جدلية الشكل واللون في تشكيلات المغربية نجية عماري

تتميز الفنانة التشكيلية نجية عماري برؤيتها التشكيلية الماتحة من لب التجريد مقوماته الأساسية، وهي تتغيا وضعيات اللعب باللون وتمويجه على نطاق واسع في الفضاء، بنحو من الاحترافية في بعث الصورة التجسيدية في الصورة التجريدية في أشكال متنوعة، ما يضع المادة التشكيلية في مراوحة تشكيلية بين ما تخصصه من مضامين مختزنة في عمق المادة التجريدية، والصورة الشكلية المتمظهرة في نطاق مادة تشكيلية تجريدية تسائل وحدة الموضوع ووحدة الشكل ووحدة التجسيد. لذلك فالخطاب الفني لدى المبدعة نجية ينبني على الرؤية المسعفة في تأمل التجريد من زاوية إدماج اللون في بناء الشكل وباء التجسيد.

على أن بناء اللون يتم وفق رؤية خاصة لا يتدخل فيها الشكل ولا يتدخل فيها بناء الشخوصات التعبيرية. إن هذه الصورة التشكيلية العامة في الفضاء تكتسي أهمية خاصة في قيمة الوظائف البنائية وكذلك الدلالية. وهو محيل مهم في التجربة التشكيلية للمبدعة، بوصفها توجُّها نحو فارقية الشكل واللون والشخوصات، من حيث عمليات البناء وتأثيث الفضاء التشكيلي. وبذلك تظهر مباشرة الفروق بين مختلف الألوان والأشكال والصور. وهذا، وإن كان عكس مجرى العمل التجريدي والعمل الواقعي، إلا أنه يتبدى فيه الاجتهاد والابتكار من خلال الاستعمال الموحد على ألوان فارقة، وأشكال متباينة توظفها الفنانة نجية بتقنيات عالية وبتباين بنائي مكتمل المعالم، وبأسلوب تشكيلي رائق. وهو ما يتمظهر في العديد من الصور التشكيلية داخل نسق أعمالها مثقلا بالمعاني والدلالات.

فالمظاهر اللونية والتشكيلية والعلاماتية المحملة بالإيحاءات والتعابير والمغازي في فضاء مفتوح تنتج تواشجات فنية، وتنسج حيزا إبداعيا تتحكم فيه رؤيتها في وضع مختلف المتباينات في مفارقة صارخة، تُعمّق هذه الهوة حِدّةُ الأشكال والألوان والرموز والعلامات التي تطبعها أحيانا كثيرة الإيجابية المطلقة. إن اكتناز مجموعة من المضامين وفق تمظهرات شكلية بتباينات ومفارقات يحتاج إلى موازنة بين التركيب والمساحة، خاصة أن المبدعة تشتغل على خامات كبيرة وأخرى متوسطة توزع فيها الأشكال التعبيرية والعناصر اللونية والشكلية المتباينة، التي تغذيها المادة الفنية وتدعمها بتقنياتها الخاصة، وباستعمالاتها العلاماتية والرمزية المتنوعة، وبتوظيفاتها الدلالية الناتجة عن الطرائق التعبيرية داخل البؤرة التشكيلية. وكل ذلك يجعل المبدعة نجية عماري ترسي نهجا قويما في مشوارها التشكيلي، وتمنح أعمالها قسطا جماليا مما حصلته تجربتها ذات الخصوصيات المتفردة، مما دلّلَت عليه بتصوراتها من تعبيرات عن قضايا متنوعة وقيم فنية جديرة بالاهتمام والمتابعة. إنه في واقع الأمر تفاعل مع التشكيل بنوع من الطلاقة التشكيلية والحرية في الأداء، لذلك تمر عمليات مغازلة الفضاء بقدر وافر من الحركة. وهو ما يبين حسن اختيارها وتمثلاتها الفنية. وهو اختيار موفق بكل ما حملته له من طقوس فارقية للتعبير عن مكنوناتها وعن مختلف المضامين التي احتوتها الألوان والأشكال بنوع من المهارة وبقدر وافر من الجمال.

> محمد البندوري

Related posts

Top