تفشي ظاهرة العزوف عن القراءة.. حين تهيمن شاشات الهاتف على الكتاب

عيون تائهة في هواتفها النقالة، هكذا بات حال معظم الشباب في مجتمعنا اليوم، حتى أصبحت المحادثات المباشرة نادرة، إذا لم نقل إن الانقراض صار يطرق أبواب هذه الأخيرة، بعدما اتجه الكل إلى عالم رقمي قلب كل الموازين وحول العالم إلى قرية صغيرة، ليضرب عرض الحائط قراءة الكتب.
وباتت الكتب حبيسة الرفوف ولسان حالها يقول أين القراء؟، في وقت أصبح فيه القارئ سجينا لمواقع التواصل الاجتماعي، وحبيسا لنقرات الإعجابات.
الجريمة الأخطر من حرق الكتب هي عدم قراءتها. أصحاب المكتبة ينفضون الغبار على كتب طالها النسيان وقسمات وجههم تعبر عن واقع أليم أصبحوا يعيشونه.
وتعددت الآفات التي تعاني منها المجتمعات في وقتنا الحالي، وعلى وجه الخصوص المجتمعات العربية، ومن أبرز المشاكل التي تهدد مجتمعاتنا اليوم هي مشكلة قلة القراءة ونذرتها، الشيء الذي يجعل الكتاب يحتضر في زمننا الحالي، ويلفظ أنفاسه الأخيرة.
وتعزى أسباب العزوف عن القراءة إلى دور التكنولوجيا التي تسهم في تبليغ المعلومة للقارئ بطرق أسرع، ولأننا في زمن السرعة فالإنسان بحاجة ماسة لقراءة مؤلفات قصيرة، وكتب بطريقة أسرع، بحيث لم يعد الوقت الكافي لقراءة الكتاب بحجم 100 صفحة.
ويلاحظ وجود هجرة أغلب القراء من عالم الكتب الورقية إلى عالم الكتب الالكترونية أو المصورة (PDF)، بل إن قراءة البعض صارت تقتصر على ما له علاقة بالتخصص الذي سيضمن لصاحبه وظيفة في سوق الشغل.. فإذا قضى وطره، هاجر القراءة والكتاب، ومن ثم فهي من بين الأسباب التي جعلت العزوف عن القراءة يزداد يوميا.
وينتج العزوف عن القراءة في مجتمعاتنا الانحطاط والرداءة، إذ بالرغم من اقتناء البعض منا للكتب، فإنه لا يقرؤها، ويجعلها إكسسوارا لرفوف مكتبته، ومن ثم يتحول إلى مستهلك لمادة لا يقبل عليها.
وتتباين الأرقام والإحصائيات الرسمية من مراكز الأبحاث والمنظمات الدولية المعنية بهذا الموضوع، بحيث جميعها تتفق على تدني نسبة القراءة لدى طبقة الشباب، مؤكدة أن المواطن المغربي والعربي لا يقرأ سوى سويعات قليلة سنويا.
وفي هذا الصدد، تواصلت جريدة بيان اليوم مع شرائح مختلفة في المجتمع حول ظاهرة العزوف عن القراءة. وقالت بسمة 21 سنة “لم تعد القراءة بالنسبة لي متعة، لأنني أحس برتابة كبيرة وأنا أتصفح صفحات الكتاب، بالإضافة إلى أننا في زمن السرعة وأحبذ اللجوء إلى الكتب الرقمية الممتعة”.
من جهته، اعتبر محمود أن القراءة إدمان “وهي دواء للعقل، ولا خير في أمة لا تقرأ”، مشيرا للجريدة أن القراءة أصبحت بالنسبة له غريزة مثل الجوع تماما، ووجوده يتحدد بهذه العادة.
وصرح الحساني الإدريسي الأستاذ الجامعي في سلك القانون لبيان اليوم، “أن السبب الرئيسي في ظاهرة العزوف والابتعاد عن مجال القراءة راجع بالأساس إلى تراجع المنظومة التعليمية التي تلعب دورا ساميا في النهوض بالمجال التربوي”.
وأكد على دور الأسر المغربية الفعال في مراقبة وتوعية أبنائهم، من أجل تحفيزهم على أهمية الكتاب في حياتنا اليومية.
من جانبه، ندد محمد القاضي صاحب مكتبة في تصريح للجريدة بسهولة “الاستغناء عن الكتاب في عصر التكنولوجيا أو ما قبلها”، مرددا بأن “هذا الأمر لا يصدقه عاقل لاسيما بالنسبة للأشخاص المهتمين بالكتب والمدمنين عليه”.
