تحدي تنمية القراءة…

لا أحد اليوم ينفي ضعف إقبال شبابنا ومعظم فئات شعبنا على القراءة، والجميع يؤكد أننا لا نقرأ، والتلاميذ والطلبة لا يقرؤون إلا ما يطلب منهم ضمن المقررات، وفي الغالب اضطرارا وبشكل سطحي، ومعظم المتعلمين من بيننا لا يقرؤون، بمن فيهم عدد من الموكول لهم تعليم الآخرين…
هذا المعطى تؤكده مختلف الإحصائيات والتصنيفات الوطنية والأجنبية، ويكشفه واقعنا المحلي في التعليم، وفي حجم مبيعات ورواج الصحف والمجلات والكتب، وحتى في عالم الأنترنيت والمنصات الإلكترونية المتنوعة يكون الإقبال على غرف الدردشة والتواصل، وعلى مشاهدة الفيديوهات، وعلى الترفيه، ولا يكون أصلا على القراءة الإلكترونية الرصينة والمنتظمة والمسترسلة.
نلفت إلى الظاهرة لكونها تفضي إلى تداعيات تمس نفسية الناس وعقولهم ومستوياتهم المعرفية العامة، وبالنظر كذلك إلى كون ضعف القراءة وتدني الوعي الثقافي يفرزان ضعفا مماثلا في امتلاك الحس النقدي، وضعفا في إدراك الوقائع واستيعابها والتفاعل معها، وبالتالي ضعف في الانخراط في الشأن العام، وفي تحمل المسؤولية تجاه المجموعة، أي تجاه الوطن، وفي تمثل واجبات المواطنة والحياة المدنية.
من المؤكد أن التطور التكنولوجي المهول في عالم اليوم، ويسر الولوج إلى الأنترنيت وتقنيات التواصل الاجتماعي، أفرزا هذا الواقع المتسم بالابتعاد عن القراءة بشكل عام، وسواء وسط شعبنا أو لدى بقية شعوب الأرض، لكن هذا الاستنتاج يبقى نسبيا على كل حال، وأن المجتمعات المتقدمة والرائدة في امتلاك التكنولوجيا لا تزال، مع ذلك، متقدمة على شعوب العالم الثالث، ومنها شعبنا، في مستوى الإقبال على القراءة.
يعني هذا، أن العامل التكنولوجي، برغم ما أحدثه من أثر، فهو ليس السبب الوحيد، وأن عوامل محلية وذاتية أضيفت إلى ذلك، وأنتجت بيئة عامة معادية للقراءة وسط مجتمعنا، وصارت اليوم تطرح أمامنا كلنا تحديا مجتمعيا وحضاريا لا بد من الوعي به وإدراك مخاطره.
هذا التحدي ليس محصورا اليوم مثلا في اقتناء الصحف المكتوبة والمجلات أو الإقبال على قراءتها، أو في مقياس رواج هذه المطبوعات وحدها وأحجام مبيعاتها، وليست هذه الصحف هي المسؤولة وحدها عن ضعف القراءة، ولكن الأمر أكبر من ذلك، حيث يشمل كذلك قراءة الكتب في مختلف الميادين المعرفية والإبداعية، وأيضا مستويات القراءة ضمن الأسلاك التعليمية ووسط التلاميذ والطلبة، ومتانة مستويات خريجي الجامعات والمعاهد عندنا…
ويكفي أن نتمعن في حجم مبيعات الكتب ورواجها، وأن نسأل ناشريها وكتابها، وأن نلقي نظرة على واقع المكتبات والمراكز الثقافية وقاعات المطالعة، لنصدم بحقائقنا عارية وفاضحة.
صادم أن ندرك أن أغلب «منتجي» المعرفة لدينا ومهنيي التعليم لم يعودوا يقرؤون منذ سنين، وصادم أن الكثير من نخبنا، في إدارات وقطاعات ومهن ووظائف عديدة، هم أيضا لا يقرؤون، ولا يقتنون كتابا أو صحيفة…
هذا واقعنا الموجود في الميدان… وهو يجسد معضلة أكبر من أن يحلها الصحفيون والناشرون أو أن تفكر فيها منظماتهم المهنية، ولكنه يمثل بالفعل تحديا وطنيا يقتضي تعبئة الدولة والمجتمع، ويستوجب مخططا وطنيا استراتيجيا استعجاليا لتنمية القراءة ولتربية شعبنا وشبابنا ونخبنا على القراءة، وعلى الإقبال على الكتب والصحف، وتملك سلوك القراءة، ورقية كانت أو إلكترونية…
وأمام نفور شبابنا وشعبنا من القراءة، سقط وعينا الوطني العام في منحدرات التدني والرداءة، وصارت تكبلنا التفاهة وتحيط بنا من كل الجهات.
يكفي أن نطلع على ما تتقيؤه في وجوهنا مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة، وكيف يلف ذلك أعناق فئات واسعة من المواطنات والمواطنين من كل الأعمار، وهو ما تنجم عنه انعكاسات وامتدادات في مناحي الحياة الأخرى، ويجعل مجتمعنا كله ملتهيا في… التفاهة.
التحدي اليوم هو أن نقود مجتمعنا للثورة على هذه التفاهة بالذات، وأن ننقذ شعبنا وشبابنا من التدني المعرفي والثقافي والسلوكي، ومن منحدرات التسطيح…
المخطط الوطني الإستراتيجي لإنماء وإشعاع القراءة يجب أن تقوده الدولة، وأن تدرك أولا ضرورته وأهميته، وأن توفر له الخطط والموارد اللازمة، وأن تنصت في إعداده لكل القطاعات، ولمهنيي النشر والصحافة والثقافة والفكر والإعلام والبحث العلمي، وأن تفضي التعبئة الوطنية إلى استنفار حقيقي من أجل إنجاح هذا الورش الشعبي الإصلاحي والتأطيري والتأهيلي لبناء المواطن المغربي.
ورش تنمية الوعي لدى شعبنا وشبابنا، وإشعاع وتحفيز القراءة، هو تحدي وطني حقيقي بالإمكان تعبئة الجميع حوله، وأن ينخرط فيه كل من لديه غيرة على هذه البلاد ومستقبلها.
لننتفض إذن ضد التفاهة، ولنساند شعبنا وبلادنا من أجل تنمية القراءة.

محتات الرقاص

[email protected]

Related posts

Top