“بيان اليوم” تحاور محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية عشية المؤتمر الوطني 11

تنطلق اليوم الجمعة بمركب مولاي رشيد للشباب والطفولة ببوزنيقة أشغال المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب التقدم والاشتراكية تحت شعار “البديل الديقراطي التقدمي” بحضور أزيد من 1000 مؤتمرة ومؤتمر يمثلون مختلف التنظيمات الحزبية الإقليمية والقطاعات السوسيو مهنية والمنظمات الموازية، داخل الوطن وخارجه.
المؤتمر الوطني الحادي عشر ينعقد في ظل ظروف سياسية دولية ووطنية معقدة، ترخي بظلالها على شعوب العالم ضمنها الشعب المغربي، الذي يكتوي اليوم بنيران ارتفاع تكاليف المعيشة نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأولية الأساسية، والتي نجم عنها وضع سياسي واقتصادي واجتماعي مقلق، زاد من حدته ضعف الحكومة التي لم تستطع مجابهة التحديات الكبرى التي بات يفرضها هذا الواقع المتجدد.
ولكل ذلك فإن المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب التقدم والاشتراكية، ينعقد برهانات سياسية وتنظيمية، تطرقت لها الوثيقة السياسية بإسهاب وسيكون على المؤتمرات والمؤتمرين تدقيقها ووضعها في صلب الرؤية الإستراتيجية لحزب التقدميين المغاربة حتى يصبح حزبا متناغما مع شعار الوفاء والتجديد، أي أن يحافظ على هويته وعلى مرجعيته، وعلى طابعه الاشتراكي التقدمي اليساري، وفي ذات الوقت، أن يكون منفتحا على جميع المستجدات سواء على المستوى الفكري والأيديولوجي أو على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي.
في هذا السياق حاورت بيان اليوم محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية الذي أكد على أنه سيكون على القيادة الجديدة في المرحلة المقبلة الانتقال بحزب التقدم والاشتراكية إلى قوة تنظيمية وجماهيرية توازي المكانة السياسية التي ظل يضطلع بها في المشهد الوطني السياسي.

> ما هي الظروف والسياقات التي ينعقد فيها المؤتمر الوطني الحادي عشر للحزب، وماذا يميزه عن سابقيه، وما هو الوضع العام للحزب عشية افتتاح هذا المؤتمر ؟
< ينعقد المؤتمر الوطني الحادي عشر في ظل ظروف سياسية دولية ووطنية معقدة، بحيث أن العالم، كما تم التأكيد على ذلك في مشروع الوثيقة السياسية، يمر من اضطرابات وتقلبات كبيرة، بعضها مرتبط بانعكاسات جائحة “كوفيد 19″، وبعضها الآخر مرتبط بصراعات جيوسياسية عميقة، تتمحور حول الريادة على المستوى العالمي، وحول الزعامة القطبية، وأخطر تجلي لذلك هو ما يتم الآن فوق الأراضي الأوكرانية وما تعرفه من حرب دروس لها انعكاسات وخيمة على المستوى العالمي.
هذه الظروف المعقدة على المستوى الدولي وكل العوامل المحيطة بها، كان لها تأثيرات كبيرة على المستوى المعيشي لشعوب العالم ومن ضمنها الشعب المغربي، بحيث هناك انعكاسات على مستوى الأسعار الأساسية وعلى رأسها أسعار المحروقات، بالإضافة إلى أسعار العديد من المواد الأولية والمواد الغذائية الأساسية.
ينعقد هذا المؤتمر، أيضا، في ظل ظروف وطنية، تتميز بالمكانة المركزية لقضية وحدتنا الترابية، بما حققته من مكتسبات، ولكن أيضا بما تتحمله من تهديدات، وأخيرا وضعية سياسية تتميز بقلق كبير على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال الضعف الذي تتميز به الحكومة الحالية التي لا تفي بالغرض بالنسبة للتحديات الأساسية المطروحة على بلادنا.
