تشييع جثمان الراحل مصطفى اليزناسني في موكب جنائزي مهيب بالرباط

في موكب جنائزي مهيب، وري أول أمس الاثنين بمقبرة الشهداء، جثمان المناضل الحقوقي والسياسي والإعلامي مصطفى اليزناسني الذي اختطفته يد المنون مساء يوم الأحد الماضي بإحدى مصحات العاصمة الرباط.
وقد شيع الفقيد اليزناسني إلى مثواه الأخير، ثلة من زملائه ورفاقه، يمثلون الطيف الإعلامي والحقوقي والسياسي، يتقدمهم إلى جانب أفراد أسرته، وفد عن حزب التقدم والاشتراكية، ومسؤولين بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وقيادة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وقيادة النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالإضافة إلى مناضلين حقوقيين وإعلاميين وسياسيين.
وكانت علامات التأثر بادية على كل من حضر هذه الجنازة المهيبة، وبدا الحزن على محيا الجميع. فالكل كان، بالتأكيد، يحمل ذكرى جميلة للراحل الذي كان قيد حياته ملك للآخرين، يبهر كل من يجالسه، بتواضعه، وأدبه ولطفه، ينصت كثيرا، وإذا تحدث اختصر، لا يحب الحديث عن نفسه حتى إن سلطت عليه الأضواء. ظل إلى آخر يوم في حياته يعمل في صمت، ولا يبخل بجهده، تجده في جميع الأنشطة ذات البعد الحقوقي والإنساني.
فقد ولد الراحل مصطفى اليزناسني في مدينة تطوان يوم 29 نونبر 1939، وانخرط في العمل السياسي في منتصف خمسينيات القرن الماضي بمدينة تطوان كمناضل وقيادي شاب في الحزب الشيوعي المغربي، ثم بمدينتي الرباط والدار البيضاء، حيث كان ملتزما بالعمل الحزبي، ضمن إحدى الخلايا التنظيمية، كمناضل وكعضو لجنة الناحية، وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وكان حينها، ينشط بالمدينة القديمة ، خاصة بعد عودته من بلغاريا، حيث كان يدرس في جامعة صوفيا التي حصل منها على دبلوم في العلوم الاجتماعية.
كما أنه يعتبر واحدا من مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وكان عضوا بمكتبها الوطني، وكان كذلك عضوا باللجنة المغربية الإسبانية المشتركة”ابن رشد”، وعضو سابق بهيئة الإنصاف والمصالحة. وبالنظر إلى هذا الزخم النضالي والحقوقي فقد كان يعد من بين الأطر العليا التي اشتغلت داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
ويعتبر الفقيد من أقطاب وقيدومي الصحافة الوطنية، حيث شغل منصب رئيس تحرير صحيفة “الكفاح الوطني” التي كان يصدرها الحزب الشيوعي المغربي في الفترة الممتدة من 1965 إلى1967، حيث عمل إلى جانب الرفيق محي الدين، بالإضافة إلى مجموعة من الرفاق القياديين الذين كانوا ملتزمين بالكتابة في الجريدة بشكل مستمر كالرفيق عبد السلام بورقية، والرفيق عبد الله العياشي، و الرفيق شعيب الريفي والرفيق عبد المجيد الدويب والرفيق شمعون ليفي، وآخرين.
كما عمل الراحل محرراً بجريدة “العلم”، قبل أن ينتقل إلى وكالة المغرب العربي للأنباء كسكرتير تحرير ما بين سنتي 1970 و1971، ثم شغل، في فترة لاحقة، منصب مدير صحيفتي “الميثاق الوطني” و”المغرب”، وترأس تحرير صحيفة maghreb information التي كانت تصدرها نقابة الاتحاد المغربي للشغل في بداية سبعينات القرن الماضي، حيث تعرض بسببها للاعتقال وأحيانا كان يتعرض إلى المضايقات بل وللضرب في الشارع من طرف البوليس السري. وكان عضوا في المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية.
الراحل مصطفى اليزناسني، كان قيد حياته يتقن العديد من اللغات: العربية والفرنسية والبلغارية والإسبانية والروسية والحسانية، والعبرية، ومر أيضا من تجربة العمل الدبلوماسي، حيث شغل منصب ملحق ثقافي ثم قائم بأعمال السفارة المغربية في نواكشوط بموريتانيا سنة 1975.
أذكر أن الراحل مصطفى اليزناسني، قال لي في إحدى الحلقات الحوارية التي نشرت في جريدة بيان اليوم، عن رفيقة دربه الفقيدة زهور السباعي، التي توفيت يوم 11 ماي 2017، في حادث مباغت، (قال) “موحش هذا العالم في غيابك … يا سيدة المعنى”، وشاءت الأقدار أن يرقد بجوار قبرها مباشرة، وكأنه يعانقها العناق الأبدي وفاء للرابط المقدس الذي جمعهما في الحياة وحتى في الممات.
السلام والرحمة لروحه الطاهرة
وجميل الصبر وحسن العزاء لأبنائه وذويه وأصدقائه.

