ترحيل المهاجرين بالمغرب .. بين قوة القانون ورفض الحقوقيين

تتواصل منذ سنة 2015، حملات ترحيل السلطات المغربية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء عن مدن الشمال، من خلال إبعادهم عبر التراب الوطني، بهدف “حمايتهم من خطر الاتجار في البشر”، وفق رواية الأمن المغربي.
وتفاقمت هذه الحملات، بعد أواخر يونيو 2018، وتوسعت لتشمل إضافة إلى إقليم الناظور، مدينتي طنجة وتطوان ومدنا أخرى، حيث بلغ عدد المرحلين حسب تقديرات المراقبين، والجمعيات الحقوقية المهتمة بشأن المهاجرين بالمغرب، أكثر من 6 آلاف و500 شخصا.
إلى جانب الترحيل بداخل التراب المغربي، تؤكد بعض التقارير الإعلامية ومصادر جريدة بيان اليوم، أن الترحيل يتم إلى البلدان الأصلية للمهاجرين أيضا، لاسيما القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، والأرقام في هذا الصدد غير مؤكدة، نظرا لتكتم وزارة الداخلية حول المعطيات في هذا الشأن.
وراسلت “بيان اليوم” وزارة الداخلية من أجل الحصول على معلومات ومعطيات مفصلة في الموضوع، ولكن لم نتوصل بأي إجابة، مع الإشارة إلى أن التقرير الأخير لسنة 2018 للمرصد الوطني للهجرة لم يعمم على وسائل الإعلام المغربية.
والمعلومات التي تم نشرها عن طريق قصاصات وكالة المغرب العربي للأنباء حول التقرير السنوي، لم تشر إلى عمليات الترحيل، حيث اقتصرت على ذكر العدد الإجمالي للمهاجرين الذين اختاروا العودة الطوعية إلى بلدانهم الأصلية، والمقدر عددهم بـ 5 آلاف و608 مهاجر ومهاجرة.
ومن خلال هذه الورقة تعيد “بيان اليوم” تركيب معالم سياسة المغرب في الهجرة، وبالتحديد من التسوية إلى الترحيل، انطلاقا من تقارير المنظمات الحقوقية والإعلامية المهتمة بالموضوع، علاوة على بعض المعلومات التي تم استقاؤها من مصادر الجريدة، بالإضافة إلى حالتين التقتهما أثناء اشتغالها على الموضوع.

التسوية

في إطار تنفيذ السياسة الجديدة للهجرة، خصوصا، العملية الاستثنائية لتسوية وضعية المهاجرين الموجودين في وضعية إدارية غير قانونية، احتضن مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بتاريخ 26 يونيو 2014 بالرباط، حفل تنصيب اللجنة الوطنية لتتبع ملفات التسوية ودراسة الطعون.
وعملت اللجنة الوطنية للطعون بدراسة طلبات التسوية المعروضة على اللجان الإقليمية، وذلك على ضوء معايير ترتكز على مقتضيات الدستور، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، أو على اعتبارات إنسانية.
وبعد سبعة أشهر من إطلاق عملية التسوية، نظم المجلس الوطني لحقوق الإنسان، خلال 7 فبراير 2015 بمدينة الرباط، يوما دراسيا خصص لتقديم نتائج عملية التسوية الاستثنائية لوضعية المهاجرين ومناقشة تحديات إدماجهم في المجتمع المغربي.
وأبرز العرض الخاص بحصيلة عملية التسوية الاستثنائية، كانت قد قدمته نعيمة بنواكريم، مديرة حماية حقوق الإنسان بالمجلس، أن عدد طلبات التسوية التي أودعت لدى اللجان الإقليمية بلغ في المرحلة الأولى 27 ألف و130 طلبا، حصلت 16 ألفا و180 منها على الموافقة أي بنسبة 59.63 في المائة.
ومن بين معايير الأهلية التي قامت على أساسها عملية التسوية؛ الإقامة لمدة خمس سنوات، التوفر على عقود عمل فعلية، الزواج بمواطن أو مواطنة مغربية، الزواج بأجانب آخرين يقيمون بصفة شرعية بالمغرب.
وفي هذا الإطار، وقفت اللجنة على بعض الجوانب السلبية، من قبيل؛ صعوبة التواصل مع المهاجرين الناطقين باللغة الإنجليزية أو الذين لا يتحدثون إلا اللهجات الإفريقية، وضعف التنسيق والتواصل بين اللجان الإقليمية.
وكانت اللجنة الوطنية تعقد بشكل دوري اجتماعاتها لتتبع ملفات تسوية وضعية المهاجرين ودراسة الطعون، بمقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط، إلى أن تم الإعلان في الأخير عن تسوية الوضعية القانونية لأزيد من 50 ألف مهاجر ومهاجرة.