يتعين هنا، أن نؤكد أنه في ظل هذه الأوضاع، فإن حزب التقدم والاشتراكية اليوم، هو قوة أساسية في المعارضة، وهذا اختيار قمنا به قبل أكثر من سنة. كما أن العديد من الأوساط تعترف بأن حزب التقدم والاشتراكية يتميز بدور ريادي في المعارضة، سواء في البرلمان، أو من خلال الحضور السياسي الكثيف والمتمثل في الإصدار الأسبوعي للمواقف والمقترحات وإبراز التحديات الأساسية المطروحة على بلادنا.
أخيرا، هذا المؤتمر له تحديات مرتبطة بالحزب، ويمكن أن نضع لها عنوان رئيسي هو: كيف يمكن للحزب أن يكون متناغما مع شعار الوفاء والتجديد؟ أي كيف يمكن أن يحافظ على هويته وعلى مرجعيته، وعلى طابعه الاشتراكي التقدمي اليساري؟ وكيف يمكن، في ذات الوقت، أن يكون منفتحا على جميع المستجدات سواء على المستوى الفكري والأيديولوجي أو على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي؟ وقد اجتهدنا كثيرا على هذا المستوى، ومشروع الوثيقة السياسية يعبر عن ذلك بوضوح.
وبالموازاة مع كل ذلك، كيف يمكن للحزب أن يكون قوة سياسية بارزة، لكن أيضا قوة تنظيمية جماهيرية انتخابية قادرة على أن تكون في مستوى المكانة السياسية التي يضطلع بها حزب التقدم والاشتراكية.
لذلك فالمؤتمر الوطني الحادي عشر هو مؤتمر انتقالي بالنسبة للحزب، في أفق جعله أكثر تأقلما مع الواقع المغربي، وقد حددنا من أجل ذلك أفقا استراتيجيا، أي أننا قلنا إن علينا أن نحول الحزب على مستوى أدائه، وليس على مستوى مرجعيته، في غضون الأربع سنوات المقبلة، وبالتالي لا يمكن أن يكون ذلك، فقط، عبارة عن تعديلات في القانون الأساسي أو في النظام الداخلي، الأمر مرتبط بممارسات وبتكوين، وبكيفية تأهيل الأجيال الصاعدة لتضطلع بالمهام المرتبطة بحزب ذي مرجعية قوية مثل حزب التقدم والاشتراكية.

الرهان الذي ذكرتم، والمرتبط بتأهيل الحزب في أفق الأربع سنوات المقبلة، هل في نظركم الوضع العام الذي يوجد عليه حزب التقدم والاشتراكية اليوم، يساعد على ذلك؟
< أعتقد أن الوضع العام ليس مرتبطا فقط بحزب التقدم والاشتراكية، بل الوضع العام مرتبط بالعالم وببلادنا والمتميز بأزمة السياسة، وأزمة الممارسة السياسية وبأزمة الثقة، وخير دليل على ذلك الهوة الموجودة اليوم بين الطاقات الأساسية التي تخترق المجتمعات وبين العالم السياسي والمؤسساتي، هذا الأمر يعقد كثيرا مهمتنا، ويطرح علينا تحديات كبيرة، نضيف إليها، تحول المشهد الانتخابي ومشهد المؤسسات المنتخبة وكيف أصبح مخترقا بالنسبة لبلادنا، ليس من قبل طاقات وكفاءات، بل أصبح مخترقا من قبل جهات نافذة بمالها، والدليل على ذلك ما وقع في الانتخابات الأخيرة.
هذا الأمر يطرح علينا تحديات جسيمة، لأن حزبا مثل حزب التقدم والاشتراكية لا يمكن أن ينساق وراء هذا التيار العارم، لأنه، بكل بساطة، إذا قام بذلك سيفقد هويته، ولا يمكنه أن يستمر وأن يحافظ على إرث الثمانين سنة من النضال والتضحيات. لذلك فالمسألة معقدة بالنسبة لنا، أي كيف يمكن أن نصالح بين هذه الفئات الغاضبة، والغير مبالية والتي جزء كبير منها لا يصوت، ولا يشارك في المؤسسات المنتخبة، وكيف يمكن إدماجها في الحزب، وأن نلقنها مبادئ ومرجعيات حزب التقدم والاشتراكية، لأنه عندما يلتحق شخص ما بحزب التقدم والاشتراكية، فهو لا يلتحق مثلما يلتحق بباقي الأحزاب السياسية، وبالتالي علينا نحن أن نعطيه تلك الثوابت الأساسية المرتبطة بالمرجعية الفكرية وبالاشتراكية، وبمقاربة حزب التقدم والاشتراكية المتميزة بالجرأة السياسية، لكن في نفس الوقت، بالمسؤولية.
