بيان اليوم تنشر النص الكامل لوثيقة “تجذر وانصهار”

تقديم
خصصت الدورة العادية الخامسة للجنة المركزية التي التأمت يوم السبت 14 دجنبر 2019 لتقديم ومناقشة والتصويت على تقرير المكتب السياسي المتضمن، بالأساس، لنقطة هامة وحيوية جدا بالنسبة لحزبنا تتعلق بتقديم وثيقة داخلية تحمل عنوان: “تجذر وانصهار”.
إن هذه الوثيقة؛ “تجذر وانصهار” لهي محصلة للنقاشات المستفيضة التي أجراها المكتب السياسي لأسابيع بخصوص مقاربة عمل الحزب من موقع المعارضة، وهي وثيقة عملية أساسية، تنهل من هويتنا ومرجعيتنا ومشروعنا السياسي التقدمي، وغايتها الأساس هي تعبئة الجسد الحزبي وحشد طاقات كافة تنظيماتنا ومناضلاتنا ومناضلينا من أجل بعث دينامية أقوى في صفوف الحزب والإسهام في تأطير دينامية وحركية المجتمع والانصهار في قلب النضالات الجماهيرية.
هذا، مع الإشارة إلى أن وثيقة “تجذر وانصهار” التي تجدونها أدناه تأتي استمرارا وامتدادا وتأكيدا وتحيينا لوثائق مماثلة أنتجها حزبنا في فترات سابقة، من قبيل خطة تجذر وقبلها خارطة الطريق، لكن اليوم بعزيمة أكبر وإرادة أقوى في تفعيل مضامينها وتحويل أفكارها إلى حركة دفع قوية ومؤثرة في مجريات الأحداث ببلادنا، واستثمار الآفاق التي تفتحها من أجل أن يكسب حزبنا الرهانات والاستحقاقات المختلفة الراهنة والمستقبلية.
لذلك، يدعوكم المكتب السياسي إلى حسن الاطلاع على الوثيقة المذكورة والتفاعل معها وإطلاق عملية التفكير الفردي والجماعي في كيفيات تنزيل محتوياتها في ساحة المعارك اليومية، وكذا الإدلاء بمقترحاتكم وملاحظاتكم في شأن تفعيلها، في أفق مواصلة ذلك داخل الفروع المحلية والإقليمية والجهوية والتنظيمات القاعدية والقطاعية والموازية لحزبنا، بموازاة مع تنفيذ الأعمال اللازمة وخوض النضالات المطلوبة.
وفي ما يلي نص الوثيقة:

1 – توطئة

يحرص حزب التقدم والاشتراكية على السعي الدائم نحو استيعاب متغيرات المجتمع، بوفاء لمرجعيته الوطنية والديمقراطية والتقدمية الاشتراكية، وبتطلع نحو تجديد أدواته وأساليبه النضالية.
لقد نجح العقل الجمعي لحزبنا في أن يفرز اليوم تحليلا سياسيا متماسكا لتفسير المرحلة الراهنة التي تجتازها بلادنا، وقام بتضمين ذلك في مختلف وثائقه الصادرة رسميا عن هيئاته.
بالمقابل، يتعين الإقرار بأن الأشكال التنظيمية للحزب لا ترقى إلى حمل العرض السياسي الذي ينتجه، وبالأحرى تحويله إلى قوة دفع تؤثر في حركية المجتمع، وذلك بالنظر إلى ما يشوب هذه الأشكال من قصور يجعلها محتاجة إلى المراجعة.

2 – أهداف الوثيقة

تأسيسا على ذلك، تهدف هذه الوثيقة إلى بناء أرضية لإنتاج المقاربات العملية التي من شأنها تطوير أداء الحزب وإطلاق دينامية داخلية قوية، وذلك بانسجام مع موقعه في المعارضة، وبتناغم مع الدينامية العامة للمجتمع، وبتطلع للتأثير والتموقع الإيجابي فيها.
بمعنى آخر، تتوخى هذه الوثيقة تدقيق السبل نحو “تحويل الأفكار إلى تقدم” (وهو بالمناسبة شعار مؤتمرنا الوطني الخامس المنعقد في سنة 1995)، أي تحويل الأفكار إلى قوة مادية، وبالتالي إلى حركية ودينامية.

