تأبين مهيب للمناضل الراحل خالد الناصري في أربعينية رحيله..

في جمع مهيب برحاب المكتبة الوطنية بالرباط، التأم عدد من السياسيين والصحافيين والمفكرين وشخصيات من مختلف الأطياف السياسية والفكرية، أول أمس الاثنين، لتخليد ذكرى أربعينية رحيل المناضل الفذ والسياسي والدبلوماسي المتميز خالد الناصري.
وأجمع عدد من المتدخلين في ذكرى تأبين الراحل خالد الناصري على مدى فداحة الفقد لرجل وطني من حجم الناصري الذي بصم على مسار متميز وقدم إسهامات كبيرة في الحقل السياسي والحقوقي والصحفي والدبلوماسي وفي القانون باعتباره أحد فقهاء هذا المجال الذي ارتبط به الراحل ارتباطا وثيقا.
وأشاد عدد من السياسيين والحقوقيين والمفكرين وشخصيات من عالم الصحافة والفكر والقانون بمناقب الراحل وقوة شخصيته وما طبعه من خصال جعلت منه شخصية وطنية تحظى بالاحترام والإجماع على عطائه من قبل مختلف الأوساط.
الحفل التأبيني الذي عرف حضورا كبيرا ووازنا، ومشاركة واسعة لشخصيات بارزة في مختلف القطاعات والمجالات والتي تمثل مختلف الهيئات والتوجهات السياسية الوطنية، كان مناسبة لاسترجاع شريط حياة الراحل منذ نشأته إلى غاية رحيله وما بصم عليه الرجل طيلة عقود من الزمن حيث عايش فترات مختلفة من تاريخ المغرب وترك بصمته في كل مرحلة وترك إرثا نضاليا مستمرا في الزمن، خالدا في مذكرات التاريخ.

برقية ملكية تنعي الراحل الناصري.. “فقد فيه المغرب واحدا من رجالاته الأكفاء”

في هذا السياق، وفي اللقاء التأبيني الذي سيره الكاتب والمدير العام لـ “سبريس” سابقا محمد برادة، تم استحضار برقية التعزية والمواساة التي بعث بها الملك محمد السادس إلى عائلة الراحل خالد الناصري، حيث تلاها ابنه عثمان الناصري.
وجاء في البرقية الملكية “فقد علمنا ببالغ الحزن والأسى نعي الأستاذ خالد الناصري، الذي انتقل إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالعطاء الموصول والتفاني في خدمة وطنه”.
وبهذه المناسبة الأليمة، أعرب جلالة الملك لأفراد أسرة المرحوم ومن خلالهم لكافة أهله وذويه، ولعائلته السياسية الوطنية الكبيرة، لاسيما في حزب التقدم والاشتراكية، عن تعازي جلالته الحارة ومواساته الصادقة، مبتهلا إلى المولى عز وجل أن يتغمد المرحوم بواسع رحمته ومرضاته، وأن يعوض أسرته عن فراقه جميل الصبر وحسن العزاء.
وأضاف جلالته في نص برقية التعزية “إننا ونحن نشاطركم أحزانكم في هذا الرزء الفادح الذي لا راد لقضاء الله فيه، لنستحضر، بكل تقدير، مناقب الراحل الكبير الذي فقد فيه المغرب واحدا من رجالاته الأكفاء، المجبولين على حب الوطن والنضال والبذل في سبيل رفعته، والغيرة الصادقة على مقدساته وثوابته؛ هاته الخصال المثلى التي أهلته وبكل جدارة لتقلد العديد من مناصب المسؤولية والمهام السامية سواء على المستوى الأكاديمي أو الحكومي أو الدبلوماسي، والتي أبان فيها عن كفاءة وحنكة ورزانة واقتدار”.