كل ذلك، يطرح علينا تحديات جوهرية، ومن أجل ذلك أذكركم أننا شرعنا في مباشرة نقاش داخلي قبل أزيد من سنة، من أجل محاولة إيجاد الحلول لكل هذه التحديات، ولذلك فإن بعض القضايا المطروحة علينا كحزب، اسمحوا لي أن استعمل التعبير الدارج الذي يردده المغاربة وهو “ما كيحس بالمزود غير اللي مضروب به”، لأن بعض التحديات المرتبطة مثلا بقيادة الحزب وبنتائج هذا المؤتمر، عندما تعالج بشكل سطحي من خارج الحزب، فإن تلك الأوساط التي تحللها لا تأخذ بعين الاعتبار ما نحياه داخل حزب التقدم والاشتراكية، لذلك فالمسألة معقدة جدا، ومن ثمة وضعنا في الاعتبار أن على القيادة الجماعية المقبلة بمعية القيادات الجهوية والإقليمية والمحلية، أن تبلور هذا التأقلم وهذا التحول في الأداء، ولذلك تطرح فكرة يمكن أن تشتغل عليها القيادة المقبلة، وهي أن تكون هناك من بين المسؤوليات المقبلة داخل المكتب السياسي ومن داخل اللجنة المركزية هيئة مصغرة لمواكبة هذا التحول الذي على الحزب أن يعرفه، وبالتالي فالمسألة غير مرتبطة فقط، بإضافة مادة أو مادتين في القانون الأساسي أو النظام الداخلي، بل إن الأمر مرتبط بالممارسة.

كيف ينظر حزب التقدم والاشتراكية إلى مسألة التحالفات الحزبية في الظروف الحالية؟ وهل لديه أهداف على هذا الصعيد ؟ خصوصا أن الجميع يسجل اليوم وجود صعوبات في التواصل بين الأحزاب ، وفي العمل المشترك بينها ؟
<حسن فعل زميلك لما طرح في البداية سؤال مرتبط بتعقد الأوضاع، فهذه المسألة المرتبطة بالتحالفات، هي أيضا مسألة معقدة، على اعتبار أننا كحزب في المعارض مطروح عليه سؤال مع من سيتعامل؟ وكيف يمكنه أن يتعامل؟ وكما تعلمون فإن هذه المعارضة، ليست معارضة متجانسة من حيث المرجعيات، وإن كانت تضم بعض القوى السياسية التي اشتغلت بشكل مشترك في التجربة الحكومية السابقة، وهذا أمر يسهل بعض الشيء المأمورية. لكن مع ذلك نسعى في حزب التقدم والاشتراكية أن نقوي التنسيق من داخل هذه المعارضة، حتى تكون معارضة نافذة وقوية، والدليل على ذلك المجهودات التي نبذلها من أجل مقاربة القانون المالي بشكل مشترك في غالبية التعديلات الخاصة به، على الرغم من أن هناك قوة سياسية في المعارضة رفضت الانصهار في هذا المجهود الجماعي. هذا الجانب المرتبط بالمعارضة المؤسساتية التي يتعين أن يكون لها صوت مسموع، أو على الأقل هذا ما نريده نحن في حزب التقدم والاشتراكية، هو مجهود كبير نبدله في هذا الاتجاه. بالموازاة مع ذلك هناك سعي حثيث، من قبلنا، وسنستمر في ذلك، من أجل تقوية عناصر وفعاليات البديل الديمقراطي التقدمي الذي هو شعار المؤتمر، ولذلك نبحث عن إحياء اليسار، وهذه أيضا مسالة معقدة، وفيها صعوبات، على اعتبار أن اليسار عموما على الصعيد العالمي لازال يبحث عن ذاته، وفي المغرب أيضا، لا يمكن أن نقول بأن اليسار يوجد في أحسن وضع، هذا بالإضافة إلى الخلافات الموجودة بين عدد من أطراف هذا اليسار. وحزب التقدم والاشتراكية يوجد في هذا الخضم وفي هذه الزوبعة من أجل ربط الخيوط، ومن أجل تجميع هذا اليسار.
