جو بايدن يزيح دونالد ترامب من رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية

فاز جو بايدن أول أمس السبت على دونالد ترامب في السباق إلى البيت الأبيض، حسب ما أعلنت وسائل إعلام أميركية، في انتصار يشكل منعطفا تاريخيا لأميركا والعالم بعد أربع سنوات من ولاية رئاسية حافلة بالصراعات السياسية.
وبعد أربعة أيام من الترقب، أعلن فوز المرشح الديموقراطي والنائب للرئيس السابق باراك أوباما بحصوله على 273 من كبار الناخبين، وهو الحد المطلوب للفوز بالرئاسة، بفضل أصوات ولاية بنسيلفانيا، وفق وسائل الإعلام الأميركية الكبرى وفي طليعتها شبكة “سي إن إن” وصحيفة “نيويورك تايمز”، ليصبح بذلك الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة الأمريكية.
ولأول مرة في تاريخها، انتخبت الولايات المتحدة امرأة لنيابة الرئاسة هي كامالا هاريس (56 عاما) التي ستكون كذلك أول امرأة سوداء تتولى هذا المنصب.
ولم يعترف ترامب في الوقت الحاضر بهزيمته ولا يعرف ما إذا كان يعتزم الاستمرار في نقض النتائج والادعاء بحصول عمليات تزوير لم يقدم حتى الآن أي دليل عليها، في حين بدا معسكره متقبلا لفوز بايدن بولاية من أربع سنوات.
وسيكون أول رئيس أميركي لولاية واحدة منذ الجمهوري جورج بوش الأب عام 1992.
ومهما كان موقف ترامب، فإن الدستور ينص على انتقال السلطة في 20 يناير عند الظهر.
وقبل حلول هذا الموعد، يتحتم على الولايات تأكيد نتائجها، على أن يجتمع كبار الناخبين الـ538 في دجنبر لتعيين الرئيس رسميا.
وأعلن أندرو بايتس المتحدث باسم بايدن هذا الأسبوع أن “السلطات الأميركية قادرة تماما على طرد الدخلاء على البيت الأبيض”.
وراهن بايدن الذي كان نائبا لأوباما لثماني سنوات من 2009 إلى 2017، على حملة انتخابية معتدلة خاطب فيها العمال، لإيصاله إلى البيت الأبيض، وتبين أن هذا الرهان كان صائبا.
وانتزع بايدن من ترامب ثلاث ولايات صناعية خسرتها المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الأخيرة قبل أربع سنوات، هي ميشيغن وويسكونسن وبنسيلفانيا، وهي ولاية وصفها الجمعة بأنها “قلب هذه الأمة”.
وتقدم السبت على ترامب في جورجيا ونيفادا وأريزونا، وفق النتائج الجزئية.
ويستمر فرز الأصوات منذ الثلاثاء في هذه الولايات بسبب العدد الاستثنائي من الأصوات التي أرسلت عبر البريد، وفق وسيلة شجعت عليها الأزمة الصحية في ظل تفشي فيروس كورونا المستجد.