إشادة ولكن..

من هنا، مثلت عملية تسوية الوضع القانوني للمهاجرين التي أطلقها المغرب، بحسب شبكة حقوق يوروميد-الشبكة الأورو-متوسطية معلما بارزا في سياسة الهجرة الجديدة التي ترمي إلى الاعتراف بحقوق المهاجرين واللاجئين.
وأشادت منظمات الدفاع عن حقوق الأجانب وشركاء المغرب على الساحة الدولية بهذه العملية، غير أنها انتهت وفق REMDH في ظروف أثبتت محدودية إستراتيجية الاندماج التي وضعتها السلطات المغربية.
وسجلت الشبكة أنه مباشرة بعد الانتهاء من عملية التسوية بتاريخ 9 فبراير 2015، لاحظت مجموعة من جمعيات المجتمع المدني عمليات التمشيط التي أفضت إلى توقيف ألف و200 شخص، من بينهم قاصرين وطالبي اللجوء، حيث تم ترحيلهم قسرا إلى مدن أخرى من المغرب وإلى احتجازهم تعسفيا أو إلى محاولات لطرد عدد منهم قسريا.
وانتقدت المنظمة الحقوقية “العنف الذي اتسمت به عمليات الاعتقال حيث عدم احترام الضمانات الإجرائية المنصوص عليها في القانون”، وهو ما اعتبرته “نهاية سياسة المغرب الواعدة”.
وفي السياق ذاته، أعلنتا الشبكة الأورو-متوسطية لحقوق الإنسان والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان عن شجبهما الشديد لعمليات الاعتقال الجماعية، معبرتان عن أسفهما لانتهاء عملية تسوية وضعية المهاجرين.
وآنذاك، غضبتا المنظمتان من البحث عن المهاجرين في غابة كوروكو في الناظور وفي طنجة، والتي أدت إلى الاعتقال القسري لآلاف الأشخاص، بمن فيهم طالبي لجوء وحاملي تصاريح إقامة وعائلات وأطفال.

ترحيل جوي

وبتاريخ 22 أكتوبر 2018 سيقرر المغرب ترحيل كل المهاجرين المشاركين في اقتحام سياج مدينة مليلية المحتلة صوب بلدانهم الأصلية.
وأعلنت وزارة الداخلية أن خطوة الترحيل الجديدة، جاءت نتيجة إقدام مجموعة من المهاجرين غير القانونيين المنحدرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، على عملية اقتحام سبتة المحتلة.
وذكر بلاغ الوزارة وقتها، أن “القوات العمومية تدخلت لإحباط هذه المحاولة، حيث جرى توقيف 141 من المهاجرين غير القانونيين، في الوقت الذي تم فيه تسجيل إصابة 12 جنديا وأحد أفراد القوات المساعدة، بجروح متفاوتة الخطورة، نقلوا على إثرها إلى المستشفى بمدينة الناظور لتلقي الإسعافات اللازمة”.
وأضاف البلاغ، أنه “خلال تسلق المهاجرين للسياج الفاصل عن ثغر مليلية المحتلة، تم تسجيل وفاة شخص إثر سقوطه من أعلى السياج وإصابة 22 من المقتحمين بجروح جراء الأسلاك الشائكة المتواجدة بالسياج، تم نقلهم إلى المستشفى للخضوع للعلاجات الضرورية”.
وأكد المصدر ذاته، أنه “على إثر هذه الأفعال المخالفة للقانون، قررت السلطات المغربية ترحيل جميع المشاركين في عملية الاقتحام هاته صوب بلدانهم الأصلية، وذلك طبقا للقوانين الجاري بها العمل”.

