حرائق الغابات وتغير المناخ في زمن كورونا

تمثل النار الخطر الطبيعي الأول للغابات في دول حوض البحر الأبيض المتوسط عامة وبالمغرب خاصة، إنها تدمر الأشجار أكثر من أي كارثة طبيعية أخرى، وخلال العقدين الأخيرين انخفضت مساحة الغابات المحروقة بنسبة 13٪ بمعدل 2928 هكتار في السنة، ومع ذلك يصل عدد حرائق الغابات بحوض البحر الأبيض المتوسط إلى حوالي 50000 حريق في السنة، حصدت منها حوالي 841 هكتار عام 2018 من غابات المغرب.
ويعتبر المغرب أقل البلدان المتوسطية تأثرا بالحرائق في عام 2017 مقارنة بالبرتغال وإسبانيا وفرنسا والجزائر، حيث تضررت 2414 هكتارا من الغابات بسبب الحرائق بالمغرب مقابل تضرر 215000 هكتارا بالبرتغال، وتضرر 106000 هكتار من الغابات بإسبانيا و تضرر 54000 هكتارا من الغابات بالجزائر و تضرر 11000 هكتارا من الغابات في فرنسا.

المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية بالمغرب

يعتبر المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية نموذجا قياسيا للتكيف مع تغير المناخ حيث يعتمد على ثلاث ركائز: نقل التكنولوجيا والتكيف وبناء القدرات، وهو تتويج لعملية طويلة تهدف إلى حماية النظم البيئية للغابات التي تخضع لضغوط هيكلية بسبب الأنشطة البشرية وخاصة تربية الحيوانات وكذلك التعديلات والتغيرات المرتبطة بشكل رئيسي بالمناخ.
ويهدف المركز الوطني لإدارة مخاطر المناخ الغابوية الذي تم تأسيسه عام 2016 إلى تطوير الخبرة الوطنية في إدارة مخاطر حرائق الغابات، هذا المركز الذي سيعزز الإطار المؤسساتي للتكيف مع تغير المناخ سيكون مسؤولا عن إنشاء برامج الوقاية والإشراف عليها ومراقبتها على المستوى الوطني ضد حرائق الغابات ومخاطر الصحة النباتية ومسؤولا كذلك عن تحسين فعالية وكفاءة عمليات التنسيق بين مختلف الشركاء من أجل الحصول على معلومات في الوقت الحقيقي حول الحرائق وصحة الغابات عبر الية التنسيق مع الإدارات والمؤسسات المعنية مع إعطاء الأولوية لحوادث حرائق الغابات من أجل اتخاذ قرارات أفضل بشأن تعبئة الموارد الكافية وتخصيصها.
كما سيخصص المركز لتبادل الخبرات والتجارب ولنشر المعلومات بين الدول المتوسطية، حيث سبق للفريقين البرتغالي والتونسي زيارة المركز الوطني عام 2019 للاستفادة من الخبرة المغربية في مجال مكافحة الحريق خاصة بالنسبة لسيولة المعلومات والتنسيق الجيد بين المركز وموقع الحريق.

أسباب حرائق الغابات طبيعية وبشرية

وعلى عكس مناطق أخرى من العالم حيث تكون نسبة عالية من الحرائق ذات المصدر الطبيعي، يتميز حوض البحر الأبيض المتوسط بانتشار الحرائق التي من صنع الإنسان وتمثل الأسباب الطبيعية نسبا جد صغيرة، وتختلف الأسباب من بلد إلى آخر، حيث أن بعضها مرتبط بالمنشآت الثابتة كخطوط الكهرباء ومطارح النفايات متوسط المراقبة والبعض الآخر مرتبط مباشرة بالأنشطة البشرية كأفران الفحم المعدلة بشكل سيئ والحرائق غير المتحكم فيها والمدخنين وحرائق المخيمات والحرائق التي ينتجها الرعاة، فالقائمة طويلة جدا ولا يمكن تلخيصها في حالات قليلة، ومع ذلك، يبدو أن هذه الحرائق غير المقصودة ترتبط ارتباطا مباشرا بالأنشطة الزراعية.
ومن المفارقات أن السبب الأساسي لحرائق الغابات يرتبط بارتفاع مستوى المعيشة، ففي دول غرب أوروبا أدى انتقال السكان من البوادي إلى المناطق الحضرية إلى تباطؤ كبير في معدل النمو السكاني، وبالتالي التخلي عن الأراضي الصالحة للزراعة وفقدان الاهتمام بموارد الغابات كمصدر للطاقة، وقد أدى ذلك إلى الزيادة في هجرة السكان المسؤولين عن حماية الغابات.
وفي إفريقيا، تم احتواء الدينامية الديموغرافية في بلدان شمال إفريقيا، حيث ازداد الطلب على الغذاء والطاقة (حطب الوقود) إلى حد أنه قلل من مساحة الغابات بشكل خطير، بالإضافة إلى ذلك ينظر السكان إلى حرائق الغابات على أنها تهديد مباشر لظروف معيشتهم.

