تقرير يحذر من السكتة القلبية وانهيار الصحافة المغربية

قال نور الدين مفتاح رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، “إن واقع الصحافة المغربية بعد الحجر الصحي كارثي وينذر بالخطر”، محذرا من استمرار المؤشرات السلبية في قطاع أصبح عنوانه الرئيسي “الأزمة”.
وأكد نور الدين مفتاح يوم الخميس الماضي، بالدار البيضاء، بمناسبة تقديم التقرير الثاني حول “الصحافة المغربية وآثار الجائحة بعد رفع الحجر الصحي”، يوليوز 2020- ماي 2021، أن جائحة كورونا عمقت جراح الصحافة المغربية، والتي بدأت منذ حوالي عقد من الزمن.
وكشف مفتاح أن هذا التقرير الثاني للمجلس الوطني للصحافة، هو تشخيص لوضعية الصحافة المغربية بعد الحجر الشامل، وعودة الورقية منها إلى الأكشاك، وذلك من خلال تفكيك واقعها في ظل الأزمة والتأثيرات على كل حلقات صناعتها وتوصيلها لجمهور القراء، وكذا من خلال تحليل العديد من القضايا المتفرعة أو المرتبطة بالقطاع.
وأوضح رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، أن التقرير اعتمد على منهجية وصفية لرصد مختلف مظاهر الأزمة التي عرفتها الصحافة المغربية خلال الفترة المذكورة، كما اعتمد على المعطيات الرسمية التي حصل عليها المجلس من طرف الفاعلين الأساسيين في القطاع (الناشرون والطابعون والموزعون والمعلنون وممثلو الصحفيين)، علاوة على المعطيات المرقمة للمؤسسات والهيئات المعنية، كقطاع الاتصال والنيابة العامة، أو الرسالات والتقارير المنجزة من طرف الهيئات المهنية كالفدرالية المغربية لناشري الصحف، أو نتائج الندوة الوطنية المنظمة من طرف لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة.


ومن جهة أخرى، استند التقرير على جزء هام من المؤشرات والخلاصات التي توصل إليها التقرير المنجز في بداية الجائحة والذي اهتم بشكل خاص بآثار الحجر الصحي على القطاع، وقدم من خلاله 30 إجراء للخروج من الأزمة.
وأشار المتحدث ذاته، إلى أنه يتأكد يوما بعد يوم بأن أزمة الصحافة المغربية لا ترتبط بالضرورة بآفاق تعافي الاقتصاد الوطني ما بعد الجائحة، بقدر ما ترتبط بتحديات كثيرة وذات أبعاد متعددة يتداخل فيها عامل التحول الرقمي، ومحدودية سوق الإعلان، وتراجع جمهور القراء، والاختيارات الكبرى في التعامل مع الصحافة كقطاع استراتيجي له دور أساسي في تعزيز حرية الفكر والرأي والتعبير والتعددية والمشاركة في الشأن العام، وإجمالا بناء المواطنة.

قال يونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافة، “إن هذا الأخير أعد تقريرا جديدا حول آثار الجائحة بعد رفع الحجر الصحي، لرصد الواقع البنيوي للصحافة المغربية”، متسائلا: “هل نحن أمام حدث عارض أم بنيوي؟”.
وأكد يونس مجاهد أن المجلس أعد هذا التقرير داخليا ولم يستعن بأي خبرة خارجية، مشيرا إلى أن دوره اقتراحي وليست لديه أي سلطة للتدخل في مسار الصحافة الوطنية، مشددا بأنه سيقدم خلاصات التقرير توصياته إلى الفاعلين في القطاع، للتجاوب معه (الناشرون، الصحافيون، المعلنون، الموزعون..)، إلى جانب الحكومة نظرا لدورها الكبير في حماية القطاع كما هو الحال في مختلف دول العالم.