***

قالوا:

   * بوبكر لاركو:  فقدنا إنسانا جد مؤمن بحقوق الإنسان

مصطفى اليزناسني فقيد المنظمة الذي ننعي وفاته، لأنه أولا مؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، وأيضا تحمل المسؤولية في المكتب الوطني للمنظمة في التسعينيات وكان من بناة هذه المنظمة وممن ساهموا كثيرا في خطها وخط الاقتراح وخط إعطاء الآراء وتتبع الملفات ومتابعة ملفات الاختفاء القسري. أيضا اشتغلت مع سي مصطفى في هيئة الإنصاف والمصالحة وأيضا في جبر الضرر الجماعي، الشيء الذي يجعلني أخبره وأعرفه جيدا، فهو إنسان جد مؤمن بحقوق الإنسان، يحب بلده، ويحب أن يكون بلده ديمقراطيا وحداثيا ومؤمن بمبادئ وقيم حقوق الإنسان، فلهذا فقدنا شخصية من أعمدة حقوق الإنسان بالمغرب.

*رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان

   * منير بنصالح: كان له الكثير من الأفضال على تقدم المغرب في المجال الحقوقي

أقدم التعازي الحارة لعائلة الفقيد الصغيرة وعائلته الكبيرة، الفقيد مصطفى اليزناسني كان من مؤسسي الحركة الحقوقية بالمغرب، وأيضا من الأطر العليا للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة وكان له الكثير من الأفضال في تقدم المغرب في المجال الحقوقي.. نحن اليوم أمام مصاب جلل، وأتقدم مرة أخرى بتعازي الحارة لعائلته الصغيرة والكبيرة.
* منير بنصالح الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان

   * محمد النشناش:  كان إنسانا فعالا ويرفض النجومية

مصطفى اليزناسني هو من الرجال العظام المتواضعين، ولم يكن في الحقيقة يبحث عن الشهرة أبدا، فقد كان دبلوماسيا، وصحافيا كبيرا، مديرا لجريدة وطنية، وكان من بين المؤسسين للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان واشتغل في هيئة الإنصاف والمصالحة، واشتغلنا مع بعض في هذه الهيئة وجمعنا مكتب واحد، وأشهد أنه كان إنسانا فعالا ويرفض نوعا من النجومية، ومن الغرائب أنه كان القليل من المغاربة الذين يعرفون اللغة العبرية كما كان يعرفها هو، إذ كان يعرفها ويتقنها زيادة على أربع لغات عالمية، فرحمه الله ، وسيظل نبراسا لنا كأصدقاء له.
*حقوقي والرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان

   * لطيفة الجبابدي: كان متشبعا بقيم ومبادئ حقوق الإنسان إلى حد الاستماتة

سي مصطفى اليزناسني مناضل حقوقي كان دائما حاضرا في الساحة منذ تأسيسنا للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ثم اشتغلنا فيما بعد في المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وفي هيئة الإنصاف والمصالحة، وكان مرجعا بالنسبة لنا في حقوق الإنسان، بحيث كان متشبعا بقيم ومبادئ حقوق الإنسان إلى حد الاستماتة والتفاني ونكران الذات في الدفاع عن هذه القضايا.. وبالإضافة إلى ذلك، كنا نلمس فيه بعدا إنسانيا استثنائيا، من الطيبة ونبل الأخلاق، التواضع.. كان إنسان خلوقا ونبيلا سنفتقده على الواجهة الحقوقية وأيضا كصديق وسنظل نفخر به وبما يجسده من قيم ومبادئ.
*مناضلة حقوقية