تنسيق مشترك

وخلال 19 شتنبر 2018، انتقل مجموعة من المسؤولين الدبلوماسيون يمثلون مختلف السفارات الإفريقية، من مدينة الرباط إلى طنجة، من أجل معاينة أوضاع المهاجرين والتنسيق مع السلطات المغربية، لمباشرة عملية الترحيل نحو البلدان الأصلية.
وبالفعل، تم ترحيل 5 آلاف و608 ممن اختاروا العودة بشكل طوعي نحو بلدانهم الأصلية، بحسب تقرير 2018 للمرصد الوطني للهجرة، التابع لوزارة الداخلية، من خلال نقلهم عبر رحلات جوية، بعد التنسيق بين السلطات المغربية ونظيرتها في البلدان الإفريقية المستقبلة للمهاجرين الذين ينتمون إليها.
من هنا، فإن خطوة الترحيل تمت باتفاق بين المغرب وباقي الدول الإفريقية الأخرى، حيث أعطيت الأولوية للمهاجرين الذين يودون العودة بشكل طوعي وليس قسري، لاسيما، بعد انحسار الأفق، نتيجة رفض السلطات الإسبانية دخولهم نحو سبتة ومليلة المحتلتين، بالإضافة إلى التمشيط المستمر لمياه عرض البحر الأبيض المتوسط.
وأكدت تقارير إعلامية مختلفة، أن المسؤولين الأفارقة بالسفارات والقنصليات، لا زالوا يستمعون إلى عدد كبير من المهاجرين الذين يرغبون في العودة نحو بلدانهم الأصلية، مطلعين على ملفاتهم الشخصية التي أعدتها السلطات المحلية.
وكشفت مصادر جريدة بيان اليوم، أنه يستثنى من عمليات الترحيل عدد من المهاجرين المبحوث عنهم في قضايا ذات صلة بتهريب البشر والمشتبه فيهم في عمليات تنظيم الهجرة السرية، حيث تحاول عناصر الأمن واستخبارات دول المرحلين جمع أكبر عدد من المعطيات حول هذه الشبكات، من خلال استنطاق المهاجرين الذين اختاروا العودة طوعا أو رحلوا من طرف السلطات المغربية.

