بيان اليوم تحاور محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عشية المؤتمر الوطني العاشر

في هذا الحوار الذي أجرته «البيان» و«بيان اليوم» مع محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، عشية التئام المؤتمر الوطني العاشر للحزب الذي ستحتضنه مدينة بوزنيقة أيام 11 و12 و13 ماي الجاري، يتحدث زعيم حزب «الكتاب» عن أهم الرهانات التي تطرح اليوم على الرفيقات والرفاق انطلاقا من شعار المؤتمر «نفس دمقراطي جديد».. وهو شعار، حسب نبيل بنعبد الله، ينطوي على دلالات عميقة ويترجم مدى حاجة المغرب الماسة إلى مواصلة عملية التحديث الديمقراطي والاجتماعي والثقافي بنفس جديد ومتجدد..
ويؤكد الأمين العام للحزب أن الرهان التنظيمي المرتبط بإعادة التفكير في الهياكل التنفيذية والتقريرية للحزب، حاضر بقوة، حيث سيكون مطروحا على الرفيقات والرفاق تشخيص وتحليل قدرات الحزب التنظيمية والهيكلية ومدى انعكاس ذلك على الميدان النضالي وسط الجماهير.. بنفس ديمقراطي حديد أيضا.
الأمين العام للحزب أجاب على أسئلتنا من دون أن يخفي انشغاله بالقلق الذي يعتمر اليوم الساحة الوطنية، والوضع الملتبس والمقلق الذي بات يخيم على الحياة السياسية.. منتقدا كل أشكال التشكيك وتبخيس السياسة والأحزاب، ويرى في ذلك إضعافا للتجربة الديمقراطية المغربية..
إليكم نص الحوار

بداية نود أن نسألك، ونحن على بعد أيام من انعقاد المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية، ما الذي سيميز هذا المؤتمر؟ وما هي أهم رهاناته؟
< ما يميز المؤتمر الوطني العاشر لحزب التقدم والاشتراكية، عن سابقيه، هو أنه ينعقد في ظرفية سياسية خاصة، تطرح على هذا المؤتمر رهانين أساسيين، الأول تنظيمي مرتبط بإعادة التفكير في الهياكل التنفيذية والتقريرية للحزب، وفي قدراته التنظيمية وقدرته على المبادرة، وكذا على مدى تجدره وسط مختلف الفئات الاجتماعية.
الرهان الثاني هو رهان سياسي، على اعتبار أن المؤتمر هو مناسبة لطرح انشغالاتنا التي نتقاسمها مع عدد من الفئات المجتمعية، وهي الانشغالات نفسها الموجودة وسط صناع الرأي، وفي وسط رجال الأعمال، والمثقفين والصحفيين. فهناك، اليوم، نوع من علامة الاستفهام حول ضرورة إعطاء نفس جديد للسياسة، وإعطاء نفس جديد للإصلاحات التي تعرفها بلادنا على مختلف الأصعدة، سواء على الصعيد الديمقراطي أو السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، ولهذا اخترنا لهذا المؤتمر شعار “نفس دمقراطي جديد” والذي أعتقد أنه شعار ذو دلالة عميقة، ومعبرة، فالمغرب عرف في عهد جلالة الملك محمد السادس، أي منذ بداية الألفية الثانية، عملية تحديث مهمة جدا، على مستوى الدمقرطة، وعلى مستوى التطور الاقتصادي، والدفع في اتجاه عدالة اجتماعية، وأيضا، على المستوى الثقافي، حيث أن العديد من الأشياء تم تحقيقها على هذا المستوى.
وبالتالي فمن الطبيعي، في مسار يمكن تشبيهه بنوع من الماراتون، لأن المسلسل التنموي، هو مسلسل طويل وصعب وشاق، (من الطبيعي) أن نكون دائما في حاجة إلى مواصلة الطريقة، ولكن بنفس جديد، ولذلك قدرنا أن هناك حاجة إلى نفس ديمقراطي جديد، من أجل المزيد من الديمقراطية والمزيد من الحضور السياسي، ومزيد من حضور الأحزاب السياسية في التأطير السياسي، وأيضا من أجل الدفع بالفعل والمبادرة في بلدنا، بالإضافة إلى أن الحديث عن النموذج التنموي الجديد، يعني الحديث عن قوة سياسية تقوده، لأنه يتعين خلق قيمة مضافة على مستوى الأفكار والمقترحات، والتي تتطلب بالضرورة وجود قوى سياسية فاعلة وحاملة لتلك الأفكار والمقترحات.
> ألا تلاحظون أن هناك نوعا من التشكيك في الأحزاب السياسية وتبخيس عملها؟
< مع الأسف، هذا ما نستنتجه، حيث نلاحظ أن هناك تبخيسا أكثر فأكثر للأحزاب السياسية، ولكل ما تقوم به من مبادرات، وهذا ليس في صالح الديمقراطية المغربية، وهذه هي قناعتنا في حزب التقدم والاشتراكية حيث نؤكد على ضرورة إعادة الاعتبار للسياسة، وهو ما سيسمح بالاهتمام أيضا بالجانب الاقتصادي في هذا النموذج التنموي الجديد، وفي نفس الوقت إعطاء نفس جديد للجانب الاجتماعي، لأن المغرب في حاجة إلى عدالة اجتماعية وإلى عدالة مجالية. ما وقع في الحسيمة، وما يقع في جرادة، أو في تنغير، أو في زاكورة، دليل على نوع من الغليان الاجتماعي، ودليل على عدم الرضا، يتعين معرفة كيف يمكن التكفل بذلك، أولا سياسيا من خلال القدرة على التأطير، ثم بلورة حلول واقعية وملموسة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ولذلك فهذا الرهان هو رهان جوهري وأساسي.