نبيل بنعبد الله: الناصري “صفوة الرفاق” بصم على تاريخ الوطن والحزب ببصمات لن تمحى

في هذا السياق، وفي كلمة له، ذكر محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية بالمسارات الغنية والحافلة لرجل استثنائي وشخص نادر مثل خالد الناصري، الذي قال إنه اختزن من الأبعاد والخصال والاهتمامات ما تفرق في غيره، إنسانا، ومناضلا، وقياديا، وأستاذا، ورجل دولة، من الطراز الأصيل.
وأضاف بنعبد الله، في تعداد خصال الراحل، أنه كان خلال حياته مثالا في الثبات والاتزان ورباطة الجأش، حين كانت تـهبّ بعض “الرياح العاصفة” على أغصان الحزب وعلى موقعه المستقل، معتبرا أنه كان من “صفوة الرفاق” الذين شكلوا صمام أمان للحزب، واكتسبوا صفة البوصلة الهادية إلى صواب الطريق وسلامة الاختيار والقرار.
وإلى جانب الحزب، لفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى أن الراحل الناصري كان دوما في الصفوف الأمامية، عطاء وتفانيا ومثابرة والتزاما، بتألق قل نظيره، وفي مقدمة ذلك دفاعه عن الوطن ووحدته الترابية وتقديم المصالح العليا للوطن فوق أي اعتبار، مشيرا إلى أن التاريخ ما يزال يذكر صولات وجولات الراحل، دفاعا عن الوطن، في مختلف المحافل، داخل المغرب وخارجه، متميزا في ذلك بالصلابة وقوة الإقناع، وبصرامة الترافع.
وشدد بنعبد الله على أن الراحل لعب أدوارا أساسية، وكانت له إسهاماتٌ ريادية، في صياغة عدد كبير من المذكرات الدستورية والوثائق السياسية، سواء الصادرة عن الحزب، أو كذلك تلك التي بادرت إليها الكتلة الديمقراطية.

وعلى الواجهة الحقوقية، سجل بنعبد الله ان الراحل بصم على حضور لافت منذ خطواته المهنية الأولى، كأستاذ ملتحق بسلك المحاماة، في نهاية الستينات وبداية السبعينات، إذ كان ضمن الصفوف الأولى للدفاع والترافع عن المناضلين ومعتقلي الرأي من مختلف المشارب، في عدد المحاكمات السياسية التي شهدتها البلاد آنذاك، حيث عمل الراحل على تعميق هذا المشوار من النضال الحقوقي في الميدان، إلى أن أسهم، إلى جانب عدد من الحقوقيين البارزين، في تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والتي كان قياديا فيها خلال سنواتها الأولى، وتقلد رئاستها لفترة.
وإلى جانب نشاطه الحزبي وفي مجال حقوق الإنسان وميادين مختلفة، توقف بنعبد الله عند إسهامات الراحل في الحقل الصحفي، واصفا اياه بكونه “القلم السيال”، إذ بصم على مسار متميز في هذا المجال من خلال كتابات باللغتين العربية والفرنسية، فضلا عن كون كتاباته الصحفية كانت في غايتها جميلة المبنى، وعميقة المعنى، فضلا عن كون تحليلاته تميزت بالجرأة المسؤولة، وبالاتزان الذكي، وبالإصرار على فتح الآفاق.
واستحضر بنعبد الله بدايات الراحل في الصحافة عبر جريدة “البيان” والتي لم يكن فيها كاتبا صحفيا فقط، بل على غرار المناضل الراحل “سي علي يعتة”، كان الناصري بدوره كاتبا، ومحللا، ومراجِعا، طابعا وناشرا، حيث ظل لعقود وفيا لرسالته النضالية والإعلامية ويساهم بمقالات رأي ثاقبة في محطات دقيقة وحاسمة في الحياة الوطنية.
وبخصوص مساره الأكاديمي، شدد بنعبد الله على تميز الراحل الذي اكتسب عن استحقاق مكانة أكاديمية مرموقة، وتخرجت على يديه أجيال من الباحثين والأطر التي تتحدث اليوم عن كفاءته الأكاديمية والبيداغوجية، في مجالات العلوم السياسية والقانونية والإدارية والدستورية، وهي الكفاءة التي قال المتحدث إنها قادته إلى أن ينال ثقة جلالة الملك الحسن الثاني، طيب الله ثراه، حينما كلفه، في سنة 1997، بإحداث والإشراف على المعهد العالي للإدارة، بغرض تكوين كبار الأطر العليا للإدارة ببلادنا.
وأكد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في كلمته الجامعة والشاملة والعميقة (التي ننشر نصها الكامل في الصفحة 5 من هذا العدد) أن الراحل ومنذ عقود تحمل عددا من المسؤوليات الرسمية والحكومية والدبلوماسية بكل ما يلزم من وطنية عالية، وإخلاص صادق، وتفان مشهود، في خدمة الصالح العام، مبرزا أنه على امتداد كل هذا المسار النضالي الثرِي، وفي كل المهام التي اضطلع بها، بصم الرجل تاريخ الوطن والحزب ببصمات لن تمحى.

