حركة الشباب من أجـل الـمـنــــاخ ومصداقية النضال البيئي

في مثل هذا اليوم من العام الماضي”21 شتنبر 2019 “، وبمقر الأمم المتحدة في نيويورك تم افتتاح أشغال قمة الشباب حول المناخ بمشاركة نحو 500 ناشط بيئي من جميع أنحاء العالم، قمة شبابية سبقت قمة العمل المناخي اعتبرها الخبراء فضاء للتفاعل بين القادة الشباب الذين ينشطون في مجال العمل المناخي من أجل الحوار بشكل فعال مع صناع القرار وتقديم الحلول المناخية بنكهة شبابية.
وقبيل حفل افتتاح القمة بساعات – الحفل الذي حضره الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس والناشطة البيئية السويدية غريتا ثونبرغ – كانت حركة الشباب الأمريكي من أجل المناخ قد نظمت مسيرة مليونية من أجل المناخ بنيويورك، ويؤكد الأمين العام غوتيريس على أن: “مشكلة قادة العالم هي أنهم يتحدثون كثيرا ولا يستمعون بما فيه الكفاية” وعلى “أهمية إنصات صناع القرار العالميين إلى صوت الشباب من أجل العمل المناخي”، في حين كانت لغريتا تونبرغ وجهة نظر شبابية في الموضوع قائلة: “بالأمس تظاهر ملايين الأشخاص عبر العالم للمطالبة بعمل حقيقي من أجل المناخ” في إشارة إلى مئات المظاهرات والمسيرات العالمية التي نظمت عشية قمة الشباب من أجل المناخ بمبادرة من العديد من الحركات البيئية الشبابية، وأضافت غريتا ثونبرغ: “لقد أظهرنا نحن الشباب أننا متحدون ولا يمكن وقفنا”.
وكانت ما يزيد عن 173 عاصمة عالمية عرفت تنظيم حوالي 5000 مسيرة شبابية من اجل المناخ شهر شتنبر من السنة الماضية، انطلقت من سيدني إلى نيويورك مرورا بباريس، حيث تم حشد مئات الآلاف من أطفال وشباب المدارس في كل مكان من بقاع العالم، خرجوا إلى الشوارع يوم الجمعة 27 شتنبر، يوم الاحتجاجات العالمية ضد الاحتباس الحراري.

مسيرة للمناخ من أجل إعلان حالة الطوارئ المناخية

من سيدني وسيول، عبر مانيلا وبالي وطوكيو وبومباي، كانت منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي انطلاقة شرارة “الجمعة من أجل المستقبل” الذي يهدف إلى زيادة الضغط على صناع القرار السياسي.
مع شروق شمس يوم الجمعة فوق المحيط الهادئ بدأ التلاميذ والطلبة – في الجزر الصغرى والتي تقع في الخطوط الأمامية للاحترار العالمي بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر – في فانواتو وجزر سولومون وكيريباتي في التدفق في الشوراع حيث هتف الأطفال: “نحن لا نغرق، نحن نقاتل”
مسيرات مناخية أطلقت في ألمانيا، و كل مدن و عواصم دول الاتحاد الاوروبي وفي دول أمريكا اللاتينية، وختمت بمسيرات مليونية في مدينة مونتريال الكندية تقدمتها الشابة السويدية غريتا تونبرغ و عمدة مدينة مونتريال و رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.
وكان صباح يوم الجمعة قد تحدث الرئيس ترودو ولمدة خمس عشرة دقيقة مع الشابة السويدية غريتا ثونبرغ في جلسة خاصة وبعد انتهاء المحادثات أشاد جاستن ترودو بـ “قوتها” باعتباره رائدة حركة الشباب من اجل المناخ، وسألها عن رأي أصدقائها في السويد في مسيرة مونتريال للمناخ، حيث أخبرت: “إنهم سيشاهدون الحدث كما تابعوا مسيرة استوكهولم والتي شارك فيها ما يقرب من 60 ألف شابة وشابة” وبعد الاجتماع بوقت قصير لخصت غريتا ثونبرغ رسالتها إلى رئيس الوزراء الكندي على النحو التالي: “استمع إلى العلم وافعل ذلك”، وأضاف ترودو: “إنني جد محظوظ لكوني تمكنت من التحدث مع الناشطة الشابة، إنها تطلب من القادة أن يفعلوا المزيد وأن يفعلوا ما هو أفضل، وأؤكد أنني أستمعت إليها بكل تمعن”.

