تمثلات العنف في السرد العربي النسائي

عندما توصلت بدعوة المشاركة في الملتقى الدولي الذي تنظمه مؤسسة الكلمة للثقافة والفنون تحت محور “تمثلات العنف في السرد”  استسهلت الأمر في البداية، وقلت مع نفسي لم يطلبوا إلا الموجود، فلا شيء أوجد في حياتنا وكتاباتنا من العنف، وتساءلت لماذا البحث عن العنف في السرد، أما يكفينا ما في الواقع من عنف، ولم البحث عن تجلياته في السرد، ونحن يكفينا إلقاء نظرة ذات اليمين أو ذات الشمال لتتجلى لنا مختلف تمظهراته في الواقع، لدرجة غدا يحاصرنا أينما حللنا وارتحلنا، تمطرنا به وسائل الإعلام أبابيل من سجيل، ينبت في شوارعنا كالفطر، حتى أصبح يشكل  جزء من هويتنا والمحرك لحضارتنا المعاصرة،  لذلك ولو طلب منا البحث عن الفرح وتجليات السعادة في السرد  لعز الطلب.
    لكن ما أن جلست للتفكير في الموضوع حتى شخصت أمامي الأسئلة من كل فج عميق: لماذا العنف وليس الصراع في السرد؟ ما الفرق بين المفهومين؟ ما المقصود بمفهوم  العنف في السرد؟ هل المقصود البحث في السرود التي جعلت العنف تيمتها الأساس وكان العنف محورا لها وحاولت انتقاده والبحث له عن حلول؟ أم هل السرود التي تمارس العنف على المتلقي بكل الوسائل المادية والمعنوية؟ أم هل المطلوب السرود التي عنفت الأشكال الموروثة وحطمت قدسيتها في الشكل واللغة  وطريقة التصوير؟ وعن أي نوع من العنف يبحث هؤلاء المنظمون للملتقى؟عنف من وضد من؟ من المعنف ومن المعنَّف في سرودنا؟ وهل ناقل العنف (الكاتب/ السارد) معنف أم معنّف؟  ناهيك عن الأسئلة المتعلقة بتعريف العنف، وأشكاله،  وتعريف السرد وأجناسه.
 في هذه المداخلة أركز على حوالي 30 رواية نسائية عربية معاصرة  حصرت موضوع حديثها في العنف في العلاقة الحميمية بين  الرجل والمرأة  معتقدات بذلك ارتباطهن الوثيق بالواقع اليومي، بالتركيز على ما يقع (هنا ) و(الآن) دون هروب من الواقع إلى الكتابات السريالية، أو الرومانسية الحالمة، ولا النبش في التجارب الغرائبية و الخيال العلمي، أو التاريخ السحيق، أو الاقتباس من الآخر. وعند إلقاء أول نظرة على هذه العينة من الرواية يتضح بجلاء  كيف حضرت العلاقة بين المرأة والرجل  في مخيال النسائي  كعلاقة مأزومة، وهي بهذه الصورة  ليست سوى صورة مصغرة  لوطن عربي ينخره العنف في كل مناحي حياته، وما دامت هذه العلاقة هي مصدر النشأة، ومنبع الحياة، فأكيد إذا كانت مأزومة وعنيفة، فكل ما سينتج عنها سيكون مأزوما وعنيفا، لأن ما بني على باطل فهو باطل، فأكيد أن الانطلاقة والعلاقة الحميمية المأزومة لن تنتج إلا مجتمعا مأزوما، عنيفا  تعشش مختلف العقد في أبنائه.
