جهود مغربية متواصلة من أجل بناء تحالف إفريقي في مواجهة التغيرات المناخية

لدعم جهود الدول الإفريقية المشتركة وللحفاظ على مصداقية العمل المناخي واستدامته أصبحت مسألة بناء تحالف إفريقي في مجال مكافحة التغيرات المناخية ضرورة ملحة خصوصا وأن المغرب قطع أشواطا هامة في هذا الاتجاه مع تفعيل دور لجان المناخ الثلاث في تعزيز الصمود والتكيف داخل القارة. بالطبع اليوم هناك العديد من العوامل التي تزيد من تفاقم الآثار المادية للتغيرات المناخية على القارة  الإفريقية وفي مقدمتها التطور الديمغرافي الكبير والوضع الاقتصادي الهش وغياب القدرات التكنولوجية الملائمة مما يجعلنا نجزم أن مؤشرات الأداء المناخي لا تعزز الصمود والتكيف الملائم الذي يتيح لإفريقيا مواجهة التغيرات المناخية على نحو مستدام.

 وكان جلالة الملك محمد السادس قد أطلق العديد من المبادرات القارية وخاصة لجان المناخ الثلاث لمنطقة الساحل وحوض الكونغو والدول الجزرية من أجل تجسيد الإجراءات التي تتيح تعزيز التكيف والصمود بالقارة في مواجهة هذه الظاهرة. وهنا سيأتي بناء تحالف إفريقي لرفع تحديات التغير المناخي كتتويج لكل هذه المبادرات الملكية من أجل ضمان توحيد الجهود لتعبئة أكبر للموارد المالية و اللوجيستيكية المتاحة بالقارة لتعزيز تكيفها وصمودها، سواء على مستوى نظام الإنذار المبكر أو على مستوى الالتزام والتفاعل مع مختلف شركاء إفريقيا.

إفريقيا التي تظل اليوم القارة الأقل مساهمة في انبعاثات الغازات الدفيئة في حين يبقى الرهان الرئيسي في هذه المعركة هو التقليل من انبعاثات الكربون، اليوم القارة الإفريقية مطالبة بأن تتحدث بصوت واحد من أجل ضمان إدراج تغير المناخ بإفريقيا في جميع جداول الأعمال للمؤتمرات الدولية. وإفريقيا التي تشهد اليوم أسوأ تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري مثل الجفاف والفيضانات والأعاصير كما يكلف تأثير تغير المناخ الاقتصادات الأفريقية ما بين 3٪ إلى 5٪ من ناتجها المحلي الإجمالي، وعلى الرغم من أنها ليست مسؤولة عن التسبب في تغير المناخ، إلا أن القارة لا تزال تتحمل كلفة وتكلفة تغير المناخ.

وقد اتفقت البلدان ذات الاقتصادات المتقدمة على دعم تنفيذ التحولات العادلة التي تعزز التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر، وخلق العمل اللائق والوظائف الجيدة. وهناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به لأفريقيا والعالم للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند مستوى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، ولا يزال من دواعي القلق أن التدفقات المالية اللازمة لتمكين بلدان الاقتصادات النامية على وجه الخصوص من التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها لا تزال غير كافية إلى حد كبير، في الوقت الذي يجب الاعتراف فيه بالاحتياجات والظروف الخاصة بأفريقيا عالميا، بسبب اقتصاداتنا القائمة على الموارد الطبيعية، وبسبب ارتفاع مستويات الفقر والبطالة والتخلف ومثل هذا القرار سيتيح التدفقات المالية الضرورية إلى قارتنا حالما نبدأ تحولات عادلة نحو مستقبل بمستويات منخفضة من الكربون.