  * محسن لمريني: اليزناسني مثال الاستقامة والتواضع

كان المرحوم مصطفي اليزناسني مثال الاستقامة والتواضع. تعرفت على الراحل في قسم البكالوريا بثانوية مولاي يوسف بالرباط عام 1960 واجتزنا البكالوريا معا وحصلنا عليها. وفي هذا العام نظمت مباراة في الإنشاد على مستوى دول المغرب العربي وفرنسا والاقطار التي عانت من الاستعمار الفرنسي، حصل المرحوم مصطفى على الصف الأول واستقبل بالاليزي بباريس مع الطلبة الناجحين في المواد العلمية الأخرى من قبل الجنرال دوغول لتلقي جائزة تفوقه. وقد استقبلناه بحفاوة بعد عودته من باريس وهنأه أساتذة الفرنسية والفلسفة انذاك خصوصا وانه كان يتصدر ترتيب الطلبة في الإنشاد. وأستاذ مادة الفرنسية والفلسفة كان حينها هو السيد Revel الذي كان مدرسا لولي العهد مولاي الحسن والأمير مولاي عبد الله. وكانت تربطني صداقة مع الراحل تعززت وتوطدت حين اشتغلت كمتعاون في جريدتي “الميثاق الوطني” و ” المغرب ” في المجال الإخباري والرياضي في الثمانينات، لما كنت مستشارا بديوان وزير المالية آنذاك عبد الكامل الرغاي من التجمع الوطني للأحرار مكلفا بالإعلام والعلاقة مع البرلمان. وتجدر الإشارة إلى الأخلاق النبيلة لهذا الرجل وشهامته واستقامته. فكان مثالا قل نظيره اليوم في الخلق والتواضع..
*إعلامي

  *حسن فيلالي خطابي: رحيل رجل من كبار مناضلي ومؤسسي الحزب الشيوعي المغربي

التحق بالرفيق الأعلى بالرباط قيدوم حزب التقدم والاشتراكية المناضل مصطفى اليزناسني. وهو من المناضلين الأوائل للحزب بداية من سنوات الخمسينيات من القرن الماضي. جايل كبار مناضلي ومؤسسي الحزب مثل الراحل علي يعته، عبد السلام بورقية، عبد الله العياشي، عزيز بلال، عبد المجيد الدوييب وآخرين، كما كان للفقيد الفضل في المشاركة في تأسيس الحزب في شمال المغرب ومدينة تطوان رفقة المناضلين الراحل عبد الله العياشي وعبد القادر المريباح أطال الله في عمره. كان أيضا صحافيا متمكنا ورئيس تحرير جريدة “الكفاح الوطني” . شغل عدة مناصب حزبية وحقوقية، وكان حتى آخر أيامه عضواً ومناضلا في المجلس الوطني لحقوق الإنسان. وامتاز بدماثة أخلاقه وتواضعه وحبه الشديد للمستضعفين.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون
*إعلامي من تطوان

***

المجلس الوطني لحقوق الإنسان: نعي الصديق العزيز مصطفى اليزناسني

تلقينا، في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نبأ وفاة صديقنا العزيز مصطفى اليزناسني.
لقد نزل علينا النبأ الصادم كالصاعقة، خصوصا وأن الصديق العزيز كان مثالا للمثابرة والتفاني في الدفاع عن حقوق الإنسان. فقد ترك آثاره الحميدة في مسيرة المجتمع المدني من خلال المهام التي تحملها في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان.
كما ساهم بنفس الحيوية والإصرار في إكمال أشغال هيئة الإنصاف والمصالحة. ورغم حالته الصحية، أبى الفقيد إلا أن يستمر في عطاءاته النبيلة في المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وإذ ننعي الفقيد، لجميع أفراد عائلته وأصدقائه ومعارفه، نؤكد للجميع فداحة خسارته، كإنسان وكمناضل، ونتمنى للجميع الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا إليه راجعون

أمينة بوعياش: رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان

***

النقابة الوطنية للصحافة المغربية  : وداعا زميلنا مصطفى اليزناسني

بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تلقينا نبأ وفاة الناشط الحقوقي والمناضل السياسي والإعلامي المتميز والخلوق الزميل مصطفى اليزناسني الذي شيع جثمانه أمس بالرباط.
لقد انخرط الراحل باكرا في العمل السياسي كمناضل في الحزب الشيوعي المغربي ثم في حزب التحرر والاشتراكية. وكان الفقيد من مؤسسي المنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعضوا بمكتبها الوطني، وعضوا باللجنة المغربية الإسبانية المشتركة “ابن رشد”، وعضو سابق بهيئة الإنصاف والمصالحة.
ويعتبر الراحل من جيل رواد الصحافة الوطنية، حيث شغل منصب رئيس تحرير صحيفة “الكفاح الوطني” في الفترة الممتدة من 1965 إلى1967، ثم محرراً بجريدة “العلم”، قبل أن ينتقل إلى وكالة المغرب العربي للأنباء كسكرتير تحرير ما بين سنتي 1970 و1971، ثم شغل في الثمانينيات منصب مدير صحيفتي “الميثاق الوطني” و”المغرب”، وكان عضوا في المكتب الوطني للنقابة الوطنية للصحافة المغربية. وتولى الفقيد مهام ومسؤليات أخرى وبقي الى آخر أيّام حياته مواظبًا على عمله كإطار في إدارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
بهذه المناسبة الحزينة، تتقدم النقابة الوطنية للصحافة المغربية بأحر التعازي والمواساة لأسرة الفقيد متمنية لها الصبر والسلوان وللراحل الرحمة والرضوان.