وقد يتخذ العنف في هذه العلاقة الحميمية  المأزومة صورا منحرفة منها الشذوذ، فقدمت الروائيات الرجل العربي ميالا إلى الشذوذ  والرغبة في الاغتصاب تتساوى في ذلك الكاتبات الشابات في أعمالهن الأولى، كما وجدنا عند الكاتبة المغربية ربيعة ريحان التي  تجعل من زوج بطلة روايتها (طريق الغرام) رجلا شاذا يحب أن يمارس عليه الجنس غير مبال بزوجته، وإذا طالبته بحقها كزوجة ثار في وجهها وكال لها الإهانة والاحتقار. وفي رواية (المنسيون ) لربيعة البلغيتي وهي في ريعان شبابها (كتبت هذه الرواية وهي لما تتجاوز العشرين سنة ) تصور عنفا لا يخطر على بال شاب: أب  يعنف كل يوم زوجته ويصل به العنف إلى اغتصاب ابنته القاصر،  ويموت ليتركها في معاناة لا تتعرف ما تقوله للمجتمع وللابن هل هي أمه أم أخته وهل والده هو أبوه أم جده  جاء في الرواية (يا للكارثة إنها أم لطفل أبوه وجده نفس الشخص طفل لا زالت أمه طفلة ) أي عنف هذا يخطر  ببال شابة صعيرة ؟).
أو في أعمال الكاتبات ذوات التجربة الطويلة في الإبداع الروائي مثلما وجدنا في رواية (زينة) لنوال السعداوي حيث الرجل  بيدوفيل  ميال إلى الاغتصاب بطبعه سواء كان كبيرا مثقفا مثل أب إحدى البطلات، الذي اكتشفته  يغتصب طفلا أعرج قاصر من أطفال الشوارع جاء في الرواية أن البطلة وقفت على ( جسد أبيها وجسد الطفل الولد الأعرج كمن أولاد الشوارع ، عمره ثمانية أعوام مثل عمرها ) ولنا أن نتخيل مستوى العنف الممارس على الطفلين في هذه الصورة،  أو كان مجرد طفل؛ ما دام  الاغتصاب متجرد في الفكر الذكوري منذ النشأة. هكذا جعلت رواية (زينة) الطفل أحمد ابن ثماني سنوات يسرق دمية ابنة عمه ويغتصبها بطريقة جنونية (أخذها معه تحت السرير خلع عنها الثوب الرقيق من الدانتيلا تمزق الكيلوط الوردي الشفاف بين يديه وهو يشده أسفل ساقيها بحثت عيناه وأصابعه عن الشق بين الفخذين دون جدوى، كان الطريق أمامه لا يقوى على اختراقه ..).   
ويصل العنف في العلاقة ذروته عندما تتحول لحظة العمر التي تنتظرها الفتاة،  لجرح ومعاناة وعنف ينخر الذات سرمديا وفي رواية  (اكتشاف الشهوة) للروائية الجزائرية فضيلة الفاروق، يمارس الرجل العنف والشذوذ على زوجته منذ أول ليلة في زواجهما فبدل المعاشرة الزوجية العادية، اختارت الساردة لبطلها طريقا آخر بأن جعلته يعاشر زوجته ليلة الدخلة من دبرها عنوة. تقول معبرة عما أصابها: (أصبت بعطب في مؤخرتي لهذا السبب، وأصبح عذابي الأكبر دخولي  إلى الحمام لقضاء حاجتي ، في كل مرة كانت مؤخرتي تتمزق وتنزف) وبعد أسبوع من زواجهما ( والمفروض أن يكون أسبوع عسل)  يهاجمها يعنفها  ويغتصبها، تقول: (في اليوم السابع جن جنونه، حاصرني في المطبخ، ومزق ثيابي، ثم طرحني أرضا واخترقني بعضوه.. ورمى بدم عذريتي مع ورق الكلينكس في الزبالة).