مجهودات المغرب من أجل إفريقيا

مثلت قمة العمل الإفريقي الأولى التي نظمت خلال رئاسة المغرب لمؤتمر الأطراف “كوب 22” في مراكش، بمبادرة من صاحب الجلالة الملك محمد السادس حقبة جديدة من العمل المناخي الإفريقي لتقديم استجابات ملموسة للآثار المقلقة للتغير المناخي في القارة وتجدر الإشارة إلى أن المملكة المغربية كانت قد أطلقت أيضا مسلسل الرفع من مساهماتها، والتي ستمكن من خلال “رؤية المغرب 2050” من أجل استراتيجية طويلة المدى لانبعاثات منخفضة الكربون، من تحقيق أهداف المغرب المناخية في الموعد المحدد قبل أسابيع من انعقاد مؤتمر الأطراف كوب 26، لهذا فالتزام المغرب القوي بأجندة المناخ الدولية هو التزام تجسده أولا وقبل كل شيء المساهمات الطموحة المحددة وطنيا التي تهدف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 45.5 في المائة بحلول عام 2030 لذا يتعين علينا أيضا ضمان توازن بين التمويل الموجه لتدابير التخفيف والتمويل الموجه لتدابير التكيف، وبخصوص التحديات التي يتعين مواجهتها فيما يتعلق بالتصدي لآثار التغير المناخي في إفريقيا، سجل السيد الوزير أن القارة لا تعامل، في السياق الحالي، على أنها “شريك على قدم المساواة، كما تتجسد جهود المغرب لدعم الحلول العالمية من خلال مبادرتي تعميم الوصول العالمي إلى الطاقة المستدامة ومنصة الشباب الإفريقي من أجل المناخ، اللتين تم إطلاقهما خلال قمة العمل المناخي سنة 2019، فقارتنا الإفريقية اليوم تعاني من العديد من أوجه عدم المساواة: عدم المساواة في المسؤوليات لكون قارتنا التي تنبعث منها أقل الغازات الدفيئة هي الأكثر تأثرا بالتغير المناخي، وعدم المساواة المرتبطة بالقدرات في مجال الخبرة، وببلورة حلول تكنولوجية، والاستباقية، وعدم المساواة في الموارد المالية من أجل تنفيذ السياسات والاستراتيجيات بما يتماشى مع الالتزامات التي تدعمها البلدان الإفريقية أضحى من الملح أكثر من أي وقت مضى اتخاذ تدابير تتماشى مع أجندة 2030 للتنمية المستدامة وإحداث تغيير منهجي في قرارات التمويل ذات الوقع الأكبر.

 

تحالف من أجل إفريقيا مزدهرة وقادرة على الصمود في وجه تغير المناخ

 يأتي هذا التحالف المزمع تحقيقه في أوج الاستعداد للمشاركة في أشغال المؤتمر السابع والعشرين لتغير المناخ، وبالموازاة مع الزيادات الكبيرة في درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر والتحول في أنماط الطقس، والظواهر الأخرى التي أصبح لها آثار ضارة على صحة الإنسان والنظم البيئية الطبيعية، وغيرها من الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية الوخيمة في أفريقيا التي لا زالت تعيش على وقع تفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي بشكل خطير بسبب جائحة كوفيد-19، هذه الجائحة التي أثرت على الأمن الغذائي وفقدان الدخل وسبل العيش وجلبت معها أو زادت من المخاطر السياسية وأفقرت فئات مجتمعية عديدة خصوصا في العالم القروي وفي مقدمتها فئات النساء والأطفال  باعتبارهم الفئات الأكثر هشاشة والأكثر تأثرا، وباعتبارها واحدة من أكثر المناطق تضررا بتأثيرات تغير المناخ ، ما فتئت أفريقيا تدعو إلى اتخاذ إجراءات عالمية وإقليمية ووطنية عاجلة وعملية وتعزيز الطموح لمواجهة تغير المناخ. وقد ارتقت الدول الأفريقية إلى مستوى التحدي المتمثل في المساهمة في مواجهة تحدي المناخ العالمي، على الرغم من مساهمتها الأقل في إحداث هذه الأزمة الوجودية.