واعتبر مجاهد أن دعم الدولة ضروري لحماية الصحافة الاحترافية باعتبارها من ركائز الديمقراطية، وذلك في ظل المشاكل الاقتصادية التي يواجهها القطاع، والتي في حاجة إلى فتح نقاش جدي بشأنها.
ودعا رئيس المجلس الوطني للصحافة إلى التحرك لأنه لا يمكن “أن نبقى مكتوفي الأيدي ونحن نلاحظ التهديد الحقيقي الذي يواجه الصحافة المغربية”، مستطردا: “سنواصل الدفاع والنضال من أجل صحافة مهنية مغربية”.
من جهته، استعرض نور الدين مفتاح رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، في بداية تقديمه للتقرير، تأثيرات جائحة كورونا على قطاع الصحافة دوليا وليس وطنيا فحسب، وذلك استئناسا بالإكراهات التي اعترضتها والحلول التي تبنتها على المدى القريب والمتوسط.
وذكر نور الدين مفتاح، أن الصحافة اليوم تجد نفسها مضطرة للبحث عن فرص جديدة للحياة والاستمرار لمواجهة التحديات العديدة والمتنوعة، مشيرا إلى أن الاتجاهات العالمية الكبرى لمسارات الصحافة خلال السنوات الأخيرة، بما فيها مرحلة كورونا، أفرزت ثلاث توجهات أو نماذج كبرى في دول أوروبية وآسيوية وأمريكية وعربية مختلفة، أولها يخص صحفا تأثرت بالتراجعات إلى درجة الانهيار (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، العالم العربي)، وثانيها منابر إعلامية قاومت من أجل البقاء والاستمرار (كندا فرنسا وبريطانيا)، وثالثها صحفا لم تتأثر بالجائحة (اليابان والهند) نظرا لخصوصيات مجتمعاتها وطبيعة نماذجها الاقتصادية.
وخلص مفتاح إلى أن الاتجاهات الدولية الكبرى لوضع الصحافة الورقية والإلكترونية في العالم حاليا، تبين بأن الأزمة طالت مختلف البلدان بغض النظر عن اختياراتها الإيديولوجية أو أنظمتها الاقتصادية، إلا أنه في بعض البلدان تمكنت المقاولات الصحافية من تشكيل الاستثناء وتسجيل الصمود والاستمرار رغم ظروف الجائحة.

الأزمة الهيكلية

وبشأن وضع الصحافة المغربية، كشف رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، أن الأزمة الهيكلية في قطاع الصحافة المحلية برزت ملامحها منذ سنة 2013، واستمرت في الاتساع لتشمل كل مراحل وسلسلات صناعة وتسويق الصحافة الورقية والرقمية على السواء. أما الإشكالية الظرفية التي طالت المقاولات الإعلامية الوطنية خلال سنة 2020، فمردها أساسا بحسب التقرير إلى الآثار السلبية التي أفرزتها الجائحة والتي أصابت كل القطاعات الحيوية، دون أن نغفل آثار استمرار الأزمة الهيكلية التي ساهمت في تهديد وضعها الحالي بالانهيار.
وذهب المتحدث ذاته، إلى الحديث عن وضع الصحافة المغربية خلال الحجر الصحي لتتضح صورة وضعها بعد رفع الحظر الشامل، ذلك أن التقرير الأول للمجلس أكد أن حجم الإعلانات الموجهة للصحف انخفض بشكل رهيب، كما أن مبيعات الورقي خلال ثلاثة أشهر وقفت عند الصفر بسبب تعليق الطباعة، منبها إلى أنه بالرغم من ذلك استمر الناشرون في إتاحة صحفهم عبر الأنترنيت بصغية PDF بالمجان، وهو ما أدى إلى نقص مداخيل يقدر بـ 36 مليون درهم.
وذكر أن الأزمة العامة التي يعرفها القطاع تعتبر من طرف المهنيين خطرا حقيقيا على الصحافة، التي وصلت اليوم إلى وضعية غير مسبوقة، بالرغم من أنها جربت كل الأزمات والأهوال قبل خمس سنوات. والمفارقة أنه في ظل “الوباء الإعلامي” الذي تزامن مع الجائحة، ظهرت في المغرب، كما في دول مثيرة، الحاجة إلى الصحافة المحترفة والصحافة المبنية على قواعد العمل الصحافي والأخلاقي وهذه الصحافة مهددة بشبح الإفلاس.
وأوضح نور الدين مفتاح أن المؤشرات القطاعية ناطقة وتؤكد أن ملامح الأزمة المركبة بارزة اليوم بشكل جلي على مستوى التوزيع والمبيعات والإشهار وكتلة القراء، وكذا على مستوى الشكل والوعاء وطبيعة المضامين الإعلامية، إضافة إلى الجوانب الاقتصادية والمالية للمقاولات الصحفية.
واستطرد مفتاح قائلا، إنه من مفارقات الأزمة أن مجرد عودة طباعة الصحف بعد الحجر الصحي اعتبر مؤشرا إيجابيا بغض النظر عن نتائجه الرقمية، ورغم هذا فإن الصحف لم تعد كلها للصدور في شكلها الورقي، بل احتفظ بعضها بشكله الرقمي PDF المتاح بالمجان، كما اضطر بعضها الآخر إلى إعادة رسملة أسمه، وتوقف بعضها الآخر عن الصدور بالنظر إلى الصعوبات التي واجهها بفعل الوباء، مردفا، بأن الأزمة الهيكلية كانت قد تسببت في تراجع الصحف الورقية بالمغرب بشكل كبير خلال العامين الماضيين وذلك بتوقف حوالي 58 في المائة منها بسبب تراجع حجم المبيعات، حيث لم يتبق منها سوى 105 صحف ورقية في سنة 2020 جزء مهم منها يصنف في عداد غير مهيكل.
وإذا كان البعض يتحدث عن اتجاه جمهور القراء نحو الصحافة الإلكترونية على حساب الورقية، فإن هذه الأخيرة بحسب رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، لم تنج من هذه الأزمة، فبالرغم من ارتفاع عدد التصاريح بالصدور التي بلغت 1016 تصريحا، تمت ملاءمة 546 صحيفة منها فقط، وفق بنود قانون الصحافة والنشر، فلم يستطع مواجهة الأزمة منها إلا عدد قليل، وذلك بالنظر إلى نموذجها الاقتصادي أو عرضها الإعلامي أو إكراهات الواقع، وهذا ما تؤكده على سبيل المثال المؤشرات المتعلقة بترتيب المواقع المغربية الأكثر متابعة، وهو الترتيب الذي لا يلقى الإجماع من طرف المهنيين، بالنظر إلى الطرق السهلة التي يمكن استخدامها لتضخيم عدد المتابعين.

