تكريم الفنان عبد القادر مطاع بتطوان

بيان24: بقلم أحمد السجلماسي

 بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تنظم جمعية الورشة السينمائية، التي يترأسها المخرج السينمائي مصطفى الشعبي، تظاهرة ثقافية وسينمائية يوم الخميس عاشر دجنبر 2015 ابتداء من الثالثة زوالا بفندق شمس (طريق مارتيل) بمشاركة ثلة من الفنانين والمثقفين والنقاد السينمائيين .
 يتضمن برنامج هذه التظاهرة تكريما للممثل الكبير عبد القادر مطاع وتحية لروح الممثل الشعبي الراحل محمد بصطاوي من خلال عرض آخر أفلامه السينمائية القصيرة “رماد الدخان ” (2014) للمخرجة السويسرية ماريا نيكوليي، وتوقيعا لرواية “عبسليمو النصراني” من إبداع الكاتب عبد الحميد البجوقي، بعد تقديمها من طرف المبدع المسرحي الكبير عبد الحق الزروالي، ثم ندوة حول موضوع “السينما وحقوق الإنسان” بمشاركة الأساتذة : الحبيب حاجي وأحمد سيجلماسي وعز الدين الوافي ومحمد اشويكة.
 فيما يلي ورقة ، من إعداد أحمد سيجلماسي، تعرف بجوانب من المسيرة الفنية الطويلة للفنان عبد القادر مطاع:

-1-
عبد القادر مطاع (77 سنة) ممثل مغربي عصامي التكوين ودائم الحضور في مشهدنا السمعي والبصري على امتداد جزء كبير من تاريخنا الفني . تميزت مسيرته الإبداعية، التي تجاوزت  عقدها السادس (1952 – 2015 ) بقليل ، بالمزاوجة بين فنون الإشهار المسموع والمرئي وبين تشخيص الأدوار المسرحية والسينمائية والإذاعية والتلفزيونية المتنوعة . حظي في السنوات الأخيرة بتكريمات في مناسبات فنية وثقافية وتربوية واعلامية عدة .
-2-
ولد عبد القادر مطاع سنة 1938 بالدار البيضاء، في الحي الشعبي المعروف ‘ درب السلطان ‘، وهناك ترعرع واحتك بوجوه فنية، في الغناء والموسيقى أمثال الحاجة الحمداوية والراحلون سليم الهلالي و زهرة الفاسية وإبراهيم العلمي و أحمد جبران وأحمد الغرباوي، وفي التشخيص الإذاعي والمسرحي أمثال الطيب الصديقي ومحمد الخلفي ونعيمة المشرقي والشعيبية العذراوي وعبد العظيم الشناوي ومحمد التسولي وعبد اللطيف هلال والراحلين عائد موهوب ومحمد الحبشي وغيرهم .

-3-
 اكتشف مطاع الكوميديا من خلال متابعته لبرنامج “إضحك معي” الذي كان يشرف عليه المسرحي الراحل البشير العلج، حيث كان مواضبا على تتبع تشخيص الممثلين آنذاك لأدوار اليهودي والبدوي والمرأة بصوت رجولي في مسرحيات هذا الأخير، وكان يحس كمتلقي بمتعة كبيرة . ومن خلال تتبعه المستمر للمسرحيات والسكيتشات الرائجة في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي نبع ميله المبكر إلى فن التشخيص وبدأت ذائقته الفنية في التشكل خصوصا وأنه عاش في درب السلطان لحظة افتتاح سينما الملكي، التى أحيى فيها المطرب الراحل فريد الأطرش والراقصة الراحلة سامية جمال سنة 1948 سهرة فنية تابعها مطاع الطفل كما تابع فيما بعد أفلام هذا الأخير الإستعراضية وغيرها التي كانت تعرض بنجاح في مختلف القاعات السينمائية الشعبية البيضاوية قبيل وبعد استقلال المغرب .

-4-
 برزت الموهبة الفنية لعبد القادر مطاع الطفل واليافع، في التشخيص المسرحي، في صفوف جمعية الكشفية الحسنية المغربية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، حيث كان لمخيماتها الصيفية فضل كبير في اقتحامه لعوالم التشخيص عبر مجموعة من السكيتشات التي كان يشارك فيها مع رفاقه الكشافة، الشيء الذي جعله يكتشف بعض أسرار التشخيص المسرحي . ومن خلال متابعته لمختلف الأعمال الدرامية الإذاعية أصبح يشعر شيئا فشيئا بميل قوي إلى الفن الدرامي، الشيء الذي سيدفعه إلى ركوب مغامرة الهواية المسرحية لصقل موهبته الفطرية عن طريق التحاقه بمسرح الحي الجديد بالدار البيضاء واحتكاكه بفنانين كبار من عيار الأستاذ محمد الخلفي في مسرحية ‘ الصحافة المزورة ‘ والراحل مصطفى التومي في مسرحية ‘ المدرسة الجديدة ‘.
 في أواخر الخمسينات إذن كانت انطلاقة مطاع المسرحية،كهاو، وفي سنة 1960 سيدخل مرحلة الاحتراف بانضمامه إلى فرقة المسرح البلدي، الذي كان يديره آنذاك أستاذ الأجيال ورائد المسرح المغربي الفنان الشامل الطيب الصديقي وسيشارك في مجموعة من المسرحيات نذكر منها : محجوبة أو مدرسة النساء و لعبة الحب والمصادفة و مومو بوخرصة …
بعد هذه البدايات المسرحية الأولى انضم إلى فرقة المعمورة ليستكمل تكوينه ويعمقه وشارك في بعض مسرحياتها ( مسرحية “فليفلة” نموذجا، من اقتباس الراحلين علي الحداني وإدريس التادلي وإخراج عبد الرحمان الخياط سنة 1969 )، وقبل ذلك التحق بفرقة التمثيل التابعة للإذاعة والتلفزة المغربية تحت إشراف الرائد عبد الله شقرون وشارك معها طيلة ثلاث سنوات في العديد من المسرحيات و التمثيليات الإذاعية والتلفزيونية .
 خلال هذه المحطات وبعدها استمر الفنان مطاع في ترسيخ أقدامه في عالم التشخيص المسرحي عبر أدوار متنوعة شخصها في عدة مسرحيات يزخر بها ريبرتواره نذكر منها بالخصوص : مدينة النحاس، معركة واد المخازن، ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب، أمجاد محمد الثالث …