كيفية التقليل من حرائق الغابات

إن معرفة أسباب حرائق الغابات شرط أساسي لتنفيذ الحلول المناسبة، في هذا الصدد تم تطوير تقنية أصلية في البرتغال بعد زيادة وقوع الحرائق إذ أنشأت السلطات البرتغالية ألوية بحث تتكون من حراس الغابات الذين كلفوا بتحديد أسباب كل حريق، وتم تطوير الأساليب العلمية للتحقيق تدريجيا، وفي غضون بضع سنوات انخفضت الحرائق غير معروفة الأصل من 80 بالمائة إلى أقل من 20 بالمائة، حيث أشارت هذه التجربة كذلك إلى أن الغالبية العظمى من الحرائق ترجع إلى الإهمال.
واعتمدت جميع دول البحر الأبيض المتوسط تقريبا تدابير لزيادة الوعي العام حول حرائق الغابات مع التركيز في جميع الحالات تقريبا، على الحرائق العرضية، حيث يعتبر السكان المستهدفين هم الجمهور البالغ في المناطق المعرضة للخطر، المقيمين أو السياح، وتخصص برامج محددة أيضا للشباب المتمدرس بالمؤسسات التعليمية.
ويتم استخدام جميع تقنيات الاتصال الجماهيري الحالية للوصول إلى عامة الناس: الإشهارات التلفزيونية والملصقات والإعلانات الإذاعية. في إسبانيا وفي المناطق القروية يتم تنظيم العروض المسرحية أيضا حول عواقب حرائق الغابات، وقد تطورت هذه الرسائل، ففي البداية كانت الملصقات مخيفة إلى حد ما، ثم تم التركيز على المخاطر البيئية للحرائق، في حين أصبحت الرسائل في الوقت الحالي أكثر فائدة في حالة نشوب حريق.
تفرض معظم البلدان عقوبات متفاوتة وغالبا ما تكون أشد على الحرائق التي تسببها عمدا، بعض الدول مثل البرتغال شددت العقوبات بعد تعرضها لموجة من هجمات الحرق العمد للغابات، ومع ذلك يمكن ملاحظة أنه كلما كانت العقوبات التي ينص عليها القانون أثقل كلما كان من الصعب إثبات أنها عملية إحراق متعمدة، وكلما صعبت على المحاكم عملية إدانة الحرائق.

ترقب أحوال الطقس

تستخدم التنبؤات الجوية لتعبئة الموارد الضرورية مسبقا في حالة نشوب حريق، من وجهة النظر هذه غالبا ما يستخدم نهج الولايات المتحدة الامريكية كنموذج، كما بذلت البلدان جهودا كبيرة لتجهيز محطات مراقبة الطقس لتسجيل درجات الحرارة والرطوبة وسرعة الرياح واتجاهها، وتستخدم العديد من البلدان أبراج المراقبة للمراقبة وتستخدم الطائرات الخاصة في كثير من البلدان لمراقبة المناطق الغابوية، وفي بعض الحالات يتم استكمال الفحص البصري بأنظمة الأشعة تحت الحمراء الآلية. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنه وفقا للإحصاءات وعلى الرغم من جميع أنظمة المراقبة المعقدة فإن أول من يبلغ عن الحرائق غالبا ما يكون من السكان المحليين.
وتتبع إدارة الغابات ضد الحرائق تقريبا نفس الاتجاهات في جميع أنحاء دول حوض البحر الأبيض المتوسط وتتجه نحو إنشاء الخنادق وفواصل الحرائق واحتياطيات المياه، وغالبا ما تكون هذه الأعمال جزءا من مشاريع الإدارة اليومية، وتعتبر صيانة هذه الأنظمة قضية مهمة، ليس أقلها أنه غالبا ما يحدث أن السلطات التي أنشأت هذه الأنظمة وصيانتها ليست هي نفسها، ففي كثير من الأحيان لا تأخذ هذه البنيات التحتية التي يعود تصميمها في بعض الأحيان إلى عدة سنوات في الاعتبار وسائل التدخل الحديثة
على الرغم من الجهود المبذولة، لا سيما في دول جنوب أوروبا، فإن هذه الظاهرة بعيدة عن الاستقرار، حيث أنها تبدو في ارتفاع في معظم بلدان الحوض الأبيض المتوسط.