شبح الإفلاس

وإذا كانت مبيعات الصحف تصل في اليابان إلى 45 مليون نسخة في اليوم، وفق المتحدث ذاته، فإن هذا المؤشر في المغرب ظل بعيدا بشكل فلكي عن هذه الأرقام حتى في أكثر أيام ازدهار الصحافة، ولم يسبق للصحافة المغربية أن وصلت إلى المليون نسخة مبيعة أبدا، اللهم إلا إذا تم احتساب عدد الصحف المقروءة بالكراء أو بالمجان.
وقال نور الدين مفتاح، أنه “إذا كانت مبيعات 2019 قد اعتبرت علامة على دخول الصحافة المغربية في مواجهة شبح الإفلاس بنحو 240 مليون درهم كقيمة لمبيعات شركة سابريس (دون مبيعات يومية المساء التي كانت توزعها شركة الوسيط) فإن مجمل مبيعات الصحف المغربية في سنة 2020 كانت مؤشرا على الانهيار بحيث سجلت نسبة نزول وصلت إلى 62.5 في المائة بقيمة مبيعات لم تتجاوز 90 مليون درهم! ضمنها مبيعات الصحافة الأجنبية أيضا”.
وبشأن مبيعات الصحف الوطنية فتوضح نفس المعطيات “تراجعا بينا بحوالي الثلثين وذلك خلال سنتين، حيث انتقل من 170 مليون درهم سنة 2019 إلى 64 مليون درهم سنة 2020، أي بنسبة تراجع قدرت بـ 62 في المائة”، يؤكد مفتاح.
وكشف رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، أن هذا الانخفاض انعكس بنسب متفاوتة بين أوعية بيع وتسويق الصحف، “حيث نجد أن الاشتراكات المباشرة أو عبر الشبكة التي كانت تصل إلى 27 في المائة من المبيعات تراجعت بـ 65 في المائة، وشبكة المقاهي التي كانت تقتني حوالي 20 في المائة من الصحف سجلت نقصا بنسبة 57 في المائة، أما نقط البيع التي كانت تضمن 53 في المائة من روجان الصحف تراجعت بنسبة 48 في المائة”. وحسب تقديرات شركة سبريس فإن الصحافة الوطنية ستفقد أكثر من 60 في المائة من حجم مبيعاتها، وربما أقل، ولكنها لن تعود إلى سابق عهدها قبل الجائحة.
وحتى يتبين الحجم المخيف لهذا التراجع الذي ضرب الصحافة المغربية الورقية في مقتل، ذهب المتحدث ذاته، إلى المقارنة بين مبيعات الفصل الأول الذي سبق الحجر الصحي في 2020 والفصلين اللذين أعقبا هذا الحجر من نفس السنة “ليتبين أننا نزلنا من 100 ألف نسخة مبيعة في اليوم باحتساب جريدة المساء التي تقوم بالتوزيع الذاتي إلى 39 ألف نسخة في اليوم بالكاد مع عدم عودة المساء إلى الأكشاك، وهذا السيناريو هو الأسوء ضمن كل السيناريوهات السيئة التي كانت منتظرة في القطاع”.
وخلاصة هذا التراجع الرهيب الذي قد يكون لا رجعة فيه كما سلف الذكر بحسبه، “هو أن جائحة كورونا التي كانت ظرفية وعمقت الأزمة البنيوية للصحافة المغربية تحولت اليوم إلى تمظهر جديد لهذه الأزمة البنيوية التي لن تتضح كل ملاحمها المؤلمة إلا بعد توقف الدعم الاستثنائي الكبير الذي قدمته الدولة للقطاع خلال 12 شهرا متتابعا كتحملات لأجور العاملين في المقاولات الصحافية”.
وأشار نور الدين مفتاح إلى أن “تدهور الصحافة الورقية من جهة أخرى ليس سببه الوحيد في المغرب هو التحول الإلكتروني في الصحافة، لأن هذا المكون بدوره مأزوم ويحتاج إلى هيكلة وتنظيم وتأهيل، ولكنه يعود أيضا، حسب بعض الفاعلين في القطاع، إلى عدم توفر الصحافة المغربية بشقيها على نموذج اقتصادي ملائم لخصوصيتها ولواقع محيطها، إضافة إلى هشاشتها، ونقص رأس مالها، وقلة مواردها البشرية، وضعف منسوب حكامة وحسن تسيير بعضها”، مبينا أن “بعض المعطيات تؤكد أنه من أصل 1000 منشأة إعلامية إلكترونية نجد أن 40 في المائة منها تشتغل بأقل من ثلاثة أفراد، وبالتالي ليس مقنعا القول بأن الورقي تراجع بسبب الرقمي، إذ ليس هناك إعلام إلكتروني منظم وزاحف”.

