تدخل ذ. عبد اللطيف أعمو باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بمجلس المستشارين في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية

عقد مجلس المستشارين يوم الاثنين 10 دجنبر جلسة عمومية لمناقشة مشروع قانون المالية، وقدم الأستاذ عبد اللطيف اعمو باسم مستشاري حزب التقدم والاشتراكية بالمجلس خلال هذه الجلسة ملخصا لمداخلة مستشاري الحزب في المناقشة العامة للمشروع، وفيما يلي النص الكامل للمداخلة.

نناقش مشروع قانون المالية لسنة 2019 في سياق التوتر السياسي والحكومي، والاختناق الاجتماعي، والانتظار الاقتصادي، وما تولد عن ذلك من شعور بضرورة مراجعة النموذج التنموي القائم، نحو التركيز على الأولويات الاجتماعية الكبرى، وفي مقدمتها التعليم والصحة والحماية الاجتماعية .
وهو ما يتطلب إعادة النظر في طريقة بناء مشروع قانون المالية وهندسة ميزانية الدولة، في ظروف يجب أن تتحقق فيها شروط إنضاج الحوار الاجتماعي وتسريع مسار الإصلاحات المحددة، كما يتجلى ذلك في الخطابات الملكية الأخيرة كما نناقش هذا المشروع في ظل ظرفية دولية تتميز هي الأخرى بالتوتر المتزايد، بارتباطها مع تطور القضية الوطنية، فهل يجيب مشروع قانون المالية على هذه التحديات والإشكاليات المطروحة على المستوى الاجتماعي ؟
وهل يقدم تدابير ملموسة تجاوبا مع الدعوة الملكية من جهة، و تفاعلا مع الوضع الاجتماعي المنذر بمزيد من التوتر و الاحتقان من جهة أخرى ؟
إن استمرار هذه التوترات على المستوى الدولي ، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، ينذر بأن السنة المقبلة قد تشهد ارتفاعا لأسعار النفط، رغم الانخفاض المسجل أخيرا والمرتبط باعتبارات سياسية ظرفية، مما لذلك من تأثير مباشر على الاقتصاد الوطني عامة، وعلى القدرة الشرائية للمواطن خاصة.
ولا نلمس في المشروع تدابير ملموسة وإجراءات عملية للحد من التأثير السلبي المحتمل لارتفاع أسعار النفط وتأثيره على القدرة الشرائية للمواطن، وهي قدرة متدهورة أصلا.
فالحكومة لم تقم بالتسقيف الذي وعدت به لأثمـنة بيع المحروقات، ولا يحمل المشروع أي مؤشر على ذلك، كما أننا لا نلمس أي إشارة لهوامش تحرك الحكومة للتحكم في الأسعار الداخلية في المشروع، ومنها مراجعة الضريبة الداخلية على استهلاك المحروقات ومراجعة هوامش ربح شركات التوزيع.
السيد الرئيس،
نلاحظ على مستوى المعطيات الرقمية للمشروع أن نسبة النمو المعلنة، و هي 3.2 % لا تتناسب مع طموح البرنامج الحكومي (ما بين 4.5% و 5.5 %) علما أن هذه النسبة نفسها مرهون تحقيقها بالأحوال الجوية وأحوال السوق العالمي، خاصة سوق المحروقات.
ونفس الملاحظة بخصوص المديونية التي وصلت إلى نسب قياسية تنذر بصعوبة تقليصها إلى نسبة 60 % في أفق سنة 2021، وهو الهدف الذي رسمته الحكومة في برنامجها الحكومي (2017-2021). وما يزال المغرب يعاني، ولأزيد من عقدين من الزمن من تبعات ارتفاع المديونية العمومية مقارنة بالناتج الإجمالي المحلي.
وقد دعا المجلس الأعلى للحسابات في تقرير له إلى توخي الحذر بخصوص الارتفاع المستمر لدين الخزينة وتتبع مديونية القطاع العام بغية إعادة ترشيدها وتقليصها إلى مستويات مقبولة، ولو أن السيد وزير الاقتصاد والمالية خفض من هذا التخوف، لما أكد أن المديونية لا تزال تحت عتبة 70 % المحددة من طرف صندوق النقد الدولي للدول الصاعدة.