حرائق الغابات في زمن كورونا

هذا في الوقت الذي ينشغل العالم بـفيروس كورونا المستجد عن حرائق الغابات، تلتهم النيران حوالي خمسة ملايين هكتار ونصف، وتتسبب فى انبعاث 182مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون بالتوازي مع ارتفاع درجة حرارة المنطقة القطبية مرتين أسرع وتسجيل 4000 حريق بالبرازيل فى النصف الأول من عام 2020.
وأصبحت حرائق الغابات من الجيل السادس هي “الوضع الطبيعى الجديد”، لأنها تحدث فى جميع أنحاء العالم وفى أماكن لا يمكن تصورها، وتتسبب فى تدمير النظم البيئية الفريدة ذات القيمة البيئية التى لا تحصى لصحة الكوكب بأكمله، مثل الأمازون، وكل هذا فى ظل انشغال العالم بوباء كورونا.
لقد أصبحت العديد من الدول غافلة عن دراما حرائق الغابات بسبب الانشغال بأزمة كورونا، فمنذ عدة سنوات مضت سجلت بالقطب الشمالي العديد من الحرائق، حيث تم تسجيل درجة حرارة قياسية تبلغ 38 درجة مئوية، وذلك بعد احتراق ملايين الهكتارات، ما تسبب فى انبعاث مئات ملايين الاطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون بالغلاف الجوي، حيث تسخن المنطقة القطبية الشمالية مرتين أسرع من بقية الكوكب، ونتيجة لذلك تتولد حرائق شديدة الكثافة.
أدت حرائق الغابات عبر العالم إلى انبعاث 7800 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون عام 2019، وهو ما يعادل حوالى 25 ضعف إجمالى انبعاثات إسبانيا فى عام واحد، واتسم عام 2019 بنشاط استثنائى من حيث شدة الانبعاثات، وإن الجمع بين موجات الحرارة الطويلة والجفاف المتراكم والرطوبة المنخفضة جنبا إلى جنب مع النباتات الجافة جدا والغابات غير المدارة يولد حرائق أسرع بكثير ووحشية لم يسبق رؤيتها من قبل.
علاوة على ذلك، تم تمديد فترات الخطر، حالة حرائق غابات أستراليا لعام 2019 كنموذج، حيث بلغت “العواصف النارية” أكثر من 1000 درجة مئوية، ما أسفر عن مقتل العشرات من الأشخاص وأكثر من مليار حيوان، على العكس من ذلك فالحرائق فى غابات الأمازون أو إندونيسيا لها خلفية اجتماعية واقتصادية واضحة تتجلى في إزالة الغابات وأيضا يعتبر التغيير فى استخدام الأراضى هو أصل هذه الحرائق، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى النظام الغذائي السائد وغير المستدام ما تسبب فى إزالة ثلاثة أرباع الغابات في العالم.

الأوبئة وحرائق الغابات

كما أن هنالك علاقة مباشرة بين الحرائق وإزالة الغابات والأوبئة، حيث إن تدمير الغابات وخاصة الغابات الاستوائية منها مثل غابات الأمازون وإندونيسيا وحوض الكونغو، يجعل من الممكن للبشر أن يتواصلوا مباشرة مع مجموعات من الحيوانات البرية التى تحمل مسببات الأمراض، ولذلك اتفقت هيئة الأمم المتحدة والصندوق العالمي لحماية لطبيعة على مفهوم أن “الغابات المحمية جيدا تصبح أفضل لقاح ضد الأمراض الحيوانية المنشأ” مثل فيروس كورونا المستجد.
ويعتبر الحد من تغير المناخ أو التخفيف من حدته هو العلاج الوحيد لهذه الحالة الوبائية الطارئة العالمية والخطيرة، حيث يجب أن تركز سياسات مكافحة الحرائق على الوقاية الشاملة، لأن حرائق المستقبل يجب ان تعتمد على تدابير الوقاية التى يتم تطبيقها من الآن فصاعدا، ولذلك فمن الخطأ الاستمرار فى الاعتماد على سياسات الإطفاء التقليدية لإخماد الحرائق لأنها أثبتت عدم فعاليتها فى مواجهة الأحداث الكبيرة، فاليوم أصبحت الحاجة ملحة اكثر من أي وقت مضى لمكافحة تغير المناخ العالمي والحد من إزالة الغابات وتدهور الغابات في المناطق الاستوائية.