 

تهديد متزايد لصحة الإنسان والأمن الغذائي والتنمية في أفريقيا

إن تزايد درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر وتغير أنماط الهطول وزيادة الأحوال الجوية المتطرفة تهدد صحة الإنسان وسلامته، والأمن الغذائي والمائي، والتنمية الاجتماعية – الاقتصادية في أفريقيا، وفقا لما جاء في تقرير جديد مكرس حصرا للقارة. يقدم تقرير حالة المناخ في أفريقيا لعام 2019، وهو مطبوع صادر عن وكالات عديدة بتنسيق من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية لمحة عن الاتجاهات المناخية الحالية والمستقبلية والآثار المرتبطة بها على القطاعات الاقتصادية والقطاعات التي تتأثر بالمناخ من قبيل الزراعة ويسلط التقرير الضوء على الدروس المستفادة من العمل المناخي في أفريقيا ويحدد سبل معالجة الثغرات والتحديات الحرجة ويجري إصدار التقرير لتسليط الضوء على الحاجة الملحة إلى العمل المناخي في أفريقيا وعلى الحالة الراهنة للقدرات. لقد أصبحت المخاطر أكثر حدة، وقال البروفيسور بيتيري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: “إن تغير المناخ له تأثير متزايد على القارة الأفريقية، حيث يضرب الفئات الأشد ضعفا، ويساهم في انعدام الأمن الغذائي ونزوح السكان، ويضغط على الموارد المائية. ولقد شهدنا في الشهور الأخيرة فيضانات مدمرة، وغزوا للجراد الصحراوي، والآن نواجه شبح الجفاف الذي يلوح في الأفق بسبب ظاهرة النينيا وقد تفاقمت الخسائر البشرية والاقتصادية بسبب جائحة فيروس كورونا”، وقالت سعادة السيدة  جوزيف ليونيل كوريا ساكو المفوضة المعنية بالاقتصاد الريفي والزراعة بمفوضية الاتحاد الأفريقي: “إن المعلومات المناخية القائمة على العلم هي أساس بناء القدرة على الصمود وحجر الزاوية في التكيف مع تغير المناخ، فضلاً عن أنها واحة لسبل العيش والتنمية المستدامين ولذلك، فإن تقرير حالة المناخ في أفريقيا له دور حاسم في هذا الصدد، بما في ذلك في توجيه إجراءاتنا لتحقيق أهداف خطة أفريقيا لعام 2063″، وقالت سعادة السيدة فيرا سونغوي وكيلة الأمين العام والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة: “إن استيعاب خدمات المعلومات المناخية واستخدامها بشكل محدود في التخطيط الإنمائي والممارسة في أفريقيا يرجع جزئياً إلى ندرة المعلومات المناخية الموثوقة ذات التوقيت المناسب، وسيقطع هذا التقرير، الذي يركز على أفريقيا، شوطا طويلا نحو سد هذه الفجوة،  وتسعى مساهمة اللجنة الاقتصادية لأفريقيا في إعداد هذا التقرير، من خلال المركز الأفريقي للسياسات المناخية، إلى تسليط الضوء على العلاقة بين تغير المناخ والتنمية، والتأكيد على أن المضي قدما بشكل أفضل بعد جائحة فيروس كورونا يتطلب نهجا إنمائيا أخضر ومستداما ومقاوما للمناخ ومسترشداً بأفضل العلوم المتاحة. وتعزز مشاركة العديد من المؤسسات والوكالات في إعداد التقرير مبادئنا ونهجنا في العمل كبنية واحدة”.

 

