بيان اليوم تفتح ملف المشروع السكني الخاص بإيواء قاطني الحي الصفيحي النخيل بإقليم النواصر

لا حديث في إقليم النواصر خلال هذه الأيام، إلا عن المشروع الجديد – القديم، الخاص بسكان الحي الصفيحي النخيل، الذي انتقل له العديد من المستفيدين، بعد شد وجذب مع المسؤولين على المشروع، سواء المجلس الإقليمي، أو السلطات المحلية.
وإذا كان البعض قد اختار الاستفادة من شقق سكنية ومحلات تجارية، بدون اعتراض أو تسجيل ملاحظات، والذين “من ضمنهم بعض المتطفلين، ومن ليست لهم علاقة بالسكن في الحي الصفيحي، فإن البعض الآخر اختار الدفاع عن حقه في الاستفادة من شقة بمواصفات معينة، تم الاتفاق عليها منذ البداية”، يقول حمو والهزيز، أحد المتضررين من هذا الملف.
فالمطالب التي يرفعها من استفادوا اليوم، ومن لا زالوا ينتظرون دورهم، على حد سواء، تتجلى أساسا في العمل على تسوية هذا الملف بشكل قانوني، من خلال تقنين هذا الانتقال، وتقديم وثائق رسمية، تمكنهم من إدخال الماء والكهرباء، فضلا عن توزيع المحلات التجارية المتبقية بشكل شفاف وعادل.
أما بالنسبة للذين لم يستفيدوا بعد والذين يقدر عددهم بـ 20 أسرة، فيدعون المجلس والسلطات المحلية، إلى التدخل من أجل مساعدة الأسر المعوزة والفقيرة، والتي ينتمي أصحابها لفئة المعاقين والأرامل، حيث الحاجة إلى مدخول قار يمكنهم من تأمين قوتهم اليومي، من خلال منحهم محلات تجارية، وكذا شقق سكنية تحفظ كرامتهم وعيشهم، مشددين على مساحتها التي يجب أن تتجاوز 64 متر مربع، مع إعلانهم عدم قدرتهم على أداء أي درهم، لأنهم لا يتوفرون على ضمانات للحصول على قروض بنكية.

أصل الحكاية

في سنة 2004 تكللت الزيارة الملكية للنواصر بتدشين مشروع مركب النخيل، لإعادة إيواء قاطني حي النخيل النواصر، الذي كان في وقت سابق، قاعدة عسكرية أمريكية، يقطن بها متقاعدون عسكريون، والبالغ عددهم 910 أسرة على مساحة 14 هكتارا.
المشروع الذي دشن من طرف جلالة الملك محمد السادس، في إطار برنامج محاربة دور الصفيح، الذي كانت قد أعلنت عنه آنذاك الحكومة المغربية، تم وفق دفتر تحملات محدد، “يهدف إلى تمكين كل المستفيدين من سكن لائق، لكن وللأسف هذا المشروع طاله عبث أيادي سلبت منه جميع مواصفات السكن اللائق”، يقول حمو والهزيز.
الجدل القائم اليوم، بين ساكنة دور الصفيح، والمسؤولين الساهرين على هذا الملف، ما هو إلا نتيجة لما تم إعداده، يوم إعطاء الضوء الأخضر، لجمع لوائح المستفيدين، الذين يشترط فيهم، أن يكونوا من ذوي الأقدمية، في الحي الصفيحي “النخيل”.
غير أن عنصر المفاجأة كان حاضرا يوم الإعلان بشكل رسمي عن نتائج القرعة، حيث “سيستفيد العديد من الأشخاص، من شقق ومحلات تجارية، رغم أنهم لم يسكنوا ولو يوما في البراريك، ولم يعيشوا تجربة الحياة في أحياء الصفيح حيث المعاناة على أشدها بمختلف مستوياتها”، بحسب السعدية السريار، مواطنة كانت تمثل الساكنة في الترافع حول الموضوع، والقريبة من الملف بشكل كبير.
وزادت المتحدثة ذاتها، موضحة في لقائها بجريدة بيان اليوم، “أن اللجنة التي كانت تقوم بعملية تسجيل المستفيدين، أدرجت بعض الأسماء، لأفراد العائلات المستفيدة من المشروع، حيث قدم أشخاص لا نعرفهم، من مدن طنجة، والدار البيضاء، وسطات.. ليستفيدوا، دون معارضة أحد لهم، وهو ما استنكرناه في حينه، ولا زلنا نشجبه بشدة إلى اليوم”.
وعن عدد المستفيدين من هذا المشروع، كشف حمو والهزيز، أنه تم تقسيم المستفيدين إلى دفعات، فالدفعة الأولى من المستفيدين وصلت إلى “910 أسرة، أدوا مقابلا ماليا، في حدود 5.5 مليون سنتيم، حيث سلمت لهم شقق سكنية لا تتعدى مساحتها 47 متر مربع، رغم أن الاتفاق في الأول كان على مساحة 64 متر مربع، غير أن 50 أسرة أخرى رفضت الرضوخ لهذا العرض، وظلت متشبثة بحقوقها وتطالب باستفادة أبنائها”.
وأردف والهزيز، أن “عدد المستفيدين في المرحلة الثانية حدد في 175 أسرة، مقابل أدائها لـ 9.5 مليون سنتيم. أما الدفعة الثالثة، فحدد عددها في 170 أسرة، حيث سيستفيد 3 أشخاص من بقعة أرضية، بمشروع النصر، بأولاد صالح، ببوسكورة، غير أننا رفضنا هذا الطرح على اعتبار المنطقة بعيدة عن الأنشطة الاقتصادية لهؤلاء المستفيدين، ولا يمكنها أن تعوض معاناة الساكنة طيلة سنوات بالحي الصفيحي”.