مؤتمر مونتريال للمناخ 2005 مهد الحركات الشبابية

خلال مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ الذي عقد في مونتريال عام 2005 تمكنت كندا من أن يكون لها قناة تأثير حقيقيةعبر آلية الشباب، كما أوضح الشباب ذلك من قبل 2006، حيث دعمت الحكومة الكندية حركة الشباب من أجل المناخ و شباب جميع منظمات المجتمع المدني المختلفة للتعبير عن وجهة نظرهم وطرح آرائهم وحلولهم بشأنها قضية تغير المناخ، ومن المهم أيضا ملاحظة السياق التي اكتسب فيه شباب كندا هذا التأثير، فجموعة من العوامل كانت ملائمة لإدماج الشباب في المفاوضات من أجل المناخ، في وقتها كان يحكم كندا الحزب الليبرالي وكان يحمل حقيبة وزير البيئة “ستيفان ديون” و كانت المفاوضات الكندية من اجل المناخ شيئا ما مختلفة وأكثر ملاءمة لإدراج مجموعة كهذه من الشباب، وبالرغم من التوقعات العالية، تابعت وسائل الاعلام توقيع ميثاق مونتريال: كانت التوقعات جد عالية، وبالنسبة للبعض كانت بعيدة المنال، ولكن تم مواجهة التحدي عبر ميثاق عالمي تمت عنونته بــــــــــ: “كوكب ملتزم بمواصلة كفاحه للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري ضيق”
حتى أنصار البيئة أعربوا عن رضاهم عن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ المنعقد بمونتريال، الذي جمع ممثلين عن 189 دولة من 28 نونبر إلى 10 دجنبر 2005، بينما لم تتردد الصحافة الكندية في المتابعة الاعلامية صوتا وصروة لمؤتمر مونتريال نظرا للنجاح العالمي الذي حققته كندا تنظيميا ولوجيستيكيا وبالموازاة كان العلماء و الاكاديميون بالجامعة قد اجمعواعلى التقييم الإيجابي لقمة الاطراف: “الدول الأطراف في بروتوكول كيوتو وكذلك جميع ممثلي القطاع الخاص والبلدان غير الأطراف اتفقت في مؤتمر مونتريال على تطبيق الالتزامات التي تم التعهد بها بالفعل والنظر في تمديدها” لذلك، في سياق إيجابي للغاية، حصل الكنديون الشباب على فرصة للتحدث والتعبير عن وجهة نظرهم كما لم يحدث من قبل، هذا إذا ركزنا على مخطط تنظيمي لوفود شباب العالم، من السهل رؤيته أن ما هو جيد للوفد سيكون له تأثير إيجابي على مصداقية كل منهم.

ائتلاف الشباب الكندي للمناخ

ائتلاف الشباب الكندي للمناخ هو منظمة شبابية غير ربحية في كندا، ويتكون الائتلاف من منظمات شبابية مختلفة، بما في ذلك الاتحاد الكندي للطلاب ومؤتمر العمل الكندي وتحالف شباب سييرا وغيرها، ويهدف الائتلاف إلى إعطاء الأولوية لتغير المناخ كقضية مجتمعية، وعلى الصعيد الدولي يعد التحالف جزءا من حركة الشباب العالمية للمناخ.
في شهر شتنبر من عام 2006 اجتمعت 48 منظمة شبابية من جميع أنحاء كندا لمناقشة تغير المناخ وشكلت تحالف الشباب الكندي للمناخ، ويعمل التحالف كمجموعة ضغط لتشجيع السياسيين على العمل في قضية تغير المناخ، بعد شهرين من تأسيسه مباشرة، وقع جميع أعضاء الحزب الديمقراطي الجديد بكندا إعلان تحالف الشباب الكندي للمناخ، وهو التماس موجه إلى الحكومة الكندية للتحرك بشأن المناخ و بسرعة.
الاعتراف بـالشباب على مستوى المفاوضات هو أول تأثير ملحوظ، لذلك فإن التحالف الكندي للشباب من أجل المناخ الحاصل على الاعتراف من قبل الأمم المتحدة يؤثر على جميع المنظمات غير الحكومية.
هناك 48 منظمة عضو في الائتلاف ويمكن تقدير أن ذلك العدد سوف يزداد مع الأخذ في الاعتبار التأثير سيزداد أكثر وأكثر، مع ان أهمية الشباب سوف تأخذ على جميع المستويات، حتى عام 2006 كانت وفود الشباب جزءا من المجتمع المدني الممثلة من قبل الوفد الكندي العام المشارك في المفاوضات الدولية حول التغيرات المناخية، وكان هذا الاعتراف الحكومي مهما جدا في السياق حيث أرادت الحكومة أن تظهر للوفود المختلفة ليس فقط أهمية المجتمع المدني فيها، ولكن أيضًا أهمية وضع الثقة في منظمات مدنية تضم الشباب.
مشاركة الشباب الكندي بطعم الاعتصام