 وفي الخليج رغم المحافظة الشكلية الظاهرة في المجتمع،  وجدنا عددا من الروائيات من أشرن للشذوذ ففي رواية (بنات الرياض) لرجاء الصانع من السعودية،  أشارت لممارسة الشذوذ وممارسة الجنس على الأطفال الذكور بإشارتها إلى تخنث ابن أم نويرا، وتنكر الأب للأسرة فما أن علم بحال ابنه حتى ترك (المنزل بعد هذه الحادثة ليعيش مع زوجته الثانية بشكل دائم مبتعدا عن هذا المنزل وهذا الولد الخـ…). وكانت فوزية شويش من الكويت في  (سلالم النهار) أكثر جرأة إذ وجدت المرأة بطلب من زوجها مدفوعة إلى كل أنواع  الشذوذ، فجعلت الرواية الزوجين الكويتيين العربيين المسلمين يمارسان الجنس وسط الشواذ في باريس تلبية لطب الزوج، فتقول الساردة (كنا نتسلل  ليلا إلى غابة بولونيا مثلنا مثل حال الشواذ ومتعاطي المخذرات والمتشردين في الشوارع  نعبر في أحراشها ، لنمارس الجنس حالنا من حالهم، الخوف منهم هو الجزء الهام والأساسي في قواعد اللعبة)، بل أخذ معه زوجته لأوكار السحاق ودفعها إليه ليستمتع بمشاهدتها، وكذلك  اتفق معها للعب دور العاهرات في الشوارع ليلا أمام عينيه.
 والملاحظ أن عددا من الروائيات العربيات لم يقتصرن على الإشارة إلى شذوذ الرجال بل منهن من عالجن الشذوذ والمثلية بين النساء كفاتحة مرشيد، عنف اكتوى بنارها الأطفال ونكتفي بهذه الإشارة من رواية (الملهمات) التي وقف فيها البطل على شذوذ والدته يقول: (اتجهتُ وسط الظلام إلى غرفة والدتي استجدي بعض الحنان، لأجدها بين أحضان دادة الغالية في وضعية تفوق الحنان، كانت الواحدة تقبل الأخرى بشغف وقد تحررتا من ملابسهما) ليعلق على الحدث قائلا: ( كان هذا الحدث أول زلزال في علاقتي بالنساء)، أليس هذا ضرب من العنف سيظل تأثيره القوي يصاحب البطل طيلة حياته وهو الذي سيحدد علاقته بالنساء وجعله يمارس عليه عنفه.
بالإضافة إلى الشذوذ كمظهر عنف في الجنس كانت في روايات النساء إشارات إلى عنف جنسي آخر جرحه لا يندمل  يمارس في حق الزوجة، هو عنف الخيانة الزوجية والأنانية، فأي  عنف أكثر من أن تعرف الزوجة في رواية زينة أن زوجها: (في الليل يتسلل من فراشها إلى الخادمة في المطبخ، أو السكريتيرة في المكتب، لا يشتهي إلا الفتيات الصغيرات من الطبقة الدنيا).
  ويصل العنف في العلاقة درجة من السادية عندما يتلذذ الزوج بتعنيف زوجته ولا يهمه إلا إشباع غريزته دون أدنى تفكير في إشباع شهوتها،  ففي رواية (اكتشاف الشهوة)،  تقول البطلة (حين يمارس الجنس معي يفعل ذلك بعكس رغبتي.. يفعل ذلك كما في كل مرة بسرعة دون أن يعطيني مجالا لأعبر عن وجودي كان يقوم بالعملية وكأنها عملية عسكرية مستعجلة يسلمني بعدها للأرق..). وتضيف معبرة عن هذا العنف: ( يخترقني قبل أن يوقظ شهوتي، يفعل ذلك بسرعة وأنا بعد شايحة يؤلمني دون أن أشعر بأي متعة  ثم ينتهي ويتركني جثة تحتضر ).  أي شيء أألم من هكذا عنف.  هذه بعض تجليات العنف المسكوت عنه والذي قد يتجاوز ألمه العنف المادي، لأن هذا الأخير منهي في الزمان والمكان، والعنف المعنوي يتسلل للدواخل ينخر الجوانح للأبد.. لنا أن نتصور تأثير أن يجلس  الرجل يمارس الجنس الأحادي، ويلجأ إلى العادة السرية أمام أنظار زوجته. تقول بطلة (اكتشاف الشهوة) لفضيلة الفاروق: (يعود ثملا في الغالب، والحمرة النسائية تلطخ قميصه والمني يلوث ثيابه الداخلية، بسهولة يجلس أمام إحدى القنوات البورنوغرافية ويمارس العادة السرية دون أن يعيرني اهتماما)، إنه عنف يجعل الرجل (يعيش حياته بالطول والعرض)، وقد  تهون كل أشكال التعنيف، أما العنف الذي تحسه امرأة انتظرت زوجها حتى وقت متأخر  من الليل ليطعنها ويجبرها على الاستسلام لوحدتها مجبرة وعلى عظ الطرف عن سلوكات الزوج: (عاد منتشيا يغني. واضح أن ليلته لم تكن خالية من اللحم الأبيض المتوسط .. لم أهتم دفنت رأسي في المخدة واستسلمت للنوم مرة أخرى).