أخيرا، و أنه أمام هذا الوضع العام المرتبط بأزمة السياسة وبأزمة الثقة التي طرحنها في وثيقة مشتركة مع حزبين لما كانا في المعارضة، وهما حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، وقلنا حينها أن أهم شيء يتعين التغلب عليه في الساحة السياسية هو أزمة الثقة.
بالإضافة إلى ذلك، فحزب التقدم والاشتراكية يقوم بمجهود، يتعين إبرازه، وسيواصل القيام بذلك، وهو السعي إلى تجميع الحركة الاجتماعية أو الحركة المواطنة، أي أن نخرج من جدران الأحزاب وأن نبحث عن تعبيرات مجتمعية.*يرى الكثير من الملاحظين أن مسؤولية الأحزاب السياسية تكمن في عدم قدرتها على الدفاع عن المؤسسات كالبرلمان والمجالس المنتخبة التي لم تعد كما كانت ولم تعد قادرة على ممارسة صلاحيتها، والحال هذه، كيف يمكن الحديث عن إعادة الثقة؟
< سبق وأن قلت في تصريحات مختلفة، وسبق للحزب أن أصدر بلاغات متعددة، كما أن الوثيقة السياسية تقف على ذلك بشكل بارز، وهي أن هناك مسؤوليات ثلاثة بالنسبة لاستقرار بلادنا، ولمستقبل الديمقراطية، المسؤولية الأولى مرتبطة بمسؤولية الدولة، وهي أن يكون هناك وعي وعمل ملموس مرتبط بالرفع من قيمة الفضاء السياسي بكافة مكوناته: الأحزاب السياسية والمؤسسات المنتخبة ومؤسسات المجتمع المدني، وكل الفاعلين الذين يخترقهم هذا الفضاء السياسي، وأن نسير في اتجاه بلورة إصلاحات جوهرية بما فيها إصلاح النظام الانتخابي.
في هذا السياق، فقد قلت خلال اللقاء الأخير مع رئيس الحكومة، أن أمامنا أربع سنوات، وأنه من الأحسن أن نفكر في هذه الإصلاحات منذ الآن، وأن لا ننتظر حتى آخر لحظة، وذلك من أجل إعطاء شحنة جديدة للفضاء السياسي.
المسؤولية الثانية، مرتبطة بالأحزاب السياسية التي عليها أن تدافع عن ذاتها، وعن استقلالية قرارها وعن كينونتها، وعن دورها وعليها أن تحارب أزمة الثقة، من خلال ممارستها وعملها، ومن خلال وضعها الداخلي، وديمقراطيتها الداخلية، أي أن عليها أن تعطي صورة أخرى عن العمل السياسي، وأخيرا، حتى إذا افترضنا أن الدولة ستقوم بهذه المجهودات وأن الأحزاب ستستيقظ من سباتها، فبدون مساهمة المجتمع ومساهمة المواطنين، وهو الطرف الثالث في هذه المسؤوليات، فلن يكون هناك أي شيء، لأن على المواطن أن يعي أن إحداث التغيير المنشود، وإرجاع الثقة في السياسة، لا يمكن أن يتحقق دون نضال ودون مشاركته في إحداث هذا التغيير.


ومن ثمة يتعين أن نعرف أن ما وصلنا إليه، وما حققناه من مكتسبات، مرتبط بنضالات وبكفاحات أجيال سابقة، ضحت في سبيل ذلك، وأعطت الكثير من أجل أن يتوفر المغرب على برلمان وعلى مؤسسات منتخبة، على الرغم مما يعتريها من نواقص، ومن أجل أن يكون لدينا دستور مثل دستور 2011 والذي يتعين أن نناضل جميعا من أجل بلورته على أرض الواقع بشكل ملموس، حيث لا يكفي أن تكون لديك وثيقة دستورية جميلة، لأن الأهم هو العمل والنضال من أجل إعطاء مضمون لهذا الدستور المتقدم، ولذلك هناك دور أساسي للمواطن، الذي عليه أن يعي أنه لا يمكن أن يبقى دائما، في موقف المتفرج، ينتقد كل ما يجري ويعبر عن رفضه للواقع، دون المشاركة في تغييره، ودون المساهمة في بلورة البديل الذي يراه مناسبا.