منذ سنة 2007 وائتلاف الشباب الكندي من أجل المناخ يشكل الوفد الشبابي الرسمي إلى مؤتمرات الأمم المتحدة لتغير المناخ لرفع وإيصال صوت حركة الشباب الكندي من أجل المناخ.
في الحدث الذي أقيم عام 2007 على هامش مؤتمر الأطراف للمناخ المنظم ببالي، ألقى عضو من وفد الشباب الكندي كلمة نيابة عن منظمة غرينبيس كندا وشباب من أجل البيئة الكندي وتحالف الشباب الأسترالي المناخي وكذلك التحالف الكندي للشباب من أجل المناخ، رسالة تم توجيهها إلى ممثلي أكثر من 150 دولة حاضرة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الأطراف، وبعد خمس سنوات تم اختيار مجموعة من عشرين شابة و شاب كندي ملهم لحضور قمة الاطراف في نسختها السابعة عشرة في ديربان.
بعد عام 2006 ومع وصول حزب المحافظين إلى الحكومة الفيدرالية الكندية، تغير الخطاب الرسمي للائتلاف، فعلى الرغم من أن المرء قد يعتقد أن هذه اللحظة قد تمثل انخفاض تأثير الشباب في المفاوضات الدولية وغيابهم عن الوفد الحكومي، ولكن هذا ليس هو الحال، الآن في مساعدة منظمات مثل الائتلاف الشبابي الكندي من أجل المناخ ومجموعات أخرى من الشباب لخوض تحربة التمثيل الدولي، وقد ازداد تمثيلهم وتأثيرهم بالفعل.
لكن تأثير وفد ائتلاف الشباب الكندي من أجل المناخ على هامش أشغال مؤتمر الأطراف في كوبنهاغن في دجنبر 2009 كان أقوى من سابقيه، بعدما قام الإئتلاف بتنظيم بعض التدخلات العنيفة في قاعة المؤتمرات وأمام جميع المشاركين في قمة المناخ، وأمام أعين الوفد الكندي نفسه، لاستهداف ملف حقول الرمال النفطية في إقليم ألبيرتا ولإبراز الموقف العام المزدوج لحكومة المحافظين من الوقود الاحفوري، ويؤكد منظموا الحدث الجانبي بكوبنهاغن: “تلقى الاعتصام قدرا استثنائيا من الدعم من جميع المؤتمرين تقريبا في مركز بيلا، بما في ذلك مندوبي الوفود الدولية في المؤتمر وبعض الخبراء والشخصيات السياسية البارزة” و”السيناتور جون كيري كان من بين الذين توقفوا لمصافحتنا” يقول دومينيك ماكورماك أحد أعضاء حركة الشباب من أجل المناخ من الولايات المتحدة الأمريكية، و أضاف: “وعبر عن دعمه لجهودنا، لقد قمت بتفقد عدد الابتسامات وإشارات النصر و التأييد التي تلقيناها من الناس تظهر لنا الدعم وتجعلنا جد مرتاحين”.
لا يزال صدى تأثير الاعتصام المنظم بعاصمة الدانمارك يتردد في فضاء مؤتمر كانكون بالمكسيك، من جهة كان الشباب لا يزالون يفكرون في التأثير الإيجابي لمبادرتهم و طموحهم في تكرار سلسلة من الإجراءات المماثلة، لكن هيئة الأمم المتحدة التي لم تكن تقدر حقا على تلك الاضطرابات ولم تكن ترغب في تلك الأحداث التخريبية، حيث خلال يوم الشباب والأجيال القادمة الذي أقيم يوم 2 دجنبر 2010، ألغت أمانة اتفاقية الامم المتحدة للمناخ بعض الأنشطة تحسبا لتدخلات عنيفة للشباب وخشية تكرار سيناريو المؤتمر السابق ودخول الحركة في اعتصامات لا تحمد عقباها.
كان تأثير الاعتصام إيجابيا بالتأكيد في المؤتمر الخامس عشر ومع ذلك من الجدير بالملاحظة أن السلطات ما زالت تفكر في ذلك واعتبر الحدث خارقا للعادة في تاريخ المفاوضات وأنهم يخشون أفعال مماثلة، ومن المثير للاهتمام أيضا أن نرى التأثير الذي كان للشباب والوفد عند اتخاذ هذا الموقف اتجاه الحكومة الكندية.
ولمقارنة التأثير الذي يدعي التحالف أنه يمتلكه مع هذا النوع من البيانات الصحفية ومع رد فعل وسائل الإعلام على أنشطة العشرات من الشباب الكندي في قمة تغير المناخ للأمم المتحدة في كوبنهاغن الدنمارك، احتجاجا على حقول النفط في ألبرتا، في هذه الحالة التي تهمنا ، فإن الرسالة مهمة للغاية بالتأكيد، لكن يجب علينا كذلك مراعاة الرسول أيضا إذا كان هناك رسول بهذا المعنى، فإن حركة الشباب من أجل المناخ ترى أنه يجب سماع ذلك من طرف الصحافة الدولية ومن الضروري للحركة ترويج خبرتها وأفعالها عبر وسائل الإعلام العالمية وليس فقط عبر الصحافة المحلية.
إحدى الطرق التي يجب أن يتحدث بها الشباب عن حركتهم هي بالتأكيد عدد الأفراد الذين يمثلونهم، في هذا السياق من الممكن أن نرى تطور مقياس الحركة بمرور الوقت حتى خلال فترة قصيرة حيث كان حجم مؤتمر كانكون يعادل عشرة أضعاف حجم مؤتمر كوبنهاغن 2009، ومع ذلك كان هناك أيضا العديد من الشباب خلال المؤتمر16 حوالي 1000 شابة وشاب، وهذه النقطة الأولى مهمة جدا لأنه وفقا لتعريفنا للتأثير فعدد الأشخاص المتأثرين أو الذين ينبعثون من هذا التأثير كبير جدا مهم.
ومع ذلك كان الشباب محدودا في عدد الإجراءات التي يمكنهم اتخاذها في كانكون مقارنة بكوبنهاجن، ويرجع ذلك أساسا إلى تأثير الاعتصام الذي سبق ذكره فعلى الرغم من كل شيء، تمت ملاحظة العديد من الإجراءات بما في ذلك ماحدث بالشراكة مع شبكة البيئة الأصلية للمنظمات غير الحكومية، حيث أقيمت مظاهرة على مدخل فندق قصر القمر حيث كان المفاوضات والجلسات العامة، ولذلك فهم موجودون أمام عدد قليل من الصحفيين وتم دعم هذا النشاط من قبل العديد من الشباب الذين تم وضعهم في الخلفية والذين كانوا يرتدون سترات كتب عليها “اغلاق حقول الرمل النفطي”، فعلى الرغم من قوة الخطاب، إلا أن القليل من وسائل الإعلام نقلت الخبر، وعلى الرغم من أن البيان الصحفي مهم جدا وتم توزيعه في عين المكان لكن لوحظ أن المنظمات غير الحكومية هي التي تحدثت عن الحدث.
تغير المناخ في زمن كورونا