أحمد شوقي بنيوب: من القادة الكبار.. باشر مختلف هذه المهمات بروح أبية وعقل متقد وفرح إنساني

من جانبه، وفي ذكر مناقب الراحل خالد الناصري، عاد أحمد شوقي بنيوب المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان إلى ظروف تأسيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي جمعت مشارب وكفاءات متعددة.
وذكر بنيوب بمحطات مهمة في تاريخ المنظمة المغربية لحقوق الإنسان التي لعب فيها الراحل الناصري دورا كبيرا، والتي حددها في ثلاث مراحل بارزة، أولها في 12 أبريل 1990، حيث كشف أن الراحل تم تكليفه حينها بعقد المؤتمر الاستثنائي للمنظمة في ظرف سنة وذلك عقب البيان الذي أعلنت عنه حينئذ والأزمة المرتبطة بالتوقيع على الميثاق الوطني لحقوق الإنسان، إذ أبرز المتحدث أن الراحل استطاع في ظرف أقل من سنة أن يعقد المؤتمر الوطني العادي للمنظمة وأن يوقع مع نخبة حقوقية الميثاق الوطني، متسائلا عن هذه السلاسة وهل كان الراحل يدري أم لا ما قام به، لكونه غرس بدرة ستكبر وسيقدم ثمارها إحدى عشر سنة بمناسبة انعقاد المناظرة، حسب المتحدث.
والمرحلة الثانية، حددها بنيوب في واقعة جاءت مع حكومة التناوب وما عرفته تلك المرحلة من نزيف بشري في المنظمة عقب خروج كثير من الأسماء الوازنة، وخروج ثلة نحو دواوين حكومة التناوب، إذ أصبح جزء من الباقين، حسب تعبير بنيوب في “وضعية اليتم”.
وأمام هذا التحول قال بنيوب إن القادة هم الذين يقررون في اللحظات الحرجة، مستحضرا ما قام به الراحل الذي تقدم إلى جانب الراحل محمد الحلوي، وقاما بتعزيز لائحة عبد الله الولادي رحمه الله لينبثق تحول جديد، “ستكتبه المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بمداد الذهب في كل الآتي من تحولات”، حسب تعبيره.
والمحطة الثالثة التي كشف عنها المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، والتي حدثت في 11 نونبر 2011 حيث قال إن سفينة المنظمة ستهتز حينها عقب تشكيك وريب التيار الحزبي اليساري الوازن في انعقاد المناظرة الوطنية وإشهاره لحق النقض، الذي كان من شأنه أن يفشل مشروعا تاريخيا وكان من شأنه أن يؤثر حتى على مسيرة المناظرة الوطنية لأن المنظمة كانت هي الحاسمة.
ولفت بنيوب إلى ما جرى في المجلس الوطني للمنظمة حينها إذ تقدم خالد الناصري مخرجا وقتئذ خصلة يمتلكها الراحل وهي أنه إذا وقع وعاكس التيار فإنه يجهر بذلك ويقول وجهة نظره ضد التيار بكل وضوح وجرأة في الوقت المناسب ولو كان وحيدا، متابعا “وسيتغير الميزان لفائدة المشاركة في المناظرة الوطنية، وسيقدم في ذات الوقت خدمة جليلة لوسيطين كبيرين وهما مبارك بودرقة الذي كان مع عبد الرحمان اليوسفي، ومحمد الحلوي لفائدة رص صفوف النخبة الاتحادية الوازنة داخل المنظمة”.
وشدد بينوب على أن هذه الوقائع والتي كانت مفصلية في الوقت المناسب، أبانت على معدن خالد الناصري، وأكدت أنه باشر مختلف هذه المهمات بروح أبية وعقل متقد وفرح إنساني.