وكما تعلمون، فإن حزب التقدم والاشتراكية، تبنى رؤية من أجل تنمية قدراته التأطيرية وتجدره وسط المجتمع، وسماها “تجدر” وبالتالي فإن هذا المؤتمر سيعمل على تأكيد هذه الرؤية وهذه الخطة “تجدر” ولمعرفة كيف يمكن، خلال الأربع سنوات المقبلة، خاصة في أفق انتخابات 2021، أن نعطي دفعة قوية للحزب ولتعزيز مكانته في المشهد السياسي الوطني. هذا هو جوابنا العملي والسياسي على كل محاولات التشكيك وتبخيس الأحزاب والحياة السياسية.
> قبل ذلك السيد الأمين العام، أود أن نبقى في شعار المؤتمر “نفس ديمقراطي جديد” والذي هو شعار مكثف ويحيل على مجموعة من الرسائل السياسية، لمن توجهون هذه الرسائل صراحة؟ ومع من يمكن إعطاء هذا النفس الديمقراطي الجديد؟
< حزب التقدم والاشتراكية، هو حزب مسؤول، وهو يشتغل اليوم من داخل الأغلبية البرلمانية ومن داخل حكومة، وبالتالي عندما يقول بـ “نفس ديمقراطي جديد” إنما يوجه هذا الخطاب إلى جميع الفرقاء السياسيين، يوجهه إلى حلفائه في الأغلبية، كما يوجهه إلى الحكومة، وإلى كل شرائح المجتمع المغربي، على أساس أن يكون هناك وعي قوي بضرورة هذا النفس الديمقراطي الجديد.
حزب التقدم والاشتراكية، يعقد الأمل في أن يجد آذانا صاغية من قبل كل هذه الأوساط، لأن القلق الذي يعتمر اليوم الساحة الوطنية، وكذا الرؤية المضببة، والغير واضحة، التي نوجد عليها اليوم، تجعلنا نكون في أمس الحاجة إلى توضيح الآفاق، ولن يتأتى ذلك، في نظر حزب التقدم والاشتراكية، إلا بإعطاء هذه الدفعة، وهذا النفس الديمقراطي الجديد، وذلك بداية بوجود سياسي قوي، يتمثل في وجود حكومة قوية بحمولة سياسية. وهو ما يعني ضرورة رد الاعتبار للأحزاب السياسية، وفسح المجال أمام هذه الأخيرة لكي تمارس وظيفتها المتمثلة في التأطير السياسي، وأن تعبر عن مواقفها وآرائها، وأن تتحالف مع من تشاء، وكيف ما تشاء، ووقت ما تشاء، وهو ما سيعطي، في نظرنا، للحياة الديمقراطية نكهة جديدة.
وعلى هذا الأساس حذرنا، في حزب التقدم والاشتراكية، من الاستمرار في توجيه خطاب، من طرف العديد من الأوساط، خطاب مدمر وسلبي، وسوداوي وتيئيسي، إزاء كل الفاعلين السياسيين.
> ألا ترون أن ترويج هذا النوع من الخطاب الذي وصفتموه بالسوداوي، هو ممنهج وموجه من قبل أطراف بعينها؟ في نظركم لفائدة من؟ ولمصلحة من يتم ذلك؟
< أنا، بدوري، أتساءل حول من له الفائدة في ترويج هذا النوع من الخطاب المناقض للديمقراطية، على اعتبار أنه من غير الممكن أن تكون هناك ديمقراطية، دون أحزاب سياسية. ولا يمكن أن نؤمن المجتمع من أي انزلاق دون تأطير قوي، قوامه أحزاب سياسية متجذرة، باختلاف تلويناتها وتعابيرها، سواء كانت يمينية أو يسارية أو إسلامية، أو وسطية، الكل له القدرة على تأطير جزء من المجتمع، وبالتالي، يمكن، بذلك أن نحصن هذا المجتمع من كل انزلاق. على أن نترك للتعابير الديمقراطية الكلمة الفيصل في اتخاذ القرارات الملائمة، خاصة على المستوى الحكومي، بإفراز أغلبية واضحة، قوية بمواقفها وبتوجهاتها وبقدرتها على الإصلاح، ونفس الشيء على مستوى المجالس الجهوية والمجالس المنتخبة الأخرى.
ومن ثمة أقول: إنه لا فائدة في تبخيس عمل الأحزاب السياسية، وعمل المنتخبين، لأنه بهذه الطريقة، أعتقد أننا لا نساهم في بناء الديمقراطية المتقدمة التي ننادي بها جميعا ونطمح إليها.
