تعليق أم “تحياح” ؟

يلاحظ في السنوات الأخيرة إقدام بعض القنوات العالمية العربية صاحبة الحقوق الحصرية والتأثير والانتشار الواسعين، على سن ب”دعة” تتجلى في تخصيص معلق محلي للتعليق على مباريات دولية، خاصة عندما يتعلق الأمر بمباريات عربية/عربية، وسواء في تصفيات المونديال أو منافسات الكؤوس القارية أو العربية، يتم تخصيص معلقين ينتميان للبلدين طرفي المباراة الحاسمة.
يتحول الأمر إلى ما يشبه مواجهة بين المعلقين الزميلين في المهنة وفي نفس القناة، الشيء الذي تنتفي معه قواعد الممارسة المهنية، وتقل فيه شروط الموضوعية في التعليق وعدم تقديم هذه الخدمة المؤدى عنها للمشاهد وفق احترام تام للحياد.
فبدعة اعتماد معلق محلي المباريات ذات طابع إقليمي تحولت إلى قاعدة أساسية في أغلب المواجهات، خاصة تلك المثيرة منها، تحول المعلق المسكين إلى وسيلة لخدمة أجندة خاصة بدعوى احترام “الخط التحريري”، حيث نجده يتفنن في ضرب كل قواعد المهنية، ويتحول عن قصد أو بطريقة عفوية إلى “بوق” يشكر ويمدح ويثني على فريقه المفضل، والأكثر من ذلك يسعى بكل ما أوتي من قوة وجهد وصياح إلى التقليل من قيمة المنافس، يهاجم الحكم وأحيانا بدون وجه حق، لنجد أنفسنا مجبرين على سماع تعليق موجهة لخدمة جهة معينة، ونحن الذين أدينا من مالنا الخاص مقابلا من أجل هذه الخدمة التي انتظرناها، صحفية فوجدنا أنفسنا أمام حالة غارقة في الشوفينية.
فبمبرر الوطنية يتحول التعليق إلى حرب كلامية، لا يتردد معها المعلق إلى تحويل الأستوديو إلى غرفة عمليات ومنصة لتوجيه صواريخ عابرة للحدود، إلى درجة يتخيل معها المتلقي الخصم عدوا يجب النيل منه لتسهيل فوز فريقه المفضل.
والغريب أن بعض معلقينا المغاربة سواء كانوا شبابا أو كهلة انساقوا وراء الموجة وراحوا يتسابقون في التقليد وتمرير خطابات شوفينية، والأكثر من ذلك التمادي في إظهار الولاء، والتفنن في إنجاز فيديوهات أثناء التعليق وتمريرها بعد ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف كسب المزيد من الشعبية الزائفة.
إن ما يقدم من تعليق على بعض المباريات، لا علاقة له بمهنة الصحافة، بل مجرد “تبراح” غارق في الابتذال إلى درجة الميوعة، قد يكون هناك مبرر لضرورة احترام الخط التحريري اللعين الذي يكسر الشروط المهنية، إلا أن الصحفي أو المعلق غير مجبر على التحول إلى بوق حقيقي يصدر عنه كل شيء، بدون أدنى تردد أو ترفع أو احترام لذكاء المتلقي.
فالصحافة مهنة، والصياح والمديح مهن أخرى مغايرة، وما على المعلق سوى أن يختار التخصص الذي يريده، أما المزاوجة بين الأمرين، فيحول صاحبه إلى بوق يصم الآذان وينزل الذوق ويقلل من قيمة الشخصية، والله يهدي ما خلق …

محمد الروحلي
الوسوم , , ,

Related posts

Top