تاج الدين الحسيني: الدبلوماسية في عهد جلالة الملك أصبحت هجومية وتتفادى سياسة الكرسي الفارغ

كيف تقيم علاقات المغرب الخارجية، منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش؟
< في اعتقادي، منذ تولي جلالة الملك محمد السادس العرش، لا حظنا تغيرا واضحا على مستوى الممارسة الدبلوماسية، سواء على الصعيد الثنائي مع مختلف البلدان التي يربط المغرب معها علاقات ثنائية، أو على مستوى شمولي. وبالتالي يمكن القول، إن الثوابت الأساسية التي أصبحت تهيمن على العلاقات الدبلوماسية المغربية، تجاوزت ما يسمى بالمحيط المحفوظ في مجال الدبلوماسية الذي كان مقتصرا على وزارة الخارجية، وبيد القصر.
وأصبحت الدبلوماسية تتجاوز وزارة الخارجية، إلى المجتمع المدني وإلى الجانب الاقتصادي والثقافي، والسياسي. وقد لا حظنا في العديد من الخطب الملكية، أن جلالة الملك يستعمل مفهوم الدبلوماسية الموازية، التي تعني أن عدة جهات من أحزاب سياسية، وبرلمانيين، ومؤسسات المجتمع المدني، والاقتصاديين، والجامعيين، يمكن لها، بدورها، أن تساهم في هذه الدبلوماسية. بالإضافة إلى مغاربة العالم الذين يعتبرون بمثابة سفراء بلدهم، في تلك الدول التي يقيمون بها، ويمكن أن يقوموا بدور مهم في التعريف بالمغرب وبقضاياه الوطنية، وخاصة قضية وحدته الترابية.
هذا النوع من الدبلوماسية، أعطى زخما جديدا للدور الريادي الذي يقوم به المغرب، سواء على المستوى الجهوي، أو القاري، أو حتى على المستوى الدولي، بحيث أصبحنا نلاحظ، كيف أن المغرب بدأ يحقق مكاسب إيجابية في علاقته بالمنتظم الدولي، وفي تراجع الاعترافات بالبوليساريو، عما كان عليه الأمر في الماضي، حيث لا حظنا، أنه منذ تولي جلالة الملك العرش إلى الآن، سحبت حوالي 50 دولة اعترافها بالكيان المزعوم، ثم الأكثر من ذلك، بدأنا نلاحظ، أن الدبلوماسية، في عهده، أصبحت، دبلوماسية هجومية، تتفادى سياسة الكرسي الفارغ، وتقتحم مجالات جديدة في المعترك الدولي.
فكثير من الدول التي سبق للمغرب أن قطع معها علاقاته الدبلوماسية، بسبب موقفها من الصحراء، استطاع الملك محمد السادس أن يقتحم مجددا هذه القلاع، بل أن يتجاوز ذلك، إلى القيام بزيارتها، فقد قام جلالته بعشرات الزيارات إلى قلب إفريقيا، ولم يقتصر الأمر على إفريقيا الغربية التي اعتاد المغرب أن يتعامل معها، ولكن تجاوز ذلك إلى إفريقيا الشرقية وإفريقيا الوسطى، وربما، في المستقبل، سيربط علاقات حتى مع جنوب إفريقيا.
هذا التطور الجديد، في العلاقات الدبلوماسية، أعطى ثمارا مهمة، حيث أن هذه الدبلوماسية لم تعتد تقتصر على المجال السياسي، بل اقتحمت المجال الاقتصادي بقوة، وبالتالي يمكن القول، إن المغرب، بفضل ذلك، أصبح هو أول مستثمر في منطقة إفريقيا الغربية، وثاني مستثمر على الصعيد الإفريقي ككل، مباشرة بعد جنوب إفريقيا.