> اليوم هناك مشكل في تعريف الأحزاب السياسية، فمن قبل كان هناك فرز واضح، بين اليمين واليسار، اليوم أصبح ذلك ضبابيا نوعا ما، وبالعودة إلى حزب التقدم والاشتراكية أين يتموقع اليوم بعد عشرين سنة من مشاركته في الحكومة؟
< أخشى أن تكونوا أنتم أيضا، قد وقعتم تحت تأثير هذا النوع من الخطاب، الذي تحدثت عنه قبل قليل، والذي يبخس الأحزاب السياسية، لقد طورنا في مشروع الأطروحة السياسية الموجهة إلى المؤتمر الوطني العاشر، فكرة أساسية، يتعين الانتباه إليها، وهي تحاول أن تتوجه إلى من يروجون أننا نعيش مرحلة نهاية الأيديولوجية، وأننا في عالم يتعين أن تسود فيه البراغماتية، ويروجون كذلك، أننا في عالم، يكفي فيه فقط، تطوير قدرات جيدة في مجال التدبير. وهناك من يقول: إنه ليس هناك لا يمين، ولا يسار، وأن كل ما هناك، فقط، قرارات صائبة، وقرارات خاطئة.
أقول لا، إن هذه الرؤية خاطئة، وأعتقد أننا عندما نكون حاملين لأفكار، وحاملين لرؤية ولمشروع مجتمعي، تتكون لدينا جينات، وحينما نتخذ الإجراءات اللازمة، فإنها تكون مطبوعة بإرادة ديمقراطية، وبإرادة تطوير اقتصاد وطني سيادي قوي، قادر على الصمود في وجه المنافسة، مع قطاع عمومي قوي، وقطاع خاص قادر على إيجاد فضاء ملائم ليتطور. فأن تتكون لدينا هذه الجينات الاجتماعية، معنى ذلك الرغبة الأكيدة في إقرار عدالة اجتماعية، وفي محاربة الفقر والهشاشة وكل مظاهر التهميش، ومحاربة كل أشكال عدم المساواة، ومعنى ذلك أيضا الرغبة الأكيدة في التنمية المجالية، حتى تتمكن كل الأقاليم والجهات من الاستفادة من ثمار التنمية، وعدم ترك فئات اجتماعية واسعة، على الهامش. فحينما يكون لدينا هذا النوع من القلق والانشغال، أعتقد، لا يمكن أن تكون إلا تقدميا ويساريا، الآن إذا كان البعض لديهم هذا النوع من الخطاب، وهم في الواقع يطورون مقترحات وإجراءات وتدابير تسير في اتجاه مناقض، هذا يعني، بكل بساطة، أنهم من اليمين أو من وسط اليمين.
إذا كان هناك، أيضا، من قضايا ينبغي توضيح الموقف بشأنها، فهي منظورنا، حول مسألة القيم، والمسألة الثقافية، فعندما نقدم، بشكل قوي أنفسنا، كحزب ينتصر لقضية المساواة بين الرجل والمرأة. أقول آسف: لا يجب أن نعتقد أن كل الأحزاب السياسية في المغرب، هي في هذا الصف، حيث نجد بعض هذه الأحزاب ضد هذا التوجه بصفة مطلقة، وهي أحزاب لها توجهات محافظة، وأخرى تتبنى المساواة فقط على مستوى الخطاب، فيما البعض الآخر، وضمنهم حزب التقدم والاشتراكية، يتفاعل مع قضية المساواة، بشكل يومي، ويبلور بشأنها مجموعة من الأفكار والمقاربات، ولا يجد أي حرج في طرح جميع القضايا التي تخص المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة دون استثناء، بما في ذلك المساواة في الإرث، فنحن في حزب التقدم والاشتراكية، نتبنى ونعبر عن تلك المواقف بشكل علني وقوي.
نشتغل اليوم، على تطوير هذا النوع من المواقف، علما أننا جعلنا من المساواة محورا أساسيا، ويجب التأكيد، على الأقل أننا نمتلك الشجاعة للتعبير عن أفكارنا، وبالتالي يتعين التوقف عن ترويج هذا النوع من الخطاب الذي يبخس الأحزاب السياسية، لأن بمثل هذا الخطاب نعمل على قتل السياسة، وبمثل هذا الخطاب نسعى لترسيخ مقولة: “إن جميع الأحزاب تتشابه وأنها لا تصلح لأي شيء، وأن ما نحتاج إليه، فقط، هو التوفر على مدبرين جيدين”، وأنتم تعرفون عندما يريد هؤلاء “المدبرون الجيدون” اتخاذ قرارات تهم، مثلا، معالجة الحراك الاجتماعي في جرادة أو في الحسيمة، أو حينما يتعلق الأمر بمعالجة تطورات القضية الوطنية، وضرورة تقوية الجبهة الداخلية، أو معالجة العديد من القضايا التي تهم الشأن السياسي، هنا تظهر محدودية تدخلاتهم، وبالتالي أعتبر أننا بحاجة إلى مدبرين جيدين وإلى حكامة جيدة، وإشراك الكفاءات العالية الموجودة داخل الوطن، لكن في الوقت ذاته، نحن بحاجة إلى سياسة قوية قادرة على بلورة رؤية قوية.