3 – مرجعية فكرية اشتراكية وخط سياسي نضالي في خدمة حركة اجتماعية مواطنة

أكد حزب التقدم والاشتراكية في مؤتمرة الوطني الأخير، كما في جميع مؤتمراته السابقة، على أنه حزب حامل لمشروع سياسي ولهوية فكرية وطنية، يسارية، اشتراكية، تقدمية، حداثية، وديمقراطية.
بهذا الجوهر وبهذه الحمولة، ناضل منذ تأسيسه، ولا زال يناضل بصفته الوريث الشرعي والامتداد الطبيعي للحزب الشيوعي المغربي ولحزب التحرر والاشتراكية، من مختلف المواقع، بما فيها أثناء العمل في السرية، أو في واجهة المعارضة من داخل المؤسسات، أو على الواجهة الجماهيرية، أو من داخل الحكومة، من أجل هذا المشروع السياسي الذي يتمحور بالخصوص حول بناء الدولة القوية بمؤسساتها الديمقراطية والقائمة على الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية، والدفاع عن المهضومة حقوقهم، طبقيا واجتماعيا وثقافيا ومجاليا، والنضال من أجل التنمية الاقتصادية القادرة على خلق الثروة وفرص الشغل، والكفاح
من أجل القيم الإنسانية والثقافة التنويرية والعقلانية، وحمل مشعل الدفاع عن الوحدة الترابية والذود عن السيادة الوطنية.
كل ذلك في تكامل تام وربط دائم بين الواجهات النضالية المؤسساتية، بما فيها واجهة المجالس المنتخبة، مع الواجهات النضالية الجماهيرية.
فبهذه الهوية الفكرية، وبهذا المشروع السياسي، سيساهم حزب التقدم والاشتراكية اليوم، وهو أكثر تحررا من إكراهات الموقع الحكومي، في تحريك واجهات نضالية متعددة وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا، بهدف إحداث حركية اجتماعية تتجاوز حدود الحزب، لتتمكن من حشد الطاقات المناضلة والمطلبية الجمعوية والثقافية والبيئية والحقوقية والمدنية وغيرها.
ذلك أنه لا معنى لحمل مشروع فكري وسياسي سوى بالانخراط القوي والتواجد اليومي والعمل الميداني والحضور الفعلي لجميع تنظيمات الحزب ومناضلاته ومناضليه، إلى جانب المواطنات والمواطنين بمختلف فئاتهم، في البوادي والمداشر والمدن والأحياء والفضاءات المهنية، ووسط الحركات الاحتجاجية والأشكال النضالية المطلبية، وفي قلب النقاشات المجتمعية والمبادرات النضالية بخصوص كافة القضايا التي تهم الناس وتشغل اهتمامهم.
إن هذه الوثيقة لا تحل محل الوثيقة السياسية والمذهبية التي صادق عليها المؤتمر الوطني العاشر، والتي تظل اليوم إطارنا المرجعي السياسي، كما أنها لا تأخذ مكان ما سبقها من وثائق وأدبيات، لكن كان التذكير السريع بأهم مقومات هويتنا ومبررات وجودنا أمرا ضروريا لأجل تأطير هذه اللحظة الهامة في حياة الحزب.
على هذا الأساس، يتعين استثمار مضامين هذه الوثيقة لاستعادة المبادرة واستنهاض الهمم من أجل أن تحرص كل مكونات الجسد الحزبي، أجهزة وأفرادا، على العودة القوية والحماسية إلى جميع الواجهات الجماهيرية وإلى ساحة المعارك الميدانية والتواجد في قلبها، إلى جانب الفعاليات المجتمعية بخصوص الإصلاح السياسي وتطبيق الدستور وإعادة الاعتبار للفعل الحزبي الجاد، وإلى صف العمال والفلاحين في نضالهم في سبيل تحسين ظروف حياتهم، والطلبة لأجل نيل حقوقهم، والنساء في كفاحهن لأجل المساواة، وفي قلب نضالات المجتمع بخصوص القضايا الإيكولوجية والحفاظ على الثروات الطبيعية لبلادنا، وحمل ملفات الفئات الاجتماعية والمهنية المختلفة ودعمها لانتزاع مكاسبها المشروعة، وخوض المعارك النضالية والترافعية إلى جانب الحركات المناهضة لاقتصاد الريع وللفساد، والوقوف إلى جانب المتضررين من كل السياسات العمومية والقرارات المكرسة للفوارق الاجتماعية والمجالية، والتواجد في صلب المعارك التي تخوضها فئات عريضة من مجتمعنا حول الحريات الفردية والجماعية، وحمل لواء الدفاع على حقوق الإنسان، والنضال في سبيل الانتصار للمسألة الأمازيغية، والالتصاق بالقضايا الثقافية، والتموقع إلى جانب المبدعين والمفكرين والمثقفين والإعلاميين في نضالاتهم من أجل القضايا القيمية والثقافية التنويرية والتحديثية، وإعادة الاعتبار لتقاليد حزبنا في التضامن مع الشعوب في كفاحاتها التحررية، والتنسيق، كلما أمكن ذلك، مع منظمات المجتمع المدني وكل الفعاليات والطاقات المجتمعية الأخرى، على أساس قضايا عادلة بعينها. هكذا فقط، سيتمكن حزبنا من تجسيد أفكاره وتوجهاته على أرض الواقع، من خلال بلورة وتأطير حركة اجتماعية مواطنة، وعلى أساس خلق دينامية جديدة حاضنة للتطلعات نحو التغيير.