زنزانة للمهمشين

بعد الشروع في إجراءات توزيع الشقق، التي تم الاعتماد فيها على نظام القرعة منذ البداية، ووفق ما تم الاتفاق عليه مع المستفيدين والمسؤولين عن الملف، سيتفاجأ الكثير من المستفيدين، مباشرة بعد التحاقهم بهذه الشقق، بصغر مساحتها، ورداءة بنائها، وتجهيزاتها.
“صدمة لا توصف، بعد إخبارنا بأن مساحة الشقة لا تتعدى 47 متر مربع، حيث كنا ننتظر أن تتراوح مساحة الشقة بين 65 و80 متر مربع، بحسب عدد الأفراد الذي تتكون منه العائلة الواحدة، حيث لم نجد بدا، إلا الرضوخ لهذا العرض الذي كان مخيبا للأمل”، يقول أنور الجراوي، المتضرر هو الآخر من المشروع.
وزاد واصفا في حديثه مع بيان اليوم، عملية ترحيل الساكنة تحت الضغط، “بالصفقة المخيبة للأمل”، مردفا “لم نعرف صراحة، سبب هذا البخل في البناء، رغم أن المساحة الأرضية الممنوحة للجماعة من قبل..، تقدر بـ 14 هكتارا، في حين لم يتم بناء إلا 6 هكتارات، جزء كبير من شقق هذه العمارات، بيعت، والباقي تم توزيعه على ساكني حي الصفيح النخيل، مع تقديمنا لمساهمات مادية تختلف قيمتها من دفعة لأخرى”.
وانتقد أنور الجراوي، “عدم إنجاز كل المرافق العمومية التي يتضمنها دفتر التحملات، وكذا رداءة البناء والبنية التحتية، ثم التلاعب في لوائح الاستفادة من المشروع”، موضحا للجريدة، أنه ورغم “مراسلتنا لجميع مؤسسات الدولة، الديوان الملكي، مؤسسة الحسن الثاني للأعمال الاجتماعية، وزارة الداخلية، وزارة العدل، ولاية الدار البيضاء – سطات، عمالة إقليم النواصر، لم يحل هذا المشكل بعد، حيث لم تستفد بعد 20 أسرة رغم أقدميتها وثبات أحقيتها في الاستفادة”.

في ضيافة الظلام

بعد قيام بيان اليوم، بجولة في الحي الصفيحي “النخيل”، الذي أصبح مهجورا، توجهنا صوب المشروع السكني الجديد، الذي يضم الشقق الاقتصادية والمحلات التجارية، حيث سيلتحق بنا، مصطفى زهران، الذي أتى راكبا، على دراجة نارية متآكلة، ومهترئة، وهو أحد المنتقلين الجدد إلى شقته السكنية التي لا تتوفر على الكهرباء والماء.
بعينين جاحظتين، وأعصاب متوترة، وبدون مقدمات، دخل مصطفى في الموضوع. بدأ النقاش ساخنا مع مرافقي بيان اليوم، الذين ينتمون إلى المنطقة نفسها، والمتضررين من القرار القضائي، القاضي بالترحيل والإفراغ.
زهران، انهارت قواه مع مرور السنين الطويلة، التي قضاها في النضال والانتظار، بهدف الظفر بما يستحق، غير أن المنتخبين والسطات المحلية، كان لهم رأي آخر في الموضوع، وهو ما سيحصل خلال بداية هذه السنة، حيث سيلتحق مصطفى بشقته مكرها، في غياب وثائق رسمية تثبت أحقيته وشرعيته في التصرف في هذه الشقة، وهي المعطيات التي أكدها لبيان اليوم.
وتصف ساكنة هذا المشروع السكني، الملتحقين الجدد الذين يعانون من نفس حالة زهران، بـ “الحراكة”، أو “ساكني الظلام”، على اعتبارهم لم يستوفوا استكمال الملف من أجل الرحيل لهذه الشقق بشكل قانوني، وهو ما سيظهر فيما بعد، حيث سيقطن هؤلاء المستفيدون وهم محرومون من الماء والكهرباء، بيد أن مجموعة من الساكنة ستلجأ إلى سرقة هذه الحاجيات الضرورية (الكهرباء والماء) من الشارع، ليضطروا بعد ضبطهم إلى أداء فواتير خيالية.
وفي الوقت الذي لجأ فيه البعض إلى هذه الحيلة، اختار آخرون البقاء في الظلام الدامس، بدون كهرباء ولا ماء، حيث يستعملون، قناديل، وشموع، تذكرهم بالأيام الخوالي، مرغمين على النوم باكرا، وإسدال الستار على يومهم المتعب ذهنيا وبدنيا، حيث التفكير في مصير ملفهم الذي تتقاذفه أيدي المسؤولين المتدخلين في الموضوع.
أما التلاميذ والطلاب الذين يتابعون دراستهم، فيعيشون ظروفا أشد قساوة ولا علاقة لها بالمناخ التربوي والدفء العائلي الذي يتعين توفيره للدراسة والتحصيل، فهم ملزمون بالانتقال إلى شقق جيرانهم المنعمة بالنور، أو الذهاب للمقاهي، أو الجلوس على قارعة الطريق المضيئة، لإعداد التمارين، والتحضير للامتحانات وإنجاز الواجبات المدرسية المنزلية التي تحولت إلى واجبات “خارج منزلية”، وهي الظروف القاسية التي عاينتها بيان اليوم، التي انتقلت إلى عين المكان.
وبين الظلمة والنور، ينتظر هؤلاء “الحراكة”، ساكني الظلام، نتائج الإعلان عن وضعيتهم التي تبقى خارج القانون، في غياب وثائق رسمية تثبت ملكيتهم.