إفريقيا تعرف زيادة درجات الحرارة وارتفاع مستوى سطح البحر

كان عام 2019 من بين أحر ثلاث سنوات مسجلة في القارة، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، وكانت درجات الحرارة في أفريقيا في العقود الأخيرة تزداد بمعدل مماثل لمعظم القارات الأخرى، وبالتالي أسرع إلى حد ما من المتوسط العالمي لدرجات الحرارة السطحية، وتظهر أحدث التنبؤات العقدية، التي تغطي فترة السنوات الخمس من 2020 إلى 2024، استمرار الاحترار وانخفاض سقوط الأمطار، لاسيما في شمال أفريقيا وجنوبها، وزيادة سقوط الأمطار في منطقة الساحل، وستتجاوز درجات الحرارة في مساحات شاسعة من أفريقيا درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول العقدين الأخيرين من هذا القرن، وفقا للسيناريوهات المتوسطة الواردة في تقرير التقييم الخامس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ وقد ارتفعت بالفعل درجات الحرارة في معظم أفريقيا بأكثر من درجة مئوية منذ عام 1901، مع زيادة في موجات الحر والأيام الحارة، ومن المرجح أن ينخفض الهطول في شمال أفريقيا والأجزاء الجنوبية الغربية من جنوب أفريقيا بحلول نهاية هذا القرن، وفقا للهيئة.

 

ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل سواحل إفريقيا

ثمة تباين إقليمي كبير في اتجاهات مستوى سطح البحر حول أفريقيا فقد بلغت الزيادة في مستوى سطح البحر 5 مم سنويا في عدة مناطق بالمحيطات حول القارة، بل وتجاوزت 5 مم سنويا في جنوب غربي المحيط الهندي من مدغشقر شرقا نحو موريشيوس وما بعدها، ويتجاوز ذلك المتوسط العالمي لارتفاع مستوى سطح البحر الذي يبلغ 3-4 مم سنويا، كما أن تدهور السواحل وتآكلها يمثل تحديا كبيرا، لاسيما في غرب أفريقيا، ويتآكل نحو 56 في المائة من الخط الساحلي في بنين وكوت ديفوار والسنغال وتوغو، ومن المتوقع أن يزداد هذا الوضع سوءا في المستقبل، وارتفاع مستوى سطح البحر ليس هو العامل المسيطر حاليا، ولكن من المتوقع أن يتضافر مع عوامل أخرى في المستقبل مسببا تفاقم الآثار السلبية للتغيرات البيئية.

 

إفريقيا تعيش على إيقاع الظواهر المناخية المتطرفة

يوثق التقرير الظواهر عالية التأثير في عام 2019، وكان الإعصار المداري إيداي من بين الأعاصير المدارية الأكثر تدميرا التي سجلت على الإطلاق في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، والذي أسفر عن مئات الضحايا ومئات الآلاف من المشردين، وعانى الجنوب الأفريقي من جفاف واسع النطاق في عام  2019 وعلى النقيض من ذلك، تحولت منطقة القرن الأفريقي الكبرى من الظروف الجافة جدا في عام 2018 ومعظم عام 2019 إلى حدوث فيضانات وانهيارات أرضية مرتبطة بسقوط غزير للأمطار في أواخر عام  2019 كما أثرت الفيضانات على منطقة الساحل والمناطق المحيطة بها في ماي إلى أكتوبر2019.

 

تغير المناخ يهدد الأمن الغذائي للقارة الإفريقية 

في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى المعرضة للجفاف، ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية بنسبة 45.6 في المائة منذ عام 2012، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، والزراعة هي العمود الفقري لاقتصاد أفريقيا، وهي تمثل غالبية سبل العيش في أنحاء القارة. ولذا، فإن أفريقيا هي “نقطة ساخنة” معرضة لتأثيرات تقلبية المناخ وتغيره وقابلة للتأثر بها، وتشير توقعات الهيئة إلى أن سيناريوهات الاحترار قد تكون لها آثار مدمرة على إنتاج المحاصيل والأمن الغذائي، وتشمل المخاطر الرئيسية التي تواجهها الزراعة انخفاض إنتاجية المحاصيل المرتبطة بالإجهاد الحراري والجفاف، وزيادة الأضرار الناجمة عن الآفات، والأضرار الناجمة عن الأمراض، وآثار الفيضانات على البنية التحتية للنظام الغذائي، مما يؤدي إلى آثار سلبية خطيرة على الأمن الغذائي وعلى سبل العيش على المستويات الإقليمية والوطنية والفردية للأسر المعيشية وبحلول منتصف هذا القرن، ستتأثر سلباً محاصيل الحبوب الرئيسية التي تزرع في أنحاء أفريقيا، رغم تباين المحاصيل واختلافها على المستوى الإقليمي وفي ظل سيناريو تغير المناخ الأسوأ، من المتوقع أن ينخفض متوسط الغلات بنسبة 13 في المائة في غرب أفريقيا ووسطها، و11 في المائة في شمال أفريقيا، و8 في المائة في شرق أفريقيا وجنوبها. وقد وجد أن الدخن والذرة الرفيعة هما المحصولان الواعدان، إذ ستبلغ الخسارة في غلتهما، بحلول عام 2050، 5 و8 في المائة على التوالي، بسبب قدرتهما الأكبر على الصمود في مواجهة ظروف الإجهاد الحراري، في حين من المتوقع أن يكون الأرز والقمح المحصولين الأكثر تضرراً، إذ ستبلغ الخسارة في غلتهما، بحلول عام 2050، 12 و21 في المائة على التوالي.