ترحيل مبرر

وذكرت مصادر متطابقة لجريدة بيان اليوم، أن السلطات المغربية بالفعل تباشر عمليات الترحيل، بالنسبة للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث كشف أحد المصادر، أن الأمن المغربي اعتقل خلال الأشهر الأخيرة مجموعة من المهاجرين بمدينة سلا، وأقدم على ترحيلهم بشكل مباشر إلى أراضيهم الأصلية.
وزاد المصدر، أن هذا الترحيل جاء نتيجة عراك بين مجموعة من المهاجرين ينتمون إلى دول مختلفة، كانوا يلعبون كرة القدم بأحد الأحياء الشعبية لسلا، قبل أن ينشب عراك دموي بينهم، حيث اضطر عندها الأمن المغربي إلى التدخل لفض التجمع.
وعملت عناصر الأمن المغربي، على نقل جميع المهاجرين الذين ألقت القبض عليهم، إلى ولاية الرباط، إذ أجرت تحرياتها في الموضوع، وباشرت عملية الترحيل نحو بلدانهم، بحجة عدم انضباطهم وإخلالهم للنظام العام، وأحجمت مصادرنا عن ذكر عدد المرحلين وجنسياتهم والإجراءات التي اتخذت، بيد أنها أكدت إجراء الترحيل الذي شمل حتى الجماهير التي كانت تتابع المباراة ولم تشارك في العراك.
وفي سياق متصل، قالت مصادر بيان اليوم، إنه على مستوى مدينة فاس، كان الترحيل يتم بشكل دوري، بسبب الشكايات التي يتقدم بها المواطنون، حيث ينزعجون من تحركات المهاجرين، خصوصا على مستوى منطقة واد فاس، التي توجد بها غابة كبيرة، والقريبة من الحي الصناعي؛ الدكارات، وكذا محطة القطار الرئيسية لمدينة فاس.
وأكدت مصادرنا، أنه في الكثير من الأحيان، يتم نقل أعداد كبيرة من المهاجرين من مقر ولاية أمن فاس، نحو مدينة وجدة والناظور، وهم مكبلين بالأصفاد، حيث تستغرق الرحلة في الحافلات الكبيرة ساعات طويلة، تتراوح بين 5 و6 ساعات، مؤكدة أن مقرات الشركات المهجورة بالدكارات تم إخلاؤها بالكامل، ولم يعد أثرا للمهاجرين بها، والأمر نفسه يتعلق بمحطة القطار، التي كان يتخذون من مساحاتها الجانبية سكنا لهم، وهو ما وقفت عليه الجريدة ميدانيا.
وحاولت بيان اليوم من خلال تحركاتها الميدانية أن تلتقي بأحد المهاجرين المرحلين من طرف الأمن المغربي من مدينة لأخرى، غير أن محاولاتها باءت بالفشل، بيد أن تواصلنا مع بعض المهاجرين غير النظاميين بمدينة الدار البيضاء، مكننا من تكوين فكرة عن الترحيل، وكذا الأسباب التي من ورائه، انطلاقا من قصص بعض زملائهم.
وحكى جزيف لاكو، من دولة النيجر لبيان اليوم، قصة أحد المهاجرين من الذين تم ترحيلهم من مدينة طنجة نحو مدينة زاكورة، بعد مداهمة عناصر الأمن المغربي للعمارة التي كانوا يقطنون بها، موضحا، بأنه تم اعتقاله رفقة مجموعة من المهاجرين الآخرين.
وزاد جزيف لاكو، الذي التقته الجريدة بحي لاجيروند بالعاصمة الاقتصادية للمغرب، أن صديقه الذي سافر مرة أخرى إلى طنجة، في إصرار منه للعبور نحو الضفة الأخرى، تجشم كثيرا عناء التنقل من مدينة زاكورة نحو الدار البيضاء، إذ استغرق 13 يوما في الطريق، من خلال السفر على الأقدام، وكذا الاستعانة ببعض الشاحنات والحافلات التي تربط بين القرى والمدن الصغيرة (600 كلم).
واستنكر لاكو عملية الترحيل التي يتعرض لها المهاجرون، مشيرا إلى أن الظروف التي يتم فيها الترحيل “غير إنسانية، كما أن التعامل مع المهاجرين يتم بشكل عنيف، خصوصا، على المستوى النفسي، وهذا يخلف بداخل جميع المهاجرين جرحا كبيرا لا يمكن علاجه”، يقول المتحدث.
من جهته، كشف المهاجر الكاميروني باتريس فيليب، أن المهاجرين الأفارقة وعوا بأن السكن والتنقل بشكل جماعي يعتبر من بين الأسباب التي تؤدي إلى الترحيل، فضلا عن الخصام والعراك الذي ينشب بين المهاجرين، من تم فإن عدد كبير من المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، أصبحوا يتفرقون ثلاث ورباع وخماس، تجنبا للوقوع في صدامات مع رجال الأمن أو المواطنين المغاربة.
وقال باتريس فيليب، في لقاء مع بيان اليوم بمحطة الحافلات أولاد زيان بالبيضاء، إن جميع المهاجرين الذين يتم ترحليهم بداخل المدن المغربية، يعودون إلى مدن الشمال، بهدف تحين الفرصة والعبور نحو أوروبا، مؤكدا أن هدف تواجد أي مهاجر في المغرب هو العبور نحو القارة الأوروبية، بالرغم من الإجراءات المشددة التي أصبحت معتمدة من طرف المغرب، والتي من ضمنها الترحيل بتنسيق مع أوروبا والدول الأصلية للمهاجرين.

رفض حقوقي

وفي هذا الصدد، كانت قد طالبت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بإيقاف حملات التنقيل التي يتعرض لها المهاجرون بالمغرب، والعمل على احترامه لالتزاماته الدولية والمقتضيات الدستورية في مجال صيانة حقوق المهاجرين.
وأكدت الجمعية في بيان صحافي لها صدر خلال 25 شتنبر 2018، أن حملات التنقيل التي “يتعرض لها المهاجرون، يصاحبها استعمال العنف عند الاعتقال، ومداهمة المساكن لإخراج البعض منها بالقوة”، مشيرة إلى أنه “جرى تسجيل وفاة شابين بالطريق السيار على مشارف مدينة القنيطرة، بعد سقوطهما الغامض من الحافلة التي كانت تحملهم من مدينة طنجة”.
وشهدت عملية الترحيل عينها، “إصابة البعض الآخر بكسور، جراء القفز من العمارات عند محاولة الفرار للإفلات من خطر الاعتقال أو التنقيل، فيما تعرضت أمتعة الكثير منهم للنهب والسلب بعد عمليات الإخلاء من طرف من استغلوا الفرصة للسطو عليها”، على حد تعبير البلاغ، الذي تتوفر الجريدة على نسخة منه.
واستنادا إلى بيان الجمعية المغربية المهتمة بالشأن الحقوقي، فإن الدول المغاربية أصبحت تلعب “دور الدركي الذي أوكل لها لحراسة الحدود الجنوبية لدول الاتحاد الأوروبي، وممارسة المزيد من القمع والحصار على المهاجرين غير النظاميين المتواجدين فوق أراضيها، كما هو الشأن بالنسبة للحملات التي يشهدها المغرب”.
وأشارت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إلى أنه، “تم خلال شهر غشت من سنة 2018، ترحيل 116 مهاجرا من إفريقيا جنوب الصحراء، تمت محاكمة 17 منهم بمدينة تطوان بعد احتجاجهم على الممارسات القمعية التي كانوا ضحية لها”.