> بعد مرور أربع سنوات على المؤتمر الوطني التاسع، أنتم مطالبون أمام المؤتمر الوطني العاشر بإعطاء الحصيلة، بما فيها حصيلة تحالفكم مع حزب العدالة والتنمية، ماذا ربحتم كحزب التقدم والاشتراكية وماذا خسرتم كذلك؟ أي كيف ستقيمون ذلك بمنطق الربح والخسارة؟
< تريد الحديث عن منطق الربح والخسارة في المواقف التي تبناها حزب التقدم والاشتراكية خلال الستة سنوات الأخيرة، أي قبل المؤتمر الوطني التاسع، بداية أرفض منطق الربح والخسارة، لأننا لسنا في ساحة البورصة، وأعتقد أن هناك المبدأ، وهناك المشروع المجتمعي، الذي نتوخاه، وهناك القيم التي نحملها وندافع عنها، وعلى هذا الأساس فحزب التقدم والاشتراكية هو حامل لمشروع سياسي منذ أزيد من سبعين سنة، ولذلك نحن نريد مشروعا قائما على ديمقراطية حقيقية، أي على ملكية برلمانية، ديمقراطية، اجتماعية، يحظى فيها ملك البلاد بدور الحكم، كما هو منصوص عليه في الدستور الحالي، والموجه لأهم قرارات الدولة، واختيارات الدولة، وبالطبع إمارة المؤمنين ورئاسة الدولة، والقيادة العليا للقوات المسلحة الملكية، وبهذه الصفة له أدوار طلائعية أساسية.
لكن إلى جانب ذلك، يتعين أن تكون هناك حكومة قوية منبثقة عن صناديق الاقتراع، حكومة تتكون من أحزاب سياسية، لها استقلالية في اتخاذ قراراتها، ولها القدرة على طرح البدائل، والدفاع عنها أمام المواطنات والمواطنين، وبالتالي ضمان حياة سياسية، تتميز بحضور المجالس المنتخبة بشكل قوي على كافة الأصعدة، بداية من السلطة التشريعية المجسدة في البرلمان بغرفتيه، ثم مختلف المجالس المنتخبة، التي يتعين أن تتمتع بصلاحيات قوية، فضلا عن مؤسسات دستورية تقوم بواجبها على جميع المستويات..
> اعتذر عن مقاطعتكم، كل ما تقولونه الآن، على المستوى المبدئي وعلى المستوى النظري صحيح، لكن، ألا ترون أن هذا النوع من التحالف ساهم في إضعاف هوية حزب التقدم والاشتراكية…؟
< سآتي إلى ذلك، وما ينبغي أن تفهموه جيدا، هو أننا في حزب التقدم والاشتراكية، لنا توجه لا يقوم على حساب الأمتار، أو الدراهم، أو الكيلوغرامات المطروحة علينا في اليوم أو اليومين المقبلين، ولذلك أرفض التقييم بمنطق الربح والخسارة، نحن كحزب سياسي تقدمي لنا مشروع، ونرى كيف يمكن أن نصل إلى تحقيق هذا المشروع، أي كيف نصل إلى هذا المجتمع الذي نعيش فيه هذه الديمقراطية ونعيش فيه نماء اقتصاديا، ونعيش فيه عدالة اجتماعية، من أجل ذلك كنا نبحث دائما في حياتنا عن حلفاء. وجدنا أساسا حلفاءنا في الحركة الوطنية على مر التاريخ.. لكن، وفي مرحلة تاريخية معينة، وتحديدا في نهاية العقد الماضي أي نهاية سنة 2008 وبداية 2010 وجدنا فراغا حقيقيا، تمثل في عدم قدرة أحزاب الحركة الوطنية بتعبيراتها المختلفة، والمجسدة آنذاك في الكتلة الديمقراطية، على مواصلة التناغم، بل وجدنا عجزا على مستوى إمكانية مواجهة ما كان يحدث آنذاك على الساحة السياسية، فبحثنا مع من يمكن أن نشتغل، ووجدنا حينها، تلاقيا موضوعيا مع حزب العدالة والتنمية…
> لماذا؟ وماذا تقصدون بالتلاقي الموضوعي مع العدالة والتنمية؟
< بكل بساطة، هذا التلاقي يتمثل في الدفاع عن الديمقراطية، والدفاع عن قدرة المغرب على أن يؤسس لتجربة سياسية قائمة على أساس مضامين دستور 2011، ولهذا الغرض تحالفنا مع العدالة والتنمية، والجميع يمكنه أن يشهد بذلك، بداية من مناضلاتنا ومناضلينا.
فحزب التقدم والاشتراكية يظل حزبا يساريا تقدميا اشتراكيا وديمقراطيا وحداثيا، ولم يتغير على هذا المستوى. بل على الأكثر من ذلك أطلب من العديد من الملاحظين أن ينظروا صوب حزب العدالة والتنمية، وسيجدون أن الحزب الذي تطور وأدخل العديد من القيم الجديدة، في مقاربته السياسية، هو حزب العدالة والتنمية، وليس حزب التقدم والاشتراكية هو الذي “تأسلم”، أو أصبح حزبا محافظا، بل العكس من ذلك حزب التقدم والاشتراكية هو الذي أثر إيجابا في هذا الاتجاه، بالطبع بنوع من الذكاء والتريث والحكمة، حيث لم نفقد أبدا أي شبر من هويتنا.