4 – رصيد إيجابي لـ11 سنة من المعارضة و21 سنة من المشاركة الحكومية

إن التوجهات التي بلورها الحزب، على الأقل منذ سنة1991 والمتعلقة باختيار مشاركته الحكومية، هي توجهات سليمة، وأكدت عليها جميع مؤتمراتنا الوطنية في سنوات2001 و2002 و2010 و2011 و2014.
وإذا كانت 11 سنة الأولى من عمر حزبنا، والتي قضاها في المعارضة، قد بصمت على مسيرة نضالية صعبة لكن متألقة ساهمت في إنضاج شروط ما سيتحقق من مكتسبات لصالح وطننا وشعبنا لاحقا، فإن 21 عاما الموالية من عمره قد تميزت بمشاركته ضمن خمس حكومات متتالية، أسهم من خلالها، بوطنية وتفان ونكران للذات، في تحقيق منجزات يشهد عليها رصيد وزراء الحزب الذي يبعث على الاعتزاز، (التعريف بهذا الرصيد هو موضوع مبادرة تواصلية يعمل الحزب على إعدادها(.
ويتعين التذكير أيضا بأن الحصيلة الإيجابية للحزب لم تقتصر على القطاعات الوزارية التي أشرف على تدبيرها فقط، وإنما تجاوزت ذلك إلى الإسهام في الدفع بالإصلاح في شموليته.

5 – آثار جانبية سلبية وممارسات غريبة على قيم الحزب

في نفس الوقت، تظا فر عامل مشاركة الحزب في العمل الحكومي مع عوامل موضوعية أخرى، أهمها هيمنة الرأسمال المعولم وقواه السياسية اليمينية، وتراجع اليسار في جل بلدان العالم، وتنامي حركات الإسلام السياسي على المستوى الوطني والعربي، وتراجع القيم النضالية، وما تواجهه السياسة من تبخيس وإضعاف، ليؤدي ذلك إلى بروز آثار سلبية على تنظيمات الحزب وديناميته، حتى صارت تأخذ أبعادا مقلقة.
تتجسد هذه الآثار السلبية في بروز ممارسات غريبة على ثقافة الحزب، وفي محدودية القدرة على التأثير والتأطير والانصهار في المجتمع، وفي ضعف الإقدام على المبادرة، وتراجع طابع النضال الجماهيري للحزب، والانغلاق على الذات أمام الطاقات.
كما تجلت الآثار السلبية في انتشار ثقافة الانتقاد والتجريح والتشهير، وضعف الانضباط الحزبي، وتراجع الشعور بالانتماء إلى الجسم الحزبي، والتراشق العلني بين منتسبين إلى الحزب، وتضخيم الاختلافات وشخصنتها، وتعاظم النزوعات الانتهازية والوصولية والصراعات الفارغة حول المواقع والمسؤوليات، وتراجع التكوين الحزبي، وضعف الالتزام خاصة بأداء واجبات الاشتراك المالي، وتراجع منطق المساءلة الذاتية وممارسة تقييم الأداء، في مقابل انتشار سلوك الإفراط في انتقاد الأفراد ومحاسبة “الآخرين”، وفي الاصطفافات المشخصنة عوض الولاء للأفكار وللحزب، بالإضافة إلى ت رسّخ ثقافة الاتكال المفرط على الواجهات المؤسساتية التي يتواجد بها الحزب، وكأن التمثيلية الحزبية في المؤسسات يمكنها أن تعوض واجهة النضال الجماهيري !