 

الآثار الصحية لتغير المناخ بإفريقيا

إن ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات في أنماط سقوط الأمطار لهما أثر كبير على صحة السكان في أنحاء أفريقيا إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وزيادة سقوط الأمطار إلى زيادة ملاءمة الموائل للحشرات اللاسعة وانتقال الأمراض المنقولة بالنواقل، من قبيل حمى الضنك والملاريا والحمى الصفراء، وبالإضافة إلى ذلك، تظهر أمراض جديدة في مناطق لم تكن موجودة فيها من قبل، وفي عام 2017، كان ما يقدر بنحو 93 في المائة من حالات الوفاة الناجمة عن الملاريا في العالم في أفريقيا. وغالباً ما تحدث أوبئة الملاريا بعد فترات من الأمطار الغزيرة غير العادية. وإضافةً إلى ذلك، يسمح الاحترار في مرتفعات شرق أفريقيا للبعوض الحامل للملاريا بأن يبقى على قيد الحياة على ارتفاعات أعلى.

الآثار الاقتصادية لتغير المناخ على القارة الإفريقية

وفقا لصندوق النقد الدولي، تتركز الآثار السلبية لتغير المناخ في المناطق ذات المناخ الحار نسبيا، حيث يوجد عدد كبير بشكل غير متناسب من البلدان منخفضة الدخل، ويتوقع المركز الأفريقي للسياسات المناخية أن يعاني الناتج المحلي الإجمالي في الأقاليم الفرعية الخمسة لأفريقيا من انخفاض كبير نتيجة لارتفاع درجات الحرارة العالمية، وبالنسبة لسيناريوهات تتراوح فيها زيادة درجات الحرارة العالمية بين درجة واحدة و4 درجات مئوية قياسا بمستويات ما قبل العصر الصناعي، من المتوقع أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للقارة بنسبة تتراوح بين 2.25 و12.12 في المائة وسيتأثر غرب أفريقيا ووسطها وشرقها تأثرا سلبيا أكبر من جنوبها وشمالها.

 

العمل المناخي وخطة إفريقيا 2063

تعترف خطة أفريقيا لعام 2063، التي وضعت في عام 2013، بتغير المناخ بوصفه تحديا كبيرا أمام تنمية القارة ومنذ عام 2015، أصبحت المساهمات المحددة وطنيا في اتفاق باريس الأداة الرئيسية لتوجيه استجابات السياسات لتغير المناخ. وقد قدم 52 بلدا أفريقيا أول مساهماتهم المحددة وطنيا  وهم الآن بصدد تقديم مساهمات منقحة في عام 2020، وأفريقيا والدول الجزرية الصغيرة النامية هي المناطق التي تواجه أكبر فجوات في القدرات فيما يتعلق بالخدمات المناخية. وتمتلك أفريقيا أيضا شبكة الرصد الأرضية الأقل نموا من بين جميع القارات.