لغاية هذه اليوم، يمكن أن نعتبر أن كل ساكنة كوكب الأرض قد تأثرت بـعواقب تغير المناخ، حيث تحت تأثير الاحتباس الحراري الذي يوفر المزيد من الطاقة أو الرطوبة، وفي بعض الأحيان يؤدي إلى ظهور وحش مخيف في الغلاف الجوي أو خليط من عدة وحوش وفي نفس المكان: “يمكن أن تؤدي موجات الجفاف الهائلة وموجات الحرارة إلى تضخيم بعضها البعض، حتى عند خطوط العرض المرتفعة”، هذا ما يثيره جاكوب زشيشلر المتخصص في الكوارث المناخية المتطرفة في جامعة برن السويسرية، ويضيف: “يمكن أن يؤدي الجمع بين عدة فترات من الجفاف أيضا إلى نشوب حرائق ضخمة: “دون أن ننسى خطر حدوث عاصفة ترابية ضخمة في كاليفورنيا خاصة التي تعاني من عجز شديد في المياه منذ عشرين عاما مضت وحتى الى يومنا هذا، حيث بدأنا أيضا في دراسة احتمالية رؤية إعصار مداري متعاقب تتبعه موجة حرارة شديدة”، كما يقول الباحث السويسري: “إن احتمال حدوث مثل هذه المجموعات يزداد بالضرورة مع ارتفاع درجات الحرارة، لدرجة أن بعض المناطق في العالم يمكن أن تصبح غير صالحة للسكن بحلول نهاية القرن.”
لكن تغير المناخ يعطل أيضا الدوران العالمي للغلاف الجوي، مع الاحترار المتسارع للقطب الشمالي، مما يقلل الفروق الحرارية بين خطوط العرض: “على مدى أربعين عاما، يلاحظ المرء ضعف التيار النفاث خلال فصل الصيف، مما يؤدي بالتالي إلى استمرار حالات الطقس المتطرفة، وقال ديم كومو عالم المناخ في معهد بوتسدام: “يشكل التيار النفاث تعرجات عميقة حول الكرة الأرضية وفي بعض الأحيان ولعدة أسابيع، تحجب منطقة الضغط العالي التي توفر موجات حرارية وجفاف يؤدي إلى فيضانات خطيرة، لدرجة أن العديد من الظواهر المتطرفة يمكن أن تظهر في وقت واحد وفي نقاط مختلفة على الكوكب، وباء مناخي حقيقي وجائحة عظمى تلك التي وقعت صيف 2018 عندما تعرضت أمريكا الشمالية وغرب أوروبا ومنطقة بحر قزوين في نفس الوقت لموجة حرارة شديدة، بينما تساقطت الأمطار بشكل قياسي على دول جنوب شرق أوروبا واليابان، بينما في أيامنا هذه تغرق الفيضانات السودان والنيجر وغانا وموريتانيا وبوركينافاسو وجميع دول غرب إفريقيا والساحل وبعض المدن الجزائرية والتونسية والمصرية، وقبلها بأسابيع أغرقت الفيضانات الهند وبنغلاديش وأفغانستان وجنوب الصين وفنزويلا، في حين التهمت حرائق كاليفورنيا حوالي مليون هكتار وقبلها قضت النيران على غابات سيبيرا وتستمر الحرائق بغابة الأمازون رئة الأرض.