6 – الحاجة الملحة إلى مواصلة جهود مواجهة الممارسات السلبية داخليا

إن وثيقة “تجذر وانصهار” هي ناقوس للتنبيه من أجل تقويم تلك الممارسات التي إن هي ترسخت سوف يفقد الحزب مبرر وجوده المتمثل في المشروع المجتمعي الذي ننشده، ولذلك واجبنا هو مواجهة كافة تمظهرات هذه الثقافة الدخيلة بلا هوادة، ذلك أن الحزب ليس إطارا لخدمة مجموعة من الطموحات والمصالح الشخصية، ولكنه أداة لتقاسم والدفاع عن مشروع مجتمعي جماعي. إن هذه المظاهر السلبية تشكل تهديدا حقيقيا لوجود الحزب باعتباره قوة للتغيير، تنضاف إلى مختلف الصعوبات الأخرى التي تحيط بالعمل السياسي في بلدنا، وهي المظاهر نفسها التي جعلت حزبنا ينتج عددا من الوثائق التي تضمنت بدائل عملية، لا سيما منها وثيقة “خطة تجذر” في سنة 2012، ووثيقة “خارطة الطريق” في سنة 2010، والمخرجات التنظيمية لـ”الندوة الوطنية لسنة 2001، وغيرها من الوثائق الصادرة في الموضوع منذ سنة 1991 على وجه التحديد.
وللتذكير، فإن آخر وثيقة أنتجها الحزب بهذا الصدد، والتي هي وثيقة “خطة تجذر” تضمنت ستة محاور أساسية مطلوب اليوم تدقيقها وتحيينها، وهي: تأكيد الهوية التقدمية الاشتراكية والديمقراطية للحزب، النضال الحزبي والجبهات الجديدة للعمل السياسي والاجتماعي، تجذير الهياكل والهيئات الحزبية في الواقع الاجتماعي، التواصل الحزبي، تفعيل إلزامية تأدية واجبات الانخراط، ثم التتبع والتقييم. لكن، للأسف، لم تجد مضامين كل هذه الإنتاجات طريقها إلى التفعيل الأمثل على أرض واقع حزبنا.

7 – النقاش حول دينامية الحزب بالموازاة مع مواصلة تنفيذ برنامج العمل

إن هذه الوثيقة هي بمثابة أرضية للنقاش حول أساليب العمل، ومنتظر منها أن تحدث رجة داخلية ودينامية إيجابية وموجة حركية دافعة، بما يجعل حزبنا قادرا على استيعاب الدينامية المجتمعية العامة والإنصهار فيها، مشاركة وتوجيها وتأطيرا وقيادة وتطويرا.
في الوقت ذاته، إنه نقاش يتعين أن لا يوقف أشغال الحزب أو يعيق تنفيذ برنامجه الذي سيتواصل تنفيذه من خلال عقد ما تبقى من مؤتمرات جهوية، وتحضير مؤتمر منتدى المناصفة والمساواة، ومواكبة منظمة الشبيبة الاشتراكية، والتهييء لإطلاق مسلسل المؤتمرات الإقليمية مطلع السنة المقبلة بموازاة مع الشروع في التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، فضلا عن مواصلة إنتاج المواقف السياسية والاضطلاع بالمهام الاقتراحية، وكذا تهييئ الدورة العادية الخامسة للجنة المركزية في أفق شهر دجنبر المقبل، إضافة إلى توفير الشروط اللازمة لالتئام ندوة وطنية للحزب.
هذا النقاش المقرون بمواصلة العمل ينطلق إذن الآن، وسيتواصل، وسيشكل جزء أساسيا في أجندة كافة الأشغال والمحطات التنظيمية الداخلية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا، وهو نقاش ستتمحور حوله بالخصوص أشغال اللجنة المركزية في دورتها الخامسة، قبل وأثناء وبعد انعقادها.

-8 ستة مداخل ممكنة من أجل بعث دينامية  قوية في حياة الحزب

نوجد اليوم في موقع مختلف هو المعارض الوطنية التقدمية، البناءة والمبادرة والفاعلة والمسؤولة، وفي وسط رهانات أكبر، وفي ظروف عامة أشد تعقيدا، مما يفرض علينا إعادة فتح النقاش حول الأداة الحزبية، مع الحرص على وضع الأسئلة الحقيقية والإشكالات الصحيحة، لأجل إيجاد الأجوبة الملائمة، دون إلقاء كل اللوم على الشرط الموضوعي فقط، ودون مقاربة الموضوع كما لو أن الحزب بصدد إعادة النظر في توجهه الفكري أو خطه السياسي بما فيه المنطق الذي يؤطر تحالفاته.
وتقترح في هذه الأرضية، التي تعد امتدادا لخطة تجذر، ستة مداخل ممكنة، من شأنها بعث دينامية جديدة في حياة الحزب، والتصدي لمظاهر التراجع عن قيمه النضالية، وكذا توفير شروط التموقع الملائم ضمن الدينامية العامة للمجتمع.