حرائق الغابات في كل ربوع الكوكب

عانت بوليفيا مؤخرا من حدة حرائق الغابات، حيث تمكن رجال الإطفاء البوليفيين من السيطرة على حريق استهلك فى الأيام الأخيرة 40 ألف هكتار فى محمية أوتوكيس الطبيعية على الحدود الثلاثية مع البرازيل وباراغواى، حسبما أفادت وزيرة البيئة ماريا إلفا بينكرت.
وأشارت ماريا إلى أن: “مهام التخفيف استغرقت عدة أيام، لقد فقدنا أكثر من 40 ألف هكتار فى هذا الحريق” مضيفة أنه: “تم نقل 120 من رجال الإطفاء والمتطوعين إلى الموقع، وهى منطقة رطبة ذات أهمية بيولوجية وإيكولوجية دولية في حين تم تسجيل في العام الماضي حرائق غابات ضخمة في جميع أنحاء منطقة الأمازون البوليفية، والتي دمرت 6.4 مليون هكتار.
كما عانت إسبانيا من العديد من الحرائق الغابوية، والتى كان آخرها فى منطقة رودييرو بجاليسا، حيث قضت النيران على نحو 50 هكتار، وشارك فى إطفائها 5 مروحيات و6 طائرات، وقال رئيس البلدية لويس لوبيز: “إنه على الرغم من أن الوضع استمر فى التعقيد واستمر العمل المكثف، وتعاون رجال الإطفاء لحماية المزرعة إلا أن الخطر لا يزال موجودا”.
وأيضا فى البرتغال، حيث كافح ما يزيد على 700 من رجال الإطفاء، حريق غابوي ضخم فى وسط البلاد، لكن الرياح القوية عرقلت جهود إطفائه، واندلع حريق الغابات في بلدية أوليروس، وامتد إلى بلديتين مجاورتين، وأدى بالفعل إلى إصدار أوامر إخلاء للعديد من الناس كإجراء احترازى.
ولقي رجل إطفاء عمره 21 عاما حتفه فى حادث طريق أثناء مكافحة الحريق، فى حين أصيب ستة آخرون، وقال رئيس الوزراء أنطونيو كوستا: “أود أن أرسل كلمة تضامن وتشجيع وشكر لرجال الإطفاء… على العمل الذى يقومون به من أجل البرتغال ولنا جميعا”.
وتظهر بيانات الاتحاد الأوروبى أن البرتغال واحدة من الدول الأوروبية الأكثر تضررا بسبب الحرائق كل عام، وأحد الأسباب الأساسية لحرائق الغابات المتكررة فيها هو أن أجزاء من المناطق الداخلية فى البلاد مهجورة، بعد أن غادرها سكانها للعيش في المدن أو في الخارج، في حين يجري إهمال مهمة إزالة الأشجار والشجيرات، الأمر الذي يزيد من مخاطر نشوب الحرائق.
كما تعتبر روسيا من الدول التى تتعرض للمزيد من الحرائق، والتى كان آخرها فى قرية بمنطقة “ياقوتيا” الروسية، وأظهرت المشاهد التهام الحرائق مساحات كبيرة من الغابات، فى الوقت الذي تطوع فيه سكان قرية “سافاتاى” المجاورة، للعمل مع الأجهزة المختصة لإطفاء الحرائق.
وذكرت الجهات المختصة، أن الوضع فى المنطقة لايزال متوترا نتيجة لما تشهده من حرائق منتشرة، والتى وصل عددها إلى 65 حريقا تنتشر فى مناطق مختلفة، وامتدت الحرائق على مساحة 3864 هكتارا.
وفى البرازيل، واصل رجال إطفاء وجنود برازيليون مساعيهم للسيطرة على حرائق في منطقة بانتانال، التي تضم أكبر مناطق مستنقعات العالم، وسجل المسؤولون في المنطقة نحو 4000 حريق فيها، منذ بداية العام، وهو ضعف عدد الحرائق التى اشتعلت العام الماضي، وتمتد المنطقة ما بين ولايتي ماتو جروسو وماتو غروسو دو سول، وسط غرب البلاد.
وفي 16 يونيو الماضي، أصدرت الحكومة البرازيلية مرسوما يحظر إشعال النيران في بانتانال وغابات الأمازون لمدة 4 أشهر، ومع هذا فقد سجلت بانتانال وحدها نحو 1000 حريق، منذ بدء تطبيق المرسوم.
وارتفع عدد حرائق الغابات في منطقة الأمازون البرازيلية بنسبة 28٪ الشهر الماضي مقارنة بشهر يوليوز 2019، وفقا لبيانات الأقمار الصناعية الصادرة يوم السبت مما أثار مخاوف من أن أكبر حرائق الغابات المطيرة في العالم يمكن أن تدمرها الحرائق مرة أخرى هذه السنة.
و حسب منظمة غرينبيس تم اكتشاف عبر الأقمار الصناعية حوالي 1007 حريق في غابة الأمازون يوم 30 يوليوز الماضي وهو أسوأ يوم في يوليو منذ عام 2005، و يعتبر هذا الرقم أكثر إثارة للقلق بالنسبة للباحثين حيث كان عام 2019 بالفعل عاما مدمرا في منطقة الأمازون مما أثار احتجاجات المنظمات البيئية حول العالم، حيث نتيجة لذلك ازداد الضغط على البرازيل و على رئيسها بوليسونارو للتعهد ببذل المزيد لحماية هذه الغابة العملاقة التي يعتقد العلماء أنها حيوية في مكافحة تغير المناخ.