 وفي اليمن نقدم لكم تجربة  نبيلة الزبير في روايتها (زوج حذاء لعائشة) التي تقدم صورة أقتم لهذا العنف من خلال رجل دين مزواج يجمع بين أربع نساء  من مختلف الشرائح كأنه لا يريد ترك نوعا من النساء دون أن يجربه فهو يجمع بين (الفتاة القاصر ، والمحجبة التي لم يسبق لها ممارسة الجنس ، والعاهرة ذات التجربة الجنسية المتنوعة، والمطلقة أم البنين ذات التجربة الجنسية المحدودة (زوجة أخيه الذي تنازل له عنها بعد اختياره طريق الجهاد)  يمارس عليهن عنفه شذوذه، وكذلك وكان والده قبله يمارس في السر عكس كل ما يتظاهر به: يعاقر الخمر ويعاشر خليلاته اللواتي يستقبلهن في بيته بزي الرجال على أنهم ضيوفه، دون أن تكون لأي فرد من الأسرة  القدرة على  أن يحتج، وهم العارفون بأفعاله، بل يعتبرون (مكسبا إليهم أنه لازال يكترث لهم ويفحش في السر). وأكثر من ذلك  يمارس الجنس مع خليلاته أمام فتاته الصغيرة التي جعلها حارسته وأمينة سره فكان طبيعيا ألا ينتج هذا العنف الرمزي إلا عنفا أكبر: فتاة  اتجهت للدعارة  وفتى متطرف قليل التعليم مهموس بالجنس يمارس العادة السرية. فقد ورد في الرواية أن البطل حسب الساردة رجل ( لم يكمل تعليمه، انضم إلى جماعة إسلامية لم يعرف امرأة في مراهقته وشبابه ولم يكن أمامه إلا العادة السرية التي ظل يمارسها حتى وهو إمام يصلي بالناس وغدت فرضا في حياته). يقول هو عن نفسه:( لا جديد في الصلاة، لا جديد في إمامة المصلين. الجديد هو حيرتي إزاء العادة السرية، لقد كانت فرضا هي الأخرى دخلته لسنين). ومثل أبطال رواية زينة لنوال السعداوي كانت سمة أبطال (زوج حذاء لعائشة) هي الاغتصاب دون أدنى مراعاة لمشاعر المرأة: ( داهمها حيث هي في السجادة.. اجتاحها بدون أية  مقدمات.. لم يمط من ثيابها إلا الموضع المخصص للإيلاج .. ومن فوره غادرها إلى الحمام ليتطهر بغسل باهه، حين عاد رآها لم تزل على حالها تلك، لم تتحرك من مكانها ولا ثيابها عادت إلى موضعها..). وكان (قد اعتاد أن يدخل على زوجته بشرى هكذا لسنين ولا مشكلة)  (كان يجيئها  في سجادتها، في سجودها وكان دخوله عليها لا يقطع صلاتها ولا صيامها، استفت وقيل لها جمعت بين الطاعتين طاعة الله وطاعة زوجك .. ما دام جاءك اغتصابا فلا تثريب عليك، المهم النية، اعقدي النية على الطاعة بارك الله فيه. عقدتُها، كان الاغتصاب سمة ذلك الرجل .. طوال الوقت كنتَ هذا الرجل الذي لا يقطع صلاة ولا صياما ). ويصل عنف الجنس درجة من السادية في رواية العمامة والطربوش لبن عزيزة صبرينة من الجزائر، حين يتزوج الرجل على زوجته ليلة ولادتها لفتاة انتقاما منها  (تزوج عليها أبي لما أنجبت له بنتا ثانية وأجبرها على الرقص في عرسه وهي نفساء)، مما تسبب في وفاتها.