احتفال بالفوز

وتعهد الديموقراطي جو بايدن أول أمس السبت بعد إعلان وسائل الإعلام الأميركية الكبرى انتصاره في الانتخابات الرئاسية بأن يكون “رئيس جميع الأميركيين”.
وأعلن بايدن في بيان “إني أتشرف بالثقة التي وضعها الأميركيون في وفي نائبة الرئيس المنتخبة” كامالا هاريس.
وقال “مع انتهاء الحملة، حان الوقت لندع الغضب والخطاب المحتدم خلفنا ونتجمع كأمة”، مضيفا “حان الوقت لتتجمع أميركا وتضمد جراحها”.
ورأى النائب السابق للرئيس باراك أوباما البالغ من العمر 77 عاما أن المشاركة القياسية في الانتخابات بالرغم من “العقبات غير المسبوقة” هي “دليل جديد على أن الديموقراطية تنبض بقوة في قلب أميركا”.
وقال “نحن الولايات المتحدة الأميركية. ليس هناك إطلاقا ما لا يمكننا القيام به، إذا قمنا به معا”.
وهتفت كامالا هاريس في مكالمة هاتفية بالفيديو مع بايدن نشرتها على تويتر “نجحنا، نجحنا جو” مضيفة ضاحكة وهي ترتدي ملابس رياضية في الهواء الطلق “ستكون الرئيس المقبل للولايات المتحدة”.
وتدخل كامالا هاريس النائبة العامة سابقا والمتحدرة من عائلة مهاجرة التاريخ كأول امرأة تصل إلى هذا المنصب، وكأول شخص أسود متحدر من أصول هندية يتولى نيابة الرئاسة.
ووعدت في تغريدة بـ”بدء العمل” دون تأخر لترميم “روح أميركا”، في أول تصريح تدلي به بعد إعلان فوز جو بايدن بالرئاسة.
وكتبت “ما هو على المحك في هذه الانتخابات يتخطى بكثير جو بايدن وأنا نفسي. الأمر يتعلق بروح أميركا وتصميمنا على الكفاح من أجلها. ثمة عمل هائل ينتظرنا، دعونا نبدأ العمل”.
وتهافت آلاف الأميركيين السبت إلى شوارع عدة مدن للاحتفال بفوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، وسط صيحات فرح ومطلقين أبواق سياراتهم بعد دقائق قليلة على إعلان انتخاب المرشح الديموقراطي.
وتقاطرت الحشود في واشنطن إلى البيت الأبيض وشارع “بلاك لايفز ماتر”، وهو قسم من الجادة المؤدية إلى المقر الرئاسي أطلق عليه في الربيع اسم حركة “حياة السود مهمة” احتجاجا على العنصرية وعنف الشرطة بحق السود.
وانتشرت اللافتات التي تحمل اسمي جو بايدن ونائبة الرئيس المنتخبة كامالا هاريس في شوارع العاصمة الفدرالية التي تعتبر معقلا ديموقراطيا، يرفعها مناصرون لهما يضعون جميعهم كمامات للوقاية من وباء كوفيد-19.
وقالت إيمي بيرجر (40 عاما) التي خرجت مع ابنها في حي سكني “إنني فرحة جدا، في غاية السعادة، وفخورة بذهابنا في اتجاه مختلف”.
وفي نيويورك، المدينة التي يتحدر منها الرئيس الحالي دونالد ترامب، خرج العديدون للاحتفال، وكانت كاترين غريفين (47 عاما) تبكي من شدة تأثرها.
وقالت “إنني سعيدة بخروج دونالد ترامب من حياتنا، إلى الأبد على ما آمل، حتى لو أنني لست واثقة من ذلك” داعية إلى “استعادة حياتنا مجرى طبيعيا بعض الشيء”.
وانتظر الأميركيون أربعة أيام لمعرفة اسم رئيسهم المقبل، بعد سباق انتخابي شهد منافسة محتدمة في ظل انقسام عميق يعم البلد.
وكان الرئيس الأميركي جدد الاتهامات بحصول عمليات تزوير، دون أن يقدم أي دليل عليها.
وقال أمام صحافيين في البيت الأبيض “إذا أحصيت الأصوات القانونية أفوز بسهولة. إذا أحصيت الأصوات غير القانونية، يمكنهم أن يحاولوا أن يسرقوا الانتخابات منا”.
وبدا الرئيس الـ45 للولايات المتحدة معزولا ضمن حزبه، الجمهوري، في ظل ما أطلقه من اتهامات بأنه سيكون ضحية “سرقة” الانتخابات.
وقال حاكم نيوجيرسي السابق وحليف الرئيس، كريس كريستي، عبر محطة “ايه بي سي”، “لم نسمع الحديث عن أي دليل”، محذرا من خطر تأجيج التوتر دون عناصر ملموسة.
وصرح السناتور ميت رومني الذي كثيرا ما ينتقد ترامب، أن “من الخطأ القول إن الانتخابات مزورة وفاسدة ومسروقة”.
إلا أن ترامب حظي بدعم سناتورين بارزين، هما ليندسي غراهام وتيد كروز. وقال الأخير عبر “فوكس نيوز”، “يمكنني أن أقول لكم إن الرئيس غاضب، أنا كذلك، والناخبون أيضا على ما أعتقد”.
وقدم الحزب الجمهوري في بنسلفانيا طلبا إلى المحكمة العليا الجمعة لوقف احتساب أوراق الاقتراع التي وصلت بشكل متأخر في الولاية، وذلك تزامنا مع تصدر بايدن للنتائج وتأخر ترامب.
وطلب الحزب الجمهوري في التماسه، إصدار قرار قضائي عاجل لوقف تسليم آلاف أوراق الاقتراع الواردة عبر البريد بعد يوم الانتخابات والتي يسود ظن بأنها تصب في صالح بايدن.
ويطلب الالتماس من المحكمة توجيه أمر إلى مسؤولي الانتخابات في بنسلفانيا لاستبعاد أوراق الاقتراع الواردة بعد يوم الثلاثاء وعدم احتسابها.