> في ظل هذه الأزمة التي تحدثتم عنها، سواء تعلق الأمر بأزمة السياسية أو بأزمة الثقة والمرتبط بالدولة والأحزاب السياسية والمواطنين، أنتم كحزب التقدم والاشتراكية، ما مقترحاتكم لتجاوز هذا الوضع؟
< مقترحاتنا هي أن نشرع منذ الآن في عقد لقاءات بين الأحزاب السياسية والتمثيليات الأساسية للدولة وأقصد أساسا وزارة الداخلية ورئاسة الحكومة، وهي نفس الرسالة التي قلتها لرئيس الحكومة في لقائنا الأخير، وهو اللقاء الذي استمعنا فيه لعدد من الأمور المهمة، وهي مرتبطة أساسا بالفضاء الاجتماعي وبعض الإجراءات على المستوى الاقتصادي، وكان حينها، أول انتقاد وجهته لرئيس الحكومة، فقلت له، إنه جميل أن نستمع لهذه الأمور، لكن المواطن لا يستمع إليكم وأنتم تفسرون ذلك، وبالتالي فأول شيء يتعين أن تقوموا به، هو إعادة الثقة نسبيا بأن تخاطبوا المواطنين وأن تملأوا الساحة وأن تحاربوا هذا الفارغ الموجود، وأضفت قائلا: إن الغريب جدا في حكومتكم أنكم لا تتكلمون عن السياسية وعن الديمقراطية وعن الحقوق، وهي مواضيع مغيبة لديكم بشكل كلي، وليس هناك أي خطاب من هذا القبيل مرتبط ببلورة الدستور أو بالساحة السياسية، في قراراتكم وفي مشاريع قوانينكم أو في تصريحاتكم.
وبالتالي نحن لسنا أمام حكومة مستعدة لتناقش معنا طبيعة العناصر والإجراءات التي من شأنها محاربة أزمة الثقة، ومحاربة أزمة السياسة، ومن بين هذه الإجراءات التي نراها ضرورية، ومن شأنها إرجاع الثقة، هناك إجراءات حقوقية التي يمكن أن تقوي الجانب المرتبط بالحقوق وبمسألة المساواة بين الرجل والمرأة وأن تحدث تقدم على هذا المستوى، أيضا إجراءات تهم مستوى الحقوق السياسية والاجتماعية والثقافية، والحريات الجماعية والفردية، بدءا بإحداث انفراج على مستوى بعض القضايا الإعلامية المطروحة والتي كانت نتيجة محاكمات أو التي توجد في طور المعالجة على مستوى المحاكم، ففي نظرنا يتعين طي كل هذه الأمور، بالإضافة إلى أنه يتعين إيجاد الصيغ لإخماد بشكل نهائي نتائج بعض الحركات وعلى رأسها مسألة الريف، رغم أننا نقر بأن الدولة بذلت مجهودات على هذا المستوى، لكن يتعين على الجميع أن يبذل مجهودات إضافية، هذه كلها، في اعتقادي هي إجراءات أولية للطمأنة ولإحداث جو من أجل التعبئة، وبعد ذلك علينا أن نتفق حول كيفية بلورة الدستور بشكل أسرع على مستويات متعدد، في كل ما يتضمنه، كيف يمكن أن تكون مختلف المؤسسات المنصوص عليها دستوريا، والتي بعضها لا يشتغل لحد الآن، كما أن أعضائها غير معينين لحد الآن، وعلى رأس هذه المؤسسات الهيئة المكلفة بالمناصفة، مؤخرا فقط، تم تعيين الأعضاء المكلفين بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
كل ذلك من شأنه أن يعطي شحنة سياسية إضافية وأن يخلق جوا مساعدا على الإصلاح، ثم بعد ذلك يتعين أن نقارب قانون الأحزاب وقوانين الانتخابات، والبحث عن كيفية إعطاء مدلول جديد، وأن نصالح المواطن مع الأحزاب ومع السياسة ومع الانتخابات، هذه بعض الإجراءات الأولية التي يتعين القيام بها.