وللتأكد من مدى وجود عزوف القراءة في وسط المجتمع المغربي، اهتدت بيان اليوم إلى زيارة الفضاءات العمومية، من قبيل وسائل النقل العمومي (طاكسي، الطرامواي ..)، والحدائق، والمقاهي، حيث لاحظت انهماك كل فرد في تصفح هاتفه النقال طوال الوقت، وهذا الغرق في الشاشة أصبح أمرا عاديا ليمحي بذلك المحادثات الثنائية أو الجماعية بين الأصدقاء أو رواد وسائل النقل العمومي.
وللتشجيع على القراءة وسط المجتمعات العربية، سنت العديد من الدول سياسة المعارض الدولية، التي تقام سنويا لتحفيز المجتمعات على القراءة والإقبال على الكتاب، إذ تشكل هذه المناسبات فرصة للاطلاع على ما جد في عالم الكتاب، إلى جانب لقاء الكتاب والمفكرين من خلال ندوات مفتوحة للنقاش أمام العموم.
وبفضل هذه المعارض أصبح العديد من الأشخاص ينظرون إلى القراءة بشغف وحب كبير في تصالح مع الكتاب، باعتباره مشعلا للنجاح والتفوق، والاحتفاء بالفكر العربي والغربي بشكل عام، ومن ثم فإن هذه الفرصة مناسبة لتقاسم الأفكار وتوطيدها.
ومن بين أهم المعارض العربية نذكر، المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، ومعرض أبو ظبي الدولي للكتاب، والشارقة الدولي للكتاب، حيث يمثلون نموذجا مهما في الارتقاء بالكتاب والاقتداء به عالميا وعربيا.
وتكمن أهمية معارض الكتب العربية في إظهار القيمة الثمينة للقراءة، وخاصة في ظل الظروف التي تمر بها بعض الدول العربية، من تراخي وإهمال من طرف القارئ إذ أثرت كثيراً في مستوى الثقافة والقراءة فيها، وعلى العموم، فإن هذه المعارض تبقى بابا رئيسيا للولوج نحو الكتاب، ولو بشكل سنوي.
ولا يمكن أن نتحدث عن التشجيع على الكتاب، دون الإشارة إلى المسابقات التي يتم تنظيمها على المستوى الوطني، أو العربي، وتبقى المسابقة العربية “تحدي القراءة” من أكبر المشاريع التي أطلقها السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتشجيع القراءة لدى الشباب في العالم العربي والمنافسة الشريفة للفوز الرمزي في هذا التحدي.
وتهدف هذه المسابقة وغيرها إلى تنمية حب القراءة لدى جيل الأطفال والشباب، وغرسها كعادة متأصلة في حياتهم إذ تعزز ملكة البحث والتساؤل والفضول وشغف المعرفة واكتساب ثقافات أخرى، كما أنها تعزز مبدأ التفكير التحليلي والنقد والتواصل بين ثلة كبيرة من المجتمع.
وعلى الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي تعتبر آفة لمن يستخدمها بكثرة في الأمور السلبية، فإنها تبقى أداة مواتية للمساهمة في التشجيع على القراءة، ومن بين هذه المبادرات التي يطلقها المهتمون بالكتاب في المغرب، نذكر “شبكة القراءة بالمغرب”، التي تنظم سلسلة من اللقاءات، والمسابقات، بهدف ترسيخ فعل القراءة في المجتمع.
وتعتبر “شبكة القراءة بالمغرب” التي تأسست في شهر دجنبر 2013، من بين القنوات المهمة للتواصل مع جميع شرائح المجتمع المغربي لاسيما وأنها تتوفر على 12 فرعا تغطي خمس جهات بالمملكة.
واستنادا إلى القانون الداخلي المؤطر للشبكة فإن هذه الأخيرة تهدف أساسا، إلى “العمل على ترسيخ عادة القراءة كفعل يومي لدى المغاربة انطلاقا من وعيها بأن القراءة مدخل رئيسي لولوج عالم المعرفة الذي يعتبر الرافعة الأساسية لكل تنمية”.
ويبقى حالنا هكذا اليوم. أبعدنا القريب والصديق. وأصبح الهاتف قريننا في الوحدة، ومشاركا لنا كل ذكرى، حتى أصبحت المشاعر حبيسة الأزرار والنقرات، وغدت الأحداث صورا فردية.

< ندى العلالي (صحافية متدربة)

Related posts

Top