كذلك، خلال العقدين الأخيرين، لا حظنا في إطار هذه الدبلوماسية الجديدة، كيف أصبح المغرب يوظف أذرعه الاقتصادية، والثقافية والدينية والحضارية، في تعزيز علاقاته مع الدول، فقد لاحظنا كيف أن الذراع الاقتصادي المتمثل في المكتب الشريف للفوسفاط، أصبح يلعب دورا أساسيا في ترسيخ العلاقات مع دول جديدة كإثيوبيا التي يستثمر فيها ملايير الدولارات في إنشاء منصة صناعية لتثمين الفوسفاط، ثم نيجيريا التي كانت العلاقات معها تشكل جزءا من الثالوث المعارض للمصالح المغربية، إلى جانب جنوب إفريقيا والجزائر. لكن تغير الأمر مع السيد أحمد بوهاري الذي تفهم الدور المغربي سواء من خلال الاستثمار في ميدان الفوسفاط، أو من خلال إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي والذي ربما سيؤثر على العلاقات بشكل آخر، على اعتبار أن هذا الخط سيمر بإحدى عشرة دولة من غرب إفريقيا، وستكون لذلك الآثار الإيجابية والجيدة بالنسبة للاستهلاك المحلي للغاز في هذه البلدان، بالإضافة إلى جعل المغرب منصة لتصدير الغاز نحو أوروبا، وهذا شيء مهم جدا.
> هل تعتبرون مرد هذا التطور هو ابتكار آليات دبلوماسية جديدة، أم هو ناتج عن حدوث تغيير من داخل الآليات التقليدية؟
< نعم، يمكن القول إن هذه الدبلوماسية أصبحت مطبوعة بتنويع مجالات اقتحام جديدة، خاصة في المجال الديني، وهي آلية جديدة في العمل الدبلوماسي، فنحن نعلم أن العاهل المغربي، أسس معهد محمد السادس للعلوم الدينية، وأصبح يكون الأئمة، ليس فقط لحساب المساجد المغربية، ولكن أيضا بالنسبة للخارج، فالمغرب دأب على تكوين 500 إمام بالنسبة لدولة مالي، وهناك طلبات للتكوين في هذا المجال جاءت من عدة دول قريبة كالسنغال وساحل العاج وتونس وعدة دول في الشمال مثل روسيا، وغيرها.
كما أن هذه الدبلوماسية تميزت بتشجيع نوع من التبادل الديني والثقافي، على غرار ما تقوم به الطريقة التيجانية والطريقة القادرية، التي هي اليوم مرتع قوي في عدة بلدان إفريقيا.
أيضا، هذه الدبلوماسية تميزت بتنويع المغرب لمجال الشراكات، وهذا معطى جديد، حيث لم يعد المغرب يقبل أن يضع بيضه في سلة واحدة، خاصة بعد الصدمة التي شكلها إقدام الولايات المتحدة الأمريكية، على تقديم مقترح يقضي بتمكين المينورسو من مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء. فقد كانت تلك فرصة ليعيد المغرب حساباته مع هذا الموضوع، وليعتبر أن مجلس الأمن ليس فيه عضو واحد يمتلك حق الفيتو، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، بل هناك الصين، وهناك روسيا، وبريطانيا، لذلك شرع في إقامة علاقات مع هذه الدول الكبرى، حيث نسج جلالة الملك سنة 2014، علاقة إستراتيجية مع روسيا، بقيادة الرئيس الروسي فلاديمر بوتن، وحصل تفاهم فيما بينهما، حول العديد من المشاريع الاقتصادية، وتبادل المنتجات وغير ذلك من وسائل التعاون العميق، علما أن روسيا سبق لها، في عهد الاتحاد السوفيتي، أن وقعت مع المغرب، في السبعينات، ما كان يسمى في حينه، باتفاقية القرن، التي تهم في آن واحد الفوسفاط، وصيد السمك، وتصدير الحوامض المغربية إلى روسيا.
