ترقب يخيم على مدينة جرادة بعد أحداث “الأربعاء الأسود”

صباح أول أمس الأحد، كان شارع الحسن الثاني، وهو الشارع الوحيد الذي يمر وسط مدينة جرادة، يبدو شبه خال من الحركة، إلا من قوات الأمن وبعض السيارات والمارة… وفي وسط المدينة الذي تتموقع فيه أغلب المقاهي والمحلات تبدو الأجواء عادية، تجمعات هنا وهناك في مقاهي متفرقة وحركة عادية في نشاط المحلات.
كل هذا يغلفه ترقب وخوف من القادم، سيما أن أكثر الناس حركة هم رجال الأمن الذين يتوزعون على طول الشارع الرئيسي في مجموعات تبدأ من مدخل المدينة بجماعة العوينات وعلى امتداد شارع الحسن الثاني حتى آخره.
الإنزال الأمني الكبير الذي تعرفه المدينة، غير مسبوق ولم تعرفه جرادة من قبل، بعض النشطاء وبعض المواطنين يعتبرونه أمرا غير معقول البتة، لأن مدينة بحجم جرادة التي لا توجد فيها حياة لا تحتاج إلى هذا العدد الكبير من قوات الأمن أكثر من حاجتها إلى مشاريع تكفي الناس معاناة العمل في آبار الفحم العشوائية التي تهدد حياتهم.
ويعلق أحد النشطاء الذين التقتهم “بيان اليوم”، أن تدخل القوات الأمنية يوم الأربعاء الماضي، كان قاسيا وقويا في حق ساكنة المدينة، مضيفا أن “المسؤولين يعرفون حق المعرفة الجهات التي تقول إنها تؤجج الأوضاع، لذلك كان عليها أن تتوجه إليهم بشكل مباشر دون أن يقع ضحايا في صفوف الساكنة ولا في صفوف قوات الأمن”.
المواجهات التي وقعت يوم الأربعاء الماضي، وإن كانت الاتهامات متبادلة بين الأطراف حول من بدأها، يعلق عليها نشطاء آخرون أن قرار التدخل كان قرارا في غير محله، لأنه زاد من تأجيج الأوضاع.
خلال الجولة التي قامت بها “بيان اليوم” في مختلف أزقة المدينة، تبدو جرادة مدينة أشباح، تمتد على طولها كثبان من مخلفات الأتربة الناجمة عن آبار الفحم. ملامح الناس تبدو هادئة لا يشوشها إلا ما سيأتي به الغد، وبالرغم من التجاعيد التي تعلو أغلب الوجوه غير أن الابتسامة لا تفارقها. الناس هنا يتعاونون فيما بينهم، وعجلة الزمن متوقفة، لا مشاريع ولا مصانع ولا شيء يمكن أن يشكل مصدر دخل للساكنة، غير ما يجنونه من العمل العشوائي في آبار الموت.
يحكي بعض النشطاء الذين التقت بهم “بيان اليوم” أن “حراك جرادة” فعلا بدأ يأخذ أبعادا سياسية بعد أن كانت له مطالب اقتصادية واجتماعية هدفها إخراج المدينة من نفق الموت الذي دخلت إليه منذ مدة. ويعود النشطاء ليؤكدوا أنه بالرغم من ظهور بعض التيارات السياسية التي تسعى إلى توجيه الحراك، فالساكنة لا ذنب لها ولا تطالب سوى بحق مشروع، تنمية المدينة وتوفير بديل اقتصادي.
كانت الاحتجاجات التي بدأت قبل ثلاثة أشهر، تطالب بمطلب وحيد هو حل مشكل غلاء فواتير الكهرباء والماء، قبل أن تقع مناوشات بين مسؤولين في المكتب الوطني للكهرباء وبين المحتجين حينها، ويتم توقيف ثلاثة أشخاص على خلفية ذلك. وزاد من حدة الاحتجاجات تزامن ذلك مع فاجعة وفاة شخصين، ليبدأ مسلسل الاحتجاج السلمي إلى حدود يوم الأربعاء الماضي، الذي شهد مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين.
قبل أحداث الأربعاء الماضي، كانت وزارة الداخلية قد أصدرت بلاغا تعلن فيه عن منع أي شكل احتجاجي مؤكدة أنها ستعمل على ضمان الحفاظ على النظام العام. غير أن ذلك زاد من حدة التوتر، ودفع ببعض العمال إلى الاعتصام قرب آبار الفحم مدعومين بجزء كبير من ساكنة المدينة.
ما الذي جعل الحراك السلمي يتحول اليوم إلى مواجهات بين قوات الأمن والمحتجين، بالرغم من أنه استمر لأكثر من ثلاثة أشهر بشكل سلمي؟ يجيب بعض النشطاء، أن هناك محاولات من بعض الجهات تحاول تسييس الحراك زيادة على صراع داخلي بين بعض قيادات الحراك وصلت حد تخوين بعض القيادات الأخرى.
وبالرغم من جولات الحوار التي تمت بين مسؤولي الدولة وبين لجنة الحوار، إلا أن حملة التخوين الداخلي استمرت، وأدت إلى تقسيم وحدة قيادات الحراك، وبدأت التصنيفات. التطورات الداخلية بين قيادات الحراك، فطنت إليها السلطات بالمدينة وتتبعتها، ربما أحست بكون جهات بدأت توجه مسار الأحداث، لذلك حسمت في أمر التدخل، وأصدرت وزارة الداخلية بلاغ منع أي احتجاج، غير أنه في النهاية أجمع الكل على أن التدخل، بغض النظر عن حيثياته، كان عنيفا.
نشطاء الحراك إلى جانب الساكنة، يطالبون بمحاسبة أباطرة الفحم، الذين اغتنوا بشكل غير مشروع، وإطلاق سراح المعتقلين وفتح باب الحوار من جديد.
لا ينكر النشطاء الذين التقت بهم “بيان اليوم” أن الدولة فعلا، بدأت في تنزيل بعض من الوعود التي وعدت بها، وإن كانت لا تكفي، لكن التطورات الأخيرة أعادت مسار الحوار إلى الصفر، ويؤكد النشطاء أن على الدولة أن تبين عن حسن نيتها وتبدأ بإطلاق سراح المعتقلين والعودة إلى الحوار، بعد أن بدا أفق المدينة والحراك يتجه إلى المجهول، ويؤكدون أن الساكنة بالمدينة ليس لديها ما تخسره.

< مبعوث بيان اليوم إلى جرادة: حسن أنفلوس

Related posts

Top