تنديد..

من جانبها، كشفت المجموعة المناهضة للعنصرية والدفاع عن حقوق المهاجرين والأجانب أنه تم ترحيل ما بين 5 آلاف و6 آلاف شخص بالقوة، وبشكل قسري خلال شهر ونصف من سنة 2018.
ونددت المجموعة التي كانت ممثلة في اللجنة الوطنية لتتبع ملفات التسوية ودراسة الطعون، بسياسة “الترحيل القسري الجماعي للمهاجرين من شمال المملكة نحو المدن الداخلية”، منتقدة بحدة الظروف التي تم فيها هذا الترحيل، حيث عدم احترام “حقوق الإنسان والسلامة البدنية للأشخاص المستهدفين بما فيهم النساء والقاصرين”.
وذكرت GADEM أن بعض المهاجرين لم يجدوا “الطعام والولوج إلى المراحيض، وكذا انعدام الشروط الملائمة للنوم، هذا بالإضافة إلى العنف اليومي، لاسيما أثناء المواجهات الرافضة للترحيل، التي تخلف العديد من الضحايا الجرحى والمعطوبين”.
وأكد التقرير الذي حصلت عليه بيان اليوم، أن “الموجة القمعية المزدوجة يجب أن تثير قريحة المجتمع المدني حول مدى إرادة السلطات المغربية في تطبيق سياسة الهجرة الإنسانية الجديدة التي أعلن عنها سنة 2013، والتي لم يتم الاستجابة لمقتضياتها بعد”.
وطالبت “غاديم” بتغيير التعامل مع ملف الهجرة من المنطلق الأمني، استنادا إلى تطبيق مقتضيات القانون 02.03، الذي يحدد شروط الاعتقال وظروف الترحيل، مسجلا أن “مدة الاعتقال تجاوزت في بعض الأحيان مدة شهر وبدون أي محاكمة، وخارج عيون القضاء”.

طرد ومحاكمة

من جانبها اعتبرت منظمة العفو الدولية أن عملية الترحيل التي قام بها المغرب في حق المهاجرين واللاجئين في عدد من مدن الشمال غير قانونية، واصفة إياها، بـ”القاسية”.
وقالت هبة مرايف، مديرة برنامج الشرق الأوسط شمال إفريقيا بأمنستي، إن “هذه الحملة على المهاجرين واللاجئين في المغرب قاسية وغير قانونية على حد سواء، كما تمثل انتكاسةً تثير القلق من قبل حكومة قدمت في عام 2013 التزامات جديدة بشأن سياسة اللجوء والهجرة لجعل المغرب بلدا يمتثل للمعايير الدولية”.
وطالبت هبة مرايف السلطات المغربية، بأن “تفي بالالتزامات الإيجابية التي تم التعهد بها خلال السنوات الخمس الماضية لاحترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين”، داعية إلى “اعتماد قانون اللجوء الذي يحدد الإجراءات والحماية الصحيحة بما يتماشى مع القانون الدولي”.
وأشارت المنظمة إلى أنها كانت قد حصلت على معلومات بشأن حملة المداهمات، تفيد بأن “السلطات اعتقلت المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين دون التحقق من وثائقهم القانونية، محتجزة إياهم لساعات، قبل أن تأخذ بصماتهم وترغمهم على ركوب الحافلات وهم مكبلين بالأصفاد، مهجرين قسرا إلى مناطق نائية قريبة من الحدود الجزائرية، أو في المناطق النائية الجنوبية القريبة من تيزنيت والرشيدية وبنجرير وبني ملال ومراكش”.

