جوائز نوبل قد تسلم للفائزين في منازلهم

لم يحبوه يوما، ولم يستلطفوه أبدا، لطالما اعتبروه كشوكة عالقة بحلقهم، ليس لسبب منطقي في حد ذاته، سوى لأنه يتصرف على عكس المألوف و المتوقع، غرابته و صمته الدائم شكلا فجوة كبيرة بينهما، هو رجل خمسيني بشارب كث و لحية كثيفة يتخللها البياض، دو نظرة خاملة و بوجه عبث به الزمن ولم يأب سوى ترك أثاره عليه بتجاعيد نتيجة معركة حياة، يعتمر قبعة قديمة الطراز و بذلة سوداء شبيهة بالكاستمر، لا ينزعها عن جلده إلا لتنظيفها، يستغل غرفة صغيرة بالطابق الأرضي، كل أثاثها كنبة، سرير بالي متسخ وخزانة صغيرة بها رسومات عبثية بألوان مختلفة، وبينما هو مار ذات يوم باتجاه غرفته سمع الأم تقول لابنها معاتبة إياه.
– اجتهد و ادرس لكي تصير دو شأن كبير وهمة تشفع لك بود غيرك في المستقبل، وليحترمك الآخرون، أتودأن تصير مثل جارنا اللعينإدريس؟ انظر إلى حاله مجرد سكير غامض، حقا لا أطيقه و لا أطيق تصرفاته، أرأيت كيف يبصق مرارا على الأرضية المقابلة لباب غرفته؟ أتمنى لو مات، على الأقل سنستفرد نحن لوحدنا بالمنزل كله، و لن نضطر إلى التعايش مع شخصه الحقير.
لم يتفوه إدريس ولا بكلمة واحدة، دفع باب غرفته بهدوء ثم دلف وأغلقه خلفه.
توفى إدريس، وجدوه ميتا بعد يومين على وفاته، استغربوا غيابه في اليوم الأول، فلم يكن من عادته التزام غرفته لمدة طويلة، فقد كان كثيرا ما يتردد على الحديقة المقابلة للمنزل جيئة و ذهابا، لكنهم لم يريدوا أن يسألوا عنه، ولا يهمهم وضعه،  فهم في قطيعة معه لسنوات -قطيعة من طرف واحد-، بعد دفنه بأيام، ارتأى الابن التسلل إلى غرفة إدريس، دلف من الباب و حرص على إحكام إغلاقه بهدوء كي لا يفتضح أمره، وكي يتجنب عتاب والدته الحاد والمرير، خصوصا وأنها نبهته عدة مرات إلى أن لا يتجرأ على أن يجتاز عتبة الغرفة، لأن بها شيئا غريب يسمع صداه بعد غروب الشمس، مرر بصره على كل أرجاء الغرفة، انتبه إلى وجود كتب على الكنبة، أخذ واحدا منها بين يديه، تصفحه، قلب صفحاته بسرعة كبيرة وقرر أن يحتفظ به، لم يكن يكره العم إدريس في قرارة نفسه، وكل ما يسيء له به مصدره تجنب غضب والدته الجنوني، لم يستطع يوما معارضتها على آرائها حتى وإن كانت غير صائبة، هم بالخروج، وما إن أمسك بمقبض الباب ليغلقه، وجد أمامه والدته، نظرت إليه بوجه مكفهر، عبوس، ونظر إليها هو الآخر بنظرة خاملة كنظرة العم إدريس ثم بصق على الأرضية وتجاوزها في خطوات متثاقلة، تطلعت إليه الأم في ذهول تام، و قالت:
– اللعنة! أو يعيش الإنسان مرتين؟

 

Related posts

Top