لقد بذلت أفريقيا جهوداً كبيرة في دفع جدول الأعمال العالمي الخاص بالمناخ ويتضح ذلك في المستويات العالية جداً من التصديق على اتفاق باريس – أكثر من 90 في المائة، وقد التزمت بلدان أفريقية كثيرة بالانتقال إلى الطاقة الخضراء في غضون فترة زمنية قصيرة نسبيا، وتحظى الطاقة النظيفة والزراعة مثلاً بالأولوية في أكثر من 70 في المائة من المساهمات في أفريقيا، وينبغي أن يكون هذا الطموح جزءاً لا يتجزأ من تحديد أولويات التنمية الاقتصادية للقارة، ومن النهج الواعدة في جميع أنحاء القارة، التي ستنتج عن الحد من المخاطر المتعلقة بالمناخ وتأثيرات الظواهر المتطرفة، الحد من الفقر من خلال تعزيز النمو الاجتماعي – الاقتصادي، ولاسيما في قطاع الزراعة. ففي هذا القطاع الذي يعمل فيه 60 في المائة من سكان أفريقيا، تفيد التقارير بأن الأساليب ذات القيمة المضافة التي تستخدم مصادر الطاقة الفعالة والنظيفة قادرة على الحد من الفقر بمعدل مرتين إلى أربع مرات أسرع من النمو في أي قطاع آخر، وعلى سبيل المثال، تؤدي أساليب الري الدقيقة الفعالة التي تعمل بالطاقة الشمسية إلى زيادة الدخل على مستوى المزرعة بمقدار 5 إلى 10 مرات، وإلى تحسين الغلات بنسبة تصل إلى 300 في المائة، وتقليل استخدام المياه بنسبة تصل إلى 90 في المائة، وفي الوقت نفسه تعوض انبعاثات الكربون من خلال توليد ما يصل إلى 250 كيلووات من الطاقة النظيفة، وتشكل النساء نسبة كبيرة من فقراء العالم، وحوالي نصف النساء في العالم تعمل في مجال الزراعة – وتبلغ هذه النسبة في البلدان النامية 60 في المائة، وفي البلدان المنخفضة الدخل التي تعاني من عجز غذائي تبلغ 70 في المائة، ولذا، فإن الحد من الفقر عن طريق نمو قطاع الزراعة في أفريقيا يعود بفائدة خاصة على المرأة، وقد يكون الأمر كذلك أيضاً في أن المرأة لا تحصل في بعض الحالات على خدمات الطقس والمناخ؛ ومن المهم أن يحصل جميع الأفراد على هذه الخدمات من أجل تعزيز قدرتهم الفردية على الصمود والتكيف.

 

قيادة إفريقيا الحكيمة لمعالجة تغير المناخ

في عام 2006، بدأت اللجنة الاقتصادية لأفريقيا عملية إنشاء المركز الأفريقي لسياسة المناخ وتشمل الدوافع وراء هذا التعهد: الولاية الممنوحة للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ في عام 1988 من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة “توفير تقييمات علمية منسقة دوليا لحجم وتوقيت الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية المحتملة لتغير المناخ واستراتيجيات للاستجابة الواقعية”؛ مخاوف اللجنة الاقتصادية لأفريقيا من أن تغير المناخ يشكل بالفعل مخاطر خطيرة على جدول أعمال التنمية لأفريقيا، وخاصة فيما يتعلق بتحقيق غايات الأهداف الإنمائية للألفية؛ والاعتراف بأن البلدان الأفريقية يمكنها الاستفادة من تحديات تغير المناخ وتحويلها إلى فرص تنمية مستدامة لاقتصادات قادرة على الصمود، إن صدى الدعم لإنشاء المركز تردد في العديد من المنتديات رفيعة المستوى، بما في ذلك الدورة الثامنة لقمة الاتحاد الأفريقي في يناير 2007؛ وقد توج بتأسيسه في العام التالي في أول اجتماعات سنوية مشتركة لمؤتمر الاتحاد الأفريقي لوزراء الاقتصاد والمالية ومؤتمر اللجنة الاقتصادية لأفريقيا لوزراء المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية.

