حبا وليس خوفا: لص يقبل قدمي ضحيته

وقع هذا صباح يوم السبت الماضي، بزقاق بمدينة المحمدية، أمام هول واستغراب سيدة اعتادت القيام بتمارينها الرياضية بالجوار. عاشت أطوار وفصول عمليات اعتراض وعنف وسرقة بطلها لص ملثم. مشهد جريمة مدبرة مع سبق الإصرار والترصد، تحول فجأة إلى مشهد درامي، بعد أن انفجر اللص باكيا وهوى بجسده على السيدة، ليعانقها، قبل أن ينحنى على ركبتيه متوسلا، ويقوم بتقبيل قدميها طالبا السماح والمغفرة. ويمضي بصحبتها فرحا. عناق يوحي بلقاء الأم بولدها العائد من غياب طويل. ترى من تكون تلك السيدة التي جعلت اللص يركع أمامها حبا وليس خوفا. وما سر العلاقة التي أنعشت مشاعر وأحاسيس اللص. وأسقطت عنه لثام الإجرام والانحراف ولو للحظات ؟؟ ..
بدأت حكاية السيدة، بعد خروجها من منزلها لممارسة رياضة المشي الخفيف، مرتدية بذلة رياضية وحذاء رياضي. عرجت على زقاق بجوار منزلها. فلحق بها لص ملثم. مستغلا خلو الزقاق من المارة. اعترض سبيلها وهو يخفي يده اليسرى في جيبه، موحيا لها بأنه يخفي سلاحا أبيضا أو سائلا ضارا. لوح بيده اليمنى آمرا السيدة بالتوقف. قبل أن تحييه بابتسامتها المعهودة، وتلقي بنظرها الرحب من خلف نظارتها الطبية، كان الشاب الملثم قد صرخ في وجهها طالبا سلبها ما تتحوز عليه. وخاطبها بعنف: هل لديك هاتف ؟. ردت السيدة بالإيجاب. فطلب منها أن تسلمه له. وعاد ليطلب منها تسليمه السلسلة الذهبية التي تزين عنقها. فامتثلت لأوامره. لكنها لم توفق في فتح قفل السلسلة. فخاطبته: «عافاك أولدي عاوني حيدها الراسك». قام اللص الملثم بفتح قفل السلسلة وأخذها. وطلب منها إزالة خاتم الزواج. فأعطته إياه وهي تبتسم في وجهه قائلة : «هاك أولدي». زاد جشع اللص، فأمرها بإعطائه نظارتها الطبية. قامت الضحية بإزالة النظارة من على عينيها. وخاطبته بلطف: شوف أولدي أنا ما غاداش نقدر نمشي للدار بلا بها. وراها ماغاداش تباع ليك غير خليها ليا الله يرضي عليك أولدي…». كلمات الضحية وملامح وجهها التي برزت جيدا بعد إزالة النظارة الطبية . جعلته يتعرف عليها. فصرخ: مي عايشة.. قالت نعم أنا عائشة.. عندها أزال اللثام وانفجر باكيا و صاح: ألا تعرفينني أنا سعيد .. أنا نزيل الخيرية الذي كنت تأتين له بالهدايا والألعاب.. أنا الذي سهرت إلى جانب سريره، ليلة كنت مصاب بمرض التهاب اللوزتين «الحلاقم». كانت حرارتي جد مرتفعة وكنت تضعين على جبيني ضمادات .. وانهار يبكي ويصرخ. قبل أن ينحي ليقبل قدميها..
لم تكن الضحية سوى عائشة عزيزي الأخصائية الاجتماعية ومديرة أول مركز للتأهيل الاجتماعي بالمغرب، والتي نسجت بأعمالها الخيرية، بساطا مكنها من التحليق عاليا في مجال التطوع والعمل الإنساني. بصمت على مسار أدخلها موسوعة رواد الخير والإحسان من بابه الواسع، وجعلها قدوة يقتدي بها كل الراغبين في تقديم خدمات مجتمعية. تركت بصماتها واضحة داخل المئات من الأسر والنفوس. وكانت وراء إنقاذ مجموعة من الأطفال وانتشالهم من التشرد والضياع، ووضعهم على سكك صحيحة مكنتهم من ضمان مستقبلهم والاعتماد على أنفسهم. ولم يكن اللص البالغ من العمر 25 سنة سوى نزيل سابق بالخيرية المحلية. النزيل الذي تابع دراسته حتى مستوى الثانية بكالوريا علوم إنسانية. ولم يوفق في العثور على عمل يأويه ويساعده على الاندماج. بعد أن تجاوز سن الرشد. وتم إبعاده من الخيرية. حكا الشاب أنه يعيش مشردا، يبيت في الخلاء. وأنه وجد ضالته في السرقة واعتراض سبل النساء. من أجل تدبير مصاريف العيش. أعاد المسروقات للسيدة التي رقت لحاله. وقررت مساعدته لإيجاد مأوى وعمل قار. أمدته ببعض المال. وطلبت منه زيارتها بمقر إدارتها بمركز التأهيل الاجتماعي. حيث وفرت له مجموعة من الأغطية والأفرشة. كما وعدته بالبحث له عن عمل. ووعدها بالقطع مع كل أشكال الإجرام والانحراف.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top