وبالعودة للحكومة، فقد قلت لرئيسها عزيز أخنوش خلال اللقاء الذي جمعه بأحزاب المعارضة: “السيد رئيس الحكومة أنتم ثلاثة أحزاب تقولون إن خمسة ملايين من المواطنين صوتوا لصالحكم وتقولون إن لديكم أغلبية ساحقة في البرلمان، وفي الجهات وفي أغلب المجالس المنتخبة، جميل.. لكن ماذا تفعلون بذلك إذا لم تحملوا هذه الإصلاحات، وليست لديكم النية في مباشرتها؟”.
في نهاية المطاف، أتمنى أن نسير في هذا الاتجاه المرتبط بالإصلاح، رغم أن المسألة مرتبطة، أيضا، بالقوة السياسية القادرة فعلا على أن تكون لها الجرأة في طرح كل هذه القضايا، فبكل صدق، فإن حزب التقدم والاشتراكية يشعر نسبيا بنوع من الوحدانية على هذا المستوى.

هل طلبتم من رئيس الحكومة مأسسة اللقاء مع المعارضة؟
< نحن في البداية من طالب من رئيس الحكومة أن يجتمع بالمعارضة، كما طلبنا منه أن يتكرر مثل هذا اللقاء، حتى نمكن المعارضة من لعب دورها وجعلها في مستوى المكانة التي أعطاها أيها الدستور، بالإضافة إلى ذلك فإن مأسسة اللقاء مع المعارضة هي مسألة حضارية لها قيمة سياسية رفيعة، حيث سيكون من المفيد للديمقراطية أن يأتي رئيس الحكومة أمام أحزاب المعارضة ويفسر لها، كل ما تقوم به الحكومة وما تنوي القيام به.
حتى أكون صريحا معكم، أقر أني استفدت من اللقاء مع رئيس الحكومة، فقد استمعت إلى رجل هادئ يفسر ما يقوم به بشكل أفضل من خرجاته البرلمانية أو خرجاته الإعلامية، وقد قلت له ذلك بشكل واضح. هذا يعني أن المعارضة تتعرف بشكل أدق على الأهداف وعلى الآفاق وعلى الإجراءات المتخذة وأيضا على الصعوبات التي تواجهها.
هذا بالإضافة إلى أن هناك ملفات أساسية مجتمعية عميقة لا يمكن للحكومة أن تباشرها بنفس الطريقة التي تباشر بها ملفات التسيير العادي، وبالتالي يتعين أن تفتح حولها مشاورات مع المعارضة، على سبيل المثال ملف التقاعد، وقد أقر رئيس الحكومة في هذا الاتجاه بضرورة أن نلتقي حول هذا الملف، بالإضافة إلى ملفات أخرى كإصلاح المقاصة لتحديد ما إذا كنا سنذهب في اتجاه تحرير الأسعار بشكل مطلق دون أن يكون هناك بديل بالنسبة للفئات المستضعفة، وأخيرا موضوع الماء وبالأساس موضوع الكهرباء ووضعية المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وبالتالي فإن هناك، اليوم، ضرورة للإصلاح، لكن في أي اتجاه؟ وبأية طريقة؟ كل هذه المواضيع قد وعد السيد رئيس الحكومة بأن تكون هناك لقاءات خاصة بها.
