حديث هادئ عن الاتفاق الثلاثي

لا حديث محليا ودوليا إلا عن وثيقة السلام الثلاثية بين المغرب وأمريكا وإسرائيل، خصوصا مع وصول الوفد الأمريكي الإسرائيلي للرباط، وما استقبلوا به من حفاوة بالقصر الملكي، وتوقيع رئيس الحكومة الإسلامي على الوثيقة، من الطبيعي أن يحدث هذا كل هذه الجلبة وردود الفعل المتعارضة. لكن دعونا نفكر بهدوء بعيدا عن كل هذا الصخب، بعيدا عن التطبيل لقرار الدولة فقط لأنه اختيار الدولة واختيار أعلى هرم فيها، لكن ما وقع حقا يستحق الإعجاب والإشادة، وكل مفرداته وتفاصيله تدل على التميز، واضح إذن أنه انتقال من عهد القطيعة مع الشعارات، إلى عهد الواقعية والجدوى والفعالية، سواء فيما يتعلق بقضية الصحراء ووحدة المغرب الترابية، أو فيما له علاقة بقضية فلسطين والقدس، فلا يمكن للمغرب أن يستمر في دفن رأسه في الرمال إلى ما لانهاية، فقضية الصحراء قد عمرت أكثر من خمس وأربعين سنة، ولا بد فيها من خطوات حاسمة تنهي هذا الملف الذي استنزف وجدان المغاربة وأموالهم؛ وملف فلسطين قد جاوز السبعين سنة بكل ما كان فيها من حروب وضحايا ومآسي وقصص محزنة.. فالمغرب اليوم وهو الذي يترأس لجنة القدس، والذي يؤكد في كل مناسبة التزامه بالدفاع على حفظ حقوق الفلسطينيين، وحماية مآثرهم وتراثهم الإسلامي، في وضع أقوى ليكون جسرا وواسطة بين طرفين لا حل لهما إلا الجلوس لمائدة التفاوض، والبحث عن التسويات المرضية لكل الأطراف، وإلا آلت الأمور لما هو أسوأ وأفظع.
صحيح أن القرار لم يكن من السهل اتخاذه، وأن كثيرا من القوى الوطنية جعلت من فلسطين واحدة من قضاياها المركزية، وطالما اعتبرت التطبيع خطا أحمر، وطالما خرجت في مظاهرات ضخمة بشعارات رنانة للتنديد بدولة إسرائيل وسياساتها، لكنها سنة السياسة، لا يمكن فيها إرضاء الجميع، ولا الطريق فيها مفروشة بالورود، ولا يمكن بأي حال تفادي الآثار الجانبية، فتلك سمة لازمة للقرارات الصعبة والتاريخية.
تابعت أغلب ردود الفعل المحلية والدولية، كانت طبيعية جدا سواء من الموافقين أو المخالفين، من المرحبين أو المنصدمين، لكنني توقفت كثيرا مع تصريحين غريبين خارج السياق وبعيدا عن المنطق والعقلانية، أولهما للسيدة حنان عشراوي المفاوضة الفلسطينية المشهورة، والتي أعلنت مساندتها المطلقة للانفصاليين بالصحراء المغربية، مشبهة الوضع بما يقع بين إسرائيل وفلسطين، لا تعلم السيدة حنان أن المغاربة حين يعلنون ويجاهرون بحبهم لفلسطين، فهم يحبون أرض فلسطين، ومقدسات فلسطين، ومقهوري فلسطين، وليس من بنى ثراءه على حساب القضية بيعا وشراء، ليس من باع أرضه بثمن رخيص، فمن العيب والعار تشبيهنا بقوى الاحتلال، وعلى رأي المثل: لو ذات سوار لطمتني.
ثانيهما للشيخ الحسن ولد الددو، الفقيه الموريتاني المعروف، والذي يحظى بسمعة كبيرة في بلده، والذي طالما حل ضيفا على المغرب معززا مكرما، محتفى به من قواعد الأحزاب والتنظيمات الإسلامية، فقد صرح لإحدى القنوات العربية بأن اعتراف ترامب بسيادة المغرب على صحرائه لا قيمة له شرعا ولا قانونا، وأنه لا يملكها ليعترف بها، وأن المغاربة خدعوا كمن اشترى قطعة بالقمر، لهذا أرى أن إسلاميي المغرب بوطنيتهم التي لا يمكن المزايدة عليها، مطالبون باتخاذ مواقف حازمة تجاه كل من يشكك في سيادة المغرب على كل ترابه، فمثل هذه المواقف لا يمكن التساهل معها، من المقبول معارضة التطبيع أو أي نوع من العلاقة مع إسرائيل، فتلك حرية تعبير لا بد من صونها واحترامها، لكن حين يتعلق الأمر بدعم مشاريع الانفصال ولو تلميحا، فليس أمام ذلك إلا الصرامة والحسم، وهو ما نأمله مستقبلا من إسلاميينا الذين يبدو أنهم اقتنعوا أخيرا أن تازة قبل غزة.

< بقلم: محمد عبد الوهاب رفيقي

Related posts

Top