المدخل الأول: الانفتاح على الحركة الاجتماعية

حزب التقدم والاشتراكية هو أداة من أدوات التغيير، وتظل الغاية من وجوده هو الإسهام في الدفع بالإصلاح نحو أقصى الدرجات، وواجبه يحتم عليه أن يظل رهن إشارة المجتمع وفاعلا في حركيته.
على هذا الأساس، مطلوب من الحزب تعميق معرفته بمحيطه الاجتماعي وتعزيز الانصهار فيه وتقوية الحضور في مختلف جبهات الصراع الاجتماعي والسياسي والقيمي والثقافي، والسعي نحو استعادة المبادرة في تأطير وقيادة النضالات الجماهيرية وتوجيهها، في أوساط الفئات الكادحة، والشباب والنساء، والطلبة والتلاميذ، والمهنيين، والالتصاق بواقعهم، والحث على المشاركة، ودعم كافة التعبيرات الاجتماعية سواء في أشكالها التقليدية أو في صيغها الجديدة، في الحواضر كما في الأرياف.
وعلى الحزب أن يسترجع هويته النضالية ويساهم في تأطير موجة الحركة الاجتماعية وإحداث التأثير المناسب فيها، والانفتاح على الطاقات التي تزخر بها، بما فيها تلك التي تنشأ وتتنامى خار البنيات والمؤسسات التقليدية.
إن هذه المهمة من المفترض أن لا يجد الحزب صعوبة في الاضطلاع بها، بالنظر إلى التلاقي الموضوعي بين أفكاره ومواقفه وبين المواضيع التي تطرحها اليوم الحركة الاجتماعية المتصاعدة، بما يتيح المجال أمام إنضا بديل ديموقراطي تقدمي يمكن للحزب أن يشكل محوره من خلال حركة مواطنة جديدة للإصلاح تتأسس على تحالف واسع لمختلف الطاقات الوطنية والفعاليات الحاملة لهموم الوطن.
لذا، من الحيوي أن يبعث الحزب روحا جديدة في نضالاته على الواجهة السياسية من أجل الحريات الفردية والجماعية، والمساواة، والدفاع عن الديمقراطية الحق، وعن ضرورة احترام الأحزاب والتنظيمات السياسية والمدنية واستقلاليتها، وإعادة الاعتبار للفعل السياسي الجاد، وتنقية العملية الانتخابية من كافة الممارسات المسيئة للمسار الديمقراطي، واحترام الهيئات المنتخبة والمنتخبين، وكذا الدفاع عن حقوق الإنسان، وعن سلامة وتكافؤ التنافس السياسي، وعن مصداقية المؤسسات، واحترام الإرادة الشعبية، فصل السلط، وفصل عالم السياسة عن عالم المال، ودولة القانون، والدفع في اتجاه تطبيق مقتضيات الدستور من خلال الانتصار لتأويله الإيجابي وفتح آفاق جديدة أمامه.
بنفس الروح، على الحزب أن يعطي بعدا أقوى لنضالاته على الواجهة الاقتصادية من أجل اقتصاد وطني قوي قادر على خلق الثروة وفرص الشغل، ويد بر بحكامة جيدة، ويسوده التنافس الحر والشفافية بعيدا عن الريع والفساد، وتحظى فيه المقاولة الصغرى والمتوسطة بالحق في الحياة، مع الارتكاز على الكفاح من أجل العدالة الاجتماعية والمجالية والتوزيع المنصف للخيرات، ومن أجل تكافؤ الفرص، والدفاع عن القطاع العمومي والمرفق العام، وخاصة المدرسة والمستشفى العموميين، والحرص على النضال من أجل العدالة الجبائية، وإقرار المسؤولية الاجتماعية للهيئات المستثمر، والدفع في اتجاه التصنيع النافع، وكذا النضال إلى جانب الفلاحين الصغار في صراعهم ضد الاستغلال والتفقير.
في نفس الوقت، مطروح على الحزب التواجد، بشكل أقوى، في مختلف المعارك المجتمعية ذات الطابع الثقافي والقيمي، من خلال الانتصار إلى التعدد في إطار الوحدة الوطنية، والانحياز إلى لمبادئ والقيم الإنسانية والتنويرية بمختلف أشكالها وتعبيراتها، مع تثمين الموروث الوطني الإيجابي، فضلا عن تعزيز مبادئ التضامن الأممي مع الشعوب وقضاياها العادلة.
وعلى الحزب الانفتاح على كافة المبادرات النضالية وتطوير دينامياتها، ومنها أشكال النضال الجماهيري، سواء كان ذا مطالب عامة أو فئوية، وسواء كان ذا بعد وطني أو ترابي، مع الحرص على العمل من داخل التنظيمات النقابية الجماهيرية واحتضان قضايا المهنيين على وجه الخصوص.