كثيرا ما يطرح علينا سؤال بهذا الخصوص، وأؤكد هنا، بشكل جازم، أنه سواء خلال تجربة الخمس سنوات الماضية مع حكومة عبد الاله بنكيران، أو حاليا مع حكومة سعد الدين العثماني، الذي نتمنى له النجاح والتوفيق في مهمته الحكومية، لم يسجل على حزب التقدم والاشتراكية أن صادق على قرار يتسم بنزعة ماضوية أو نكوصية، أو مناقضة لمبادئ وقيم المساواة، أو تمس بالديمقراطية وبالحريات، فكفى من الاتهامات المتسمة بالعمومية، وإطلاق الأحكام هكذا، بدون أساس، فليس هناك مثال واحد يفيد بتخلي الحزب عن هويته.
> السيد الأمين العام، إذا سمحتم، ربما لدعم ما تقولون، بهذا الخصوص، إن اللقاء اليساري العربي الذي التئم في ضيافة حزب التقدم والاشتراكية قال إنه يتابع باهتمام تجربة حزب التقدم والاشتراكية وتحالفه مع العدالة التنمية…
< بل الأكثر من ذلك، يمكن أن نقول بأن موقف حزب التقدم والاشتراكية، كان يتسم ولا يزال بذكاء كبير، لأنه كان بإمكاننا كذلك أن نرفض كما فعل البعض، وألا ننظر حتى إلى الإخوة في العدالة والتنمية، وآنذاك، من دون شك كان سيفرض عليهم البحث عن حلفاء آخرين. والحال، للتذكير، أن قيادة هذا الحزب كانت تقول بشكل واضح خاصة سنة 2011 مع تشكيل حكومة عبد الإله بنكيران، بأنهم يريدون تشكيل حكومة مع الكتلة الديمقراطية، هكذا هو كان الاختيار، عندما تستمع إلى هذا الخطاب، أعتقد أن هذا الأمر يتعين أن يلتقط، وحزب التقدم والاشتراكية التقطه إيجابا، كما أن حزب الاستقلال آنذاك التقطه إيجابا، مع الأسف الإخوة في الاتحاد الاشتراكي، بتأخر كبير التحقوا بالركب، لكن بعدما فات الأوان، والإخوة في حزب الاستقلال خرجوا بشكل مفاجئ وغير مفهوم من تجربة السي عبد الإله بنكيران، أقول ذلك وهي مواقف معبر عنها من داخل حزب الاستقلال، مع الاحترام التام للقرارات المستقلة لهذين الحزبين الشقيقين.
إذن من هذه الناحية اطمئنوا، ولكن هل من ناحية الحضور السياسي أدينا الثمن؟ نعم أديناه من الناحية الانتخابية، لأسباب عديدة مرتبطة بطبيعة الصراع في المغرب، وبأنه لم يكن هناك رضا على هذا الاصطفاف الذي اختاره حزب التقدم والاشتراكية، لكن من الناحية القيمية، ومن ناحية سمعة حزب التقدم والاشتراكية، ومن ناحية تعامل المواطنات والمواطنين مع هذا الحزب، أعتقد أن هناك تقديرا كبيرا واحتراما قويا، وهناك اليوم مكانة أرقى لحزب التقدم والاشتراكية في أعين المواطنات والمواطنين. بقي لنا أن نجدر أكثر هذا الحضور وأن نتمكن من تحويل هذه الأفكار والمقترحات والمقاربات إلى تقدم، وإلى حضور انتخابي أقوى.
> الحزب أطلق دينامية جديدة تحضيرا للمؤتمر الوطني العاشر، واختار مجموعة من القواعد التنظيمية كتقليص عدد أعضاء اللجنة المركزية ونفس الشيء بالنسبة لعدد المؤتمرين، بعض المراقبين يقولون إن هذه الإجراءات التنظيمية ستفرغ الحزب من أطره، أنتم كأمين عام، وبهذه الآليات الجديدة كيف تنظرون إلى مستقبل الحزب؟
< الظروف الحالية التي نحياها على المستوى السياسي هي ظروف صعبة وبالتالي نحن في أمس الحاجة إلى استجماع كافة قوانا، وإلى أن نحافظ على أداة حزبية قوية سياسيا، وقوية بالثبات على المواقف، وقوية هوياتيا بالحفاظ على توجهاتنا اليسارية الاشتراكية، خصوصا أمام تلك الحملة التي أشرنا إليها سابقا، والهادفة إلى طمس الأفكار والهويات والأيديولوجيات. نحن في حاجة كذلك، إلى أن نؤكد على أنه، اليوم، هناك فترة يتعين أن تمر، وستعود، كما حصل ذلك في تاريخ حزبنا عدة مرات، ستعود فترة جديدة لفتح المجال لهذا النفس الديمقراطي الجديد، الذي نطمح إليه.