معضلة التوزيع

وعرج مفتاح للحديث عن مشكل التوزيع الذي لم يسلم هو الآخر من الأزمة، ذلك أنه من ضمن الإشكالات الكبرى التي يعاني منها قطاع الصحافة، والتي يحتمل أن تكون سببا في مزيد من احتجاب بعض عناوينها وتراجع مبيعاتها وتزايد عدد مرجوعاتها، مفيدا أنه “بالرغم من الاندماج الذي أقدمت عليه كل من شركتي “شوسبريس” و”سبريس” في كيان واحد، حيث أصبحت المتحكمة في سوق توزيع الصحف الوطنية والأجنبية، إلا أن ذلك لم يساعدها على تجاوز عجزها المالي ولا على حل معضلة التوزيع”.
وأردف المتحدث عينه، أنه بحسب معطيات الشركة فقد كانت سبريس توزع 138 صحيفة يتم نشرها بانتظام، فيها اليوميات وأغلبها أسبوعيات وشهريات، ولم يعد من هذه الصحف بعد رفع الحجر الصحي وعودة طباعة الصحف إلا 56 جريدة منتظمة إلى حدود أكتوبر 2020. وتشير نفس المعطيات إلى أن الضحية الوطنية المنتظمة وزعت منها سبريس بعد الحجر ما معدله 108.770 نسخة في اليوم ضمنها 19 يومية من خلال شبكة تتكون من 2616 نقطة للبيع في 12 جهة من جهات المملكة، بمتوسط يومي للبيع وصل إلى 38.550 ألف نسخة. وما يبرز حجم تراجع مبيعات الصحف الوطنية بسبب كورونا بالمقارنة مع الأرقام التي كان عليها الوضع قبل الجائحة نجد أن سبريس وزعت أكثر من 66 مليون و600 ألف نسخة في سنة 2018 عبر 5000 نقطع بيع، برقم مبيعات بلغ 135 مليون درهم، وهامش ربحي يصل إلى 0.50 سنتيم في كل نسخة.
وفي هذا الصدد، نقل نور الردين مفتاح أن “سبريس تعاني من تدني مداخيلها بسبب تكاليف التوزيع التي تعتبرها أقل من 7 إلى 12 مرة من أسعار السوق بالمقارنة مع منتوجات شبيهة، وبالتالي فهي لا تفي بمتطلبات استمرار خدمة التوزيع على نحو قار وآمن، مما يهدد مصير الشركة ومعها استمرارية توزيع الصحف الوطنية”.
وتعتبر سبريس استنادا إلى تقديم مفتاح “أن كلفة التوزيع تبلغ حوالي 90 في المائة من القيمة الثابتة، والتي لا يمكن بحسبها تغطيتها بالكميات الضعيفة التي يتم توزيعها حاليا. وترى كذلك أن النموذج الحالي غير مربح بالنسبة لها، على اعتبار أن سعر الجرائد مقيد بالمغرب بالقوة الشرائية، وأن هامش الربح لا يعتمد على طبيعة الخدمة المقدمة وحجمها وأهميتها، بقدر ما يعتمد هامش الربح على العدد الذي تم بيعه والذي تعود فيه 15 في المائة من قيمة العدد إلى صاحب الكشك و15 في المائة للموزع. وحسب مسؤولي هذه الشركة، عندما يباع عنوان أجنبي تكسب 7 أو 8 أضعاف ما تستخلصه من عنوان وطني، وبالتالي فهي تعتبر أن الصحافة الدولية أهم من توزيع الصحافة الوطنية، مما يجعلها تلوح بعدم جدوى توزيع المنتج المغربي”.
وفي الضفة الأخرى، يرى الناشرون “بأن هناك أسبابا أخرى تفسر اختلال التوزيع، وعلى رأسها التحول في نشاط الشركة الذي كان توزيع الصحف النشاط الرئيسي لها وباتت توزع مئات المواد التي دفعت إلى اختفاء عدد مهم من نقاط البيع الخاصة بالصحف بشكل حصري”، على حد تعبيره.
وأشار رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، إلى “تحول هوية شركة التوزيع من شركة خاصة بتوزيع الصحف والمجلات والكتب بالمغرب إلى شركة للوجستيك توزع الآلات الناسخة والكتب المدرسية والدفاتر والأقلام والمنتجات المكتبية ومجموعة من المنتجات الغذائية، وبذلك فإن نشاط توزيع الصحافة لا يشكل إلا جزءا بسيطا من اهتماماتها، مما يزيد من اختلال التوزيع وحرمان عدد من المناطق من التزود بالصحف حسب العديد من الناشرين المستجوبين”.
ولتجاوز مشكل التوزيع على المستوى الوطني، قدم المتحدث ذاته، مجموعة من التجارب المختلفة للجرائد، وبالأخص خلال السنتين الماضيتين، حيث اختارت بعض الصحف فتح الاشتراك لقرائها في صحفها الورقية أو الإلكترونية أو هما معا في المنصات الرقمية، أو تخصيص قراءة نسخها الأسبوعية أو نسبة معينة من مقالاتها الرئيسية الرقمية بمقابل مالي، “إلا أن هذه المبادرات، بالرغم من طابعها التجاري، مازالت محتشمة بالنظر إلى عدم قيامها بحملات تحسيسية وأساسا إلى عدم ترسيخ الاشتراك الرقمي كثقافة عند القارئ المغربي، وهو ما يزيد من الخطر الذي تواجهه الصحافة المغربية ما دامت نظيرتها في الدول الغربية استطاعت البقاء بالاشتراك الرقمي”.