 

حركة الشباب من أجل المناخ ومصداقية النضال البيئي

يهتم كثير من الناس بتغير المناخ، لكن في المقابل أصبحت قلة قليلة من ممثلي المجتمع المدني البيئي العالمي تشارك في مؤتمرات مفاوضات المناخ للحد من العواقب البيئية الناشئة عن هذه المشكلة الدولية، وأصبح اليوم لهم صوت معين ومسموع في المفاوضات العالمية حول تغير المناخ، ولكن للأسف ليس لهم نفس التأثير.
فمنذ بداية مفاوضات المناخ عام 1995 وحركة الشباب من أجل المناخ متواجدة و بقوة في كافة المؤتمرات الدولية من أجل تعزيز الادوار الطلائعية للشباب في مقاومة تغير المناخ، ومع ذلك، وعلى الرغم من التزام الحركة الملموس والقوي، لم تكن مصداقيتها والاعتراف بها مساوية أو مكافئة للخبرة و القيمة المضافة التي يمثلونها، حركة تم تغييبها قسرا سابقا والاعتراف بقيمتها اليوم، فرضت كيف يصبح الشباب الآن جزءا من رقعة مفاوضات المناخ الدولية، و كيف يمكن للشباب أن يتكلموا وأن يؤكدوا الخبرة المعترف بها دوليا الآن بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ.
وبالنظر إلى أن هذه القضية هي جديدة نسبيا في أدبيات مفاوضات المناخ، ولم يتوجه اليها الاعلام الرسمي الا في السنوات الاخيرة مع مشاركة الشباب القوية في مقر هيئة الامم المتحدة، فقضية مشاركة الشباب هي اليوم موثقة بشكل سيئ في الواقع خصوصا مع مشاركة مجموعة الفاعلين الرئيسيين الشباب والحاضرين في غالبية مؤتمرات الاطراف من أجل المناخ، أي منذ الاعتراف بحركة الشباب من أجل المناخ عام 2008 كمجموعة رسمية وشرعية، حتى آخر مؤتمر للأطراف في مدريد عام 2019، ومن أجل فهم المسار التاريخي للحركة، لابد من الوقوف على الامتداد التاريخي للحركة منذ مؤتمر مونتريال 2005.

الشباب و هيئة الأمم المتحدة

تعرف هيئة الأمم المتحدة الشباب الفئة السكانية المتراوحة أعمارهم مابين 15 و 24 سنة، تم الاعتراف بهم رسميا كجهات فاعلة في المجتمع المدني عام 2008 وفقا للنص الذي نشرته هيئة الأمم المتحدة ومبادرة الإطار بشأن الأطفال والشباب و تغير المناخ، وهذا راجع الى الحماسة التي أظهرها الشباب تجاه عملية مفاوضات تغير المناخ في السنوات الأخيرة و على وجه التحديد، في دجنبر 2008 في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بشراكة مع وكالات الأمم المتحدة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التابعة لها و الشباب المنتمين اليها، حيث تمت صياغة هذا النص من أجل تعزيز المشاركة النشيطة لوفود الشباب من خلال مبادرة الإطار المشترك للأطفال والشباب وتغير المناخ وعلى الرغم من هذا، تفضل الأمم المتحدة أن يكون عمر ممثلي مجموعات الشباب 18 عاما.