من كان يقول إنه خلال سنة 1965 أو بداية الثمانينيات أو بداية التسعينيات، أننا سنتوفر على دستور من طينة دستور سنة 2011، ولذلك نحن لم نفقد الأمل، ونقول اليوم، كفى من الانحلال على المستوى الحزبي وعلى المستوى التنظيمي، كفى من آليات تتميز بالعدد ولكنها لا تتميز بالنوعية، ولا بالصلابة، ولا تتميز بالثبات على المواقف. وبالتالي نحن لسنا بحاجة إلى لجنة مركزية تضم ما يزيد عن ألف عضو، ولسنا في حاجة إلى هياكل محلية تنتخب ولا تقوم بواجبها، لمدة سنوات دون أن تحاسب، لسنا في حاجة، كذلك، إلى أن نستمر في التوفر على تنظيم لا يتفاعل، ولا يتأقلم مع التطورات التي يعرفها المجتمع، لذلك اتخذنا العديد من الإجراءات، واتفقنا على تلك الآليات التي أقرتها اللجنة المركزية بالإجماع وهي أعلى هيئة تقريرية بعد المؤتمر.
أريد أن أقول لكم شيئا أساسيا، هو أنه بعد لحظة معينة اتسمت بنوع من الحيرة، وبتساؤلات كبيرة على المستوى الداخلي، بدءا بمسألة البطاقة وتدبير الانخراطات وتجديدها، وتأدية واجب الانخراط، بعد هذه الفترة، كان العديد يقول بأنه ستكون هناك صراعات وخلافات كبيرة بالنظر إلى عدد المقاعد المقلصة، سواء بالنسبة لعدد المؤتمرين، أو بالنسبة لعدد أعضاء اللجنة المركزية، وأن هذا القرار الذي سيفرز لجنة مركزية منبثقة من المؤتمرات الإقليمية، العديد من المتتبعين، سواء من داخل أو من خارج الحزب، كانوا يقولون إن هذا الأمر سيؤدي إلى عدد من المشاكل الداخلية، لكن الواقع عكس ذلك، حيث أرى بكل ارتياح أن المؤتمرات الإقليمية مرت بشكل عاد، بما في ذلك بعض الفروع التي كانت فيها مشاكل، وأن الأمور مرت بشكل سليم وبأن 90 في المائة من هياكل الحزب تقبلت هذه الإجراءات التي توحي بأننا سندخل في مرحلة أعتقد أنها ستكون مرحلة جديدة. وبالتالي من المعارك الأساسية التي يتعين ربحها بالنسبة للأربع سنوات المقبلة، هي معركة بناء الحزب الذي يمر بالضرورة عبر هذه الإجراءات..
> هنا يتبين أن شعار المؤتمر “نفس ديمقراطي جديد” هو أيضا موجه إلى الحزب على مستوى التنظيم الداخلي؟
< نعم، أنتم على صواب، “نفس ديمقراطي جديد” هو شعار ينسحب على الأوضاع العامة في بلادنا، كما ينسحب على حزب التقدم والاشتراكية في الوقت ذاته، أي أننا في حاجة إلى نفس ديمقراطي جديد، وفي حاجة إلى أن نعيد النظر في هياكلنا التنظيمية، وفي قدرتنا على مواجهة التحديات المطروحة علينا اليوم.
عشنا فترات صعبة، حتى أكون أوضح، وسنعيش، من دون شك، فترات أخرى صعبة، في هذه المرحلة عندما تكون الأجواء مضطربة وعندما تمر الطائرة من منطقة اضطراب جوي، يتعين أن تكون القيادة قادرة على أن تحافظ، على ما يتوفر عليه الحزب. وانطلاقا من ذلك، أن تبني هذه الهياكل من جديد وهذا ما نقوم به الآن، وأعتقد أن في ذلك فائدة كبيرة بالنسبة لحزبنا، مع ضرورة إدخال نكهة جديدة، لذلك قلنا “نفس ديمقراطي جديد” والجديد يعني فتح الباب أمام طاقات شابة جديدة، أمام نساء، وأطر، وفاعلين في أعماق المجتمع المغربي، وفي ضواحي المدن، والأحياء المهمشة، ووسط الطبقات الوسطى، وفي العالم القروي، علينا أن نجد هذا النفس الجديد في كل هذه الأوساط، أتمنى أن تكون الأربع سنوات المقبلة قادرة على بلورة هذا التوجه.