انضباط للالتزام

من جهة أخرى، ارتأت جريدة بيان اليوم، أن تنقل آراء وتحليل الباحثين والخبراء في القانوني الدولي وشؤون الهجرة، بخصوص الموضوع، وفي هذا الصدد، قال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الفتاح بلعمشي إن “السياسية التي انتهجها المغرب خلال السنوات الأخيرة، فيما يتعلق بملف الهجرة، ذهبت إلى الانضباط لمجموعة من المعايير الدولية، فيما يتعلق بالتعامل مع الهجرة غير القانونية، استنادا إلى تحيين مجموعة من التشريعات المرتبطة باستقبال المهاجرين، وذلك، في إطار تهيئ ظروف الاستقرار والكرامة والالتزام بمعايير حقوق الإنسان”.
وأكد عبد الفتاح بلعمشي في تصريح صحافي لجريدة بيان اليوم، أن الهجرة القادمة من دول إفريقيا جنوب الصحراء في تزايد، خصوصا أن ما يقع في ليبيا من إشكالات انحصار الدعم الذي تقدمه مثلا إيطاليا للحكومة الليبية، أو المسؤولين الليبيين على مستوى خفر السواحل، جعل هذا التراكم يسمح بتكاثر المتاجرين بملف الهجرة، الذين منهم من غير مسارات رحلات زوارقهم نحو دول شمال إفريقيا.
وبالعودة إلى المغرب، يرى بلعمشي، أن الأمر مغاير تماما لليبيا، “فهناك دولة مستقرة، لها تشريعات محينة، ومعايير متخذة، بيد أنه لا بد من أن ينتج هذا، نوعا من الضغط على مستوى القدرة الاستيعابية، وقدرة الاستقبال، خصوصا، وأن عدد مهم من هؤلاء المهاجرين غير القانونيين يسعون إلى العبور نحو الضفة الأخرى عبر يم الأبيض المتوسط، بمعنى فتح ما يعتبرونه آفاقا جديدة بالدول الأوروبية”.
ويبرز الخبير في العلاقات الدولية أن “هذا الضغط لا بد من أن يحدث بعض التعديل في السياسات، المتخذة فيما يتعلق باستقبال هؤلاء المهاجرين، وبالتالي فالقانون وما يسمح به القانون، وحتى ما يتعلق بالترحيل هو مشروع من الناحية الأخلاقية، ومن ناحية التعامل الدولي على هذا المستوى”.
ويضيف المتحدث بأن الأمر غير المسموح به، “هو التعاطي مع هؤلاء المهاجرين فيما يمس بكرامتهم الإنسانية، وفيما يخص حقوقهم التي ضمنها لهم القانون المغربي، بالإضافة إلى ما يسمح به القانون الدولي، في هذا الصدد”.
من جهته، اعتبر عبد الخالق الشلحي، رئيس مركز الأبحاث في الهجرة بالرباط، أن القانون يسري على المواطنين المغاربة والأجانب على سواء، ومن تم فإن الترحيل قانوني، مشيرا إلى أن الرباط أقدمت فيما مضى على ترحيل المئات من المهاجرين إلى بلدانهم، في الوقت الذي قامت به أيضا الإدارة المغربية والمصالح التي لها علاقة بالجانب الأمني بترحيل المهاجرين من شمال إلى جنوب المغرب.
وأشار عبد الخالق الشلحي في تصريح صحافي لجريدة بيان اليوم، أن هذه الترحيلات أثارت حنق الحقوقيين بالمغرب، معتبرا احتجاج هذه المنظمات على هذا العمل طبيعيا، باعتباره خرقا لاتفاقيات حقوق الإنسان.
واستنادا إلى ذات المتحدث، فإن المغرب رد على هذه الاحتجاجات والاتهامات التي وجهت إليه في هذا المجال، بكونه تعامل مع المهاجرين بشكل قانوني ولم يتجاوز القانون، ولم تكن هناك خروقا أو مسا بحقوق الإنسان، إلى غير ذلك.
وقال رئيس مركز الأبحاث في الهجرة، إن المغرب له سيادته الكاملة على أراضيه ومن حقه أن يطبق بها قوانينه الكاملة، غير أنه من جهة أخرى، لا يجب أن يتجاوز ما هو قانوني ومرتبط بحقوق الإنسان، كالعمل على المس بحقوق هؤلاء المهاجرين، “فهذا لا نقبله نحن كباحثين في مجال الهجرة وحقوق الإنسان”، يشدد المتحدث.