إفساح المجال للأنشطة الفلاحية والصناعية

ويتهم نشطاء البيئة الرئيس بوليسونارو الذي يشك في تغير المناخ بتشجيع إزالة الغابات بدعوات لفتح الغابات المطيرة على النشاط الزراعي والصناعة، وقال رومولو باتيستا متحدثا باسم منظمة غرينبيس البرازيل أن: “أكثر من ألف حريق في يوم واحد هو رقم قياسي لمدة 15 عاما ويظهر أن استراتيجية الحكومة للقيام بعمليات تحويل وسائل الإعلام لا تعمل على أرض الواقع”.
مقابل ذلك حشد الرئيس بوليسونارو الجيش لمحاربة الحرائق لكن خبراء البيئة يؤكدون أنه لا يعالج الأسباب الحقيقية للحرائق، وأوضح المتحدث باسم منظمة غرينبيس البرازيل أن: “التصدي الفعلي لهجمات الحرق العمد التي تهدف إلى تطهير الأراضي بطريقة غير قانونية يتطلب إجراءات أخرى غير تلك التي اتخذتها السلطات البرازيلية”.
كانت الأشهر الستة الأولى من عام 2020 هي الفترة التي كانت خلالها إزالة الغابات في الأمازون البرازيلية هي الأكبر منذ وجود الإحصاءات حيث تمت تسوية 3069 كيلومترا مربعا، ويحذر الخبراء من أنه إذا أضرمت النيران في جزء كبير من هذه المناطق فقد يتحول الوضع إلى كارثة.
في عام 2019 زاد عدد الحرائق بنسبة 200٪ في شهر غشت على أساس سنوي مع نشوب 30900 حريق حيث كانت ساو باولو المدينة العملاقة الواقعة على بعد ألف كيلومتر من الامازون مغطاة بسحابة كثيفة من الرماد.