> اسمحوا لي السيد الأمين العام، أن أتقاسم معكم، بعض الأسئلة حول مخاوف على هذا المستوى، أي على هذا المستوى التنظيمي أو هذه الآلية التنظيمية، لجنة مركزية مقلصة، منتخبة من طرف المؤتمر، يمكن أن تخلق نوعا من اللاتوازن بين المنتخبين الأعيان، وبين المناضلين الأطر، فبعد المؤتمر الوطني العاشر، لن نجد الرباط والدار البيضاء ممثلين بنفس المستوى الذي كانوا عليه في المؤتمر الوطني التاسع؟
** الفروع الإقليمية الرباط والدار البيضاء، والمدن الكبرى، ما عليها سوى العمل، لتتمكن بشكل حقيقي من تطوير حضور جديد، لنكن صرحاء، نحن بصفة عامة في المدن الكبرى، دخلنا في نوبة سبات عميق، وأردنا أن نظل نعيش على اسم وتاريخ حزب التقدم والاشتراكية، والاكتفاء بذلك، علما أن بعض هؤلاء الذين يمثلون الحزب في هذه المدن هم موجودون هناك لأزيد من عشرين سنة أو ثلاثين سنة، معتقدين أن وجودهم هناك، يكفي. وهذا اعتقاد خاطئ، لأننا لسنا هنا من أجل ذواتنا، أو من أجل حمل اسم حزب التقدم والاشتراكية فقط، نحن هنا من أجل أن تكون لنا القدرة على تجدير أفكارنا في المجتمع المغربي، وعندما يكون هناك استحقاق انتخابي يجب أن تكون لنا، كحزب، القدرة على إحراز نتائج دالة ومؤثرة، يمكن أن يكون هناك نوع من التنافس وهو أمر مشروع وسليم، لكن يتعين أن نستوعب أننا كلنا مناضلون عابرون، فقد سبقنا جيل المؤسسين الذي أرسى قواعد الحزب، وبلور توجهاته الأساسية، وجاء بعده جيل ساهم في تطوير الحزب، وهناك، اليوم، جيل يحاول الحفاظ على الحزب، ويتعين أن يفسح المجال لأجيال جديدة يكون بمقدورها منح الحزب هذا النفس الديمقراطي الجديد، فأنا أعتبر أن “لا شيء أزلي، ولا شيء يمكن أن يستمر على نفس الحال إلى ما لا نهاية”.
> مقاطعا، لكن هناك بعض الأطر التي لن تنتدب في المؤتمر المقبل؟
< تعلمون أنه منذ حوالي عشرات السنين، بكل تواضع، لم أكن شيء يذكر..، ناضلت وتحملت مسؤوليات، وأصبحت أمينا عاما، وغدا سأصبح من جديد، لا شيء. وعلى هذا المستوى يتعين أن تكون هناك كفاءات أخرى التي يمكن أن تعوضني وأن تعوض مئات الرفاق الأطر الموجودة داخل الحزب، وبالتالي إذا لم يعد البعض موجودا الآن، هذا لا يعني أن الحزب لم يعد موجودا، هناك أطر جديدة تلتحق بالحزب، وهناك كفاءات جديدة تلتحق بالحزب، وليس فقط، لأن هناك موال يتم ترديده هذه الأيام، لا تعتقدون أن اللجنة المركزية ستتكون فقط، من المنتخبين، أو من الأعيان، كما يعتقد ذلك البعض.
النتائج تثبت عكس ذلك، وإذا كنتم تتابعون نتائج المؤتمرات الإقليمية، سيتضح أن هناك أطرا كما أن هناك منتخبين، وسيتضح لكم الأمر بشكل جلي، على أن تركيبة اللجنة المركزية المقبلة، ستكون بعيدة كل البعد عن ذلك التصور، أو بالأحرى عن ذلك الموال. وسيكون هناك نوع من التوازن بين المنتخبين والأطر، وكل ذلك تم التفكير فيه بشكل عميق، لأننا نعرف جيدا أننا في حاجة إلى هؤلاء الأطر، كما نعرف جيدا أننا في حاجة إلى هؤلاء المنتخبين.
إذن، يتعين أن تكون لدينا القدرة على تقوية الحزب بالأطر وفي نفس الوقت تقويته بالمنتخبين، هذا هو الذي يشكل مستقبل حزب التقدم والاشتراكية، أي أن تكون لنا القدرة للاشتغال على الواجهتين، لأنه إذا اشتغلنا فقط على المنتخبين، سيفقد الحزب روحه، وإذا اشتغلنا فقط على الأطر سنحافظ على هذه الروح وعلى الأفكار والمبادئ الجيدة، لكن لن يكون لها أي تأثير في المجتمع المغربي، ولذلك يتعين أن يكون هناك توازن بين الجانبين.
> كيف ترسمون آفاق حزب التقدم والاشتراكية ما بعد المؤتمر الوطني العاشر؟
** هناك، ما هو مرتبط بالآفاق السياسية، حيث نطمح حقيقة في أن ندخل هذه المرحلة الجديدة، وأن يعرف المغرب، في إطار النموذج التنموي الجديد، حركية جديدة ومتجددة، وأن ندخل مجددا في عهد الإصلاح القوي على مختلف الأصعدة، هذه آمالنا في حزب التقدم والاشتراكية، ومن أجل ذلك نناضل، وعلى هذا الأساس نشتغل، ولا نطمح إلى شيء آخر غير ذلك، في إطار الدستور وفي إطار القوانين، وفي إطار العمل الجماهيري الديمقراطي الذي آمن به، دائما، حزب التقدم والاشتراكية.