نقطة نظام

نبه المتضررون جميعهم، من المجمع السكني النخيل، بمنطقة النواصر، الذين التقتهم الجريدة، إلى وجود شقتين بالمشروع السكني، تعودان لمستفيدين توفيا، وليس لهما عائلة، من شأنها أن تستفيد، عوضا عنهما.
وقالت السعدية، لبيان اليوم، إننا “نتتبع الملف عن كثب وننتظر قرار الجماعة في هذه النقطة بالذات”. إنها أزمة ثقة بين ساكنة النواصر ومسيري الجماعة الذين لا زالوا يسارعون الزمن لحل هذه القضية التي خلقت سجالا كبيرا في النواصر.

وللمجلس البلدي رأي

من جهته، اعترف، نائب رئيس جماعة النواصر، حسن محبوب، بـ “وجود عدة مشاكل واختلالات في هذا الملف منذ سنة 1999 (تاريخ جمع اللائحة)، والتي يحاول المجلس البلدي الحالي رفقة جميع المتدخلين، حلها”، مرجعا إشكالية حل هذا الملف، “إلى النمو الديمغرافي الذي عرفه الحي الصفيحي النخيل، على اعتبار أن عدد السكان يتنامى ويتطور من سنة لأخرى، مما جعل المجلس يواجه ملف ثلاثة أجيال”.
وأوضح محبوب، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن الملف مر بصراع طويل، مع مختلف المتدخلين فيه، “بعد صراعات سياسية وحزبية، وكذا جمعوية”، داعيا الأسر المتبقية في الحي الصفيحي إلى القليل من الليونة والصبر، مشيرا في السياق ذاته، “إلى أن المجلس لا يتحمل كل الاختلالات التي تمت في المشروع منذ البداية”.
المسؤول الجماعي، في حديثه لبيان اليوم، وصف الملف “بالمعقد، والساخن، الذي تتدخل فيه كل الأطراف”، مطالبا إياهم “بتغليب الشق الاجتماعي والإنساني، على القانوني، بعد قرار المحكمة الإدارية القاضي بإفراغ ساكني الحي الصفيحي النخيل، وهو ما أقوله وأردده أثناء كل لقاء”، يؤكد محبوب.
وكشف نائب رئيس جماعة النواصر، أن “وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، تنتظر منذ مدة طويلة تنفيذ قرار المحكمة الإدارية، على اعتبارها المالكة الأصلية للأرض، غير أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية تقف حجرة عثرة أمام هذا القرار”، مشيرا، “إلى عدم ثقة الأبناك في مواكبة هذه المشاريع بعد فقدانها الثقة في هذه الفئة، التي تعجز عن أداء الكمبيالات الشهرية، التي هي الأخرى تشكل عائقا في حل هذا الملف”.
وقال “إن المجلس لا يتحمل بشكل كامل أخطاء الماضي، المتجلية في العديد من المظاهر، من قبيل؛ جمع اللوائح، واستفادة الأغيار.. ونحن اليوم نشتغل بشكل سريع من أجل طي صفحات هذا المشكل، من خلال إيجاد بعض المخارج القانونية والاجتماعية، كالعمل على تسهيل استفادة الفئات الضعيفة والهشة، من معاقين وأرامل، من شقق سكنية بحسب قدرتهم المادية”.
وبخصوص الوضعية غير القانونية، للأسر التي انتقلت إلى شققها السكنية، غير أنها لم تتمكن من الحصول على ترخيص التزود بالكهرباء والماء، أبرز حسن محبوب، “أن وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية لم ترخص بعد لهذه العينة على اعتبار أن مجموعة من أفراد هذه الأسر لا زالت تتواجد بالحي الصفيحي رافضة الانتقال إلى المشروع السكني، إلا بعد تزويد كل واحد هو الآخر بشقة سكنية فردية، أو الاستفادة من محل تجاري بمفرده”.

 إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top