 العنف بكل تجلياته ( شذوذ، خيانة ، اعتصاب، سرية ..)  يوحد الرجال في نظر الروائيات العربيات،  فقد ورد في رواية(زينة)  لنوال السعداوي أن الرجال: (شبه بعض  في كل حاجة، في الشغل السري، في النشاط السياسي، في النشاط الجنسي، شبه بعض في كل حاجة، حتى الخيانة والكذب والمراوغة وعشق السرية والتخفي، وإخفاء الفساد والتشدق بكلمات كبيرة أوي، تحت اسم ربنا الله، أو ربنا كارل ماركس ..).   
ترجع الروائيات العربيات عنف الرجال  في العلاقة الحميمية إلى الكبت وضعف شخصية الرجل  وفراغ عقله إلا من الجنس، مما يجعله يعوض هذا الضعف بالظاهر بالفحولة والاستئساد على المرأة، هكذا كان الرجل رغم ثقافته في رواية (سعار ) لبثينة العيسى من الكويت:  (رجل عامر بالنساء)،  يستغل فتاة  طاهرة لا جنس في حياتها، كل شيء عنده مرتبط بالجنس (كل شيء في العالم قائم على الجنس كل الحضارات والثقافات والآداب العظيمة هي شهوة جنسية ). كان يفعل ذلك بدعوى تكسير الطابوهات، يقول لها: (ساعديني لنكسر معا كل تابوهات العالم)  وبعدما نضجت تقول: ( أعرف الآن بأن كسر تابوهات العالم بالنسبة لك هو أن أملأ سريرك، ونفس الفراغ نلمسه في رواية (زينة) لنوال السعداوي إذ ترى أن  الرجل العربي:  (عقله فارغ ليس فيه إلا الحيض والنفاس والرضاع).  و (كل الرجالة ورق، كلهم مرضى، كذابين منافقين مزدوجين).  ..
 لذلك ليس غريبا أن يستغل الرجل منصبه لتعويض نقصه، فوجدنا طبيبا نفسيا في رواية زينة، يستغل مهنته لاستغلال مرضاه: (يستخدم الأريكة لعلاج نفسه من الحرمان الجنسي، ينكح من النساء ما يشاء، أحل الله له النكاح بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الطب النفسي).
بذلك يتحول الطبيب نتيجة عنفه إلى مريض  (أدرك الطبيب النفسي أنه مريض، يحتاج إلى طبيب يعالجه، الانفصام بين عقله ووجدانه، عقله غير مؤمن، لكنّ وجدانه مؤمن، لا أمل له في الشفاء، محكوم عليه بالازدواجية منذ الطفولة).
