أزليات المنتصر. لكن الشهادات والحقائق والوقائع كثيرة ومتنوعة.. ولنا في تنوع الفرجات بالمغرب منطلق للبحث. وبالعودة إلى الفن المسرحي فإن المهم والأهم هو عدم ترك الانطباع لدى المتلقي باستحالة التتبع والعيش بمتعة مع المعروض. أو تحسيسه أن هذا المسرح لا يعنيه٠ وبأنه في قاعة الدرس لأنه سيغادر فورا دون رجعة. وبهذا سنكون كمن يحرث الرمل وينتظر الثمرات دون جدوى. ولكن حينما يحس المتلقي بنفسه على الركح وأن هذه الفرجة له وتنطق بحواسه، عندها سيقتنع بإمكانية التواصل وسيسترخي غير آسف في ترقب المتعة والتحفز لفك شفرة الرموز وسيتابع بشغف ولو من باب الفضول لاكتشاف عوالم هذه الثقافة التي كانت بمنأى عنه. إذن لابد من التحليق بالمتلقين إلى عالم من المتعة بعمق فكري وجمالي أمازيغيين، وحينها سوف لن يتطرق إلينا الشك بأن حتى غير الناطقين باللغة الأمازيغية قد فهموا فعلا ما يعرض وتمتعوا باكتشاف بعض ما تزخر به أمازيغيتنا بما هي إرثنا المشترك والرابط الذي يجمعنا، إذن وبغير تقرير نؤمن بأن المسرح الأمازيغي يشكل إضافة نوعية للمشهد المسرحي المغربي والمغاربي، كما أنه مما لا شك فيه أن الأمازيغ قد نظموا عدة ملاحم على عهد الرومان وقد ورد عند ابن خلدون ما يؤكد أن الأمازيغ قد عرفوا الشعر الملحمي وكما هو معروف هذا الأخير هو أساس الفن المسرحي  بالإحالة على مؤلف فن الشعر لأريسطو، بحيث أن الشعر التقليدي أو الملحمي وثيق الارتباط بالرقص والغناء. ومن هنا نؤشر على أن الفن الغنائي الأمازيغي كان يؤرخ بوضوح لحياة المجتمع والأفراد علاوة على احتضان المفاهيم الأسطورية والمافوق طبيعية. وبالتالي هي دعوة نوجهها لنبذ المافوقية وخفض الهامة للبحث عن كنوز كثيرة تتواجد حولنا، وكمثال فإنه حتى للزربية الأمازيغية بخطوطها ورموزها وتصاميمها وزركشتها ما تقوله لنا عن تاريخنا وفنوننا المتنوعة بحيث يجب نفهم من خلال ذلك أن الزربية لا تصلح فقط للجلوس أو الوقوف عليها.
> من خلال كل ما قلتم، ومن خلال أيضا بعض النقاشات حول المسرح الأمازيغي، غالبا ما تطرح بعض الأسئلة حول طبيعة ومفهوم المسرح الأمازيغي، من قبيل: هل المسرح الأمازيغي يستمد كينونته من اللغة المنطوقة فقط أم أنه يتسع ليشمل عناصر أخرى مرتبطة بالثقافة والهوية الأمازيغيتين.. وعلاقة بذلك، كيف يتأتى للمسرح الأمازيغي أن يستوعب العالم وقضاياه المعاصرة إذا ظل حبيس الهوية والتاريخ؟
< فيما تقدم من إجابات ومن خلال ممارستنا في مسرح تافوكت نؤمن أن مفهوم المسرح الأمازيغي لا ينحصر فقط في الجانب اللغوي، بل يتسع ليشمل كل الكينونة المرتبطة بالهوية والثقافة الأمازيغيتين بما يعني كل الممارسات والتقاليد والتاريخ والإبداعات.. من معمار وأشكال هندسية وأزياء وحلي ونغمات وإيقاعات ورقصات وطبخ وسلوكات.. والمتح من كل ما له علاقة بعراقة الأمازيغية، ولكن بقوالب عصرية تراعي التجديد وليس القولبة والفلكلرة حتى يستطيع هذا المسرح أن يعيش ويتنفس بأريحية وأن لا يبقى حبيسا لرفوف التاريخ، وكمثل أي مسرح يحمل في طياته قضايا العالم والإنسان بما هو إنسان ومنطلقا من ذاته وأدواته لتجاوز الحدود.. وهذا ما صار يتحقق على أرض الواقع المسرحي المغربي منذ أكثر من عقدين، بتدرج طبعا، إلا أن الفورة تحققت في العقد الأخير وخصوصا في ظل دعم وزارة الثقافة وشراكات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، مما جعل الفرق المسرحية الممارسة بالأمازيغية تنتعش شيئا ما وتتكاثر، كما أنه بدأنا نرى وجوها من المسرح المغربي الممارسة بالعربية تلتحق بالركب وتمنح نفسا تقنيا متجددا لبعض الفرق الأمازيغية ومنها وجوه من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي ذوو الأصول الأمازيغية الذين أصبحوا يؤثثون الخشبات تشخيصا وإخراجا وتقنية..وهذا يفرح الخاطر ويثلج الصدر ويساهم في نجاح الرهان الذي حلمنا به في التأسيس لتجربة المسرح الأمازيغي بالمغرب يوم كانت الممارسة المسرحية بالأمازيغية خطيئة في نظر الكثيرين، فقط يجب الوعي بأنه لا عالمية بدون الانطلاق من المحلية، لأنه لا يمكن أن نكون غربيين أو شرقيين أكثر من الغربيين والمشارقة أنفسهم، نعم للتقنية والتجديد والإبداع ولا للاستلاب الثقافي والقوالب الجاهزة أو القولبة التي يسعى البعض لفرضها دون وعي بحقيقة الأمازيغية.