انقراض الصحف

ولم يفت معدي التقرير الحديث عن أزمة الطباعة التي بدورها برزت كإحدى الحلقات المأزومة في صناعة الصحافة المغربية، لأن بعض المطابع أصبحت غير قادرة على الاستجابة للتحولات الجديدة فيما يخص حجم سحب الصحف وعدد صفحاتها الذي تقلص بفعل الأزمتين الظرفية والهيكلية.
وشدد نور الدين مفتاح أن “هذه الإشكالات يمكن أن تكون سببا في انقراض الصحف ذات السحب الصغير، لعدم ملاءمة الطابعات الضخمة مع حاجيات السحب القليلة التي يحتاجها بعض الناشرين، كما يمكن أن تتسبب في سكتة قلبية تصيب طباعة الصحف المغربية خلال السنوات القليلة القادمة، وذلك بتوقف هذه المطابع الكبرى إذا لم يتم استبدالها بمطابع رقمية تتلاءم مع حاجيات السوق المغربية التي لا زالت تضمن للصحافة الورقية، ولو بكميات قليلة من السحب، مكانتها وموقعها”.
وذكر مفتاح أن “مهنيي الطباعة والتوزيع يفسرون أزمة هاتين الحلقتين بدوافع موضوعية، دون الإشارة إلى كل الأسباب الداخلية الذاتية التي تحول دون تطور خدمات هذين القطاعين، لأن عملية الطباعة بحسبهم تحتاج لإمكانيات هيكلية مرتفعة جدا ومرتبطة بنسبة سحب مهم، وهذا ما يضع اليوم هذه المؤسسات أمام تحديات جديدة من بينها أن المطابع المعنية لديها آلات لسحب 45 ألف نسخة في الساعة، وعندما يطلب منها سحب ألفين أو ثلاث آلاف نسخة، تجدها أمام وضعية صعبة جدا وغير منتجة”.
وكشف أن “أزمة الصحافة دفعت المطابع الكبرى إلى الزيادة بشكل كبير في أنشطتها غير الصحافية- على غرار ما وقع في التوزيع- وأصبحت تطبع الكتب المدرسية والمطويات الخاصة بالأسواق والشركات، لهذا يقترح التقرير الاتجاه نحو مطابع الرقمية الأقل تكلفة في الإنتاج”.

انخفاض رهيب

ولا يمكن الحديث عن الصحافة بدون الإشهار والإعلانات، ذلك أنه خلال فترة الحجر الصحي نزلت الإعلانات التجارية بشكل رهيب بالمقارنة مع نفس الفترة من العام السابق على الجائحة، وذكر رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة أن مؤشر التراجع ظل قائما خلال فترة ما بعد الحجر الصحي الشامل وهو يعود، في نظر المعلنين، أساسا إلى الركود الذي أصاب بعض القطاعات الاقتصادية، وبالرغم من أن بعض المعلنين حاولوا التعامل مع الوضع الجديد، لكنهم صادفوا عددا من الصعوبات في إنتاج وتفعيل الحملات الإعلانية على أرض الواقع نظرا لإلغاء جلها، وبالتالي فنسبة الاستثمارات وصلت لأقل من 40 في المائة خلال هذه الفترة، وكان الخاسر الأكبر في هذا الوضع، هي الصحافة الورقية.
واستند المتحدث عينه، أثناء تقديم التقرير على الإحصائيات الصادرة عن شركة “أمبريوم” التي تسجل أن حجم الاستثمارات الإشهارية الخام في كل الحوامل الصحافية وغير الصحافية، وصل إلى حدود شهر أكتوبر 2020، إلى حوالي 3 مليارات و240 مليون درهم، وعادت للصحافة الورقية منها نسبة 9 في المائة فقط، أي 291 مليون و600 ألف درهم، وتوزعت حصة الصحف من هذه الاستثمارات حسب صدورها بشكل غير متساو حيث حصلت منها الصحف اليومية على 68 في المائة والأسبوعيات على 20 في المائة والشهريات على 9 في المائة وباقي الدوريات على 2.93 في المائة.