***

المغرب عطل قانونه الداخلي وأصبح ملزما بتطبيق الاتفاقيات الدولية

    3 أسئلة مع صبري الحو*

اعتبر صبري الحو أن المغرب دخل في إطار سياسة دولية في الهجرة، لاسيما، مع الاتحاد الأوروبي، ومجموعة من دوله في إطار اتفاقيات ثنائية، كإسبانيا مثلا، من تم أصبح ملزما بموجب هذه الاتفاقيات بتنفيذ جملة من بنودها، بما فيها إجراءات تشديد المراقبة على الحدود، وترحيل المهاجرين.
وأوضح أن المغرب، وانطلاقا من وعيه بدوره الكبير في سياسة الهجرة الدولية، أصبح بلد استقبال واستقرار بعدما كان في وقت سابق بلد عبور وتصدير، ومن تم، فإن سياسية البلاد في الموضوع تعتمد على وجهين وأطروحتين، بحسب المتحدث، وفيما يلي نص الحوار القصير لبيان اليوم مع الخبير في القانون الدولي وشؤون الهجرة ونزاع الصحراء:

< ما هي ملاحظاتكم حول ترحيل المهاجرين بالمغرب على ضوء القانون 02.03؟
> أولا، هذا الترحيل عرف تطورا على مستوى المسطرة والتنفيذ، بحيث أنه قبل سن وتشريع هذا القانون، كانت إجراءات الترحيل تكون جد سريعة، وأحيانا وغالبا خارج الضمانات القانونية، وبدون حتى الاستماع إلى المرحلين، ولا أن يكون هذا الإجراء تحت الضمانة القضائية، باعتبار هذا الأخير، هو الذي يعطي الشرعية لكل قرار تنفذه الإدارة.
بيد أنه، بعد سن هذا القانون، وتطبيقه وتنفيذه، باعتباره القانون الخاص بتأطير دخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة، كان من المفترض أن لا يكون هذا المضاف إليه (غير المشروعة)، ضروريا لزيادته كعنوان، بمعنى أن المغرب اتخذ قرارا في إطار مجموعة من الاتفاقيات، سواء تلك التي تربطه مع الجار الشمالي (إسبانيا)، في إطار ثنائي مع أعضاء الاتحاد الأوروبي، أو مع الاتحاد الأوروبي ككل، باعتباره كتلة تفاوضية وتنظيما قويا.
من هنا، أصبح المغرب منخرطا في إطار ما يسمى؛ باتفاقية التدبير التعاوني للهجرة، هذه الاتفاقيات التي من بين موادها ومقتضياتها، أنها تنص على بنود تقبل بترحيل المغاربة من أوروبا، حيث تطور هذا التدبير، وهذا الالتزام الاتفاقي والتعاقدي مع المغرب، إلى القبول بترحيل المهاجرين من دول أخرى إلى المغرب، ومن تم إلى دولهم الأصلية.
بالتأكيد أن هذا ليس موضوع تساؤلكم، على اعتبار الحديث هنا عن الترحيل من المغرب إلى بلدان أخرى، إذن ذلك التقصير، وتلك الضمانات التي كانت غير متوفرة في القوانين القديمة التي كانت موزعة ومشتتة، وتم تحيينها في إطار مدونة واحدة، وهو قانون الدخول وإقامة الأجانب بالمملكة المغربية والهجرة غير المشروعة، حاول المغرب أن يلبس هذا القانون وأن يحيطه بأنه تطبيع منه مع مجموعة من الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، سواء في إطار الشرعية، أو في إطار اتفاقيات دولية صادق عليها، وأصبحت جزءا مع الدستور الجديد وقانونه الداخلي، وأصبح ملزما بتنفيذها.