عنف الرجل إذن  في رواية النساء مرتبط بضعف ثقافته، يعوض ضعف العقل بالقوة العضلية، والفحولة المزعومة  لتربط معظم الروايات عنف الرجل  بأزمة الجنس ففي  (سلالم النهار) لفوزية شويش السالم من الكويت، كل ما في الحياة وعلى الأرض عند الرجل مرتبط بالجنس و(لكل شيء معنى للإيروتيكية: قبضة الملاكم، خرطوم الفيل، رأس الحية، كعب عالي، مقدمة سيارة قديمة، فتاحة علب، مسدس ،يد التيلفون القديم ، الحبال، السلاسل صبابة البنزين، والتراث العربي أيضا حصة ونصيب كبير فيه .. حرف الألف مثلا وكل مستقيم واقف وكل عصا .. هل الحياة في حقيقتها ليس لها أي معنى خارج الفعل الجنسي؟ نظرية والدي أيضا تثبت هذا المعنى). هذا هو الرجل العربي،  همه الوحيد الجنس واختراق خواتم المرأة. ففي  سلالم النهار بينت الساردة أن ضاري لم يترك خاتما في جسد زوجته إلا حاول اختراقه، ففي باريس جعلها تكيف حواسها وكل “خواتمها” لإرضائه  (خاتم الشفاه المكتنزة، خاتما فتحتي الأذن، خاتما فتحتي الأنف، خاتم الصرة، خاتم الدبر وخاتم الأختام كلها الفرج مصب الأحاسيس كلها)، رجل لم يعجبه من كل متاحف باريس ودورها الثقافية إلا أن يأخذها إلى متحف اللوريتزم المتخصص في المعروضات الجنسية،  تقول: (ليريني الحياة الجنسية منذ بدء خليقتها ومن اللحظة الأولى .. المبنى الغريب خصصت كل طوابقه المثيرة للعرض الجنسي كل ما فيه مرصود لتثبيت العلاقة الجنسية منذ فجر البدائية ). هذا الهوس والتظاهر بالفحولة  ألفيناه أيضا في رواية الملهمات لفاتحة مورشيد من المغرب، حيث البطل لم تشفع له أستاذيته وثقافته ومؤلفاته هوسه الجنسي، بل لا تستقيم ثقافته  ولا يستقيم أحد القلمين دون الآخر: فليكتب عليه ممارسة الجنس، بقدر ما تكون الممارسة جنونية، يكون الإبداع، لذلك حرص على تنويع شركائه من النساء بين  ( المغنية، الراقصة، الأديبة، الشاعرة، الرسامة، الخادمة، العربية، والأعجمية ..)، ومختلف الجنسيات (المغربية، الصينية، الألمانية، الخليجية ..) عاش معهن وهو المتزوج لحظات جنسية كانت وحدها سبب إبداعه وكتاباته، مؤمنا أن أمام كل رجل عظيم (نساء كثيرات مستعدات للقيام بالتضحيات نفسها حتى يستقيم لهن القلم.. وتستقيم له الكتابة )، دون أن يسيل حبر قلمه طبعا لتلك العلاقات مع من سماهن (مومسات أو عابرات لعواطفي).  وهو في كل ذلك ظل (دائم الجوع للنساء… يحبهن لدرجة السادية). هوسه وجوعه الجنسي هذا جعله يقضي حياته في عذاب وعنف دائم يحاول (إقناع النساء بأن ممارسة الجنس خلال فترة الحيض مسألة طبيعية)، ويسعى إلى تحقيق ذلك كمن يسعى إلى حتفه، وفعلا كان ذلك بأن أصيب بسرطان البروستات بعد مضاجعة أم سعودية حائض فجف نبع إبداع قلميه، مصدرا فخره.
 ذلك هو الرجل العربي في عيون الروائيات،  وهو رجل  بيدوفيل يفضل البنات الصغيرات على المرأة الناضجة، وهي ظاهرة يبدو أنها تؤرق بال الروايات العربيات المعاصرات، لذلك استنكرتها معظم الروايات.
 يتضح أنه رغم التطور الذي شهده المجتمع العربي في العمران والاقتصاد والبنية التحتية مقارنة مع ما كان عليه قبل قرن من الزمن، فإن الروائيات العربيات يرين من خلال إبداعهن أن العقلية العربية لم يطرأ عليها التغيير الذي يناسب التطلعات، خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع المرأة.