الحرائق في الولايات المتحدة الأمريكية بطعم كورونا

يمر فصل الصيف حارا بالنسبة لرجال الإطفاء في الغرب الأمريكي، حيث يعد موسم حرائق الغابات بخطر كبير ، وسيتعين عليهم أيضا مواجهة وباء كورونا هذا العام مما يجبرهم على تعديل استراتيجيات السيطرة الخاصة بهم ضد الحرائق. ومع وجود فيروس تاجي جديد شديد العدوى فإنه ليس من المستحيل على رجال الإطفاء التفكير في العمل كما كان في الماضي.
وسيكون لـوباء كورونا أيضا نتائج مباشرة على تقنيات مكافحة حرائق الغابات، حيث ستتبنى خدمات الطوارئ ما يسمى بالنهج “العدواني”، وتفضل العمل السريع واستخدام قاذفات المياه، وسوف تتكيف الإغاثة أيضا مع القيود الجديدة للوباء في حالة إجلاء آلاف السكان في مواجهة تطور النيران، كما هو الحال في كل عام.

حرائق غابات فرنسا

أكثر من 500 هكتار من الغابات التي دمرتها الحرائق بفضل حرارة الأيام القليلة الماضية والجفاف الذي يستقر في فرنسا، حيث انخفض حريقان من الغابات إلى رماد أكثر من نصف ألف هكتار في جيروند ولوير، يوم الاثنين 27 يوليوز، التي تعتبر أولى الحرائق الكبيرة في هذا الصيف، والتي لم تسفر عن وقوع ضحايا بينما لا تزال أسبابها مجهولة حتى لو كانت الحرائق في كلتا الحالتين تبدأ من جانبي الطريق مما يوحي عادة بالفرضية أنها قد تكون من أصل بشري الامر الذي لم يتم تأكيده بعد.

تعزيز التعاون الدولي فى مجال حرائق الغابات

نظرا لتنوع المسؤوليات داخل منظومة الأمم المتحدة وخارجها، أنشيء منتدى دولي لتيسير الحوار العالمي من أجل السياسات، وأنشئ في 2001 فريق عمل بشأن حرائق الغابات من ضمن فريق المهام المشترك بين الوكالات المعنى بالحد من الكوارث فى إطار استراتيجية الأمم المتحدة الدولية للحد من الكوارث.
مهد مؤتمر القمة العالمى المعني بالتنمية المستدامة الذي عقد فى جوهانسبرغ، جنوب أفريقيا فى 2002 الطريق لوضع برنامج عمل للحد من التأثيرات السلبية لحرائق الغابات على البيئة والبشر، وأدى ذلك إلى عقد مؤتمر قمة دولى بشأن حرائق الغابات فى سيدنى، أستراليا فى أكتوبر 2003، وكان موضوع مؤتمر القمة هو “إدارة الحرائق والتنمية المستدامة: تعزيز التعاون الدولى للحد من التأثيرات السلبية للحرائق على البشر والبيئة العالمية”.
وكمتابعة مباشرة لهذه المبادرات، عرضت حكومة اسبانيا استضافة المؤتمر الدولى الرابع المعنى بحرائق الغابات شهر ماي 2007.
وفى كوستاريكا، جمع مؤتمر البلدان الأمريكية بشأن حرائق الغابات الذي نظمته المنظمة فى 23 أكتوبر 2004 معا 27 رئيسا من رؤساء أجهزة الغابات الوطنية من مختلف أنحاء الكوكب، وأصدر المؤتمر إعلانا دعا فيه إلى وضع اتفاقات تعاون ثنائية ومتعددة الأطراف بشأن الإدارة المتكاملة للحرائق ووضع اتفاق دولى للتعاون لتلافى وإدارة الحرائق.
غير أن جميع الجهود التعاونية فى مكافحة الحرائق قد تكون بلا طائل ما لم تعد وتستخدم خطوط توجيهية دولية بشأن إدارة الحرائق فى مختلف ظروف الحرائق، ويتطلب التعاون الدولى فى حالات الطوارئ الناشئة عن الحرائق نظاما مشتركا للحوادث يكون مقبولا دوليا، ويعتبر توحيد المصطلحات والإجراءات عنصرا أساسيا لنجاح عمليات متعددة البلدان.