المدخل الثاني: بعث الدينامية في التنظيم الداخلي للحزب

تبلورت منذ سنوات القناعة الجماعية في حزبنا بكون السؤال التنظيمي يظل الحلقة الأهم، لكن الأضعف، في استنهاض طاقته النضالية، ولقد تم بذل مجهودات كبيرة على هذا الصعيد.
إن التوسع التنظيمي الذي يشهده الحزب لا يجب أن يحجب عنا عددا من الاختلالات المتصلة بالموضوع، مما يستدعي الانكباب على هذه المسألة والحسم في اعتماد ممارسات وبنيات تنظيمية دينامية، منفتحة، جاذبة، مرنة، ومتناغمة مع متغيرات المجتمع. لذلك يتعين الإقدام على فتح الأبواب أمام كل الطاقات المجتمعية الراغبة في النضال من داخل الحزب، وإزالة جميع أشكال مقاومة التجديد، وفتح المجال أمام المبادرات، وتطوير وتنويع بنيات الاستقبال، وجذب الأطر المجتمعية الفاعلة، والانفتاح على المثقفين والنخب المحلية والوطنية، وعلى كل من له الرغبة في الانخراط في النضال لخدمة قضايا الوطن والشعب، وكذا تحديث أدوات وطرق الاشتغال، وابتكار صيغ تنظيمية غير جامدة تتلاءم وتتفاعل مع خصوصيات كل فضاء من الفضاءات التي يتواجد بها الحزب.
ويستدعي الوضع التنظيمي الحالي التوفيق بين التداول السلس على المسؤولية والتجديد المستمر للدماء من جهة، وضمان تشبع مناضلي الحزب بمرجعيته وقيمه وتملكهم لهويته الفكرية والسياسية من جهة أخرى. كما أن العمل الحزبي الناجح لا يستقيم بدون الاشتغال مركزيا وقاعديا بمنطق الأهداف والنتائج والتقييم، وبمنهجية المشروع.

المدخل الثالث: التكوين

إن الخيار المتعلق بانفتاح الحزب على المجتمع لا بد من مواكبته بالتكوين في مختلف المجالات التي تؤطر عمل الحزب، في الهوية والمرجعية والمبادئ، كما في السياسة والمواقف، وفي القيم والأخلاقيات والعلاقات الحزبية، وفي برنامج الحزب، وغيرها من المجالات الأخرى التي تجعل من المنتسب إلى الحزب مناضلا معتزا بانتمائه، متملكا لتاريخه وحاضره ومناهج تحليله، متشبعا بقيمه، حاملا لفكره، مدافعا عن مكانته، مؤهلا لتأطير المعارك الاجتماعية، وقادرا على التموقع الفاعل في المجتمع، منضبطا وملتزما بمواقفه واختياراته، وممتلكا للمهارات اللازمة للمشاركة الواعية والمساهمة الإيجابية في الشأن العام وطنيا كان أو محليا.
وإذا كانت المرحلة تستوجب من الحزب بلورة وتنفيذ برامج تكوينية في شكل دعامات ووحدات Modules تشرف على بلورتها خلية وطنية للتكوين والتأطير، فإن هذا التكوين يتعين أن يتأسس على منطق الاستهداف، بما يوحد الثقافة الحزبية ويعيد إليها الاعتبار ويقوي أسسها، وبما يرتقي بقيم الانضباط الواعي والالتزام
التطوعي، ويعزز الأخلاقيات الحزبية، وبما يكرس احترام الرأي والتعبير في كنف الضوابط والقواعد السليمة. لكن التكوين المنشود يجب أن لا يقتصر على الجوانب النظرية، بل من الضروري أن يمتد إلى المواضيع ذات الصلة بالاهتمامات المجتمعية المطروحة راهنا وسط المجتمع، والتي لها علاقة بنضالات الحزب وبالفضاءات التي يتحرك فيها. وعموما، فالتكوين المطلوب هو الذي يمز بين النظرية وبين متطلبات الممارسة الميدانية، وهو بالتالي التكوين الذي ينطلق من الهوية التقدمية للحزب ليصل إلى إحداث الفارق في تملك القدرات المرتبطة بالإسهام في المعارك والنضالات المجتمعية، وإلى تجاوز أنماط التفكير السائدة: المحافظة والشعبوية والعدمية والدوغمائية.
فالغاية من التكوين داخل حزبنا ليس هي المعرفة لذاتها، ولكن اكتساب طريقة للتفكير وأسلوب لمواجهة مشكلات الواقع وحلها، واكتساب القدرة على الفعل مع الجماهير لتجاوزها، واستبطان القيم والأخلاق الحزبية في السلوك والممارسة. كما أن الممارسة نفسها هي مصدر أساسي من مصادر التكوين، فضلا عن التكوين الذاتي من خلال البحث وحضور الندوات واللقاءات، والحرص على تنظيم حلقات داخلية للنقاش.

