بيان اليوم تحاور مؤلف كتاب “اللغات الأم وتحصيل المعجم..”

بنعيسى يشو من مواليد قصر تمغيت بدائرة الريش إقليم ميدلت، حاصل على شهادة الدكتوراه في علوم التربية. بعد أن عمل كمتصرف بكل من مديرية التقويم والمركز الوطني للتقويم والامتحانات والتوجيه بوزارة التربية الوطنية، انتقل للاشتغال كباحث بمركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ (2009).
إصداره الأخير باللغة العربية بعنوان: «اللغات الأم وتحصيل المعجم.. (دراسة تشخيصية تقويمية)» يرصد الصعوبات التي قد تعارض المتعلم حينما يهم بالانتقال من نسقه اللغوي الأول إلى نسق اللغة الثانية، وبشكل خاص على مستوى المعجم، انطلاقا من دراسة حالة تعلم المعجم العربي الفصيح من قبل المتعلمين الناطقين بالأمازيغية. وقد أجرينا معه الحوار التالي:

> على ماذا يحيل عنوان مؤلفكم بالضبط؟
< بداية، شكرا لكم على هذه الاستضافة. هذا الكتاب “اللغات الأم وتحصيل المعجم (دراسة تقويمية تشخيصية)” يحيل على دراسة ميدانية تشخيصية تقويمية في مجال تعليم وتعلم اللغات بصفة عامة، ويتناول بالضبط مسألة تعلم اللغات في سياق ونسق مخالف للذي نشأ فيه الطفل المتعلم في بداية حياته وتكوينه. أو بتعبير آخر فهو يتناول مسألة الانتقال من عملية الاكتساب الطبيعي للغة الأم إلى تعلم لغة أخرى قد تكون قريبة من اللغة الأم وقد تكون بعيدة، مع ما يمكن أن يسببه هذا الانتقال من صعوبات التعلم، والتي لا يمكن فهمها وتحليلها في كل أبعادها اللسانية والتربوية، إلا باستدعاء وامتلاك تصورات دقيقة بشأنها.

> ما هي مرجعتيكم النظرية ومنهجية اشتغالكم؟
< حاولت، في إنجاز هذا العمل، أن أزاوج بين المعطى النظري واستثمار النتائج التي خلصت إليها بعض الدراسات السابقة في الموضوع، وبين العمل الميداني الصرف. حيث تمت العودة إلى مختلف النظريات اللسانية التي تهتم بتعليم اللغات، وخاصة النظرية التوليدية التحويلية والنظرية السوسيولسانية وما تقومان عليه هاتان النظريتان من مفاهيم وتصورات من شأنها أن تيسر علينا عملية فهم وتحليل الكيفية التي تتم بها عملية تعلم اللغات.
وهكذا فإن هذا العمل حاول أن يجد لنفسه موقعا معرفيا في نقطة التقاء اللسانيات التطبيقية وديداكتيك اللغات بشكل عام، وبصفة خاصة ديداكتيك اللغة العربية، وتتناول بالدرس إحدى تجليات هذين المجالين المختلفين والمتكاملين، في الآن نفسه، داخل وسط لغوي تتفاعل فيه عدة أنساق لغوية. من تم، فقد تمت العودة على المستوى الديداكتيكي إلى جملة من نظريات التعلم ومحاولة استثمار الخلاصات التي انتهت إليها، ولعل من بين هذه النظريات نذكر النظريتين السلوكية والمعرفية وما تفرع عنهما من مبادئ ومفاهيم تعنى بتفسير عملية التعلم عموما.
أما على المستوى الميداني فقد اعتمدت على حقل القياس والتقويم وما يتيحه من منهجية وأدوات وعُّدة لتجميع المعطيات، وذلك وفق مرحلتين (مرحلة تجريبية وأخرى رئيسية). وتجدر الإشارة إلى أن بناء الأداة الأساسية لتجميع المعطيات والمتمثلة في الرائز تم إخضاعها للبروتوكول العلمي الذي يدعو إليه حقل القياس، سيما ما يتصل بالخصائص السيكوميترية للرائز.