أمين بنعبد الله: كان سياسيا ورجل قانون وأكاديميا متقدا حظي بإعجاب الحسن الثاني

من جانبه، استحضر الأستاذ الجامعي محمد أمين بنعبد الله مسار الراحل الأكاديمي المتميز بالعطاء، حيث قال إن خالد الناصري كان من الرجال الذين أبلوا البلاء الحسن في مجالات مختلفة والتي تصب بشكل مباشر إلى خدمة الوطن.
وتوقف الأستاذ والفقيه القانوني بنعبد الله على مدى إسهامات الرجل وتميزه كأستاذ جامعي ورجل إعلام متنور وناطق رسمي باسم الحكومة وسياسي محنك، وباحث منظر، معتبرا أنه وفي كل إسهاماته المتعددة نلمس فيه عمق التحليل ورجاحة الرأي ووضوح المقصد.
وعرج المتحدث على خصال الراحل الذي يعد شخصية وازنة، استطاع أن يباشر كل المهمات التي اضطلع بها بكثير من الجرأة والعطاء والدقة في التحليل والدقة في التعامل، جعلت منه المعلم المثالي الجدير بالاحترام والذي “لا يضاهيه إلا الإعجاب من لدن أصدقائه وزملائه من الأساتذة الجامعين والمفكرين”.
كما توقف أمين بنعبد الله عند ما ميز الراحل في عمله ومنهجيته الخاصة ورصانته التي كانت محط إعجاب الملك الراحل الحسن الثاني الذي عبر له بشكل مباشر عن إعجابه وعينه في 1996 مديرا للمدرسة العليا للإدارة، ونوه به ووجه له إطراء خاصا بمقالاته المنشورة في جريدة البيان، وكذا في فصاحته التي لمسها الملك الراحل الحسن الثاني في برنامج تم بثه بالتلفزة المغربية.
واعتبر بنعبد الله شهادة الملك الراحل الحسن الثاني في حق الراحل خالد الناصري بمثابة وسام رفيع المستوى، يكشف حجم هذه الشخصية الوطنية وما تميزت به من مسار علمي غزير الإنتاج يتضح من خلال الدراسات التي أنجزها في مراحل مختلفة من تاريخ المغرب.
وشدد المتحدث على أن ما قدمه الراحل من عطاء يشكل صورة معبرة للغاية عن مؤسسات البلاد وتطورها، حيث قال إن عطاءه “لم يكن يقتصر على الوصف فحسب وإنما غني بالأفكار الثاقبة ومليئ بالتحليلات الناجعة وسخي بالاقتراحات النيرة، وأحيانا تتخلله عن صواب احتجاجات أو بالأحرى تحفظات مما يتميز به الأستاذ الجامعي الحقيقي”.
وخلص بنعبد الله إلى أن أعمال الراحل دائما ما يوجهها خط بمثابة خلفية تعطي قيمة وانسجاما في منتهى الوضوح لأفكاره، حيث أن كل كتاباته على مدى أكثر من 40 سنة كانت عن السيمفونية السياسية الرائعة حول مفهوم الديمقراطية بكل آثاره.