 في النهاية لا ينبغي أن يفهم من خلال هذه الكلمة أن الرواية النسائية، تغيت حصر الحياة في علاقة الرجل بالمرأة، ومهاجمة الرجل وتحميله مسؤولية أزمة وطننا العربي وإنما في مهاجمتها الرجل مهاجمة صورة الرجل المتسلط فيه، إذ وجدنا من البطلات من تجري وراء الرجل الذي يهفو قلبها له مستعدة للتضحية بحياتها من أجله: فقضت سلوى في رواية (أوهام)، مخلصة لزوجها رغم خياناته، جزءا هاما من حياتها وراء عزيز تتمنى أن يفتح لها قلبه، وعرضت سعدة في رواية (العمامة والطربوش) حياتها للخطر من أجل الهروب مع مروان الشاب الفلسطيني وقدمت نفسها قربانا لحبهما، واختارت ريما بطلة ( في قلبي أنثى عبرية) تغيير ديانتها من اليهودية إلى الإسلام، وتغيير وطنها من تونس إلى لبنان والوقوف في وجه عائلتها، وبل والدفع بأسرتها كلها إلى دخول الإسلام، حبا في أحمد ليكون زوجا لها، دون أن تقدم رواية النساء أي امرأة تجري وراء الرجل لأهداف مادية، ولا رغبة جنسية  أو بغية تغيير وضعها المادي، وإن وجدنا من الخليجيات من ترغب في  الرجل لتخليصها من قسوة الواقع،  حتى لو اقتضى الأمر زواجا أبيض من خلال البحث عن رجل للزواج والسفر بها خارجا وتطليقها هروبا من عنف الواقع الذكوري المحتقر للمرأة، فوجدنا الفتيات الكويتيات يقلن (لنعثر على رجل فيتزوجنا ويمضي بنا إلى الخارج ثم يقوم بتطليقنا  ..).
لقد هاجمت الرواية النسائية المعاصرة الرجل الخائن والمتسلط، وهو  ليس هجوما على الرجل بمعناه المطلق والعام، وإنما رغبة في تصحيح وضعية تحس فيها المرأة بأنها مضطهدة، محتقرة ومستغلة، بدليل أن لا امرأة واحدة في كل ما طالعنا من روائيات نسائية اختارت حبيبا غربيا. فقارئ الرواية النسائية المعاصرة  قلما يعثر  فيها على امرأة تعلقت برجل غربي،  وإنما ظلت كل البطلات  مصرات على الارتباط  بالرجل العربي/ الشرقي،  كما لم يسمح خيال الروائية الخليجية  بتخيل علاقة خارج الحدود المحلية، فلم ترتبط الخليجية روائيا إلا بالرجل الخليجي بل وبابن البلد خاصة، فظل كل العشاق بطلات: بنات الرياض، وأوهام، وطشاري، وسعار،  وسلالم النهار، وصلصال، وفلتغفري، وأحببتك أكثر مما تستحق، وأنا أحيا .. وغيرها من الأعمال المشرقية، مقابل ذلك كانت المغاربيات أكثر انفتاحا. وتخيلن في أعمالهن علاقات بين المرأة المغاربية والرجل المشرقي، وإن كن حريصات في اختيار الشريك بطريقة لا تسيء للمرأة المغاربية؛  فجمعت علاقة مغربية بعراقي مقيم في أنجلترا في رواية (طريق الغرام) للكاتبة المغربية ربيعة ريحان، فضلته على زوجها الشاذ،  كما اختارت بطلة رواية (العمامة والطربوش) الجزائرية عشيقا من فلسطين مقيما بالجزائر وفضلت الموت على الارتباط برجل جزائري، واختارت بطلة رواية (اكتشاف الشهوة) من الجزائر أيضا عشيقا من لبنان وفضلته على زوجها، وكذلك اختارت كاتبة رواية الملهمات فاتحة مورشيد لبطلها عشيقات من عدة جنسيات خارج المغرب والعالم العربي والأمثلة كثيرة.
 
إشارة:

 جزء من مداخلة ألقيت في ملتقى السرد الذي نظمته مؤسسة الكلمة  للثقافة والفنون بآسفي ما بين 27و28 ماي 2016

Related posts

Top