المدخل الرابع: التواصل

في عالم اليوم، المعلومة متاحة أمام الجميع، لكن في نفس الوقت تعقدت وظيفة المؤسسات الحزبية في إحداث الوقع التواصلي المؤثر أمام حجم العروض التواصلية الهائلة التي يوجد معظمها خار أشكال التأطير والمسؤولية.
مع ذلك، يمكن للحزب أن يصوغ خططا تواصلية جديدة، مرتكزا على قدرته التلقائية في جذب اهتمام وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بالنظر إلى مواقفه التي غالبا ما تصنع الحدث الإعلامي.
صحيح أن التواصل الحديث يتطلب إمكانيات مادية ضخمة، إلا أنه يمكن للحزب أن يعوض النقص الحاصل على هذا المستوى بالتعبئة التي يتعين أن تسود وسط كافة المناضلات والمناضلين، من خلال تحولهم إلى فاعلين تواصليين حاملين إيجابا لخطاب الحزب عبر مختلف القنوات التي تتيحها الفضاءات التواصلية.
ولن يتحقق ذلك سوى من خلال إذكاء الشعور بالاعتزاز بالانتماء الحزبي، والتطوع لأداء وظيفة الترويج لمواقف الحزب، والتعريف بأنشطته وأعماله، ودعم نضالاته ومعاركه، والدفاع عن توجهاته، وإشعاع قيمه وسط مجتمع الإعلام الجديد.
إن الرهان على هذه الرؤية يتأسس على واقع الحضور الوازن للرفيقات والرفاق في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنه حضور غالبا ما لا يتأسس على تثمين مواقف الحزب وترويجها، أي أنه حضور بطاقة سلبية يتعين تحويلها إلى طاقة إيجابية بما يجعل من صوت الحزب بارزا.
إن التواصل الاجتماعي المبني على هذه التعبئة المنشودة كفيل بإعطاء الصورة الحقيقية والمشرقة عن حزبنا، عوض ما يتم تسجيله اليوم من لامبالاة بنشر مواقف الحزب والدفاع عنها، وما تتم ملاحظته من تراشقات إعلامية افتراضية لا معنى لها، ومن تبادلات تواصلية غارقة في الذاتية، ومن جلد للذات الحزبية، وإيصال صورة مشوهة عن حقيقة حزبنا الذي صار يحظى بالاحترام من لدن عدد من الأوساط المجتمعية أكثر أحيانا مما يناله من منتسبين إليه.
إن مسألة التواصل الفعال تتطلب بالنسبة للحزب التوفر على هيكلة بسيطة ومرنة تتحدد من خلالها الأدوار، وتشتغل على أساس منهجية ترويج مواقف الحزب والدفاع عنها من جهة، والتصدي والرد على المواقف المعادية من جهة ثانية، وذلك عبر فرق منتشرة ترابيا وفريق مركزي مصغر يختص في صياغة المواقف والردود الموحدة.