تأثير حركة الشباب من أجل المناخ

إن تحديد مفهوم التأثير ليس بالأمر الهين، حيث يمكن أن يأخذ مفهوم التأثير أشكالا مختلفة وأكثر تعقيدا، لذلك من الضروري وضع هذا المفهوم في إطاره التحليلي، ووفقا لعالم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا الامريكية روبرت كينغ ميرتون هناك نوعان من التأثير: التأثير المحلي والعالمي ويصر على: ” ضرورة التمييز بين الأشكال المتعددة للتأثير مثل الإكراه والسيطرة والتكييف و التوضيح، إن إعادة تجميع فئات شبابية مختلفة المشارب هذه تجعل التأثير مفهوما عاما وغير دقيق للغاية، مما يجعل من الصعب معرفة المعنى الدقيق الذي يتم استخدامه فيه”، في حين ان عالم الاجتماع في جامعة الصوربون بباريس فرانسوا شازيل أكد في مقالة بحثية له بعنوان التأثير: “أننا نجد طريقة مثيرة للاهتمام ومنهجية لحساب التأثير، حيث من الممكن حساب التأثير باستخدام المعايير الخمسة التالية: عدد الأشخاص المتأثرين، فرص نجاح التأثير، التغيير الحاصل لدى الأفراد، التكلفة النفسية للتأثير وكذلك المجال للذي ينطبق عليه”.
و لمعرفة تأثير حركة الشباب خلال قمة المناخ في نسختها السادسة عشرة و المنعقد عام 2010 بمدينة كانكون بالميكسيك، من المهم جدا أن نستند إلى هذا التعريف، ولكن أيضا عبر تعديل طفيف لبعض العناصر، على سبيل المثال يمكننا القول أن عدد الأشخاص الذين تأثروا بهذه الطريقة وأن نجاح هذا التأثير يمكن قياسه من خلال الأهمية التي أعطيت لحركة الشباب من اجل المناخ خلال هذه القمة، فضلا عن الخطابات و البلاغات الصحفية و الاخبارية التي ألقاها الشباب في قمة كانكون للمناخ أمام وسائل الإعلام الدولية، حيث أجرى الشباب عدة مقابلات صحفية مع العديد من القنوات التلفزية على هامش قمة المناخ، بصريا من الضروري ملاحظة الأساس المنطقي وأصل هذه المقابلات في تفسيرنا للتأثير فمن الواضح جدا أن عضوا في حركة الشباب من أجل المناخ سيكون له رأي مختلف لتأثير دوره التفاوضي عن رأي الشباب من خارج الحركة، لذا تختلف عينة المقابلات والمناقشات من الأشخاص المنخرطين بشكل مباشر في حركة الشباب من أجل المناخ لكبار المسؤولين وحتى امام المسؤولين الجكوميين.
حضور الشباب خلال قمة ريو عام 1992 كان باهتا، لكنهم مع المشاركات في مؤتمرات المناخ المتوالية اكتسبوا الخبرة التقنية مع زيادة عددهم ومشاركتهم وقدراتهم مهارات التاثير والخبرة التواصلية بعد ذلك، ولكي يكونوا قادرين على التعبير عن هذا التأثير، كان عليهم ذلك إعطاء مصداقية إضافية، ويؤكد الفرق الملحوظ بين الخبرة التي يجلبونها إلى المفاوضات اليوم من خلال مقارنة بالأنشطة التي كانوا يقومون بها في عام 1992 على هامش قمة الأرض.
و لدراسة تأثير حركة الشباب من اجل المناخ كان من الضروري دراسة الأساس الذي تقوم عليه المقابلات الصحفية وتحليل المحاضرات العلمية والانشطة الموازية ولدراسة تأثير ومصداقية الشباب خلال مؤتمرات الأطراف كان من الضروري وضع الحركة في سياقها من خلال تاريخها وتاريخ مفاوضات المناخ من أجل فهم تطورها والقدرة على التأثير.
نموذج التأثيرالبصري للشابة غريتا تونبرغ
صرحت الشابة السويدية غريتا ثونبرج على هامش إحدى المقابلات التفزيونية أن: “الأشخاص الموجودين في السلطة استسلموا عمليا مع التركيز على توقيع رسالة للزعماء الأوروبيين مع نشطاء آخرين على انه يجب أن نتعامل مع هذه الأزمة على أنها أزمة”.
و كانت الناشطة السويدية غريتا ثونبرج قد حثت زعماء الاتحاد الأوروبي على اتخاذ إجراءات طارئة بشأن تغير المناخ: “إن من هم في السلطة تخلوا تقريبا عن إمكانية إعطاء مستقبل لائق لأجيال المستقبل” مؤكدة إن الحكومات لن تكون قادرة على التوصل إلى استجابة ذات مغزى إلا بمجرد موافقتها على تغيير النظام الاقتصادي بأكمله، و تضيف :”يجب أن نعتبرها قبل كل شيء أزمة وجودية وطالما لم يتم التعامل مع هذه الأزمة على أنها أزمة، فيمكننا إجراء أكبر عدد ممكن من المفاوضات والمناقشات والمؤتمرات حول تغير المناخ لكن لن يتغير أي شيء” وتضيف: “قبل كل شيء، نطالب بالتعامل مع هذه الأزمة على أنها أزمة، لأننا إذا لم نفعل ذلك، فلن نتمكن من فعل أي شيء”.
انضمت غريتا تونبرغ إلى عدة آلاف من الشباب عبر العالم، بما في ذلك علماء المناخ ورجالات الاقتصاد والجهات الفاعلة والناشطين المناخيين، لتوقيع خطاب مفتوح “الطوارئ المناخية” تحث فيه القادة الأوروبيين على البدء في التعامل مع تغير المناخ باعتباره “حالة طارئة”.
تم الإعلان عن العريضة منتصف شهر يوليوز 2020، وقبل يوم بالضبط من قمة المجلس الأوروبي، قمة حاولت فيها دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون التوصل إلى اتفاق بشأن ميزانية الاتحاد القادمة وخطة تحفيز الاقتصاد الاوروربي لتجاوز الازمة الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا، وتضمنت المطالب الواردة في العريضة الوقف الفوري لجميع الاستثمارات في استكشاف واستخراج الوقود الأحفوري إلى جانب الإنهاء المبكر لدعم الوقود الأحفوري.
كما دعت العريضة إلى ربط “ميزانيات الكربون” السنوية للحد من كمية غازات الاحتباس الحراري التي يمكن أن تنبعث منها الدول من أجل تعظيم فرص الحد من ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية، وهو هدف محدد في اتفاق باريس للمناخ لعام 2015، تؤكد غريتا: “نحن نفهم ونعلم جيدا أن العالم معقد وأن ما نطالب به قد لا يكون سهلا، وأن التغييرات اللازمة لإنقاذ البشرية قد تبدو غير واقعية للغاية، لكن من غير الواقعي أن نعتقد أن مجتمعنا يمكن أن ينجو من الاحتباس الحراري الذي نتجه إليه، فضلا عن العواقب البيئية الوخيمة الأخرى للوضع الراهن اليوم”.

