تعديل مدونة الأسرة يفرض نفسه بعد 18 سنة من التطبيق والتقييم

يحل اليوم العالمي للمرأة ليمنحنا فرصة متجددة للاحتفاء والتأمل والتطلع إلى غد أفضل فيما يتعلق بتحقيق الكرامة والعدالة والتمكين لجميع فئات المجتمع، بما فيها النساء، فلم يعد هناك مجال للخلاف حول حقيقة أن تمكين النساء من حقوقهن المشروعة لا يمكن إلا أن تكون له انعكاساته الإيجابية على باقي الفئات.
ويواصل المغرب، في جميع مستويات القرار والفعل، جهوده من أجل المضي في تكريس خيار إنصاف المرأة باعتبارها نصف المجتمع، وهو الخيار الذي رسمته بلادنا منذ عقود وتعزز التوافق عليه من قبل جميع مكونات مجتمعنا ضمن دستور 2011، حيث تستمر منذ ذلك الحين عملية البلورة الميدانية للإرادة الراسخة التي يعبر عنها الدستور في تكريس دولة الحق والقانون لجميع المواطنات والمواطنين المغاربة.
وجاءت مبادرة النموذج التنموي الجديد لاحقا، لتعطي نفسا جديدا لهذا العمل، من خلال توجيهها إلى ضرورة إرساء جيل جديد من الإصلاحات، يعزز المكتسبات ويصحح الاختلالات في سياق “تقليص الفوارق الاجتماعية والتفاوتات المجالية وتحقيق العدالة الاجتماعية”، وكذا في مجال تحقيق المساواة بين الجنسين.


وضمن هذه الدينامية المتواصلة، تندرج سيرورة النقاشات المجتمعية حول قضايا النساء، لتدور حاليا في فلك مجموعة من المحاور الأساسية التي تشغل الفعاليات الناشطة في مجال التفكير الاستراتيجي في العملية التنموية، بارتباط مع إقرار وإعمال الحقوق الإنسانية للنساء.
وعلى رأس القضايا التي شغلت الرأي العام خلال الفترة الأخيرة، نجد مسألة تعديل مدونة الأسرة بعد 18 سنة من التطبيق، حيث تمنح هذه المدة مسافة كافية للمشرع من أجل تشخيص مآلات النصوص وثغراتها، وللنظر أيضا في بعض الإشكالات من قبيل زواج القاصرات والولاية على الأبناء، ومسألة المساواة في الإرث واقتسام الممتلكات، ومساطر الطلاق..إلخ. ويطمح سائر المتدخلين لأن يفضي تلاقح الآراء والأفكار على هذا المستوى إلى مخارج تتلاءم مع النضج والوعي الذي وصل إليه التفكير المغربي في مثل هذه الإشكالات، حيث أبان غير ما مرة عن ريادته وتميزه.
وعلى المستوى القانوني دائما، تنشغل الحركة النسائية والحقوقية أيضا بتعديل القانون الجنائي وتدارك ثغرات قانون محاربة العنف ضد النساء، هذا القانون الذي مازال لم يفلح في الحد من أشكال متنوعة من العنف ما فتئت تتفاقم بحق النساء اللواتي ما زلن يسقطن يوميا ضحايا لجرائم بشعة من قتل واغتصاب واعتداءات وصلت إلى استعمال أحدث الوسائل التكنولوجية والنصب والابتزاز الإلكتروني.
ومازالت النساء يعانين بشدة أيضا من نوع آخر من العنف يتميز بقسوته وآثاره السلبية الواضحة وهو العنف الاقتصادي، إذ على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين التمكين الاقتصادي للمرأة ومساعي هاته الأخيرة نفسها من أجل تطوير مساهمتها في النشاط الاقتصادي، إلا أن العديد من الشروط الموضوعية مازالت تكرس الهشاشة الاقتصادية في صفوف النساء مستفيدة، خلال الفترة الحالية، من تداعيات الأزمة الصحية والاقتصادية التي عرفها العالم في ظل جائحة كوفيد 19، حيث شهدت بلادنا ارتفاعا في نسبة بطالة النساء خلال سنة 2022، وهو الأمر الذي ينعكس سلبا بالتأكيد على نسب النمو الاقتصادي بصفة عامة. ولا ننسى الإشارة هنا كذلك إلى إشكال التمييز الذي تعاني منه المرأة نتيجة عدم المساواة في الأجور وفي الترقية المهنية وتقلد مهام التسيير ومناصب الريادة في العمل.


وإذا كانت بلادنا تعرف حاليا دينامية غير مسبوقة في إطار ورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، فإن جانبا من النقاش ينصرف أيضا إلى أهمية أن يتم الأخذ بعين الاعتبار لاحتياجات النساء في هذا المجال.
ومن المؤكد أن موضوع التمثيلية النسائية وحضور النساء في مواقع ومناصب المسؤولية يعتبر هاجسا دائما للمهتمين بالقضية النسائية بغض النظر عن سياقات الاستحقاقات الانتخابية. كما أن النقاش المتداول حول قانون المالية خلال الأشهر الماضية كان فرصة أيضا لعودة الحديث حول احترام مقاربة النوع في السياسات والميزانيات العمومية واستراتيجيات التمويل.
ولا شك أن الحلول المبتكرة لجميع هذه الإشكالات، يفترض أن تستند بالطبع إلى مبدإ المناصفة والمساواة وتكافؤ الفرص، كمظلة أساسية تندرج في سياقها جميع الخطوات الرامية إلى تكريس حق النساء في العيش الكريم والمواطنة الحقة. وفي هذا الإطار، ينعقد الأمل على الإفراج قريبا على هيئة المناصفة والمساواة كهيئة دستورية يعول عليها كثيرا من أجل تعزيز المكتسبات وتحقيق الطموحات.

سميرة الشناوي

Related posts

Top