نزهة الصقلي: كان الحقوقي والمناضل والمثقف والمفكر القوي في التزاماته

بدورها، وقفت المناضلة التقدمية والفاعلة الحقوقية نزهة الصقلي عند مسار الرجل الذي بصم في أكثر من مجال حقوقيا وسياسيا وإعلاميا وقانونيا ودستوريا، وغيرها من الواجهات التي تميز فيها الراحل بإسهام كبير ومتميز.
وتوقفت الصقلي عند معرفتها بالراحل منذ مرحلة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والتي قالت إنها كانت جامعة موازية تعلم فيها الكثير من المناضلين السياسة والقرب من واقع الشعب وتكونوا واكتسبوا القناعات النضالية.
وأفادت الصقلي أنها، وفي تلك المرحلة، عايشت خالد الناصري الذي وبالرغم من صغر سنه كان من الأساتذة الذين علموا جيلا من المناضلين عددا من القيم “التي نعيش بها ونناضل من أجلها اليوم” وفق تعبيرها.
كما لفتت المتحدثة إلى معرفتها بالراحل من خلال العلاقات الرفاقية والصداقة التي جمعت بين اسر عدد من المناضلين، حيث توقفت عند خصال الرجل وتعلقه بالأسرة والأصدقاء وروحه المرحة التي ميزته.
وتحدثت الصقلي عن الأفكار المشتركة والأحلام التي جمعت ثلة من المناضلات والمناضلين، وفي مقدمتها الديمقراطية وحلم الاشتراكية والحلم إلى التطلع إلى مغرب تسوده الحقوق والديمقراطية.
إلى جانب ذلك، لفتت الصقلي إلى شخصية خالد المناضل الملتزم والمثقف والمفكر القوي في التزاماته وتفسيراته وقناعاته المتقدة، وتملكه لأفكار الحزب ومنهجيته العالية التي أثارت إعجاب الملك الراحل الحسن الثاني.
ومن مميزات الراحل، حسب المتحدثة، دفاعه المستميت وصرامته في الدفاع عن حقوق الإنسان، بما في ذلك مرحلة ترؤسه للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان الناجحة، مشيرة إلى أن للراحل قناعات حقوقية ثابتة في مقدمتها إلغاء عقوبة الإعدام والدور الذي لعبه إلى جانب رفاق آخرين في صياغة وثائق ومذكرات مهمة حول هذه القضية وقضايا أخرى في حقوق الإنسان.
وقضايا المرأة أيضا، كانت ضمن اهتمامات الراحل خالد الناصري، حيث، تقول نزهة الصقلي، كان مناضلا ومدافعا عن قضايا حقوق النساء، وساهم بالكثير من العطاء في هذا الصدد، حيث أسهم بنضاله وعطائه في النضال من أجل وضع حد للإقصاء الذي تعرضت له المرأة، وكانت له محاضرات قيمة حول الحركة النسائية والانتقال الديمقراطي.

محمد جبريل: رجل بإسهامات متعددة في السياسة والقانون والصحافة

من جانبه، توقف الكاتب والصحفي محمد جبريل عند مناقب الراحل خالد الناصري وما قدمه من إسهامات مهمة في ميادين شتى، بدءا بالسياسة والقانون وحقوق الإنسان والصحافة والكتابة والتحليل الصحفي.
وأضاف جبريل أن الحفل التأبيني للراحل خالد الناصري مناسبة للوقوف على ما قدمه من عطاء لا ينضب وفي دفاعه عن حقوق الإنسان والصحافة وسؤال حرية الصحافة بالمغرب وقضايا أخرى ترتبط بالحقوق.
وقال جبريل إنه من الصعب الحديث بشكل مختصر عما قدمه الراحل من عطاء خصوصا في المجال الثقافي وفي الصحافة وما تركه من مقالات كانت دائما وازنة وتعبر عن وجهة نظر ورؤية واضحة وذات رجاحة، فضلا عن كون لغته كانت متميزة ورصينة سواء في كتاباته أو حضوره الإعلامي.
وتابع المتحدث أن فقدان الراحل شكل خسارة وفداحة لكل معارفه ولرفاقه وأصدقائه الذين جايلوه ويعرفون إرثه الوازن في السياسة والثقافة والصحافة والقانون وفي مجالات مختلفة شكلت شخصية الرجل وتميزه.