كما نطمح حقيقة، أن نعيد لحزب التقدم والاشتراكية أمجاده على كافة الأصعدة، هذا الأمر يتطلب كثيرا من الاشتغال، ويتطلب صرامة كبيرة أمام انسلال بعض الأوجه الانتهازية، وظهور بعض السلوكات الفردانية والبحث عن المصالح الشخصية، وإرادة البعض في خدمة أغراض شخصية محضة، كل ذلك يتعين أن نحاربه بقوة، نحن ننحدر من ثقافة تقول بأن الحزب، أداة من أجل التغيير، أي من أجل تغيير المجتمع، وأننا كمناضلين نضع أنسفنا رهن إشارة هذه الأداة، من أجل خدمة الأهداف السياسية والإيديولوجية والفكرية التي نؤمن بها. هذا هو حزب التقدم والاشتراكية الذي إذا حافظ على هذه النكهة سيستمر في المجتمع، وستكون له قيمة مضافة. إذا تخلى عن ذلك سيصبح حزبا من ضمن الأحزاب الأخرى دون طعم، ولا لون خاص، ولا نكهة خاصة، آنذاك، لا قدر الله، يمكن أن نصلي صلاة الجنازة على حزب التقدم والاشتراكية.
أريد أن أقول من كل ذلك، أنه، لا توجد “أنا” في حزب التقدم والاشتراكية، وهذا شيء مهم، لأنه إذا تضخمت “الأنا” شيئا فشيئا داخل التنظيم، سنقتل حزب التقدم والاشتراكية، طبعا هناك أشخاص وهناك مناضلون، كل واحد يحمل معه شيئا ما، وله قدرات وكفاءات، لكننا جميعا في خدمة مشروع مجتمعي، وفي خدمة رؤية ومبادئ وقيم، فمن له الاستعداد لمواصلة المسير على هذا النهج، فمرحبا به، فالطريق مفتوح، ومن له مصالح أخرى، يريد أن يصبح وزيرا، وغضب لأنه لم يصل إلى تحقيق ذلك، أو أنه أراد فقط، أن يبقى مسؤولا في المكتب السياسي للحزب، أو في اللجنة المركزية، أنا أطرح السؤال على هؤلاء، وأقول لهم نعم لكم الحق المطلق في أن يكون لديكم طموح، لكن ما معنى العضوية في المكتب السياسي أو اللجنة المركزية، هل هي هوية؟ أم هي رؤية؟ أعتقد أنها وضع رهن الإشارة للنضال والتضحية بالمال وبالوقت، وخدمة مشروع سياسي، وليس للتستر خلف الأشجار والتواري للخلف عندما يكون الوضع صعبا، والظهور والعودة للواجهة كلما تحسن هذا الوضع، أي عندما تكون هناك عاصفة في مكان ما، ننحني وننتظر لتمر.
إذن يتعين إعادة بناء رؤيتنا لمسألة الانتماء لحزب التقدم والاشتراكية، والاشتغال على ذلك بشكل قوي، بحيث يكون الأشخاص على وعي بانتمائهم وبطبيعة هذا الحزب واختلافه عن أحزاب أخرى التي يمكن أن يصطفوا فيها لقضاء مصالحهم الشخصية والفردية. أنا، شخصيا، أنتمي إلى جيل لما انخرطنا في هذا الحزب، لم نكن نتصور يوما أن نكون في الحكومة، فبالأحرى أن نتصور أن بعضنا سيصبح يوما ما وزيرا.
> ناديتم مؤخرا، في ظل التطورات التي تعرفها القضية الوطنية، بضرورة تقوية الجبهة الداخلية، كيف ذلك في ظل هذه الأوضاع المتسمة بالقلق كما سبق وذكرتم؟
< فكرة الجبهة الداخلية والمرتبطة بقضية الصحراء المغربية، ليست وليدة اليوم، هي فكرة موجودة منذ أزيد من 40 سنة، هي فكرة ولدت من رحم حزب التقدم والاشتراكية، مع اندلاع النزاع في الصحراء.
ففي اليوم الذي ظهر فيه هذا النزاع، بل حتى قبل ذلك، لما كنا في وضعية لم يكن فيها انفتاح ديمقراطي، وأحيلكم، هنا، على كتاب الراحل علي بعته، في بداية ستينيات القرن الماضي، وقلنا، حينها، إن الشرط الأساسي لاسترجاع الصحراء المغربية هو تكوين جبهة داخلية قوية، تستمد قوتها من ديمقراطية قوية واقتصاد قوي وعدالة اجتماعية، وفضاء من الحرية والانفتاح وقيم الحداثة، وقد كان حزب التقدم والاشتراكية تاريخيا يدافع عن هذا التصور.
وهو ما أعاد الحزب طرحه هذه المرة أمام التحديات التي باتت تواجهها القضية الوطنية، حيث قلنا “إن تقوية الجبهة الداخلية هي مفتاح النجاح، خاصة وأن المغرب يتوفر على مكسبين أساسين وهما الإجماع الوطني حول جلالة الملك من أجل الدفاع عن مغربية الصحراء، وجبهة داخلية قوية متماسكة، من خلال البناء الديمقراطي، ومن خلال بناء اقتصاد وطني قوي وعدالة اجتماعية”، وبالتالي نحن فقط أعدنا التأكيد على مواقفنا التي بلورناها تاريخيا، وهذا ما يجعل كل المحاولات الاستفزازية التي تقوم بها الجارة الجزائر، تنكسر وتفشل أمام الإجماع المغربي حول الوحدة الوطنية لبلادنا.

حاوره: نجيب العمراني – محمد حجيوي

امبارك الطفسي – توفيق امزيان

تصوير : رضوان موسي

Related posts

Top