المدخل الخامس: الالتزام بالواجب المالي تجاه الحزب

مهما بلغت الجاذبية على المستويات الفكرية والسياسية، إلا أنه لا يمكن للحزب أن يستمر في الوجود وأن يحافظ على وتيرة نشاطه، بشكل حر ومستقل، دون أن يوفر ما يلزم من إمكانيات مالية.
الحقيقة أن التمويل الذاتي للنشاط النضالي هو ما طبع مسار الحزب منذ التأسيس إلى اليوم، وهي القاعدة التي يلزم الحفاظ عليها والسير على نهجها، دون مقارنة مع تنظيمات أخرى لها سماتها وممارساتها الخاصة بها، سواء إيجابا أو سلبا.
واقعنا التدبيري اليوم تكتنفه صعوبات كبيرة تتعلق بالأزمة المالية الخانقة للحزب، لكن يتعين عدم إغفال كون حزبنا لم يعش أبدا وضع اليسر التمويلي لنشاطه النضالي.
وأول عملية يجب ضبطها ومواصلة الجهد لجعلها قاعدة أساسية هي تلك المرتبطة بأداء واجب الانخراط السنوي لكل منتسبات ومنتسبي الحزب، حيث لا يستقيم، أخلاقيا ونضاليا وسياسيا وقانونيا، اكتساب العضوية أو مواصلة العضوية في صفوفه دون استيفاء هذا الالتزام المالي، وهو ما يتطلب من كافة المسؤولين الحزبيين إعمال أقصى درجات الصرامة بشأنه، مع العلم أنه تم السعي نحو تبسيط وتسهيل هذه العملية إلى أقصى الحدود.
كما أن عضوات وأعضاء اللجنة المركزية مدعوون، بإلحاح شديد، إلى التقيد بأداء واجب الاشتراك المالي الشهري.
ويظل التقليد النضالي المتجسد في التماس الدعم المالي من الطاقات الحزبية والمتعاطفين وأصدقاء الحزب تقليدا قائما ونافعا، ومطلوب أن يحرص المسؤولون الحزبيون على تفعيله، في احترام للمساطر والقوانين المؤطرة له. وعلى هذا الأساس، يطلق الحزب حملة في هذا الشأن، على الجميع أن ينخرط فيها بالقوة الضرورية.

المدخل السادس: المكانة البارزة للانتخابات والمنتخبين

تقوم الإستراتيجية الحزبية العامة على قاعدتين متكاملتين: النضال الجماهيري من جهة، والنضال الديمقراطي من خلال الواجهات المؤسساتية من جهة أخرى.
فلا يكفي أن يكون للحزب مواقف وتواصل وتنظيمات ليكون مؤثرا في مجريات الأحداث، حيث يلزمه الحضور في المؤسسات المنتخبة من أجل أن يستطيع التأثير في القرار العمومي.
من هنا تتأسس الأهمية البالغة التي يوليها حزبنا لمختلف الاستحقاقات الانتخابية، لاسيما ونحن على بعد أقل من سنتين على استحقاقات سنة 2021 التي ستكون حاسمة بالنسبة لحزبنا، ما يستدعي من كل المناضلين أن يجعلوا هذا الرهان أولوية قصوى، ويتطلب من كافة تنظيمات الحزب الاشتغال القوي على أساس هذا الأفق الهام.
في نفس الوقت، على الحزب الاجتهاد أكثر في دعم ومواكبة عمل المنتخبات والمنتخبين وتمكينهم من الخبرات والوسائل وإدماجهم في دورة الحياة الداخلية للحزب.

-9 أجندة مناقشة الوثيقة وتفعيلها

وثيقة “تجذر وانصهار” هي تركيب لنقاش مستفيض أجراه المكتب السياسي، حيث بعد اعتمادها سوف يكون على الفروع الإقليمية إطلاق نقاش واسع حولها وتخصيص دورة للمجالس الإقليمية خاصة بذلك تكون مفتوحة أيضا في وجه كل طاقات الحزب والمتعاطفين معه.
ثم على كافة هيئات وهياكل وتنظيمات وقطاعات ومنظمات الحزب الحرص الشديد على تنظيم لقاءات محور ها مناقشة مضامين هذه الوثيقة، بتأطير من عناصر القيادة الوطنية للحزب، بأفق إغنائها بمقترحات ومبادرات عملية.
ذلك كله يتعين أن تتم مباشرته بمناسبة التحضير للدورة المقبلة للجنة المركزية التي ستلتئم في شهر دجنبر المقبل للتداول في الموضوع أساسا، على أن تتواصل مناقشتها في كل الفضاءات الحزبية بعد انعقاد اللجنة المركزية بالموازاة مع مواصلة إنجاز الأعمال.
كما ستحدد القيادة الوطنية تاريخ ومكان انعقاد ندوة وطنية تخصص لتدارس دينامية الحزب في تفاعل مع الحركة الاجتماعية.
هذا مع التأكيد على أن وثيقة “تجذر وانصهار” هي دعوة مفتوحة من أجل الانخراط الناجع في تفعيلها عبر أعمال ملموسة وبرامج ومبادرات ومشاريع عمل، دون التعاطي معها بصورة جامدة، حتى تحافظ على حيويتها وديناميتها وامتدادها الزمني والجغرافي، بغاية استنهاض طاقة الحزب للإسهام في بعث وتأطير الحركة الاجتماعية المتصاعدة.

Related posts

Top