-5-
 لم يكن للفنان عبد القادر مطاع حضور مسرحي فحسب، بل شارك إلى جانب العديد من الممثلين المغاربة في الانطلاقة التأسيسية الأولى للأفلام المغربية القصيرة والمتوسطة في الستينات ( فيلم “تساوت” من إخراج لطيف لحلو سنة 1968 ) وارتبط إسمه بأفلام تعتبر علامات مؤسسة للإبداع السينمائي المغربي في السبعينات مثل ‘ وشمة ‘ (1970) لحميد بناني و ‘ البراق ‘ (1973) لمجيد الرشيش و ‘ الشرقي أو الصمت العنيف ‘ (1976) لمومن السميحي . كما شارك في الإنتاج المغربي الروماني المشترك ‘ ذراعي أفروديت ‘ (1978) من إخراج الروماني دراغان وفي الفيلم الدرامي الدنماركي الإيطالي ‘ كريستيان ‘ (1989) من إخراج غابريال آكسيل … بعد ذلك سيحتجب عبد القادر مطاع ويغيب عن السينما ليعود سنة 2004 في فيلم ‘ الباندية ‘ لسعيد الناصري وأفلام قليلة أخرى من بينها ‘ كلاب الدوار ‘ (2010) لمصطفى الخياط .

-6-
بالإضافة إلى الإشهار، كان ولازال للفنان عبد القادر مطاع حضور لافت في التلفزيون المغربي منذ انطلاقته الأولى يوم 4 مارس 1962، فقد كان من أوائل الممثلين الذين اشتغلوا فيه مقابل تعويض مالي مع فرقة الإذاعة والتلفزة المغربية تحت إشراف الأستاذ عبد الله شقرون إلى جانب الفنانين عبد الله العمراني وزكي الهواري والراحلين العربي الدغمي ولطيفة كمال، الزوجة الأولى للممثل الراحل حسن الصقلي، وغيرهم، حيث شارك في العديد من السكيتشات والتمثيليات والمسرحيات التي كانت تقدم آنذاك بشكل مباشر. كما شارك في أعمال الراحل حسن المفتي ، وكان أول مسلسل تلفزيوني ظهر فيه يحمل عنوان ‘ المنحرف ‘ (15 حلقة) من إخراج عبد الرحمان الخياط، زوج الممثلة القديرة نعيمة المشرقي، وتلته مسلسلات أخرى من توقيع المتألقة فريدة بورقية وغيرها نذكر منها : ‘ خمسة وخميس ‘ و ‘ أولاد الناس ‘ و ‘ دواير الزمان ‘ من اخراج بورقية و ” ستة من ستين ” لحميد الزوغي و ‘ علاش أولدي ‘ من اخراج محمد حسن الجندي و ‘ دموع الرجال ‘ من اخراج حسن غنجة و ” الغالية ” (2014) من إخراج رضوان قاسمي وأحمد بوعروة  … هذا بالإضافة إلى سيتكومات ‘ لاباس والو باس ‘ و ‘ الربيب ‘ و ‘ هذا حالي ‘ … وأفلام تلفزيونية من قبيل ‘ ثعلبة ‘ و ‘ صدفة الخاتم ‘ و ‘ دوار الشوك ‘ و ‘ المعلمة ‘ و ” آخر الرومانسيين ” (2012) لخالد الإبراهيمي وغيرها .

-7-
الملاحظ أن البعد التلفزيوني في تجربة الفنان عبد القادر مطاع التشخيصية هو الذي ظل حاضرا بقوة في الوقت الذي تراجع فيه حضوره المسرحي، وتوقف تعامله مع الراديو بعد مرحلة الإذاعة الوطنية في أواخر الستينات ومرحلة ‘ ميدي 1 ‘ ( إذاعة البحر الأبيض المتوسط ) لبضع سنوات منذ انطلاقتها سنة 1980 من باريس قبل أن تستقر بطنجة وظل حضوره السينمائي متقطعا. لقد برع مطاع في تشخيص العديد من الأدوار الكوميدية وغير الكوميدية ( أدوار الشرير والطاغية والمنتقم وزوج الأم القاسي القلب …) بصدق وإقناع ولم تتح له لحد الآن فرص كافية لتفجير الجزء الكبير من طاقاته التشخيصية المخزونة، فتحية تقدير واحترام له كإنسان ولتجربته المعتبرة كفنان بمناسبة هذا التكريم التطواني الجديد.

Related posts

Top