عبد الإله التهاني: “وزير صوفي”.. لم يكن يضاهي علمه وحصافته إلا تواضعه وبساطته

من جهته، استحضر الإعلامي والإطار السابق بوزارة الاتصال عبد الإله التهاني تجربته الذي جمعته بالراحل خالد الناصري حين كان وزيرا للاتصال والناطق الرسمي لحزب للحكومة منذ 2007 إلى 2011.
وتحدث التهاني عن المرحلة التي عين فيها الراحل وزيرا للاتصال في حكومة عباس الفاسي، حيث قال “وجدت فيه كفاءة فكرية وحصافة سياسية وثقافة عميقة وهي المزايا التي كانت تصنع شخصيته”.
وتابع التهاني “أثارني ما لمسته فيه من حميد الخصال، إذ تشعر أن هذا الرجل خلق ليكون إنسانا حكيما وحصيفا ورجلا يتدفق باللطف والود دون أن يفقد شيئا من وقاره وهيبته ومهابته وجديته”.
ووصف التهاني خالد الناصري بكونه “وزيرا صوفيا” لاعتبار ما اتسم به من أخلاق وتواضع شديد لم يقلل لا من شخصيته وكارزمته وجاذبية شخصيته المتميزة، مؤكدا أن الراحل تميز بقبساته المشرقة، معتبرا ذلك “سرا روحيا” في شخصيته.
وقال التهاني إنه لم يكن يضاهي علم خالد الناصري وحصافته إلا تواضعه وبساطته، مشيرا إلى أنه كان يتميز بمظاهر تواضع كبيرة كوزير، معربا عن شهادات عايشها خلال الاشتغال معه في الوزارة والتي قال إنها تكشف الجانب الإنساني الكبير فيه.
وتابع المتحدث “رافقته في أسفاره داخل المغرب وخارجه ورأيت فيه صورة الإنسان بخصال لطفه وتواضعه، حيث يطمئن على الجميع وعلى مرافقيه قبل أن يطمئن على نفسه وعلى وضعه”.
وفي شهاداته، أورد التهاني أن الراحل كان متعففا في نفقاته وحاجياته، وكان من أكثر الوزراء تعففا وورعا في هذا الباب، حيث كان يقول، حسب المتحدث “القدوة في السلوك يجب أن تأتي من النخبة”، وهو ما كان يؤمن به ويطبقه في عمله ومعيشه اليومي.
وقدم التهاني صور عديدة من المشاهد المؤثرة التي عايشها مع الراحل خلال فترة وجوده على راس وزارة الاتصال، مشيرا إلى أن هذه الخصال امتاز بها الراحل خالد الناصري، خصوصا الجانب الإنساني الذي ميزه بشكل خاص خلال عمله بالوزارة “والذي يشترك فيه مع الأستاذ نبيل نبعد الله، ويتعلق الأمر أساسا بأنسنة العلاقات داخل الوزارة وتعزيز شعور الموظفين بالانتماء إليها، حيث كان يحرص على تكريم صغار الموظفين وأعوان التنفيذ ويصر على أخذ الكلمة وتسليم الهدايا بنفسه وهي سابقة في الوزارة”، حسب تعبير المتحدث.
إلى ذلك، توقف المتحدث، عند ما ميز الراحل من تمسك بأفكاره وبخلفيته السياسية ومرجعيته الفكرية، والبعد الاخلاقي في المسؤولية، “حيث كان يتصرف كوزير سياسي ويهتم بملفات التدبير في أبعادها الكبرى ولم يكن يهتم بالتفاصيل الصغرى ويعطي الثقة لفريق عمله وللإدارة والموظفين المشتغلين بالوزارة”، يقول المتحدث.
يشار إلى أن هذا الحفل التأبيني قد عرف حضورا وازنا لعدد من الشخصيات السياسية والثقافية والفنية والإعلامية، وعرف حضورا لعديد من السياسيين الذين يمثلون هيئات سياسية مختلفة، إذ أجمع عديد من الحاضرين على مدى تميز الراحل وامتلاكه لخصال جعلت منه محط احترام وتقدير من قبل مختلف الهيئات السياسية والفكرية وجعلت منه شخصية وازنة ورجل دولة من طينة الكبار.