أما بالنسبة للصحف الرقمية، فقد حصلت على حصة مهمة من الجمهور القارئ، مما كان له تأثير على تحديد الأوليات من حيث الاستثمار الإعلاني، حسب دراسة قام بها اتحاد المعلنين حول آثار الوباء على العلامات التجارية المغربية، أكدت أن 32 في المائة من المعلنين توجهوا للتواصل الرقمي كأولوية في حملاتهم، وأن 92 في المائة ممن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم استعملوا “فيسبوك” لإشهاراتهم سنة 2020.
وذكر نور الدين مفتاح أنه رغم الخروج من الحجر الصحي الذي كان يحمل آمالا كبيرة في العودة إلى حجم معقول من الاستثمارات، فإن مؤشرات الثلاثة أشهر الموالية للحجر تؤكد أن حجم الاستثمارات الإشهارية في قطاع الصحافة الورقية والإلكترونية تجاوز بالكاد 35 مليون درهم في شهر يونيو، وارتفع نسبيا في يوليوز حيث قارب 58 مليون درهم، وعاد للانخفاض في غشت حيث قارب 39 مليون درهم فقط.
ووفقا للدراسة التي أجراها مكتب Imperium Media، الخاصة بالفترة من 16 مارس إلى 20 أبريل، فإن حصة الصحافة كانت قد انخفضت بنسبة 58 في المائة.
وبالنسبة لمجمل الاستثمارات في المجال الرقمي تبين معطيات 2020، وفق مفتاح، أن عمالقة الويب العالميين GAFAM حصلوا منها على 75 في المائة والمواقع الناشئة على الخط Pure Players على 20 في المائة ومواقع الصحافة المكتوبة على 5 في المائة فقط. ويقلل بعض المختصين في الإعلانات الإشهارية مما يقال عن هجرة الاستثمارات الإعلانية نحو GAFAM، على اعتبار أن فيه نوعا من التضخيم لأن 30 في المائة إلى 35 في المائة فقط من المعلنين هم الذين يلتجؤون إلى هذه الشركات العملاقة، لأن استخدام Google أو Facebook وحده لا يمكنهم من تحقيق كل الأهداف المتوخاة من عملية التواصل، حسب هؤلاء الخبراء.
ويرى رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، أن المتضرر الأكبر من التراجع المهول للاعتمادات الإعلانية الوطنية هو الصحافة الورقية التي انتقلت من أكثر من 20 في المائة من حصة السوق إلى ما دون العشرة بالمائة خلال السنوات الخمس الأخيرة، إلا أنه بالتمحيص في المعطيات المتاحة، يتضح أن الصحافة المغربية عموما بما فيها الإلكترونية ضحية للتحولات في الاستثمارات الإعلانية التي لم تنتقل إلى الحوامل الصحافية المحترفة الرقمية مع التطور التكنولوجي ولكنها انتقلت من الصحافة إلى الأشكال الأخرى للتواصل بما في ذلك اللوحات الإشهارية وفايسبوك وغوغل فيما يبقى الإعلام العمومي منافسا كبيرا للصحافة الخاصة بحيث يستحوذ على حصة 40 في المائة تقريبا وهو وضع تم تجاوزه في لبلدان الديمقراطية التي تمول هذا الإعلام من الميزانية العامة.