كما أن الحكومة سوف لن نستطيع العودة بالعجز إلى مستويات معقولة، في مستوى % 3. وهو الهدف الذي كانت تتوقعه في برنامجها الحكومي في نهاية الولاية الحكومية. والظاهر أنها قبلت مرغمة نسبة 3.7 % من الناتج الداخلي الخام، نظرا لضغط النفقات غير القابلة للتقليص.
فهل فشلت الحكومة في ضبط النفقات، وفي البحث عن موارد أخرى وتوفير تمويلات إضافية؟
إنها معطيات مقلقة، و لا نتوقع أن تحدث معجزة بخصوص الاستجابة لطموحات مواطنينا، ومواجهة التحديات المطروحة على وطننا.
السيد الرئيس
لقد حاولت الوثيقة المالية ترجمة التوصيات الواردة في الخطابات الملكية بإرساء منظومة اجتماعية أكثر استهدافا وواقعية، وهو ما فرض على الحكومة وضع الملف الاجتماعي على رأس أولوياتها، حيث وردت المسألة الاجتماعية في مقدمة المشروع، بإعادة هيكلة سياسة الدعم والحماية الاجتماعية، والالتزام بتصحيح الاختلالات التي شملت برنامج المساعدة الطبية، ومعالجة اختلالات المنظومة الصحية ككل بهدف توسيع التغطية وتجويد الخدمات الصحية، بجانب إخراج السجل الإجتماعي الموحد والاهتمام بصندوق التماسك الاجتماعي المختل لتفعيل السياسات الاجتماعية .
لقد تم بالفعل بذل جهد محمود، نسجله، بخصوص قطاعي التعليم و الصحة، حيث تم الرفع من ميزانية وزارة الصحة ب %10.5، وضخ غلاف مالي إضافي لوزارة التربية الوطنية (3 ملايير درهم)، والرفع من مخصصات التماسك الاجتماعي (برنامج تيسير).
نسجل ذلك بإيجابية، لكن لا نعتبره كافيا للحديث عن نفس اجتماعي قوي للمشروع، ولا نعتقد أنه سيساهم، بشكل قوي، في التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي الذي تعرفه بلادنا و التوترات الناتجة عنه.
فلتدعيم السياسات الاجتماعية، تتوخى الحكومة بجانب دعم سياسة التعليم والصحة، خلق مناصب شغل في هذه القطاعات الحيوية.
لكن الكلام عن الأولوية الأفقية بالنسبة للتشغيل يبقى مجرد كلام، إذا لم يتبعه التزام جريء وإجراءات ملموسة ومقنعة، لأن ذلك مرتبط بالحركة الاقتصادية الفعلية بعيدا عن النوايا.
فبالنسبة لمناصب الشغل التي تتحكم فيها الحكومة، فقانون المالية يتوقع خلق 25.825 منصب جديد، زيادة على 15.000 منصب تعاقدي في قطاع التربية والتكوين، (مع ما تطرحه هذه المناصب من إشكاليات مرتبطة بالتأهيل والتكوين البيداغوجي الضروري لتمكين المستفيدين من آليات تربوية متينة )، غير أنه لا بد من استحضار عدد المغادرين للوظيفة العمومية للتقاعد، مما يجعل الأرقام الحقيقية محدودة.
هذا بجانب خلق 200 منصب شغل لفائدة ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو كذلك مجهود غير كاف. ويجب أن تتضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص لاستشراف آفاق توسيع الوظائف المقترحة لهذه الفئة المجتمعية في وزارات أخرى كالمالية والأوقاف والعدل والثقافة، حتى نتمكن من احترام الحصة المحددة لفائدتهم في7 % من المناصب المقترحة.
فمناصب الشغل المحدثة في المشروع، رغم أهميتها، محدودة، ولا تستجيب لا للطلبات المتزايدة عن الشغل و لا للحاجيات الفعلية لبعض القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم، كما أن نسبة نمو 3.2 % تعتبر جد متواضعة و غير كفيلة بخلق دينامية اقتصادية قادرة على خلق مزيد من مناصب الشغل في القطاع الخاص.