ومن ضمن هذه الشخصيات، مولاي اسماعيل العلوي رئيس مجلس رئاسة حزب التقدم والاشتراكية، الذي فضل التخلي عن إلقاء شهادته ربحا للوقت، مسلما نسخة منها لإدارة اللقاء، مكتفيا بتحية اللقاء مؤكدا ما قاله المتحدثون الذين سبقوه في شأن خصال الراحل رفيق دربه الذي، يقول مولاي اسماعيل العلوي، “فقدنا فيه رجلا سياسيا ومناضلا قل نظيره، وهو رجل من رجالات الدولة الكبار”..
هذا ونذكر من أبرز الحاضرين في هذا اللقاء الكبير والوازن، نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، نبيلة منيب الأمينة العامة لحزب الاشتراكي الموحد، ادريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، محمد الشيخ بيد الله الرئيس السابق لمجلس النواب، صلاح الدين مزوار وزير الخارجية الأسبق، ادريس الأزمي الإدريسي رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، المصطفى بنعلي الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، ادريس اليزمي رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج والرئيس السابق للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أحمد بوكوس عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، عبد الله البقالي رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، مسعود بوحسين رئيس النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية، نورالدين مفتاح رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، السفير حسن عبد الخالق السفير، محمد الحجوي الأمين العام للحكومة، السفير سعد الدين العلمي والقيادي في حزب الاستقلال، محمد سالم الشرقاوي المدير التنفيذي لوكالة بيت مال القدس، المحجوب الهيبة المندوب الوزاري السابق للمندوبية السامية لحقوق الإنسان، امبارك بودرقة الفاعل الحقوقي والسياسي، صلاح الوديع رئيس حركة ضمير، عمر الفاسي الفهري أمين السر الدائم لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات، لحسن الداودي وزير التعليم العالي الأسبق، ومحمد البشير الراشدي رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها.
كما حضر مصطفى الخلفي وزير الاتصال السابق والقيادي في حزب العدالة والتنمية، ولحسن عبيابة وزير الاتصال السابق عن حزب الاتحاد الدستوري، علي لطفي الكاتب الوطني للمنظمة الديمقراطية للشغل، بوبكر لاركو الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، لطيفة الجبابدي، الحقوقية والعضوة السابقة بهيئة الإنصاف والمصالحة، محمد السكتاوي الكاتب العام لمنظمة العفو الدولية – فرع المغرب، الشاعر ادريس الملياني، فريدة الخمليشي رئيسة اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني.. إلى جانب عدد من السفراء والمسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين وعدد من الصحفيين والأكاديميين والأساتذة الجامعيين…
هذا، وكان الحفل التأبيني قد عرف في مستهله عرض شريط وثائقي عن حياة الراحل ومساره الحافل تخللته شهادات لشخصيات من مختلف المشارب.. وقام محمد نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، في ختام اللقاء، بتقديم تذكار خاص لعائلة الفقيد وأسرته مهدى إلى روحه، بما يعكس مكانة الراحل التي ستظل راسخة وحاضرة في ذاكرة الحزب والوطن.

 تقرير: محمد توفيق أمزيان
 تصوير: رضوان موسى

Related posts

Top