إنا لله وإنا إليه راجعون

***

الرفيق اليزناسني هو الذي أدخلني للحزب الشيوعي المغربي

بقلم: عبد القادر المريباح
يعود أول لقاء وتعارف مباشر لي بالفقيد مصطفى اليزناسني إلى سنة 1985 عندما زار بيتي رجلان بتطوان. كان أحدهما الرفيق الراحل عبد الله العياشي والآخر المناضل مصطفى اليزناسني الذي كنت أعرفه من قبل كصديق بالاتحاد المغربي للشغل. اجتمعنا ثلاثتنا في البيت وحدثنا الرفيق عبد الله بكلام جميل وجديد ألهمني به. كلام عن إصلاح هذه البلاد وعن حقوق المواطن وحقوق العمال وعن وضعية الفلاح والطالب … الخ كنت شابا خرجت للتّو من عقدي الثاني عندما سمعت هذا الكلام الجديد وسرعان ما تناغمت مع هذا الخطاب الذي لم أكن أسمع به من قبل.
بعد بضعة اجتماعات متتالية، تم تأسيس فرع للحزب الشيوعي المغربي بتطوان بتأطير من الرفيقين اليزناسني وعبد الله العياشي. قامت الخلية المشكلة سابقا باتصالات مع خيرة الأصدقاء اللذين أعرفهم وكان تأسيس فرع الحزب الشيوعي المغربي بتطوان في بيتي في درب العلمي المطيلي بحي الباريو مالكا، وتحت الإشراف الرسمي للرفيقين المذكورين في تاريخ ما سنة 1985. كانت المسؤولية جسيمة بالنسبة لي حيث لم أخبر العمل الحزبي والسياسي إلا لبضعة أشهر فقط. أصبح وقتئذ هذا الحي أول معقل للحزب في المدينة غداة ولادته.
لم نفرح كثيرا بالعمل الحزبي العلني، حيث سرعان ما وقع الحظر الجائر للحزب من طرف حكومة عبد الله ابراهيم في خريف 1959 بضغوط أمريكية. دخل الحزب مرحلة عسيرة من العمل السري الصعب، ولم يتخل فيها الرفيقان اليزناسني والعياشي عن الحزب بالمنطقة. كانا يتميزان بالتنظيم المحكم لتواصليهما معنا، حيث ظلا يزوراننا بانتظام سواء مع بعضهما البعض أو الرفيق اليزناسني لوحده، حيث تسهلك مسؤولية تأطير الحزب بالشمال وتطوان خصوصا كان يلقي على مسامعنا دروسها حزبية في مختلف المجالات السياسية والإيدلوجية وتعريف الرفاق ببرنامج الحزب الذي كان وقتئذ يتمحور حول المطالبة بتأميم الأبناك والشركات الكبرى وتوزيع الأرض على صغار الفلاحين وعلى من لا أرض له من الفلاحين وعلى النهوض بالتعليم وضمان مجانيته، والمناداة بالتطبيب المجاني، أما في المجال النقابي فقد كان المرحوم اليزناسني يحثنا على الانخراط فهي الاتحاد المغربي للشغل، وللتذكير فقد كنت أرى المناضل اليزناسني في مقر الاتحاد المغربي للشغل قبل أن أتعرف عليه كرفيق. كنا نتلقى أيضا دروسا على يد الرفيق في الصراع الطبقي وفي ماهية الاشتراكية العلمية ومنهجية توعية وتأطير المناضلين والمواطنين، مركزا في ذلك على كل شرائح المجتمع وفي مقدمتها الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والطلبة والمثقفين المتنورين. بعد الدرس كان يفتح باب المناقشة أمام الرفاق الحاضرين لإبداء استفساراتهم و إضافاتهم. وكان الرفيق على درجة عالية من التكوين السياسي والأيديولوجي والقدرة على التبليغ والإقناع. وبعد الاجتماعات يتكلف كل واحد من الحاضرين بتبليغ مضامين الاجتماع إلى المقربين إليه أخذا في عين الاعتبار ظروف السرية.
زار الفقيد اليزناسني، خلال عدد كبير من اجتماعات، بيوت عدد من المناضلين في ظروف سرية صعبة مثل بيتي بحي الباريو ملكا من جهة وبيتي بسمسة (طابولة) فيما بهد، بيت الرفيق المرحوم قشقاش بحي جامع مزواق (وقد انتقل هذا الرفيق مناضلا فيما بعد إلى مكناس).