> ما هو المجال الجغرافي الذي يغطيه بحثكم؟
< بالنسبة للفضاء الجغرافي الذي يغطيه هذا العمل، فهو يمتد من منطقة “تعلالين” بالجماعة القروية “كرس تعلالين” التابعة لقيادة آيت ازدك بالريش، إلى نهاية إقليم تزنيت بالجنوب، مرورا بالمديريتين الإقليميتين للرشيدية ولوارززات وذلك من خلال اعتماده على عينتين: الأولى أثناء مرحلة تجريب الرائز التشخيصي، والثانية تم اختيارها لإجراء الدراسة الرئيسية. وإذا كانت العينتان تشتركان في كونهما من التلاميذ الأمازيغ، فإنهما تختلفان من حيث مجالهما الجغرافي وكذا من حيث العدد. وهذا الجانب المنهجي يحتاج ربما إلى تفصيل أكثر.

> ما هو أثر اللغة الأم في تعلم معجم لغة ثانية؟
< انطلق هذا العمل من فرضية محددة مفادها أن الأنساق اللغوية المكتسبة بالفطرة عموما، تؤثر في درجة تعلم وامتلاك المعجم الخاص باللغة المستهدفة بالتعلم، وقد تضعف الكفايات التواصلية في هذه اللغة وتقود إلى التعثر والفشل الدراسيين. وذلك من خلال التركيز على دراسة حالة المتعلمين الناطقين باللغة الأمازيغية وتعلم المعجم العربي الفصيح.
تمحيص هذا الافتراض العام الذي انطلق منه هذا العمل، وفق المنهجية المحددة لذلك، جعلني أخلص إلى أن أفراد العينة المبحوثة (المتعلمون الناطقون باللغة الأمازيغية) يعانون فعلا من صعوبات في التمكن من معجم اللغة الثانية المتصل بالمجالات المعرفية التي تم تشخيصها، مقارنة مع زملائهم أفراد العينة الشاهدة (أي المتعلمون الناطقون بالدارجة المغربية). وهكذا لاحظت أنه على مستوى التمكن الإجمالي من المجالات المعنية بالتشخيص، فقط 19 تلميذة وتلميذا من مجموع أفراد العينة المستهدفة هم الذين تمكنوا كليا من تلك المجالات وبنسبة مائوية بلغت 4.8 %، أما عدد الأفراد غير المتمكنين كليا من نفس المجالات داخل نفس العينة فقد بلغ عددهم 117 تلميذة وتلميذا بنسبة مائوية قدرت بـ 29.2 %، مقارنة بأفراد العينة الشاهدة الذين بلغ عدد المتمكنين كليا منهم من مجموع المجالات المشخصة، ما قدره 73 تلميذة وتلميذا بنسبة مائوية بلغت 48.7 %، مع التسطير على غياب غير المتمكنين كليا من مجموع مجالات التشخيص، والاقتصار على المتمكنين نسبيا فقط، والذين بلغ عددهم 77 تلميذة وتلميذا وبنسبة مائوية بلغت 42.3 %، في حين أن المتمكنين نسبيا من أفراد العينة المستهدفة قدر ب 264 تلميذة وتلميذا وبنسبة مائوية بلغت 66 %. هذه النتائج فسرتها الدراسة بجملة من المتغيرات المستقلة قد يطول شرح ذلك في هذا المقام.

