حجب جائزة

بغض النظر عن الدافع الذي أدى إلى حجب جائزة نوبل للآداب لهذا العام والذي فسرته الإدارة المسؤولة بالقول إنه يتمثل في استقالة عدد من أعضاء مجلسها، على خلفية فضيحة جنسية بطلها عضو في الأكاديمية المانحة للجائزة.
بغض النظر عن ذلك؛ فإن حجب هذه الجائزة على وجه الخصوص، في اعتقادي، كان مطلوبا ومرغوبا فيه من طرف العديد من المتتبعين والمهتمين منذ أكثر من عقد من الزمن على الأقل؛ بالنظر إلى الخلل الذي بات ملحوظا في شأن قرارات واختيارات أعضاء لجنة التحكيم المسؤولة عن منح جائزة الآداب.
وازدادت حدة هذا المطلب خلال المدة الأخيرة، خصوصا بعدما أصبحت نتائج الجائزة صادمة ومثيرة للسخرية، وبدا واضحا أن المسؤولين عنها فقدوا البوصلة وبالتالي ينبغي القيام بوقفة تأمل وإعادة النظر في تشكيلتها الخاصة.
عندما يقع الاختيار على مطرب كما في حالة بوب ديلان مع احتراماتنا له، يكتب كلمات أغانيه ولا يكاد يذكر أحد أن له ديوانا شعريا واحدا مطبوعا؛ لمنحه جائزة رفيعة خاصة بالآداب، ويتم في المقابل تجاهل أسماء حققت تراكما في الكتابة الشعرية أو الروائية أو المسرحية، وأكدت على تميز تجربتها وتحقيقها للبعد العالمي، كما يتجلى ذلك من خلال الترجمات العديدة التي حظيت بها والإقبال الكبير على قراءتها والتقدير الذي يصبغه عليها النقاد المتخصصون على حد سواء.
عندما يحدث ذلك؛ فهذا دليل على أن جائزة نوبل للآداب خرجت عن سكتها الصحيحة التي خطط لها مؤسسها الذي تحمل اسمه.
رب ضارة نافعة، ذلك أن الفضيحة التي كانت سببا في حجب هذه الجائزة والتي لم يكن لها علاقة بنتائجها الأخيرة رغم فضائحيتها، ستسمح على الأقل بالقيام بوقفة تأمل في الحصيلة واستشراف الآفاق، وربما تغيير منهجية العمل.
كيف أنه على امتداد قرن ونيف، لم تلتفت هذه الجائزة إلى الأدب العربي سوى مرة واحدة، في شخص الأديب الراحل نجيب محفوظ، بالرغم من التراكم الذي حققه هذا الأدب في مختلف فروعه: الرواية والقصة القصيرة والنص المسرحي والشعر..
برزت أسماء جديرة بالتتويج وقد حظيت بالتتويج فعلا لكن في إطار جوائز أخرى سواء لمنظمات حكومية أو غير حكومية.
ولا شك أن بعض المسابقات الأدبية التي نشأت خلال السنوات الأخيرة في بعض البلدان الخليجية على وجه الخصوص، أتت لتسد الفراغ ولتكون أساسا بمثابة رد فعل على تجاهل الأكاديمية السويدية للأدب العربي.
لكن بالرغم من القيمة المادية الرفيعة للجوائز الخليجية؛ فإنها لا يمكن أن تعوض جائزة نوبل، لعدة اعتبارات، منها أنها عبارة عن مسابقات، وفي كثير من الأحيان، تشارك في هذه المسابقات وتفوز بها أعمال غير جديرة بذلك، في حين أن جائزة نوبل للآداب هي بمثابة تتويج لمسار إبداعي شامل لهذا الأديب أو ذاك، إنها بمثابة احتفاء بتجربته الأدبية ككل.
إن عدم منح جائزة نوبل للآداب سوى لأديب عربي واحد إلى حدود اليوم، يدفعنا كذلك إلى التساؤل إن كان السبب في ذلك يقف فقط عند التجاهل الذي ما لبث يلاقيه من قبل الجهة المانحة للجائزة، أم أن هناك أسبابا أخرى لها دخل في هذا الوضع؟
لعل الحجب الذي تقرر في حق هذه الجائزة لأول مرة في تاريخها الطويل، يمكن أن يكون كذلك مناسبة للتأمل في كل تلك الأسئلة وفي غيرها، والبحث عن إجابة لها من طرف كافة المسؤولين والمعنيين.. ومرة أخرى، رب ضارة نافعة.

عبد العالي بركات

[email protected]

الوسوم ,

Related posts

Top