< هل هذا يعني أن المغرب أصبح يطبق سياسية القانون بدل القانون؟
> بالفعل، علق المغرب الاشتغال بقانونه الداخلي، وأصبح يشتغل بالاتفاقيات الدولية، حيث أضحى من حق المخاطبين بهذه الاتفاقيات المطالبة بتنفيذ مقتضيات القانون التي جزء كبير منها ينص على واجب حماية الحدود، هنا نجد أن هذا القانون 02.03 يتناقض مع مجموعة من الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وبالتالي أصبح القضاء المغربي من حيث لا يدري ولا يعرف ما إذا كان ذلك تقصيرا منه، في الاطلاع بمقتضيات القانون الدولي وإعطائها الأولوية الدستورية المقررة.
من هنا، أصبح هنالك تدبدب على مستوى اتخاذ القرارات في هذا الصدد، الخاصة بالإبعاد أو الترحيل، ولكن ما يمكن أن نقف عنده، هو أن عملية الترحيل أو الإبعاد أصبحت معطلة بحكم الواقع لأن المغرب دخل في إطار سياسة لها وجهين، وهي المتعلقة باعتماد المغرب لسياسة خاصة واستثنائية في شمال إفريقيا، وهي سياسة المغرب للهجرة.
من تم، يحاول المغرب أن يجد لهذه السياسة والقانون خطابا على مستوى الإعلام أو على مستوى الدعاية، والمتعلقة بالتطبيع ومحاولة تسوية الوضعية القانونية لمجموعة من المهاجرين الذين تواجدوا فوق التراب المغربي، سواء بمحض الصدفة، أو بمحض فشل محاولات الهجرة إلى الخارج، حيث أصبحوا مضطرين ومجبرين ومكرهين على أن يبقوا لفترة طويلة بالمغرب.
وفي هذا الإطار، تحول المغرب إلى بلد لاستقبال المهاجرين بعدما كان بلد المصدر وطلب العبور، والآن كما قلت هنالك تعطيل لهذا الإجراء، إجراء الإبعاد والترحيل، لأن هنالك سياسة وخطة جديدة مغربية-إفريقية، والتي تجعل من المغرب أخلاقيا لا يمكن أن يطبق وينفذ بها تلك القوانين بتلك الصيغة، وبتلك النوعية التي كان يقوم بها.
ويرجع هذا الأمر، إلى أن هنالك، جانب وبُعد يحاول أن يروجه المغرب، وهو أن هذه السياسة إنسانية وأن هؤلاء هم ضيوف المغرب لتخدم شرعيته في الانتشار بإفريقيا، وبالتالي الخلاصة هو أن هذا الإجراء أصبح محاطا بضمانة ومسطرة قانونية، وتحت إشراف وضمانة قضائية، وهذه الإجراءات أصبحت الآن معطلة.
والمغرب سيرجع له بمكاسب وبمصلحة عليا يحققها تعطيل هذا الإجراء إلى حين آخر، أو إلى حين اعتماد نسخة ثالثة تتوفر بموجبها شروط الإقامة لدى هؤلاء المرشحين، الذين كانوا يعتبرون في غالب الأحيان من الذين سيصدر عنهم قرار الإبعاد، والآن يتم إبعاد الذي يشكل خطرا على الأمن العام وسلامة المواطنين المغاربة.

< ما هي انعكاسات الترحيل وآثارها على الظاهرة في المستقبل؟
> الإبعاد الذي تحدثنا عنه، يتم في إطار ما ينص عليه القانون الإسباني والمغربي بشكل ثنائي، بحيث أن المغرب انخرط في إطار هذه الاتفاقيات، في الوقت الذي نستحضر فيه المقاومة الشديدة التي كانت قد أبدتها دولة مالي في القبول بمثل هذه الاتفاقيات، غير أنه في النهاية فرضت هذه الاتفاقيات، وأصبحت دول الجنوب مفروضا عليها في إطار التزام اتفاقي وتعاقدي أن تقوم بحماية ومراقبة حدودها.
وهو ما أدى كما قلت إلى أن شدة المراقبة بالحدود سواء على البر أو في السماء أو على البحر، (أدى) إلى ظهور بوادر أزمة، وذلك، أمام إصرار هؤلاء المهاجرين الذين أصبحوا يسلكون سبلا خطيرة ووعرة أدت إلى كوارث إنسانية.
وهذه الكوارث الإنسانية هي التي فرضت على المجموعة الدولية البحث عن الحلول، وهنا يأتي الحديث عن اتفاق مراكش، ولكن للأسف مجموعة من الدول لا زالت تتذرع بسيادتها في إقرار مجموعة من القوانين الوطنية، ونستحضر هنا الموقف الأمريكي وموقف مجموعة من دول البلقان وأستراليا التي رفضت أن توقع على هذه الاتفاقيات، لأنه سيفرض عليها مجموعة من الالتزامات الدولية.
وهذه الدول كان من المفروض عليها أن تطبق هذا الاتفاق ولكنها تملصت من توقيعه، وهو ما يؤدي إلى أن هذا الاتفاق بالرغم من أنه نسخة ثانية من حقوق الإنسان، بعد الإعلان على مجموعة من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من هنا جاء اتفاق مراكش ليركز على شريحة مهمة من المهاجرين التي تحتاج إلى الحماية ولكن للأسف يتم استغلال الهجرة سواء على المستوى الداخلي لدعم مركز مجموعة من الأحزاب السياسية الشعبوية التي تحاول كسب مجموعة من أصوات المواطنين، بملف إنساني محض.

*خبير في القانون الدولي والهجرة ونزاع الصحراء

Related posts

Top