> ما هي استنتاجاتكم وتوصياتكم؟
< انتهى هذا العمل إلى مجموعة من الاستنتاجات مكنته من صياغة بعض الاقتراحات والتوصيات التي انتظمت في مستويات ثلاث: مستوى المناهج والمقررات، مستوى الطرائق والأساليب ثم مستوى تكوين وتأهيل الموارد البشرية.
خلاصة تلك الاستنتاجات أن للعوامل السوسيولسانية والثقافية دورا هاما في إنجاح أو إفشال عملية تعليم وتعلم اللغة الثانية. بالنسبة للحالة التي تناولتها الدراسة، ومن أجل ضمان نجاح هذه العملية، ينبغي الاعتناء بالجانب الصوتي للغة المستهدفة. كما ينبغي تكييف عملية تعليم المعجم العربي الفصيح للمتعلمين الأمازيغ مع المعطى اللساني والثقافي الذي يميزهم، على اعتبار أن الرصيد المعجمي للطفل يبدأ في التشكل منذ سن مبكرة، وتترسخ لديه المفردات، صوتيا وصرفيا، في علاقتها بالأشياء التي تدل عليها، وعند انتقاله إلى المدرسة يظل زاده من ذلك الرصيد هو المحدد لعلاقته بالمعارف التي يتلقاها، فيبذل جهدا مضاعفا في تسمية شيء واحد بمفردتين متباينتين ومن نسقين لغويين مختلفين. حيث يكون النسق اللغوي الأول محددا لما يمكن أن يكون عليه النسق الثاني. وبالتالي، فكلما كانت العملية التعليمية غير مدركة ومتمثلة لهذه العلاقة الاختلافية، كلما صعب إيجاد ما يمكن أن يؤهل الطفل للتوفيق بين النسقين.
من هذا المنطلق، توصي الدراسة، على مستوى المناهج والمقررات، بجعل اللسانيات حقلا مرجعيا أساسيا وحاسما في تطوير البحث الديداكتيكي اللغوي، مع الحرص على أن تستلهم النماذج الديداكتيكية، التي تتضمنها المقررات الدراسية في مجالات تعليم اللغات الثانية، نتائج نظريات ومقاربات لسانية تتماشى مع طبيعة اللغة والهدف من تعليمها وتعلمها. أما على مستوى الطرائق، ونظرا لأهمية المعجم في تعلم اللغاتـ، تسطر الدراسة على ضرورة إعادة الاعتبار لمكون المعجم داخل المقررات المدرسية، مع تطوير الممارسات البيداغوجية الكفيلة بتعليم هذا المكون والتمييز بينه وبين القاموس اللغوي على مستوى تصريفه داخل الفصل وانطلاقا من الكتاب المدرسي، مع العمل على تمتيع البرنامج التعليمي المغربي بالمستوى الثاني ابتدائي، بمقرر واضح المعالم في مجال المعجم المدرسي أولا، ثم جعل هذا البرنامج في مرحلة ثانية يأخذ بعين الاعتبار الحصيلة اللغوية التي استضمرها الطفل في وسطه اللغوي قبل ولوجه المدرسة.
وأخيرا على مستوى المورد البشري تدعو الدراسة إلى تأهيل الممارسين بالمستوى الابتدائي، وإطلاعهم على ما يستجد في مجال الدراسات اللسانية والتربوية البيداغوجية، وبالأخص المهتمة بتعليم المعجم، وانفتاح الأساتذة الممارسين في التعليم الابتدائي على المنظومة الإعلامية وما توفره من دعامات ديداكتيكية لتسهيل مهمة تعليم المعجم. مع إعادة النظر في برامج التكوين الخاصة بأساتذة التعليم الابتدائي، وتسخيرها لخدمة أهداف تعليم وتعلم اللغة، من خلال الانفتاح على كل الحقول المعرفية التي تتجاذب مجال تعليم اللغات.

> كلمة أخيرة

< ككلمة أخيرة لا يسعني إلا أن أشكركم أولا على هذه المقابلة التي تتغيى التعريف بهذا المجهود المتواضع، الذي أتمنى أن يسهم في تحقيق التراكم المعرفي والعلمي الذي من شأنه تعميق النقاش العلمي ـ التربوي حول مثل هذه القضايا التي قلما يتم الالتفات إليها رغم أهميتها، إذ تعتبر بمثابة المدخل الطبيعي والضروري للرقي بمستوى تعليم وتعلم اللغات وتحقيق الأهداف التي يتوخاها الجميع. كما لا يفوتني بالمناسبة أن أتقدم بالشكر الوافر لكل من ساهم في إخراج هذا العمل إلى حيز الوجود وأخص بالذكر الأساتذة الأجلاء محمد فاتحي والمصطفى بوشوك وسعيد يقطين.

< حاوره: محمد موخليص

Related posts

Top