برنامج بايدن

ويعد الديموقراطي جو بايدن بمحاربة فيروس كورونا المستجد وإنعاش اقتصاد البلاد والعودة إلى اتفاق باريس حول المناخ وإلغاء قرارات بارزة لدونالد ترامب.
وسبق لبايدن أن قال: “ستكون لدينا مهمة ضخمة لإصلاح الضرر الذي تسبب فيه”.
وبمجرد وصوله إلى السلطة، يريد جو بايدن وضع استراتيجية وطنية “للمضي قدما” في محاربة جائحة كوفيد-19 من خلال سن قانون رئيسي في الكونغرس لتمويل حملة اختبار وطنية “ستكون نتائجها متاحة على الفور”، وصناعة منتجات ومعدات طبية في الولايات المتحدة وجعل وضع الكمامات إجباري في المباني الفيدرالية وفي وسائط النقل بين الولايات، وتوفير لقاح مجاني “للجميع” في المستقبل.
وأدت الجائحة إلى وفاة نحو 235 ألف شخص في الولايات المتحدة.
ووعد بايدن الذي يتهم الرئيس دونالد ترامب (74 عاما) بتقويض سلطة خبراء الصحة الخاصين به، بأخذ نصيحة من كبير الأطباء أنطوني فاوتشي الذي يحظى باحترام كبير في خلية أزمة البيت الأبيض بشأن فيروس كورونا. ويريد “ايصال كلمة خبرائنا حتى يحصل الجمهور على المعلومات التي يستحقها ويحتاجها”.
كما يعتزم إلغاء إجراءات انسحاب الولايات المتحدة من منظمة الصحة العالمية التي أمر بها دونالد ترامب في يوليو.
ويمثل التصويت على خطة مساعدات ضخمة لإنعاش الاقتصاد أولوية أخرى للمرشح جو بايدن الذي يعتمد على قدرته على إقناع الجمهوريين المنتخبين لكسر الجمود الحالي في الكونغرس.
وقدم خطة طموحة لإنعاش الإنتاج الأميركي بعد أزمة فيروس كورونا بقيمة 700 مليار دولار. ولتمويلها، ستزيد الضرائب على أغنى الأميركيين والشركات الكبرى، لا سيما من خلال مضاعفة الضرائب على الأرباح المحققة في الخارج.
كما تعهد الديموقراطي بالاستثمار بكثافة في مجال الطاقة المتجددة.
ويريد جو بايدن أيضا إعادة استثمار عائدات الضرائب في البرامج الاجتماعية والتعليم وتحديث البنى التحتية.
ووعد جو بايدن بإعادة الولايات المتحدة التي تواجه عددا متزايدا من الكوارث المناخية، إلى اتفاقية باريس للمناخ التي انسحب منها دونالد ترامب عام 2017.
وفي غضون مئة يوم، سيجمع أيضا قادة الدول الأكثر تلويثا في قمة المناخ حيث ينوي إقناع هذه الدول بزيادة التزاماتها في سبيل المناخ.
وتبنى بايدن أيضا برنامجا طموحا حول المناخ حيث تكون الطاقة النظيفة بنسبة 100% حجر الأساس وحياد الكربون في الولايات المتحدة بحلول عام 2050.
كما وعد بإلغاء قرارات دونالد ترامب الذي ألغى أو خفف سلسلة كاملة من المعايير البيئية.
ووعد جو بايدن بتعيين لجنة وطنية مكونة من أعضاء من كلا الحزبين والتي سيكون عليها اقتراح إصلاحات في غضون 180 يوما في النظام القضائي الذي أصبح، حسب قوله، “خارج نطاق السيطرة”.
وقال إن “هذا لا يتعلق بزيادة عدد القضاة”، في وقت يشتبه برغبة الديموقراطيين بزيادة عدد القضاة التقدميين في المحكمة العليا، التي يسيطر عليها حاليا التيار المحافظ.
كما يريد التصويت “الفوري” على مشروع الإصلاح القضائي الذي يطور بشكل خاص بدائل للسجن، والتي ستقتصر على المدانين الأكثر عنفا، من أجل تقليل مخاطر العودة إلى الإجرام.
ووعد جو بايدن أيضا، بإلغاء “من اليوم الأول” لولايته مرسوم الهجرة الذي أصدره دونالد ترامب والذي يحظر دخول مواطني عدة دول، معظمهم من المسلمين، والذي يعتبره خصومه من إجراءات الإسلاموفوبيا.
كما أعلن نائب الرئيس السابق لباراك أوباما أنه سيطلب من الكونغرس تمرير قانون ضد الجرائم العنصرية.
كما تعهد بمعالجة إجراءات احتجاز طالبي اللجوء و”فضيحة” فصل عائلات مهاجرين غير شرعيين على الحدود الأميركية-المكسيكية.
ويريد جو بايدن كذلك من الكونغرس أن يمرر سريعا قانونا “سيضع خريطة طريق للمواطنة” لـ 11 مليون مهاجر غير شرعي يعيشون في الولايات المتحدة ولما يقرب من 700 الف شاب وصلوا بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة عندما كانوا أطفال ا وتطلق عليهم تسمية “الحالمون”.