لقد تم منح المركز ولاية مزدوجة لتقديم التوجيه في مجال السياسة العامة إلى البلدان الأعضاء والعمل كأمانة لبرنامج تسخير المعلومات المناخية لأغراض التنمية في أفريقيا، وتشمل الولاية الخاصة بتقديم إرشادات تتعلق بسياسات المناخ إلى الدول الأعضاء، المساهمة في الحد من الفقر من خلال التخفيف الناجح لآثار تغير المناخ والتكيف مع تغيّر المناخ في أفريقيا، وكذلك تحسين قدرة البلدان الأفريقية على المشاركة بفعالية في مفاوضات المناخ المتعددة الأطراف. أيد نفس الاجتماع أيضاً برنامج تسخير المعلومات المناخية لأغراض التنمية في أفريقيا كمبادرة مشتركة من اللجنة الاقتصادية لأفريقيا، ومفوضية الاتحاد الأفريقي وبنك التنمية الأفريقي، وبالتالي المساعدة في تركيز الجهود الجماعية لهذه المؤسسات الأفريقية الرئيسية الثلاث على تعزيز استجابة مشتركة ومنسقة لتغير المناخ في جميع أنحاء القارة.

 

دعم الدول الأعضاء في ظل الواقع المتطور لتغير المناخ

منذ أن بدأ تشغيله في عام 2011 وبدعم مالي من وزارة التنمية الدولية البريطانية، والاتحاد الأوروبي، وفرنسا، وصندوق التنمية لبلدان الشمال الأوروبي، والنرويج، والسويد، والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) عمل المركز مع المؤسسات والمبادرات الأفريقية والدول الأعضاء والجامعات والمؤسسات البحثية والسياساتية، وكذلك مع الشركاء في التنمية وغيرهم من الشركاء المنفذين، وفي إطار اللجنة الاقتصادية لأفريقيا نحو تنفيذ برامجه الأساسية المنوطة به وتتمثل أبرز إنجازات المركز   في دعم المشاركة الفعالة لأفريقيا في مفاوضات المناخ المتعددة الأطراف. من خلال عمله مع برنامج تسخير المعلومات المناخية لأغراض التنمية في افريقيا، قدم المركز الأفريقي للسياسات المناخية مساهمات كبيرة في إعادة تشكيل جدول أعمال مفاوضات تغير المناخ العالمي من خلال دعم لجنة رؤساء الدول والحكومات الأفريقية حول تغيّر المناخ، والمؤتمر الوزاري الأفريقي المعني بالبيئة، إلى جانب توفير الدعم الفني وبناء القدرات لتعزيز الفريق الأفريقي للمفاوضين بشأن تغيّر المناخ من أجل معالجة المصالح الأفريقية والدفاع عنها بشكل أفضل في عملية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ إلى سبيل المثال، أنتج المركز الأفريقي للسياسات المناخية تقريرا تاريخيا عن الخسائر والأضرار في أفريقيا الناشئة عن الآثار الضارة لتغير المناخ بالتعاون مع الفريق الأفريقي للمفاوضين وبدوره، ساهم الفريق الأفريقي للمفاوضين بشكل كبير في قرار الخسائر والأضرار في مؤتمر الأطراف التاسع عشر الخاص باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ: آلية وارسو الدولية للخسائر والأضرار المرتبطة بتأثيرات تغير المناخ، ويعتبر يوم أفريقيا وجناح أفريقيا في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ: نيابة عن اللجنة الاقتصادية لأفريقيا وبالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأفريقي ومصرف التنمية الأفريقي والشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا، يوفر المركز الأفريقي للسياسات المناخية مساحة ووكالة وصوتا للمشاركة الفعالة لأفريقيا في فعاليات التفاوض بشأن المناخ وهي عملية بدأت في مؤتمر الأطراف السابع عشر الخاص باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في عام 2011، وتم طرح قضية خدمات المعلومات المناخية: حيث اعتبرت ضرورية للحد من آثار تغير المناخ. وبالتالي لدعم جهود الحد من الفقر، وبدون معلومات أفضل حول تقلب أنماط