> كيف تشتغل دراماتورجيا وإخراجيا على نصوص عربية أو عالمية كتبت أصلا بلغات غير الأمازيغية، علما أنك، بهذا الاختيار، تنتقل من متن ثقافي وحضاري إلى متن آخر مغاير قد يفرض نوعا من الاستنبات والملاءمة أكثر من مجرد اقتباس أو ترجمة؟
< الأمر بسيط جدا.. فنحن اشتغلنا على نصوص أمازيغية أصلية وخصوصا للكاتب الصافي مومن علي في تجربتين ( تماوايت ن أودرار سنة 2004 وأوسان صميدنين سنة 2013) كما تعاملنا مع كتاب مغاربة من مثل محمد الطبعي وبوسرحان الزيتوني وأبو علي مبارك علي، كما اشتغلنا على نصوص من الريبرتوار العالمي والعربي كالكاتب العراقي الراحل قاسم مطرود وتجارب كثيرة منها ما عملت على تأليفه أو عمل على تأليفه أو إعداده الكاتب الفنان محمد بنسعود، وعند اختيارنا للنصوص تتحكم فينا مجموعة من الشروط منها شرط التربة وقابليتها للاستنبات علاوة على نفسها الإنساني مما يوفر أرضية للتمزيغ، فنحن لا نعمل على الترجمة الحرفية بل نبحث في الروح، كما أنه عند الاشتغال خصوصا على نصوص كتبت نسختها الأصلية بالدارجة المغربية لا نجد مشكلا لأنه كما هو معروف لدى الباحثين فإن العامية المغربية تستمد النحو والصرف من الأمازيغية كنتاج لدمج غير معلن للغتين العربية والأمازيغية، وتشكلت مفاهيمها على مر التاريخ بالارتكاز على التعبيرات الأمازيغية، ولهذا نجد في المغرب عاميات ودوارج كثيرة وليست واحدة وذلك باختلاف تواجد اللسان الأمازيغي، ويمكن تقسيمها تقسيما مناطقيا للفهم أكثر. وبالتالي فإن اختيار النصوص يتم عن وعي وكذلك لإيصال رسالة أن هذا المسرح ليس رد فعل بل هو فعل قائم في حد ذاته لإغناء الخزانة المسرحية المغربية.
> فرقة فضاء تافوكت للإبداع استفادت هذه السنة من دعم وزارة الثقافة في الشق المتعلق بالتوطين، وثمة مشاريع مسرحية أمازيغية أخرى من مدينة الحسيمة حظيت بدورها بدعم التوطين، ولعل في ذلك دلالة عميقة مفادها أن المسرح الأمازيغي يعرف تناميا مضطردا بعد أن كان حبيس التقليدانية والنزعة الثراثية، ما هو تعليقكم على ذلك؟
< منذ البداية وبتعدد الفرق والتجارب في مختلف مناطق المغرب بالأطلس وسوس والريف لم تكن كل الفرق حبيسة التقليدانية والنزعة التراثية، وإلا ما تطور هذا المسرح، نعم لدينا رواد كما في كل التجارب ولا نبخس حقهم لأنهم اجتهدوا وفق إمكانياتهم بدعم من الحركة الثقافية، وبالنسبة لنا في مسرح تافوكت نحترم كل الفرق ونشجعها لأنها تمثل وجه الأمازيغية المشرق دراميا ولا نعدها منافسا بل تعضد تجاربنا، وقد اخترنا أن لا ننخرط في ملفات التوطين المسرحي سنتي 2015 و2016 واكتفينا بالإنتاج والترويج المسرحي والجولات، على خلفية إعداد مشروع متكامل يخدم رؤيتنا للفعل المسرحي لتقديمه إلى وزارة الثقافة في إطار التوطين، وتحقق ذلك هذه السنة ونتمنى أن نوفق في ترجمته على أرض الواقع لكي يكون كفيلا بثقة لجنة الدعم المسرحي ومن ورائها وزارة الثقافة والاتصال، كما أن تجربة فرقة مسرح ثيفسوين من الحسيمة التي دخلت سنتها الثالثة في مجال التوطين جديرة بالاحترام والتقدير ومن هذا المنبر أوجه إليهم إدارة وطاقما تقنيا وفنيا التحية (أيوز نون) لأنهم عن جد شرفوا الممارسة المسرحية الأمازيغية، كما لا يفوتني تحية كل الفرق المسرحية الأمازيغية في سوس والأطلس والريف.
> هلا حدثتنا عن العمل المسرحي الجديد “تيرگيت” وكيف تفاعلت مع نص الكاتب بوسرحان الزيتوني؟
< “تيرگيت” أو “جمرة” للكاتب المخرج بوسرحان الزيتوني وإخراج الفنان عماد فجاج تجربة جديدة انخرط فيها مسرح تافوكت في أولى سنوات التوطين المسرحي، وقد قام بتمزيغ النص الفنان محمد بنسعود. بحيث أن التفاعل تم بشكل إيجابي وتم تقديم العرض الرسمي الأول يوم السبت 29 أبريل الماضي بفضاء التوطين بالمركز الثقافي عين حرودة – المحمدية / الدار البيضاء ونحن الآن في جولة بالعمل احتفاء باليوم الوطني للمسرح بالمغرب الشرقي بغاية التفاعل مع ساكنة قلعة مگونة ووارزازات وزاگورة. وقد أشرف على إنجاز العمل طاقم فني وتقني هام أشكرهم كل واحد باسمه على مجهوداتهم في إنجاح التجربة.
 حاوره: الحسين الشعبي

Related posts

Top