> أ.ف.ب

****

جو بايدن يتوج حياته السياسية الحافلة بالفوز بالرئاسة الأميركية

توج المرشح الديموقراطي جو بايدن البالغ 77 عاما حياته السياسية الحافلة، بالفوز بالرئاسة الأميركية، وهو سيدخل التاريخ بصفته الرجل الذي أسقط دونالد ترامب.
فبعد مآس عائلية ومحاولتين خائبتين للوصول إلى الرئاسة الأميركية وحملة انتخابية طغى عليها وباء كوفيد-19، تمكن بايدن المخضرم في السياسة (77 عاما) من إقناع الأميركيين بأنه شخصية توحد الصفوف في مواجهة دونالد ترامب الذي أثار انقساما في المجتمع.
وأكد نائب الرئيس الأميركي السابق «يمكننا طي صفحة السياسة القاتمة والغاضبة التي سادت في السنوات الأربع الماضية (..) آن الأوان لجمع البلاد والالتقاء مجددا كأمة. لكن لا يمكنني القيام بذلك من دونكم».
وبقي بادين على الدوام وفيا للرسالة التي أطلقها عند إعلان ترشيحه للرئاسة في أبريل 2019: «نحن نخوض معركة من أجل روح» الولايات المتحدة.
وقال جو بايدن قبل فترة قصيرة بصريح العبارة، إن خسارته أمام الملياردير الجمهوري الذي لا يحظى بشعبية، ستعني أنه «مرشح مثير للشفقة».
ولكن فوزه بحسب تقديرات وسائل الإعلام وبانتظار التأكيد الرسمي للنتائج، يتوج مسيرة سياسية بدأها في سن التاسعة والعشرين وشهدت في بدايتها انتقالا مفاجئا من الانتصار إلى الألم.
نمت هذه المأساة التي تبعها فقدان ابنه الأكبر العام 2015، مشاعر التعاطف التي يكنها الناخبون له. وجعل بايدن من التعاطف أحد سمات مسيرته السياسية البارزة.
وفي 2020، مازال بايدن يتمتع بطلته الأنيقة، لكن هذا المخضرم في السياسة لم يعد كما كان في أوج عهده كنائب للرئيس باراك أوباما.
وحين يكون واقفا على المنصة يبدو واهنا أحيانا فيما يغطي الشيب شعره. ويخشى البعض حتى في صفوف داعميه عليه من ضغط معركته الطويلة ضد دونالد ترامب (74 عاما) الذي اعتمد أسلوبا هجوميا.
ومع أنه استأنف في نهاية غشت رحلاته بشكل مكثف أكثر، إلا أن امتثاله الصارم للتعليمات الصحية يلجم تواجده على الأرض. ويرى منتقدوه أن ذلك سمح له القيام بحملة انتخابية بعيدا عن الناخبين ومتجنبا في غالب الأحيان الصحافة.
ويطلق عليه دونالد ترامب ساخرا اسم «جو الناعس» وينتقد بشدة الاسئلة التي توجهها إليه الصحافة معتبرا أنها «موجهة لأطفال» ولا يتوانى عن انتقاد ضعف لياقته البدنية.
ويتناقل أنصار ترامب بكثرة عبر تويتر تلعثم جو بايدن كما أن فريق حملة الملياردير الأميركي يصفه بأنه رجل عجوز يعاني الخرف.
ولكن بالتأكيد سيكون فوز النائب السابق للرئيس باراك اوباما بالرئاسة، الرد الأمثل على هؤلاء، بعد فوزه بالترشح عن الديموقراطيين في الانتخابات التمهيدية.
ومع أن البعض اعتبره متقدما جدا في السن ووسطيا كثيرا، تمكن بايدن من الفوز بغالبية كبرى في كارولاينا الجنوبية بفضل أصوات الأميركيين السود، حجر الزاوية لكل ديموقراطي مرشح إلى البيت الأبيض.