ولهذا يتعين الرهان على الاستثمار لخلق مناصب الشغل: فاللجنة الوزارية المكلفة بالاستثمار، والتي عقدت اجتماعها مؤخرا، قررت المصادقة على مشاريع في حدود 58 مليار درهم من الاستثمارات، والتي قد تمكن من خلق 32 ألف منصب شغل (أي بنسبة 6.2 مليون درهم لكل منصب شغل محدث). وهذا غير كافي للإجابة على إشكالية التشغيل.
ومن المؤسف أن يتعثر الحوار الاجتماعي، ولا يصل إلى نتائج للرفع من القدرة الشرائية للأجراء الذين يشكلون فئة واسعة من المجتمع. ونحن نعتبر أن الرفع من القدرة الشرائية للمواطن عنصر أساس للرفع من الاستهلاك وتنشيط الدورة الاقتصادية، فلا تنمية و لا نمو اقتصادي ولا نموذج تنموي ناجح بدون قدرة شرائية لأغلب الشرائح الاجتماعية.
باستثناء ما ورد أعلاه من اهتمام نسبي بالمسألة الاجتماعية، لا نجد سوى إجراءات متواضعة ومتفرقة هنا وهناك، غير كفيلة بجعل هذا المشروع متميزا وقويا، وعاكسا لإرادة سياسية لمواجهة معضلات اقتصادنا الوطني ووضعنا الاقتصادي المتأزم.
فالمشروع الذي نناقشه لا يحمل تدابير واضحة قوية ومؤثرة. فهو لا يحمل إصلاحات كبرى لها وقع فعلي على الاقتصاد الوطني، والإجراءات التي يحملها محدودة التأثير، واللجوء إلى الخوصصة مرة أخرى، ( تعبئة 5 ملايير درهم ) لا يحل مشكلة الموارد التي تبقى مرهونة، إلى حد بعيد، بالنظام الجبائي (بعدالته، وتوسيع وعائه ، والتقليل من الإعفاءات الغير مبررة وغير المنتجة).
ويمكن اختصار التشخيص الموضوعي للوضعية وللمنظومة الاجتماعية في وضعية تتميز بتعدد المتدخلين، وبأموال هائلة تصرف، وبكلفة عالية و ذات مردودية ضعيفة. وهو ما يحيلنا على الالتقائية والحكامة في تدبير المال العامالسيد والرئيس،
في الشق المرتبط بالجبايات ، لا ننكر أهمية إجراء تصفية متأخرات المقاولات بخصوص استرداد الضريبة على القيمة المضافة، وما يمكن أن يشكله ذلك من تنفيس على مالية هذه المقاولات وتأثير ذلك على الاستثمار، الذي يبقى توسعه ونموه وتعدد مجالاته هو الكفيل بالتخفيف من حدة البطالة.
لكن هذا الإجراء يبقى تأثيره محدودا على هذا المستوى، والاستثمار والخصوصي يتجه بشكل أكبر نحو مجالات غير منتجة لمناصب الشغل الكثيرة.
وهناك تدابير جديدة يتضمنها مشروع قانون المالية 2019، وضمنها العودة إلى ما سمي ب «المساهمة الاجتماعية للتضامن» المترتبة نسبة 2.5 %. ويتحمّل هذه المساهمة، المترتبة على الأرباح الشركات التي تعادل أو يتجاوز ربحها السنوي الصافي 50 مليون درهم، مع إعفاء الشركات المتوسطة والصغيرة. ويستهدف هذا التدبير الجديد ضمنيا، حوالي 267 مقاولة من الشركات التي تصرح بأرباحها في المغرب، بينما تعمل في المملكة أكثر من 236 ألف مقاولة، وفق بيانات الإدارة الضريبية.
وفيما يخص الضريبة على الشركات، سيتم الإبقاء على نسبة 10 % على الأرباح الصافية التي تساوي أو تقل عن 300 ألف درهم، لكن سيتم تخفيض هذه النسبة من 20 إلى 17 % لفائدة الشركات التي تحقق أرباحا بين 300 ألف و مليون درهم. وتبقى نسبة 31 % مطبقة على الشركات الأخرى، التي تفوق أرباحها مليون درهم، (وهي التي تدر على كل حال 66 % من مداخيل هاته الضريبة).
كل هذا بجانب الرفع من الضريبة على استهلاك السجائر ووضع ضريبة على بيع الأملاك العقارية، … وغيرها.