كانت مادتنا السياسية والتكوينية هي جريدة “حياة الشعب” التي كنا نتركها لبعضنا البعض ونحرص على عدم تضييعها ونحرص على وضعها في مكان آمن للحيلولة دون ضبطها في ظروف السرية التي كنها نعيشها. كما كنا نتواصل بجريدة “الكفاح الوطني” التي كان المرحوم اليزناسني رئيس تحريرها، وهي الجريدة التي تطورت من صيغتها الأسبوعية إلى جريدة يومية تحت إشراف الفقيد.
استطاع الحزب في مدة وجيزة أن يستقطب عددا كبيرا من المناضلين من مختلف الفئات الاجتماعية حتى بدأ يقض مضجع المسؤولين ويشكل هاجسا للنظام الذي ضاعف من إجراءاته المراقباتية والبوليسية اتجاه الحزب وأطره.
وبدأ الحزب في ناحية تطوان يسير نفسه بنفسه.
شارك الرفيق اليزناسني “رفقة المرحوم عبد الله العياشي” في ترتيب أول زيارة تاريخية “حزبية” للأمين العام للحزب آنذاك الرفيق المرحوم علي يعته إلى مدينة تطوان سنة 1962. تم الاستعداد للزيارة في ظروف صعبة وفي سرية تامة، وكان موضوعها يتعلق بشرح لمناضلي الحزب موقفنا من أول دستور بالبلاد سنة 1962. كان حي الباريو ملكا يعب بالشرطة وعناصر الجيش ترقبا لوصول الأمين. وقد تمكنا من تأمين وإنجاح الاجتماع في ظروف سرية تامة والتمويه بأماكن مفترضة للقاء الأمين العام.
وغداة تحول الحزب الشيوعي المغربي إلى حزب التحرر والاشتراكية لم تتغير لا منهجية الحزب ولا مبادئه الإيديولوجية ولا برنامجه. واظبنا على مواصلة النضال فهي اتجاه الفئات التي ركز عليها الحزب وقتئذ (عمال، فالحون، مثقفون ثوريون). وسرعان ما وقع الحزب في المحظور ثانية واستمررنا كما كنا في السابق وقد اكتسبنا خبرة هامة في العمل السياسي السري.
أما في جانبه الأخلاقي فكان الراحل اليزناسني على درجة كبيرة من الأخلاق الحميدة والطيبوبة، متواضعا ومضيافا، جمعنا النضال في بيتي كما في بيت وبيوت الرفاق الآخرين.
كانت هذه شذرات من جوانب ذكريات نضالية مع رفيق الدرب المرحوم الرفيق مصطفى اليزناسني. الرجل الذي قدم الكثير لهذا الوطن ولهذا الحزب. كان مكونا، مخلصا شجاعا ومستعدا للتضحية بنفسه من أجل الوطن ومن أجل الحزب الشيوعي المغربي ووريثيه حزب التحرر والاشتراكية وحزب التقدم والاشتراكية. وقد انتقل الراحل إلى مدينة الرباط تاركا بصمة كبيرة لنضال في تطوان. وقد مرت، للأسف، مدة طويلة جدا لا أعرف أين يوجد الرفيق اليزناسني، وما هو المسار الذي اختاره (أو اختير له) قبل أن تشاء الأقدار أن ألتقي به مجددا في مقر المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالرباط قبل حوالي بضعة أشهر فقط، حيث عادت بنا الذاكرة إلى سنوات النضال في الخمسينات. كان رجلا رائعا ولقاء رائعا، وكم كنت شديد الظمإ للقائه بعد سنوات طوال، ولكن يبدو أنه كان – ودون أن ندري – لقاء الوداع.
ما أحوجنا لرفاق وأطر من طينة هذا المناضل الفذ المتشبع بالوطنية والعفة ونبل المقاصد وما على حزبنا بعسير تكوين أنداد للرجل.
رحم الله الفقيد مصطفى اليزناسني وألهم ذوي ورفاقه جميل الصبر وحسن العزاء.

كاتب أول سابق لناحية تطوان لحزب التقدم والاشتراكية، عضو سابق باللجنة المركزية للحزب

***********************************************************

 محمد حجيوي

Related posts

Top