متسلحا بهذا الانتصار، حشد بايدن بسرعة تأييد معتدلين آخرين ثم هزم منافسه الرئيسي بيرني ساندرز.
خلافا للمعركة المريرة والطويلة بين هذا الاشتراكي وهيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية الديموقراطية عام 2016، تمكن بايدن سريعا من جمع التيار اليساري في الحزب مركزا على هدف واحد يتمثل بالحاق الهزيمة بدونالد ترامب.
وتبقى معرفة ما إذا كان بايدن «الموحد» المعتدل سينجح في إبقاء الوحدة بعد فوزه بالرئاسة.
وقال باراك أوباما إنه حتى لو عرض بايدن البرنامج «الأكثر تقدمية» في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإن البعض من اليسار سيعتبرونه فاترا للغاية.
وكانت المحاولة الثالثة هي الصائبة لهذا السياسي المخضرم، بعد فشل محاولتين للترشح للانتخابات التمهيدية الديموقراطية في 1988 و2008.
فخلال محاولته الأولى، اضطر سريعا للانسحاب بعدما تبين أن خطابه تضمن عبارات مسروقة.
وشغل منصب عضو مجلس شيوخ على مدى أكثر من 35 عاما (1973-2009) ثم نائب الرئيس من 2009 إلى 2017 ما مكنه من التواجد على مدى عقود في أروقة السلطة في واشنطن.
وتخللت حياته السياسية الطويلة فصولا مثيرة للجدل فضلا عن نجاحات يبرزها اليوم.
وفي السبعينيات وفي خضم عملية إلغاء الفصل العنصري، عارض ما يسمى بسياسة «الحافلات» التي تهدف إلى نقل أطفال سود بالحافلات إلى مدارس ذات غالبية بيضاء لتشجيع التعليم المختلط.
وأرضى هذا الموقف الناخبين البيض في ولاية ديلاوير لكنه عاد ليطارده بعد عقود عندما أخذته عليه السناتور السوداء كامالا هاريس التي كانت منافسته في الانتخابات التمهيدية، في خضم مناظرة تلفزيونية.
لكن بايدن أعلن أنه «غير حاقد»، حين اختار كامالا هاريس مرشحته لنيابة الرئاسة، لتكون أول سوداء من أصول هندية تترشح لهذا المنصب.
ويحظى جو بايدن بشعبية كبرى في صفوف الأميركيين السود، وكان دعا في بداياته السياسية حين كان نائبا محليا في ويلمنغتون إلى تطوير المساكن الشعبية، ما أثار استياء السكان البيض. وغالبا ما يروي كيف أسست تجربته كمنقذ بحري في حي تقطنه غالبية من السود لعمله السياسي.
ولكن، ثمة فصول أخرى تلقي بثقلها على مسيرته السياسية، مثل تصويته لصالح الحرب في العراق العام 2003 أو جلسة الاستماع العاصفة برئاسته في مجلس الشيوخ العام 1991.
ويضاف إلى ذلك تأييده القوي لـ»قانون الجريمة» العام 1994 الذي اعتبر مسؤولا عن ارتفاع كبير في عدد السجناء وبينهم نسبة كبيرة من الأميركيين السود.
ويعترف جو بايدن اليوم بأن ذلك كان «خطأ» مشددا على شق آخر من هذا الاصلاح الواسع النطاق يتعلق بقانون مكافحة العنف بحق النساء والذي يشكل «أكبر مصدر فخر» بالنسبة له.
وفور وصوله إلى البيت الأبيض نائبا للرئيس باراك أوباما، في أوج الأزمة المالية، عمل السناتور السابق على اعتماد الكونغرس خطة إنعاش هائلة بقيمة 800 مليار دولار.
وغالبا ما يذكر هذا الامر لكي يثبت أن بإمكانه انعاش الاقتصاد مجددا، بعدما تضرر كثيرا بسبب تداعيات الوباء.