المغرب.. التلميذ النجيب

بفضل المركز الوطني لتدبير المخاطر المناخية الغابوية، يمكن تقديم قراءات تحليلية لكل المبادرات والنتائج، والسعي لتعزيز ما هو إيجابي وتصحيح الاختلالات التي قد تظهر والتأكد من أنه تم القيام بكل متطلبات اشتغال المنظومة سنويا، من حيث الحماية، وتنظيف الغابات، وتهيئة مسالك الغابات وأبراج المراقبة والتي تعتبر العناصر الأساسية لحماية الغابة، كما يتعلق الأمر بضمان فعالية نظام مكافحة الحرائق، والذي يتكون من عناصر جوية و أرضية، بالإضافة إلى نقاط التنسيق الرئيسية ونظام المراقبة المعلوماتية لتقدير المخاطر ابتداء من شهر ماي وإلى غاية شهر أكتوبر سنويا، بمعدل مرتين في اليوم، وهو ما يسمح بتعامل استباقي في مكافحة الحرائق.
وبفضل الخدمات التي يقدمها المركز يمكننا الاطلاع على الحصيلة السنوية لحرائق الغابات بالمغرب، وكذا التعرف على برامج العمل السنوية الخاص بتدخلات المركز والوقوف عند النتائج الايجابية التي تأتي كخلاصة لملاءمة مخططات التدخل مع ظروف المجال الغابوي والمجهودات المبذولة لتحسين تهيئته وتجهيزه من جهة، والتنسيق المبني على التجارب الميدانية والذي يربط مختلف الفرقاء المعنيين من درك ملكي ووقاية مدنية وقوات مسلحة ملكية وقوات ملكية جوية وقوات مساعدة إضافة إلى قطاع المياه والغابات.

حرائق الغابات وتغير المناخ

قال الدكتور بارينجتون كبير علماء كوبيرنيكوس: “من الصعب جدا تحديد التأثير المباشر لحرائق الغابات على المناخ العالمي، لكن هناك عددا كبيرا من التأثيرات غير المباشرة والمحتملة، أما فيما يتعلق بانبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون فسيتم امتصاص البعض من هذا من قبل المحيط الحيوي ولكنها عملية جد بطيئة وليس لدينا تقدير لهذا في الوقت الحالي، ومع ذلك فإن الحرائق في أراضي الخث تطلق الكربون الذي تم تخزينه في الأرض لآلاف السنين “.
وأضاف: “إن ما رأيناه في القطب الشمالي هذا الصيف هو عدد كبير من حرائق الغابات في القطب الشمالي في سيبيريا التي تشتعل منذ حوالي الأسبوع الثاني من شهر يونيو بكثافة عالية وتنتج كميات كبيرة من تلوث الهواء، فالدخان يغطي معظم المنطقة”.
إن حرق أراضي الخث أمر مثير للقلق للغاية لعلماء المناخ، ليس فقط بسبب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والتغيرات التي تطرأ على البياض، ولكن أيضا نظرا لأن المناطق الهائلة في القطب الشمالي من ذوبان التربة الصقيعية، يطلقون مخازن ضخمة من الميثان – غاز دفيئة قوي للغاية – أيضا تسريع ارتفاع درجات الحرارة.
و يضيف كبير علماء كوبيرنيكوس قائلا: “فيما يتعلق بثاني أكسيد الكربون نقدر أن 205 ميغا طن من غاز ثاني أكسيد الكربون قد انبعثت من حرائق الغابات في الدائرة القطبية الشمالية بين 1 يونيو و 31 يوليوز 2020″، وقال الدكتور بارينجتون: “في سياق معين بلغ إجمالي انبعاثات حرائق الغابات السنوية في الدائرة القطبية الشمالية في عام 2019 حوالي 182 ميغا طن من ثاني أكسيد الكربون”، وهذا أكثر من من الإنتاج السنوي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون للدول الإسكندنافية: الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا مجتمعة.
وحسب خبراء الأرصاد الجوية فان حرائق الغابات تأتي وسط موجة حر تمر على شمال سيبيريا حيث ارتفعت درجات الحرارة من 15 درجة مئوية إلى 20 درجة مئوية عن المعتاد ولأيام متتالية.
في كندا، تم تسجيل درجة حرارة 33 درجة مئوية شمال الدائرة القطبية الشمالية مما يسلط الضوء على تأثير ظاهرة تضخيم القطب الشمالي التي ارتفعت فيها درجات الحرارة في المناطق القطبية الشمالية مرتين على الأقل بسرعة أجزاء أخرى من العالم وسط أزمة المناخ حيث بلغ الغطاء الجليدي في المحيط المتجمد الشمالي أدنى مستوى له على الإطلاق يوم 15 يوليوز من هذا العام.

> بقلم: محمد بنعبو

خبير وناشط بيئي، رئيس المكتب الوطني لجمعية أصدقاء البيئة.

Related posts

Top