لكن كل هذه التدابير الجبائية، وكل هذه التغييرات الضريبية الهامشية تبين غياب رؤية استراتيجية واضحة للحكومة. فمتى يا ترى سيتم التفكير في وضع إصلاح ضريبي شامل ومندمج يوضح الرؤى والأهداف والمرتكزات ويعزز ثقة المستثمرين المغاربة والأجانب على حد سواء؟
ونتساءل كذلك عن الإجراءات والتدابير المواكبة لضمان التنفيذ الكامل لمضامين مشروع قانون المالية، لأن التجربة أكدت أن كثيرا من جوانب القوانين المالية لا تنفذ بكاملها، وحتى إن نفذت فيتم ذلك على حساب النوع والجدوى والأسبقيات، حسب ما فتئ المجلس الأعلى للحسابات ينبه إليه، بضرورة مراجعة كيفية تنفيذ الميزانية وضرورة احترام قوانينها.
فمشروع قانون التصفية (المادة 76 من الدستور) لا يعرض على البرلمان إلا بعد مرور سنتين على تنفيذ كل قانون مالية. وهي مفارقة في القانون الموازناتي تعيق الترتيب الجيد للمغرب في مجال الميزانية المفتوحة والشفافية وفق أهداف ومؤشرات نجاعة الأداء. ولا يتم تقييم القوانين المالية خلال العشر سنوات الأخيرة وأثرها، ولا إشراك المجتمع المدني في النقاش وفي التقييم وقراءة المنجزات.
كما نسجل عدم قدرة السلطتين التنفيذية والتشريعية على إيداع ومناقشة قوانين التصفية المتعلقة بسنتي 2017 و 2018، وهي مطالبة بالتصويت على مشروع قانون المالية 2019.
وفي باب التحفيز على الاستثمار، فالهاجس حاضر باستمرار في قوانين المالية، لكن الوسائل المقترحة تكاد تفتقر إلى الفعالية.
فالحكومة مطالبة بالتسريع بوضع الميثاق الجديد للاستثمار، ومطالبة بالتنزيل الفعلي للدور الجديد والحيوي للمراكز الجهوية للاستثمار في محاولة لإنعاش هذا الأخير جهويا، وهي مطالبة كذلك بدعم المقاولات الصغرى والمتوسطة وتحسين مناخ الاستثمار بشكل عام.
السيد الرئيس،
من ملاحظاتنا على المشروع أيضا أنه لا يحمل إشارات قوية لتفعيل الجهوية المتقدمة التي تتقدم باحتشام وبطء. وقد تم ضخ مبالغ إضافية في الميزانية الجهوية بما قدره 8 مليار درهم، لكن هذا الجهد غير كاف. فالمشروع مبني، على هذا المستوى، بنفس المنطق القديم فيما يخص توزيع الغلاف المالي وتوزيع الاستثمارات العمومية على الجهات.
فجهة الدار البيضاء – سطات تستحوذ على قرابة 35.5 مليار درهم في عام 2019، وتأتي جهة الرباط سلا القنيطرة في المرتبة الثانية بحوالي 17 مليار درهم.
ويبدو أن توزيع ميزانية المؤسسات العمومية لسنة 2019، والمقدرة في 99.01 مليار درهم، تهيمن عليه جهتا الدار البيضاء والرباط، بالاستحواذ على حوالي 52 % من مجموع الاستثمارات العمومية الوطنية لوحدهما.
وبعدها، تحصل كل من جهات مراكش والشرق وطنجة مجتمعة على 25.3 % من الاستثمارات العمومية، فيما تتقاسم 7 جهات الأخرى وبنسب جد متفاوتة ل 23 % الفتات المتبقي من الاستثمارات العمومية لازالت إذن ثلث الجهات تستحوذ على أزيد من 60 % من الغلاف المالي المخصص للجهات، ولم يقم مشروع القانون المالي بمراجعة المنطق المعمول به منذ عقود في أفق التمييز الإيجابي، الذي دعونا إليه مرارا، بتفضيل الجهات المهمشة وإعطائها الأسبقية للتقليص من الفوارق الجهوية المتنامية.
وتظل التنمية الجهوية للأسف متفاوتة و غير عادلة، و يظل النمو مقتصرا على جهات دون غيرها، و هذا إخلال بالعدالة و حقوق المواطنة.