وسعى دونالد ترامب إلى انتقاد بايدن باستمرار وقال عنه «يعمل في السياسة منذ 47 عاما، ولم يقم بشيء إلا في العام 1994، عندما تسبب في الكثير من الأذى لمجتمع السود».
ورد بايدن بأن هذه الانتخابات تمثل اختيارا بين الطبقتين العاملة والوسطى اللتين يدافع عنهما، و»بارك أفينيو» الجادة النيويوركية الفخمة التي تشكل رمزا للوريث الثري.
ويؤكد بايدن باستمرار على أصوله المتواضعة. فقد ولد جوزف روبينيت بايدن الابن في 20 نونبر 1942 في مدينة سكرانتون في بنسلفانيا. وكان والده بائع سيارات.
وفي الخمسينات من القرن الماضي شهدت المدينة الصناعية فترة صعبة. بحث والده عن عمل في ولاية ديلاوير المجاورة، ثم بعد عدة زيارات نقل العائلة الى ويلمنغتون وكان جو بايدن في سن العاشرة. وجعل منها معقله لاحقا.
وقال بايدن «كان والدي يقول دائما: +نحكم على رجل ليس بحسب عدد المرات التي يقع فيها وإنما بحسب الوقت الذي يستغرقه للنهوض+».
ونددت عدة نساء بسلوكيات جو بايدن الذي يقبل على ملامسة الناس، واعتبرن انها غير مناسبة. ووعد بالانتباه من الآن وصاعدا «للمساحة الشخصية» للآخرين، واعتذر في أبريل 2019.
أما دونالد ترامب المتهم من قبل أكثر من عشر نساء بالاعتداء الجنسي او التحرش، فلم يعلق كثيرا على الاتهامات الخطيرة من امرأة تدعى تارا ريد وتقول إن جو بايدن تعدى عليها في التسعينيات. وهو ما نفاه المرشح الديموقراطي بشكل قاطع.
ولم تعلق زوجته جيل بايدن (69 عاما) التي قامت بحملة من أجله في جميع انحاء البلاد، على هذا الاتهام.
وجيل بايدن المعلمة الديناميكية، شكلت إحدى الاوراق الرابحة في حملة بايدن. وهما تزوجا العام 1977 ولهما ابنة تدعى آشلي.
وروى بايدن في مذكراته أن ابنيه بو وهانتر اقترحا عليه حين كانا لا يزالان صغيرين الزواج من جيل. ويقول عنها «لقد منحتني الحياة مجددا».
وغالبا ما يتحدث بايدن عن الألم الذي لا يزال يسكنه منذ وفاة نجله بو بايدن بمرض سرطان الدماغ العام 2015 قائلا «هذا لا يختفي أبدا». وحالت وفاة نجله دون خوضه الانتخابات الرئاسية العام 2016.
وتولى جو بايدن الذي أصبح أرملا بعد حادث السيارة المأسوي، مهامه كسناتور في يناير 1973 وكان في المستشفى بجانب ابنيه اللذين أصيبا في حادث السير.
وحتى اليوم، غالبا ما يوجه التحية إلى المسعفين مذكرا بأنهم «أنقذوا حياة» ولديه وحياته أيضا.
ففي العام 1988، نقله مسعفون إلى المستشفى بشكل طارئ اثر تمدد في الأوعية الدموية. اعتبرت حالته خطيرة لدرجة أنه تم استدعاء كاهن لرفع الصلوات الأخيرة.
وبايدن كاثوليكي فخور بأصوله الأيرلندية ويذهب كل يوم أحد تقريبا الى كنيسة القديس يوسف الصغيرة في برانديواين في الحي الراقي الذي يسكنه في ويلمنغتون. ففي مقبرة هذه الكنيسة يرقد والداه وزوجته الأولى نيليا وابنتهما ناومي وكذلك ابنه بو تحت شاهد قبر مزين بأعلام أميركية.