> نعود إلى موضوع المؤتمر الذي ينطلق يومه الجمعة، كيف تقيمون الأجواء التي مرت منها الاستعدادات سواء على المستوى المركزي أو على المستوى الإقليمي والمحلي؟
< في البداية، كانت هناك بعض الصعوبات، لأننا كنا قد خرجنا للتو، من الانتخابات وما تلاها من تعب، ومن ردود فعل، وغضب في بعض الأحيان، حول الكيفية التي مرت منها تلك الانتخابات وغيرها من الأمور المرتبط بهذه المحطة، ولذلك كان هناك تأخير لقرابة أربعة أشهر، ولما أردنا أن نعطي انطلاقة الإعداد المؤتمر بعد حوالي السنة، وجدنا صعوبة لأنه كان علينا أن نحدث رجة جديدة داخل الفروع المحلية والإقليمية والجهوية وكذا داخل المنظمات الموازية والقطاعات السوسيو- مهنية، وقد لاحظتم كيف أن المكتب السياسي ظل صابر ومثابرا وعمل على إشراك اللجنة المركزية للحزب كأعلى سلطة تقريرية بين مؤتمرين في دورات مختلفة من أجل أن نحدث جوا من التعبئة تدريجيا، وأن نخرج عددا من الهياكل الحزبية من ذلك السبات المرتبط بالأوضاع التي تحدثت عنها، فنحن كما تعلم حزب سياسي، حي، ديمقراطي، وجماهيري، وهو ما يعني أننا لسنا قيادة معزولة نذهب إلى مؤتمر بشكل شكلي، بل إن الأمور تخضع لضوابط، وتفرض عقد جموع عامة ومؤتمرات، وفق مقتضيات القانون الأساسي والمقرر التنظيمي .
اليوم، استطعنا أن نرفع من وتيرة التعبئة، وأنا شخصيا سعيد بما وصلنا إليه، ربما لو طرح علي هذا السؤال قبل ثلاثة أشهر لكنت سأقول لكم إننا نعاني من صعوبات حقيقية، لكن اليوم أقول لكم أن 95 في المائة تقريبا من هياكلنا المحلية وفروعنا الإقليمية ومن منظماتنا الموازية ومن قطاعاتنا السوسيو- مهنية، كلها عقدت مؤتمراتها، وناقشت الوثيقة السياسية والقانون الأساسي وانتخبت مندوباتها ومندوبيها للمؤتمر واقترحت من سيمثلها في اللجنة المركزية الجديدة. وهذا دليل على أن الروح وجو التعبئة موجود إلى درجة أننا بدأنا نشعر أن هناك تسابق إيجابي وتنافس من أجل الحضور لهذا المؤتمر، ومن أجل الحضور في الهيئات القيادية للحزب، وهذا يعني أن جميع المؤشرات تقول إن المؤتمر الوطني الحادي عشر سيكون مؤتمرا ناجحا وسيتميز بوحدة الصف وهو ما ميز كل التحضيرات القبلية لهذه المحطة الأساسية.
أنا لا أحرف الحقيقة أو الواقع، ولا أسعى إلى إعطاء صورة نموذجية عن الحزب، ولكن سياسيا تلاحظون بأنه ليس هناك أي خلاف سياسي داخل صفوف الحزب، وهذه مسألة ليست سهلة، بل هي مرتبطة بالعمل وبكيفية تحضير الوثائق والإشراك، واللجان التي اشتغلت. وبالمناسبة أريد أن أوجه الشكر إلى كل الرفيقات والرفاق الذين اشتغلوا من أجل الوصول إلى هذه النتيجة، من الرفاق والرفيقات على المستوى القاعدي إلى أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر وإلى أعضاء المكتب السياسي وكل من ساهم في هذه المحطات، وهذا دليل، كما قلت، على أن هناك حزب حي يشتغل. بالطبع هذا لا يعني أنه ليست لدينا مشاكل وأن أوضاعنا على أحسن ما يرام، هناك سلبيات ونواقص علينا أن نقاربها بكل وضوحها، وعلينا أن نقوم بنقد ذاتي عميق، لأن ممارسة النقد الذاتي مسألة أساسية، يتعين القيام بها من أعلى مستوى في القيادة إلى آخر مناضل في فرع محلي. وبالطبع فإن الأمر يستدعي، عندما تريد أن تساءل الآخر، مساءلة الذات أولا. فالمؤتمر هو محطة للتقييم، وبالتالي أتمنى، بما أن هناك تناغم على المستوى السياسي وهناك إجماع حول مختلف مشاريع الوثائق، أتمنى أن تفرز قيادة وطنية “لجنة مركزية، وأمانة عامة، وبعدها مكتب سياسي” تكون قادرة إلى جانب مختلف هياكل الحزب على الإصلاح وعلى تجاوز كل السلبيات والثغرات وتقوية الحضور الحزبي وبلورة هذا الحضور على مختلف المستويات، وفي ذلك يتعين أن نعترف بأن وزن الحزب السياسي لا يضاهيه اليوم وزنه الجماهيري والتنظيمي والانتخابي، رغم ما حققناه من نتائج انتخابية إيجابية.