الطقس وتغير المناخ، فإن الاستجابة الأفريقية لتغير المناخ لن تكون قوية بما فيه الكفاية. من خلال برنامج تسخير المعلومات المناخية لأغراض التنمية في أفريقيا، قام المركز الأفريقي للسياسات المناخية باستثمارات كبيرة في تعزيز وتحديث شبكات مراقبة الأرصاد الجوية والهيدرولوجية. يعد المؤتمر المعني بتغير المناخ والتنمية في أفريقيا علامة بارزة ذات قيمة عالية ومنصة راسخة للحوار تجمع سنويا العديد من أصحاب المصلحة والمؤسسات الأفريقية، بما في ذلك الممارسون والأكاديميون والباحثون وممثلو المجتمع المدني، لمناقشة القضايا المعاصرة في تغيّر المناخ والتنمية في إفريقيا وتبادل المعرفة العلمية وإيجاد حلول مبتكرة للتحديات وبناء توافق في الآراء بشأن الأولويات الأفريقية الرئيسية قبل المؤتمر السنوي للأطراف الخاصة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وخدمات معلومات الطقس والمناخ لأفريقيا: تسهم معلومات الطقس والمناخ عالية الجودة والآنية في تعزيز التنبؤات الموسمية التي يمكن أن تساعد المستخدمين مثل المزارعين والمخططين وموردي الطاقة والمياه على زيادة الإنتاجية والمساهمة في التنمية الاقتصادية، وتساعد المعلومات المتعلقة بالطقس والمناخ على تحسين التنبؤات المناخية على المدى الطويل، وهو الأمر الذي يعد ضروريا لتعزيز صمود البنية التحتية والاقتصادات والنظم الإيكولوجية وبالتالي ضمان التنمية الاقتصادية المستدامة. بالتعاون مع مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، يقوم المركز الأفريقي للسياسات المناخية بتنفيذ برنامج خدمات معلومات الطقس والمناخ لأفريقيا الذي تموله وزارة التنمية الدولية البريطانية لدعم إدارة مخاطر الطقس والمناخ وتعزيز صمود الشعوب والاقتصادات الإفريقية في مواجهة الصدمات المرتبطة بالطقس، بالإضافة إلى مرفق الاستثمار المقاوم لتغير المناخ في أفريقيا لتعزيز الوصول إلى الخدمات في القطاعات الرئيسية وتعزيز التحول الاقتصادي، سنحتاج إلى استثمار مئات المليارات من الدولارات سنويا في القطاعات المعرضة للتأثر بتغير المناخ: بما في ذلك البنية التحتية والزراعة والطاقة والمياه، ومن المهم التأكد من تقليل تعرض هذه الاستثمارات الجوهرية لمخاطر تغير المناخ، وتحقيقا لهذه الغاية، قام المركز الأفريقي للسياسات المناخية بتشغيل مرفق الاستثمار المقاوم لتغير المناخ في إفريقيا بالتعاون مع مفوضية الاتحاد الأفريقي والبنك الدولي ومصرف التنمية الأفريقي، بدعم مالي أولي من صندوق التنمية لبلدان الشمال الأوروبي، ولتعزيز قدرة المؤسسات الأفريقية وكذلك قدرة القطاع الخاص على تخطيط وتصميم وتنفيذ الاستثمارات المقاومة لتقلب المناخ وتغيره، بالإضافة إلى بحوث المناخ من أجل التنمية حيث كانت مساهمة إفريقيا في علوم وبحوث المناخ، بما في ذلك تقارير التقييم الصادرة عن الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ محدودة للغاية حتى الآن. ولتحسين هذا الوضع، قام المركز الأفريقي للسياسات المناخية، بالتعاون مع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبتمويل أولي من وزارة التنمية الدولية البريطانية، بإنشاء مشروع بحوث المناخ من أجل التنمية، الذي يدعم أبحاث علوم المناخ ويساعد على تحفيز استيعاب واستخدام خدمات المعلومات المناخية لتخطيط التنمية في القارة الإفريقية

محمد بن عبو

)*( خبير في المناخ والتنمية
المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية
مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top