تقارير جطو .. حتى لا تبقى مجرد مفرقعات

حتى لا تذهب جهود قضاة و موظفي المجلس الأعلى للحسابات، ومجالسه الجهوية، سدى.. و حتى لا تبقى تقارير فيلق إدريس جطو مجرد مفرقعات. طلقات مدوية ليس إلا، بدون تأثير فعلي على وضعيات التدبير المالي والإداري للمرافق والقطاعات العمومية التي تم افتحاصها وإصدار تقارير بخصوصها تحدد بدقة ومهنية تجاوزات و اختلالات مسؤوليها. حتى لا تبقى تلك التقارير مجرد ملفات ورقية ورقمية تزين رفوف مكاتب المجلس وموقعه الالكتروني الرسمي.. لابد من إحالة كل تلك التقارير على القضاء. من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة. لوقف نزيف الفساد والاستبداد وتبذير الأموال العامة. وإنصاف المظلوم ومعاقبة الظالم. والأهم من كل هذا تطهير وتنقية رفوف مكاتب المسؤولية.
البحث والكشف عن حقائق الأمور يتطلب جهودا وجرأة وخصال حميدة. لكن الاكتفاء بنقلها وتسويقها للعموم من أجل إبراز من كانوا وراءها والقائمين عليها. لن يجدي نفعا. إذا لم تكلل تلك الجهود بالتسوية والإنصاف وترتيب الجزاءات. كما أن الشجاعة لا تنتهي عند التلويح بالإصبع لمكامن الخلل والخطأ، ولكن الشجاعة تكون في أوجها عند الانتقال إلى مرحلة البحث عن الحلول للتصحيح وإرساء البدائل.
المجلس الأعلى للحسابات في وضعه القانوني الحالي، يصرف المال والوقت والجهد من أجل إصدار تقارير دقيقة. يكشف من خلالها كل التعثرات والاختلالات والجهات التي وراءها. كما يعطي الحلول لتجاوزها. لكنه يتعامل مع المتجاوزين والمخطئين، كمعاملة الأب المدلل لطفله. الأب الذي ناذرا ما يعاتب ابنه أو يعنفه، لكنه بالمقابل يكثر من وصاياه التي لا تلقى آذانا صاغية. حتى أن بعض تقارير قضاة المجلس الأعلى للحسابات، لا نجد لها في التقرير ردودا من طرف الجهات المعنية. وكأن هؤلاء يهمسون في أذني جطو وقضاته بعبارة العامية « لمن تعاود زبورك أ داوود؟».
المفروض أن يكون لتقارير المجلس الأعلى للحسابات، جسور أخرى سريعة وجادة ومتممة، تنتهي بوضع ملفاته لدى محاكم المملكة المختصة. وأن تتم العملية في إطار عمل يومي روتيني، لا تحتاج إلى إذن من وزير أو أي مسؤول حكومي. فالأمل كل الأمل في أن يتم الإسراع في إخراج النموذج التنموي الجديد. يراعي ضرورة الاستفادة الجادة والسريعة من تقارير قضاة جطو.
هكذا اعتبرها الشارع المغربي.. مجرد مفرقعات يراد منها تهدئة النفوس الهائجة والبائسة وإلهاءها.. فيما رأى فيها المتضررون ممن ذاقوا جحيم تلك الاختلالات المرصودة، مجرد تقليب للمواجع، ومضاعفات لآلام الحسرة والإحباط الذي لازمهم… تقارير قضاة جطو شغلت وتشغل الناس. لكن مع الأسف، لا هي أشبعت رغبتهم في الإنصاف وترتيب الجزاءات، ولا هي طمأنتهم بفرج قريب ومستقبل أحلى…
في كل مرة تتحول بوصلات الرأي العام الوطني بكل أطيافها إلى البحث في حصيلة قضاة جطو المثيرة. حصيلة أو «حصلة»، ظلت وفية لحصائل السنوات السابقة من حيث المحتوى المظلم. الممزوج بالفساد ونزيف المال العام والزمن الذي لا يعود.
المحتوى الذي ينسجه قضاة جطو بلطف وحنان. يوظفوا فيه كلمات وعبارات جد متسامحة، وغير خادشة ولا مدينة ولا حتى منتقدة لأصحابها. من قبيل «الاختلالات، النواقص، القصور، عدم الالتزام، عدم الوفاء..». وهذا يدخل في صميم عملهم وحدود تخصصهم. بينما المتضررون ينتظرون عبارات جد قاسية ومهينة تشفي غليلهم. وتبرز مدى هول تلك «الاختلالات والنواقص والقصور و..». التي يرون أنها تدخل في خانة خيانة الأمانة واستغلال المناصب والنفوذ وتبذير ونهب أموال دافعي الضرائب، وضياع للأزمان السياسية والاجتماعية والاقتصادية و.. . وإفساد لمسارات أجيال متعاقبة… والتي كان لابد أن تنتهي بالإدانة القضائية.
تقارير «صانع الأحذية السابق» الذي سبق وقاد الحكومة كتكنقراط ، تتقاطر علينا سنويا. تمدنا بمواطن ومكنونات الاختلالات والأخطاء، وتفاصيل حدوثها وتكشف عن هويات صانعيها. كما تنتقل بالرصد والتشخيص والتشريح إلى وضع توصيات ونصائح. لكنها تبقى حبيسة رفوف ودواليب وحواسيب المجلس الأعلى للحسابات، ومجالسه الجهوية..إلى متى ؟؟

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top