كرونولوجيا نضال حركة الشباب من أجل المناخ

حتى يومنا هذا، يتمتع الشباب بقوة تأثير كبيرة خلال المحافل الدولية بعدما أصبحت لديهم حقوق التحدث الرسمية في الجلسات العامة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ، ولديهم أيضا الوعي بتأثيرهم على عملية مفاوضات الأمم المتحدة هذه، وتبعا لنضالات حركة الشباب من أجل المناخ يسترشد الشباب بـالحاجة إلى تمثيل المتضررين من آثار تغير المناخ، ويوجد ضمن الإطار العالمي لحركة المناخ الشبابية مجموعات شبابية من خلفيات مختلفة مرتبطة فيما بينها لتكوين صوت قوي ومتنوع ومؤثر حول القضايا المناخية.
كندا عرفت أولى الضغوط التي صاغتها مجموعات من الشباب مع قادة مفاوضات تغير المناخ لكن للأسف لم يتم تأريخ هذه اللحظة التاريخية، كان الشباب حاضرون في مختلف الفعاليات والأنشطة والتجمعات وكذلك داخل مجموعات الضغط البيئي المختلفة بما في ذلك منظمة غرينبيس كندا، وفي الواقع كان شباب كندا هم السباقين الى إنشاء مجموعة الضغط الشبابية من خلال تدخلهم الأول لمنع إجراء تجربة نووية بالقرب من ألاسكا من قبل حكومة الولايات المتحدة عام 1971.
ومن أجل فهم أفضل لبدايات مشاركة الشباب في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، تلخص وثيقة الأمم المتحدة مبادرة الإطار بشأن الأطفال والشباب وتغير المناخ تطور مجموعات الشباب، ووفقا لهذه الوثيقة فإن أول مجموعة شبابية كانت حاضرة في مؤتمر الأطراف في بون عام 1999.
خلال مؤتمر الأطراف الخامس عمل الشباب كأعضاء في المنظمات غير الحكومية لتنظيم مداخلاتهم الرسمية مع مجموعات الضغط لاحقا، لكن عام 2000 ستستضيف الحكومة الهولندية حركة الشباب من أجل المناخ للإعداد لتنظيم الاجتماع الدولي الأول للشباب حول تغير المناخ، منذ هذا الاجتماع العالمي كان إعلان المجموعة الشبابية قد أعلن رسميا وتم تسليمه رسميا لهيئة الامم المتحدة عام 2001 في مراكش على هامش قمة المناخ في نسخته السابعة، حيث قدم الشباب وثيقة مشجعة تطالب من خلالها أن توافق الدول على ضمان دخول بروتوكول كيوتو حيز التنفيذ في نيودلهي عام 2002، وعبر الشباب عن مخاوفهم من خلال تقرير عن ظاهرة الاحتباس الحراري تم تقديمه الى أعضاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، لأنه وفقا لهم، عواقب ستؤثر حتما على مستقبل الأجيال القادمة.
للمرة الأولى اجتمع الشباب معا لكتابة ملف إعلان الاعتراف بمجموعة شبابية داخل مؤتمر الأطراف لضمان مشاركة الشباب، حدث ذلك عام 2004 في بوينس آيرس على هامش قمة المناخ العاشرة بالأرجنتين، بعد ذلك في مونتريال الكندية عام 2005 تم منح الشباب مكانا رسميا ودائما على هامش قمة الاطراف للتغيرات المناخية في نسختها الحادية عشرة، منذ ذلك التاريخ، ترعى الحكومة الفيدرالية الكندية وتنظم بشراكة مع المنظمات الشبابية البيئية غير الحكومية قمة الشباب الدولية.