> هناك أطروحة أو نظرية تقول بأن حزب التقدم والاشتراكية أريد له أن يكون على هذا المستوى وفي هذا الحجم؟
< حزب التقدم والاشتراكية في الانتخابات الأخيرة يستحق أكثر من تلك النتائج التي حصل عليها، بل من المؤكد، وقد قلت ذلك في تصريحات كثيرة، أن الطريقة التي مرت بها الانتخابات واستعمال المال بشكل فاحش لم يسبق له مثيل، كل ذلك أثر على التمثيلية الحقيقية لحزب التقدم والاشتراكية، سواء تعلق الأمر بالبرلمان، أساسا مجلس النواب، أو تعلق الأمر بمختلف المجالس.
وحتى إذا صدقنا هذه الأطروحة، فيتعين أن نراجع ذاتنا، فبالقدر الذي نكون فيه أقوياء في الساحة مخترقين لمختلف الفضاءات بقدر ما سيصعب على أي كان أن يقلل من وزن حزب التقدم والاشتراكية، بمعنى أنه علينا أن نعي أن أحسن مدافع عن قوة الحزب ومتانة الحزب هو الحزب نفسه.
> أشرفتم على العديد من المؤتمرات الإقليمية، كيف تنظرون اليوم إلى دينامية التحاق الشباب بحزب التقدم والاشتراكية والتي تجلت أساسا في الانتخابات الأخيرة، كما حصل مثلا مع شباب حراك جرادة الذي التحق بالحزب، وغيره من الشباب بمختلف المناطق والجهات؟ وهل أعددتم بنيات استقبال قادرة على استيعاب هذه الطاقات الشابة الجديدة؟
< ربما أنتم قبل غيركم، ستلاحظون اليوم، من خلال تركيبة المؤتمر، أن هناك أغلبية ساحقة لوجوه جديدة، بمعنى أن هناك طاقات نسائية جديدة وطاقات شبابية جديدة، وأن هناك في الكثير من الفروع إمكانيات وطاقات واعدة، بعضها التحق خلال الانتخابات، وبعضها التحق قبلها، وبالتالي هناك نفس جديد، رغم أنه ليس بالقدر المطلوب، وفي الوقت ذاته هناك استمرارية، وهناك نوع من التوازن. وهي وصفة يتعين أن نحافظ عليها لتكون هناك جرعة تمزج بين التجديد والاستمرارية، لأن هذا حزب سياسي له هوية ومرجعية يتعين أن حافظ عليها.
لكن أهم شيء، في نظري، بعد محطة المؤتمر الحادي عشر، هو أن تكون لنا هياكل وبنيات استقبال، وأن تكون لنا القدرة على إشراك هذه الطاقات الجديدة، وقدرة حقيقية على تقوية الصلة بين هذه العناصر وبين الحزب، وبالطبع علينا أن نبذل مجهودا قويا على مستوى التكوين وعلى مستوى التربية على أخلاق الحزب وعلى قيمه لضمان هذه الاستمرارية.
وفي نفس الوقت، على هؤلاء الملتحقين الجدد أن يفهموا بأن احتلال المواقع في الحزب مرتبط بالنضال وبالتضحية، ومرتبط بالاستمرارية في هذا النضال. وبالتالي فالمسألة ليست مرتبطة بظهور في محطة معينة، لأن هذا الحزب مبني على مسألة أساسية وهي التضحية وضرورة الامتثال للروح الجماعية وضرورة جعل المصلحة الذاتية خلف المصلحة الجماعية. لكن في نفس الوقت علينا أن نجد الصيغ لاحتضان الطموحات المشروعة والطبيعية، وأن هذا الأمر يحتاج إلى وعي كبير من قبل الرفاق القدامى.

> أجرى الحوار: محمد حجيوي -محمد توفيق أمزيان – تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top