أ.ف.ب

****

دونالد ترامب.. رئيس استعراضي لولاية واحدة

 

كتب دونالد ترامب من خلال الاستفزازات والإهانات والتغريدات الساخرة، فصلا استثنائيا بالكامل من تاريخ الولايات المتحدة هو الذي يقول عن نفسه «يعتقد البعض أنني عبقري حقيقي».
انتخب ترامب مستفيدا من مشاعر الغضب لدى الأميركيين وانقسامات البلاد التي واصل تأجيجها طوال فترة ولايته، لكنه تلقى ضربة قاسية بتكبده خسارة أمام خصمه جو بايدن جعلت عهده يقتصر على ولاية واحدة.
وعلى مدى أربعة أعوام شهد الأميركيون بحماسة أو ذهول أو خوف أحيانا، عرضا غير مسبوق لرئيس وصل إلى السلطة بطريقة مدوية ولم يضع لنفسه أي رادع.
وهذا الرئيس الاستعراضي (74 عاما) الذي كان سببا في مضاعفة مخاوف المجتمع الأميركي وانقساماته، عرف كيف يتوجه إلى أميركيين شعروا بأنهم «منسيون» لكنه رفض على الدوام بعد وصوله إلى البيت الأبيض لعب دور شخص يوحد الأميركيين، في قطيعة واضحة مع أسلافه.
وحتى في ذروة انتشار وباء كوفيد-19 الذي تسبب بوفاة أكثر من 230 ألف شخص في الولايات المتحدة، وفيما كان الشعب الأميركي بحاجة إلى صوت مطمئن، رفض بعناد انتهاج سلوك رئاسي ولم يبد أي تعاطف.
فهو سخر من وضع الكمامات كما هاجم الطبيب أنطوني فاوتشي مدير المعهد الأميركي للأمراض المعدية وعضو خلية مكافحة فيروس كورونا المستجد، والذي عمل مع خمسة رؤساء سابقين ويعتبر عموما صوت العقل العلمي في البلاد.
وقلل من شأن التهديد الصحي مقدما نفسه على أنه بطل خارق مثل «سوبرمان». وحتى بعد إصابته بالوباء، فوت الفرصة التي أتيحت له لإبداء بعض التعاطف.
وهو يبدو في هذا السياق غير مستعد لتقبل الخسارة، متحدثا عن تزوير يشوب عملية فرز الأصوات، من دون تقديم أي دليل، ما يهدد بزعزعة ثقة الناخبين بالديموقراطية الأميركية.
ولم تشهد البلاد النزعة الاستبدادية أو الانهيار الاقتصادي اللذين توقعهما البعض في 8 نونبر 2016 يوم انتخابه المفاجئ.
فبالرغم من تعرض المؤسسات في أحيان كثيرة لسوء معاملة، إلا أنها أثبتت صلابتها فيما بدا عدد من المؤشرات وفي مقدمتها أرقام التوظيف، في وضع جيد قبل أن تظهر الآثار المدمرة لانتشار فيروس كورونا المستجد.
ولكن وسط رئاسة شهدت عدة فضائح وتتناقض تماما مع رئاسة باراك أوباما، ألحق ترامب المعروف بأنه يعشق مخالفة القواعد والاستفزاز، الضرر بهذا المنصب وضرب الأعراف عرض الحائط، وهز المؤسسات وزعزع تحالفات الولايات المتحدة.
فقد هاجم قضاة وموظفين رسميين وأعضاء منتخبين وأجج التوترات العرقية في البلاد، كما أبدى إعجابه بقادة سلطويين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، وأوقف بشكل مفاجئ جهود مكافحة التغير المناخي.
وترامب المتبجح والمتلاعب والذي يستخدم بحسب تعبير الكاتب فيليب روث «مجموعة مفردات لا تتجاوز 77 كلمة»، وأفقد معجبيه ومنتقديه على حد سواء الشعور بمعنى الأمور.
وواجه الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة أيضا،إجراءات إقالة في الكونغرس ستبقى وصمة على رئاسته.
ولم يؤثر الديكور المهيب في المكتب البيضوي ولا صور أسلافه المعلقة في ممرات البيت الأبيض، على شخصية رجل الأعمال النيويوركي.
ولا تزال هذه العبارة التي قالها خلال مقابلة لمجلة «بلاي بوي» في 1990 تنطبق عليه اليوم «العرض هو +ترامب+ والبطاقات نفدت تماما. أستمتع بذلك وسأستمر في الاستمتاع».
ونجح الملياردير الأميركي الذي يتميز بأداء قوي على منصات الحملات الانتخابية، في تنصيب نفسه ناطقا باسم أميركا «المنسيين» أو «الجديرين بالشفقة» بحسب تعبير منافسته الديموقراطية العام 2016 هيلاري كلينتون.
وعرف ترامب كيف يلعب على وتر مخاوف أميركيين، غالبيتهم من البيض والمتقدمين في السن عموما، كانوا يشعرون بأنهم «محتقرون» من قبل «النخب» على ساحل الولايات المتحدة الشرقي ونجوم هوليوود على الساحل الغربي.
واعتمد ترامب المحب للهامبرغر والدايت كوك والذي عرفه الأميركيون أساسا من خلال برنامج تلفزيون الواقع «ذي ابرينتس»، قاعدة بسيطة طبقها على الدوام وهو أن يشغل الساحة بأي ثمن.
وبسبب استخفافه بالعلم وتصريحاته غير المطابقة للواقع، اضطر فريق تقصي الحقائق من صحيفة «واشنطن بوست» إلى استحداث فئة جديدة للتثبت من المعلومات الخاطئة التي تتكرر أكثر من 20 مرة.