السيد الرئيس ، السيد الوزير،
تعرف بلادنا نقاشا وطنيا حول النموذج التنموي بعد ما تبين استنفاذ النموذج المعمول به وعدم تمكنه من تحقيق التنمية المستدامة والمندمجة، ودعوة جلالة الملك لبلورة نموذج تنموي جديد.
ويهمنا في هذه المناقشة، التساؤل حول أداء قطاع استراتيجي ومؤثر في الاقتصاد الوطني و في التنمية ، وهو القطاع الفلاحي، والتساؤل عن مكانته ودوره في النموذج التنموي الجديد الموعود.
لقد مرت 10 سنوات منذ انطلاق مخطط « المغرب الأخضر» وهو بمثابة « نموذج تنموي « للقطاع الفلاحي وللتنمية القروية . وإذا استحضرنا فشل النموذج التنموي العام المعلن عنه رسميا، واستحضرنا الدعوة لإعداد إستراتيجية جديدة للتنمية الفلاحية، وما يرتبط بها من خلق طـبقة وسطى في العالم القروي، نستنتج أن مخطط المغرب الأخضر لم يتمكن من تحقيق أهداف التنمية. ومن المفروض، بالتالي، مراجعته بشكل تام ليكون إحدى الركائز الأساس للنموذج التنموي الجديد.
إن المخطط لم يوفق في تحقيق التنمية القروية و المساهمة القوية في التنمية بوجه عام لأنه يقوم على دعم قوي لكبار الملاك، وهم أقلية، و يهمش أزيد من 80 % من الفلاحين المتوسطين والصغار، حيث تأخذ ما تسمى ب « الفلاحة العصرية « 10 أضعاف ما تأخذه»
الفلاحة التضامنية « من دعم مباشر و غير مباشر، مما يرسخ الفوارق الاجتماعية، ومن ثمة غياب طبقة وسطى بالقرى و الأرياف.
والمفروض اليوم، قلب المعادلة بتخصيص النصيب الأوفر من الدعم للأغلبية الساحقة من الفلاحين ليس فقط من أجل العدالة الاجتماعية و المجالية و الاهتمام بأزيد من 13 مليون مغربي يعيشون من الأرض، بل كذلك لضمان الأمن الغذائي لوطننا، وأيضا الأمن بمفهومه العام والواسع، اعتبارا لما تشكله حدة الفوارق الاجتماعية و الفقر في البوادي والأرياف من خطورة على السلم الاجتماعي و على الاستقرار المجتمعي.
ونرى أنه لا بد من التذكير ببرنامج الحد من الفوارق الجهوية والاجتماعية في المناطق القروية والمناطق الجبلية الذي كان موضوع تعليمات ملكية واضحة. ويحق لنا أن نتساءل عن مدى تنفيذ هذا البرنامج وما هيئ لذلك؟
قطاع أخر يشغلنا لتأثيره المباشر في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و في التنمية و هو القطاع الصناعي، لقد استبشرنا خيرا عند الإعلان عن مخطط التسريع الصناعي، وما يحتوي عليه من التزامات وتعهدات وبرامج وتدابير وإجراءات، وما يحتضنه من فضاءات ومجالات حيوية لتنشيط المقاولات الصغرى والمتوسطة، وما قد يوفره من تفعيل إمكانيات استقطاب الاستثمار الوطني والخارجي على حد سواء، حيث كان الطموح الأساسي للمخطط – الذي يأتي امتدادا لمخطط (إقلاع) الذي تم إطلاقه سنة 2005 وللميثاق الوطني للانبثاق الصناعي الذي بدأ العمل به سنة 2009 – هو جعل قطاع الصناعة المغربية قاطرة للتنمية الاقتصادية خلال السنوات المقبلة، ويروم رفع العديد من التحديات، منها بالخصوص إحداث نصف مليون منصب شغل في أفق سنة 2020، فضلا عن زيادة حصة القطاع الصناعي من الناتج الداخلي الخام ب 9 نقاط، لينتقل من 14 إلى 23 % في أفق سنة 2020 والرفع من طاقة الصادرات على المستويين الكمي والنوعي وتحسين المنتوج. إلا أن إنجاز هذا المخطط يعرف بطأ شديدا ينذر هو الآخر بعدم تحقيق أهدافه ومراميه.