فوارق الدعم العمومي

وتحدث نور الدين مفتاح عن الدعم العمومي للصحافة الوطنية، فبالرغم من أنه لا يشكل إلا عشرة بالمائة تقريبا من رقم المعاملات السنوية، فإنه يبقى موردا مهما وأساسيا يساهم في حركية كثير من المقاولات الصغرى والمتوسطة. وقد عرف الدعم العمومي المخصص للصحافة، في إطار تعاقدي بين السلطات العمومية والفيدرالية المغربية لناشري الصحف تطورا ملموسا بين سنة 2005 و2019 حيث تضاعف حجمه حوالي مرتين خلال عقدين، وتستفيد منه أساسا الصحافة الورقية في المرتبة الأولى تليها الصحافة الإلكترونية.
وأكد مفتاح أن هذا الدعم عرف خلال سنة 2020 مدا وجزرا بين قرارات تعلن عن تقديم الدعم العادي (بلاغ في 24 أبريل 2020) بناء على العقد البرنامج لسنة 2013، وبين أخرى تعلن عن دعم استثنائي غير مسبوق (تصريح 26 يونيو)، كإجراء لمواجهة الأزمة.
وأشار في هذا الصدد، إلى أن قطاع الصحافة توصل بالفعل بمبلغ 235 مليون إلى حدود نهاية سنة 2020 تم اعتماده أساسا في صرف أجور الصحفيين والعاملين بالمقاولات الصحافية، وخصصت منه 150 مليون درهم لدعم الأجور و30 مليون درهم لدعم المقاولات الصحافية الحاصلة على الملائمة، والتي لم تستفد من الدعم قبل 2019. إضافة إلى 5 مليون درهم لفائدة الإذاعات الخاصة، ومثلها للمطابع التي تطبع أكثر من 500 ألف نسخة سنويا. كما أن شركة التوزيع، استفادت بدورها من دعم استثنائي بلغ 15 مليون درهم، إلى جانب دعم من وزارة المالية لإعادة رسملتها برصيد آخر يقدر بـ 10 ملايين درهم، دون أن تستفيد شركة التوزيع الثانية (الوسيط ميديا) من أي حصة في هذا الدعم.
ونبه رئيس لجنة المنشأة الصحافية وتأهيل القطاع بالمجلس الوطني للصحافة، إلى أن اعتماد معيار الأجور زاد من تعميق فوارق استفادة المقاولات الصحافية خصوصا بعدما تم إلغاء الدعم العادي لسنة 2021 أيضا، وقد دفع هذا جزءا من ناشري الصحف إلى التنبيه لضرورة إعادة النظر في تدبير دعم الصحف في إطار تصور “يأخذ بعين الاعتبار دعم الدور الذي تقوم به هذه الصحافة وتأثيرها وليس مأسس معايير دعم استثنائي كانت له ظروفه ودواعيه الوبائية المعروفة” مع الاهتمام بالعاملين في القطاع “ليس بأداء أجورهم بدلا عن مشغليهم، ولكن بتخصيص دعم ينضاف إلى رواتبهم التي يجب أن تكون في مستوى مجهوداتهم والتي يجب أن تؤديها مقاولاتهم صونا لكرامتهم وحفاظا على استقلالية صحفهم”.
ويجمع المهنيون بحسب التقرير الذي اطلعت عليه جريدة بيان اليوم، على أن يتم تبني تصور جديد للدعم العمومي للصحافة ابتداء من سنة 2022 في إطار تشاركي وتوافقي بين السلطات العمومية وممثلي الناشرين والصحافيين والمجلس الوطني للصحافة يضمن الشفافية والتوازن والفعالية.
يذكر أنه من بين الآثار التي استمرت خلال مرحلة ما بعد الحجر الصحي الشامل، هو سيطرة أخبار الجائحة على العمل الصحفي اليومي وتنامي ظاهرة انتشار الأخبار الزائفة والمضللة ونظريات المؤامرة، التي أطلقت عليها منظمة الصحة العالمية اسم الوباء المعلوماتي، حيث اتسعت رقعته لتصل بعض الصحف المغربية، كما تراجع منسوب ثقة الناس في وسائل الإعلام جراء عدم احترام بعض المنابر لأخلاقيات المهنة وعدم التحلي بالمهنية في العمل الصحفي.

