تعليق صلاة التراويح..النقاش ليس فقهيا فقط

يتابع الناس هذه الأيام إقدام جماعات على تنظيم احتجاجات ووقفات ببعض المدن للتعبير عن رفض القرار الحكومي القاضي بتعليق صلاة التراويح بالمساجد، والواضح أن أطفال ومراهقين يجري إشراكهم في هذه الاحتجاجات، التي تقام هي نفسها بعد الإفطار، أي في فترة حضر التجوال الليلي، كما أن الترافع يتم حصريا بمبررات عاطفية عامة.
لا شك أن لكل واحد الحق في التعبير عن حنينه أو تمسكه بطقس من الطقوس الدينية كما اعتاد على ممارستها، ولكن الذي لا حق لأحد فيه هو إغفال واقع البلاد والعباد، والمعاناة القائمة بسبب تفشي الوباء ومخاطره وتداعياته، أي جعل فعل الاحتجاج بلا سياق أو ارتكاز في الواقع، ومن ثم فرض العمى على الجموع، وجعل النقاش برمته فقهيا فقط، ولا يراعي المصلحة العامة للشعب.
لا نريد هنا مجاراة بعض المتشددين والانخراط معهم في سجالات فقهية أو تفسيرية لا تنزاح لديهم عن قناعات مترسخة ولا يقبلون أي حوار بخصوصها، ولكن نشير إلى أن النقاش ليس فقهيا فحسب، ولكنه نقاش يشمل أوضاع بلادنا وشعبنا، ومستقبلنا كلنا، وواجب حفظ صحة الناس وسلامتهم.
إن قرار تعليق صلاة التراويح بالمساجد، هو أولا قرار أقدمت عليه العديد من الدول العربية والمسلمة وليس المغرب وحده، وبعض هذه البلدان قام بحظر صلوات المغرب والعشاء إضافة إلى التراويح في المساجد، ودول منعت كذلك صلاة الجمعة بالمساجد، وأخرى رخصت للتراويح مع تقصير زمنها، وكل هذا من منطلق الحرص على الحفاظ على حياة الناس وأرواحهم، ومحاصرة انتشاء الوباء ما أمكن، وضمن استحضار أولوية حفظ النفس.
من جهة ثانية، منع صلاة التراويح بالمساجد لم يأت منفردا، ولكنه جاء ضمن حزمة تدابير تقييدية أخرى اتخذتها السلطات المغربية لاحتواء انتشار الفيروس، واستنادا لرأي اللجنة العلمية.
وبالرغم من تضرر قطاعات اقتصادية وخدماتية من قرار الإغلاق الليلي خلال شهر رمضان، وحرمان فئات من المواطنات والمواطنين من الخروج لتدبير قوتهم اليومي، لاحظنا جماعات متشددة لم تحرك أي ساكن للتضامن مع هذه الفئات الفقيرة والمعوزة، ولكنها ركزت خطابها واحتجاجها و»تجييشها» على المطالبة بفتح المساجد لصلاة التراويح فقط، ما يطرح أكثر من علامة استفهام جراء ذلك.
من المؤكد أن السلطات كان يجب أن تفكر في مبادرات تواصلية وتفسيرية وتنويرية تواكب قراراتها، وقد شددنا على ذلك مرات عديدة من قبل، وكان يجب أن تستحضر كذلك أهمية الإعلام والتواصل وضرورة عدم ترك الساحة فارغة بشأن قرار تعليق صلاة التراويح بالمساجد، وأن تستثمر المناسبة لإشعاع خطاب ديني عقلاني بإمكانه سد الطريق على الدعوات العاطفية والمتطرفة، أو على مبادرات الركوب على القرار واستغلاله لغايات أخرى.
مع الأسف القرار بقي إداريا باردا، ولم يدرك أهمية هذا الطقس الديني وحضوره في المخيال الشعبي المغربي، ومن ثم لم نر أي حضور تواصلي وتوعوي من لدن المسؤولين أو القائمين على الشأن الديني.
بلادنا اليوم تواصل مواجهة تداعيات الوباء، وهذا يفرض الكثير من اليقظة، ويلزمنا كلنا بالعديد من الإجراءات الاحترازية بغاية حفظ صحة وسلامة شعبنا، وأيضا من أجل تفادي تدهور أكبر لواقعنا الاقتصادي ولمنظومتنا الصحية الوطنية، كما أن العالم كله يعيش ذات المعاناة، ويخوض حربا حقيقية من أجل هزم الجائحة.
التحدي أمامنا اليوم هو منع تفشي الفيروس، وإنجاح الإجراءات الاحتياطية التي أقرتها بلادنا، وبالتالي العمل لكي تتحقق المناعة لشعبنا، وأن تعود حياتنا إلى طبيعتها في مختلف المجالات في أقرب وقت.
هذا التحدي، وهذه الأهداف، وسعينا الجماعي للنجاح في تحقيقها هو أيضا يعتبر عبادة، وخدمة وطننا وحفظ صحة شعبنا بدورهما يعتبران واجبا علينا جميعنا.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top