فإذا كانت منطقة طنجة وما أنجز فيها من تجهيزات وبنيات تحتية، انطلاقا من ميناء المتوسط وما حوله، يعتبر مؤشرا على أن للمغرب من القدرات على الاستقطاب الصناعي ما يؤهله ليكون دولة صناعية بامتياز، ويمكن من استثمار و يخلق فرص الشغل، ويسمح بتقليص نسبة البطالة المتفشية بشكل ملموس، فإنه يتعين الالتفات للجهات الأخرى، بتجهيز وتوطين مناطق قادرة على الاستقطاب والجذب.
ويعتبر عدم إنجاز انطلاق مخطط التسريع الصناعي المعلن عنه في أكادير في 28 يناير 2018 أمام جلالة الملك، والذي يشكل المنطلق للتنزيل الجهوي للإستراتيجية الصناعية.
الوطنية، مؤشرا سلبيا على أن الإستراتيجية الصناعية ما زالت حبيسة المهام المحدودة، ولا تترجم بحق الطموح الوطني في صناعة رائدة وقوية. وهو ما جعل الحكومة تسقط في فخ الإعلان عن أرقام فضفاضة لمناصب شغل محدثة دون تحري الدقة والموضوعية واحترام المعايير المعتمدة، مما يجعل أرقامها تخالف الأرقام الإحصائية الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط.
السيد الرئيس
إن قانون المالية هو مرآة للاقتصاد الحقيقي، ووضع اقتصادنا اليوم يصعب أن يعطي أكثر مما ورد في هذا المشروع في غياب إصلاحات هيكلية كبرى تغير بالملموس من واقع الاقتصاد الحقيقي. فالحكومة تستمر بالعمل في الهوامش، ومن ثمة لا ننتظر معجزة انطلاقا من هذا الوضع.
ويبقى أن نشير في الأخير إلى مسألة الحكامة ودورها الأساسي حتى في تحقيق الطموحات المتواضعة لهذا المشروع. فلقد بذل جهد محمود في السنوات الأخيرة لتخليق الحياة العامة، لكن الحكامة ما زالت تشكل معضلة حقيقية.
فسوء تدبير المال العام، والتبذير، والريع، وطرق تدبير وإسناد الصفقات العمومية، وضعف الإنجاز الفعلي للمشاريع المبرمجة، بجانب ظاهرة الفساد وانتشار الرشوة، كلها تجعل هذه الطموحات تصطدم بعدم التحقيق أو بإنجاز نسبي، مما يفرض على الحكومة مواجهة مسألة الحكامة بجدية أكبر، وبصرامة وإرادة و نجاعة أقوى. فالحكامة عنصر حاسم وفعال، ليس فقط في تحقيق طموحات هذا المشروع، بل في إنجاز البرنامج الحكومي وكل مشاريع التنمية.
وكعادتنا، فإننا بقدر ما نساند الحكومة وندعمها ونشجعها على المضي قدما في تطوير مجال أعمالها، من أجل دفعها لتحقيق الأهداف المرجوة من برامجها وكسب النجاعة وتوفير الظروف الملائمة لخلق تعبئة شمولية نحو نهضة اجتماعية واقتصادية وبيئية، ضامنة للاستقرار والرخاء والنمو المستدام، بقدر ما نتصدى، من خلال عملنا البرلماني في مراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية، إلى كل ما يظهر لنا أنه لا يمثل الصواب في نظرنا، انطلاقا من تحليلنا للأوضاع وانطلاقا من قناعاتنا، أو كلما ظهر لنا ميل إلى الانحراف، سياسيا كان أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو بيئيا، في تنفيذ الميزانية، وفي بلورة السياسات العمومية وتنفيذها، فلا نتوانى في التحلي بالشجاعة والصدق في إعلان مواقفنا.
ولما كان عمل الحكومة يسير في اتجاه توخي الإصلاح ومراجعة الأولويات وجعل القضية الاجتماعية في مقدمتها، فإننا سنصوت بالإيجاب على مشروع قانون المالية لسنة 2019 من موقع الأغلبية المسؤولة.

وشكرا على انتباهكم .

Related posts

Top