**********

خلاصات وتوصيات

قدم التقرير الثاني للمجلس الوطني للصحافة حزمة من التوصيات في خلاصاته، تروم إيجاد حلول للأزمة الهيكلية من منظور عميق يسائل دور الصحافة داخل المجتمع، ونموذجها الاقتصادي، ومدى ملاءمة مضامينها الإعلامية مع حاجيات ومتطلبات الجمهور، والقيمة المضافة لبعض مكوناتها المستفيدة من الدعم العمومي، ومدى نجاعة شركات الطباعة والتوزيع ومواكبتهم لمختلف التطورات والتحديات التكنولوجية وحاجيات الناشرين والسوق الوطنية للصحافة، إلى غير ذلك من التوصيات التي من شأنها إعادة الروح إلى قطاع وصل إلى مرحلة الاحتضار.
وتم تقسيم المقترحات إلى ثلاثة محاور أساسية، أولا؛ رد الاعتبار للصحافة كمدخل للثقة والمصداقية، والذي يستمد مشروعيته من أن هذه الصحافة تقدم خدمة عمومية مواطنة تدخل في صميم المصلحة العامة، وهي ليست بضاعة تحكمها قواعد السوق فقط، بل تعتبر، إضافة إلى دورها الإخباري والتثقيفي والترفيهي، دعامة للحكامة، وأداة للمواطنة والمساهمة في البناء الديمقراطي.
ثانيا؛ اعتناق نموذج اقتصادي ملائم، على اعتبار النموذج الاقتصادي الحالي للمنشآت الصحفية المغربية لا يمكنه مواجهة التحديات الاقتصادية والتحولات التكنولوجية وعادات القراءة الرقمية للأجيال الصاعدة، لذا يقترح أن يعتمد نموذج الجديد، إضافة إلى الدعم العمومي المطور، على المبيعات الورقية والاشتراكات الرقمية، وعلى الإشهار العمومي الموزع بطريقة موضوعية وعلى دعم المقروئية عبر صندوق دعم القراءة. إضافة إلى ذلك لا بد من فتح رسملة المقاولات الإعلامية لفائدة الفاعلين الاقتصاديين، كما هو الشأن بالنسبة لمختلف القطاعات ومختلف الدول.
ثالثا؛ ملائمة الموارد مع متطلبات ومتغيرات السوق، ابتداء من قاعات الإنتاج، مرورا بآلات الطباعة، ووصولا إلى فضاءات ومنصات التوزيع.

يوسف الخيدر  تصوير: أحمد عقيل مكاو

Related posts

Top