كذلك لاحظنا الزيارات التي قام بها جلالة الملك محمد السادس إلى الصين والهند، خاصة وأن الصين، على وجه الخصوص، لها حساسية بالنسبة لوحدتها الترابية ومطالبها في الصين الوطنية وبالتالي، هذه الزيارة كانت لها أهميتها في نسج علاقات أكثر متانة وقوة، بحيث إن المغرب، قد يصبح ممرا مركزيا لطريق الحرير، التي تأتي من الصين لتعبر نحو كل من أوروبا وإفريقيا. والأكيد أن الصينيين يراهنون على أن تكون هذه المنصة أداة للإنتاج والتطوير، ولا أدل على ذلك هو أن شركة صينية كبرى، سوف تشرع، بالشراكة مع الفرنسيين، في إقامة مصنع للسيارات بالقنيطرة، كما أن شركة هواوي، الصينية، المختصة في مجال الاتصالات وتكونولوجيا المعلومات، أصبحت تتخذ المغرب مركزا لأنشطتها بمهندسيها وخبرائها وأعمالها، للاستثمار والتوجه نحو بلدان إفريقيا وشرق أوسطية، بالإضافة إلى شركات المقاولات الكبرى.
يجب أن لا ننسى أن الجسر العملاق على نهر أبي رقراق والذي يحمل اسم قنطرة محمد السادس، تم تشييدها من طرف مقاولات صينية، وهي التي شيدت جزءا مهما من الطريق السيار، وهي ربما مقبلة على المشاركة في عدة مشاريع أخرى، وبالتالي هذا التنويع للشركاء أعطى للمغرب نوع من الحصانة في ترسيخ المكانة التي يعتمدها وفي التفتح نحو الخارج وهو مطمئن على مصالحه الخارجية التي لن تعود الولايات المتحدة الأمريكية هي وحدها المعنية بها، هذا مع العلم أن العلاقة مع أمريكا لم تتدهور بل استمرت في وتيرتها، حيث تجمع المغرب معها، اتفاقية التبادل الحر وهناك حوار استراتيجي الذي تنظمه الولايات المتحدة الأمريكية دوريا مع المغرب، ثم كذلك فالولايات المتحدة الأمريكية تشارك مع المغرب في منارات عسكرية إفريقيا سواء مناورة الأسد الإفريقي، أو مناورة البحر الأبيض المتوسط في إطار الحلف الأطلسي.
> هل أثر هذا التنويع في علاقات المغرب الدولية، على علاقاته التقليدية خاصة مع الاتحاد الأوروبي؟
< عرفت تلك العلاقات تطورا ملحوظا، على اعتبار أن علاقات المغرب مع الاتحاد الأوربي، هي بطبيعة الحال، علاقة مهمة، فالمغرب يشترك مع أوروبا في مجموع من المجالات حيث إن التبادل بينهما سواء ما يتعلق بالصادرات أو الوردات والتي تمثل حوالي 80 في المائة، كما أن المغرب أصبح، في عهد الملك محمد السادس، يحتل مرتبة استثنائية في علاقته مع الاتحاد الأوروبي، وهي أقل من العضو وأكثر من الشريك، وهي ما يسمى بعلاقة “الوضع المتقدم” وهذا النوع من العلاقة أعطى للمغرب وضعية متميزة بالمقارنة مع بلدان عربية أخرى أو بلدان متوسطية، بل إن المغرب ذهب مع أوروبا إلى إنشاء اتحاد جديد، وهو الاتحاد من أجل المتوسط وأصبح أحد وزرائه السابقين وهو السيد يوسف العمراني أمينا عاما لهذه المنظمة، لكنها لم تنجح بالشكل المطلوب، إلا أن ذلك يوضح كيف أن المغرب يعتبر طرفا أساسيا في معادلة الشمال والجنوب وجنوب المتوسط، وهي معادلة مهمة بالنسبة لمستقبل العلاقات الدولية.
بصفة عامة يمكن القول بأن المغرب أصبح يفرض شروطا جديدة للتعامل معه في العلاقات الدولية، ولاحظنا بهذا الخصوص أنه رغم علاقات الصداقة القوية التي تربطه ببلدان الخليج العربي ولكنها عندما تجاوزت بعض الخطوط الحمراء بالنسبة للمبادئ التي يتشبث بها المغرب في تسوية النزاعات بالدرجة الأولى بالطرق السلمية وتفادي الحروب وعدم التنكر لبعض الدول الصديقة والشقيقة، اعتبر المغرب أن ذلك غير مقبول وكانت تلك هي القشة التي قصمت ظهر البعير في العلاقات بين الطرفين، أي علاقات المغرب بدول الخليج العربي.

> حاوره: محمد حجيوي

Related posts

Top