ومن جناحه الشهير في البيت الأبيض «ويستوينغ»، عمد رجل الأعمال السابق إلى توسيع الهوة بين المجتمع الأميركي المنقسم أصلا بين الأحمر للجمهوريين والأزرق للديموقراطيين.
وبدلا من إطلاق دعوات جامعة على غرار أسلافه، لعب ترامب على خوف الأميركيين.
ولوح عند إعلان ترشحه في 2015، بشبح المهاجرين غير الشرعيين واصفا إياهم «بالمغتصبين»، ونصب نفسه في حملة 2020 الضامن الوحيد «للقانون والأمن» في مواجهة تهديد «اليسار الراديكالي».
وفي بلد يعشق اللحظات المؤثرة التي تعبر عن الوحدة الوطنية، لم يعتمد ترامبإلا نادرا لهجة تبلسم الجراح، حتى بعد حدوث كارثة طبيعية أو عمليات إطلاق نار دموية.
واستخدم هجماته العنيفة على وسائل الإعلام التي يصفها بأنها «كاذبة» و»فاسدة» و»عدوة الشعب»، لكي يؤلب قسما من الشعب ضد القسم الآخر.
ولكن ترامب يبقى الرئيس الوحيد في التاريخ الذي لم تصل شعبيته إلى نسبة 50% خلال توليه مهامه. ويتفق مؤيدوه ومعارضوه على نقطة واحدة وهي أن ترامب وفى بجزء من وعوده الانتخابية.
فكما أعلن سابقا، انسحب ترامب من معاهدات أو اتفاقات تم التفاوض بشأنها مطولا، في مقدمتها اتفاق باريس حول المناخ الذي وقعت عليه معظم دول العالم للحد من الاحترار المناخي.
ولكن هذا الوفاء بتعهداته ووعوده الانتخابية جاء عبر عمليات اعتبرت هدامة.
وتبدو حصيلة مبادراته هذه هزيلة نسبيا. ويبدو ذلك جليا على صعيد الملف النووي الإيراني، فهو مزق الاتفاق الذي تفاوض عليه سلفه لفترة طويلة وزاد الضغوط على إيران وصولا إلى تصفية الجنرال النافذ قاسم سليماني لكن بدون تقديم استراتيجية فعلية.
أما خطته الكبرى للسلام في الشرق الأوسط التي أوكلها إلى صهره ومستشاره جاريدكوشنر، فلم تؤد إلى نتائج بعد. لكن بإمكانه القول إنه تمكن من تحريك الخطوط في المنطقة عبر رعايته اتفاقات تطبيع بين إسرائيل وثلاث دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان.
ويبقى مقتل زعيم تنظيم الدولة الاسلامية أبو بكر البغدادي في أكتوبر 2019 خلال عملية أميركية في سوريا، المحطة الأقوى في رئاسته.
ولكن تحركه الأكثر جرأة والذي فاجأ فيه العالم وخوله أن يحلم بنيل جائزة نوبل للسلام، لم يأت بالنتائج المرجوة.
وقد انتهت القمتان مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وزيارة ترامب التاريخية إلى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين و»الرسائل الرائعة» بينهما، من دون تحقيق أي نتيجة ملموسة. فالنظام الكوري الشمالي لم يقدم أي تنازل بشأن مسألة نزع الأسلحة النووية.
وفي الأجواء الجيوسياسية المعقدة والمتقلبة للقرن الحادي والعشرين، هاجم ترامب شخصيا رئيس وزراء كندا جاستنترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
ولم يأت التحذير الأشد من خصومه السياسيين بل من وزير دفاعه جيمس ماتيس. ففي كتاب الاستقالة، ذكر ماتيس الرئيس الأميركي بقاعدة بسيطة في الدبلوماسية تقوم على ضرورة «معاملة الحلفاء باحترام».
وفي سيناريو سياسي غير مسبوق لم يتوقعه أي محافظ، أقدم دونالد ترامب بقدرته على إشعال مشاعر قاعدته الانتخابية، على تحجيم الحزب الجمهوري الذي كان قلل من أهميته في البداية أو حتى تجاهله.
وعبر بعض النواب الجمهوريين أحيانا عن معارضتهم لبعض قراراته مثل موقفه المتساهل بشكل غير عادي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي.
ولكن مع مرور الوقت، اتحدوا حوله باستثناء بعض الاصوات المعارضة مثل السناتور جون ماكين الذي حذر قبل وفاته في غشت 2018 من نزعة نحو «قومية غير منطقية ومضللة».
ويعتمد ترامب في الأعمال كما في السياسة، على مبدأ بسيط: معه أو ضده.
وتحدث المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) جيمس كومي الذي أقاله الرئيس فجأة، في مذكراته عن رئيس يخضع أوساطه لمعايير ولاء تذكره بموقف زعماء المافيا عندما بدأ حياته المهنية كمدع عام.
ولد دونالد جاي ترامب في كوينز في نيويورك وتلقى تعليمه في مدرسة عسكرية وانضم إلى شركة العائلة بعد دراسة الأعمال.
وهو ليس «رجلا عصاميا» خلافا للصورة التي يريد عكسها عن نفسه. فبعد الحرب العالمية الثانية بنى والده فريد ترامب المتحدر من مهاجر ألماني، امبراطورية في مدينة نيويورك من خلال تشييد مباني للطبقة الوسطى في الأحياء الشعبية.

Related posts

Top