مؤتمرات الشباب القبلية للمناخ

على ضوء هذه التجارب تنظم كل عام قبل بدء مفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ فعاليات مؤتمر الشباب التي تشرف عليها حركة الشباب من أجل المناخ التي تهدف إلى تدريب الشباب العالمي حتى يتمكنوا من فهم المهارات وتطوير تقنيات المفاوضات في المجال البيئي، خلال هذه المؤتمرات الشبابية القبلية يقوم الشباب بتقديم الحالة الراهنة لتغير المناخ و الاتفاق على برنامج عمل والنقاط المهمة التي سيعملون عليها للضغط على مسار المفاوضات، ومن ناحية أخرى تعمل مشاركة الشباب في مؤتمرات الأطراف على هامش مؤتمر الاطراف ببالي المنعقد عام 2007 الذي يهدف إلى خلق بروتوكول جديد من المقرر أن يحل محل بروتوكول كيوتو، واجتمعت مجموعات الشباب معا وشاركت في المؤتمرات الصحفية مع تنظيم الأنشطة ذات الصلة بالموضوع أثناء المفاوضات في المرحلة قبل الأخيرة في بوزنان عام 2008.

دستور الشباب من أجل المناخ

لكن عام 2009 و على هامش قمة كوبنهاغن اجتمع 500 شاب ليسألوا الحكومات للعمل معا وإبرام معاهدة طموحة، بالإضافة إلى ذلك، لدى الشباب حاليا تحليل لسياسات التنمية ويعزمون تنفيذ أنشطة توعوية وأوراش عمل تدريبية خلال مؤتمر الاطراف الخامس عشر، حيث قام الشباب بنفس الأنشطة كما في العام السابق وتم إنشاؤها بشكل مشترك مع أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ و تم خلق دستور الشباب الذي تناول النقاط التالية: تبادل المعلومات الرسمية بين الشباب وأمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ؛ مساعدة الأمانة في ضمان مشاركة فعالة للشباب تتناسب مع اجتماع حكومي دولي؛ تنسيق تفاعل الشباب في الدورات بما في ذلك عقد اجتماعات حركة الشباب من أجل المناخ، وتنظيم الاجتماعات مع المسؤولين، تقديم أسماء لقائمة المتحدثين والتمثيل في المناسبات الرسمية؛ و تقديم الدعم اللوجستيكي للشباب خلال الجلسات، لذلك فإن الضغوط الأولى من المنظمات الشبابية كانت تتم من خلال ورشات أو أنشطة المنظمات غير الحكومية الشبابيةالعاملة في مجال البيئة.
منذ إنشاء هذا الدستور، قام الشباب بدعوة الدول الأطراف إلى نهج التزامات طموحة للحد من الغازات الدفيئة، كذلك من أجل توافق في المستقبل بين الدول للمضي قدما في بروتوكول كيوتو الذي كان من المنتظر نهايته عام 2012.
منذ عام 2007 يشارك الشباب في المفاوضات من خلال مختلف الوسائل التي تتراوح من آليات خلق اقتصاد أخضر إلى التفاهم حول خلق الحكامة الدولية الخضراء داخل كل بلد، وهكذا راكم الشباب تجربة وخبرة لا يستهان بها، مما أجبر الفاعلين الآخرين على منحهم بعض المصداقية وبشكل أكثر تحديدا، في قمة الأطراف للمناخ بكانكون الميكسيكية سافر العديد من الشباب للمشاركة، حيث انعقد مؤتمر الشباب السادس قبل ثلاثة أيام من بداية المؤتمر السادس عشر بالمكسيك، وشارك في مسيرة المناخ بكانكون العشرات من الشباب، حيث عقدت عدة أوراش عمل تغير المناخ وكذلك خطط العمل لمؤتمر الأطراف قد تم طرحها، خلال هذه المؤتمر، حضرت وفود شبابية من جميع دول الجنوب، لقد كان هذا يحظى بتقدير كبير من قبل أكبر وفود من أستراليا وكندا والولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة، علاوة على ذلك لهذه الوفود الكبيرة من الشباب كان من المهم أن يكون هناك وجود لشباب الدول النامية مثل هذا يجلب رؤية أخرى للخطاب، ولكن قبل كل شيء يعكس مواقف بلدان العالم الثالث على لسان شبابها.

مشاركة شباب دول العالم الثالث

تمول العديد من الوفود من البلدان المتقدمة مثل كندا مشاركة وفود شبابية من الدول النامية، ففي عام 2010 عرفت قمة الأطراف مشاركة وفود شبابية من بلدان نامية عديدة مقارنة بتلك الموجودة في الدول المتقدمة، من ناحية أخرى كانت مشاركة وفود شبابية من أمريكا اللاتينية ضعيفة في مؤتمر الاطراف السادس عشر حيث كان من المنتظر مشاركة حوالي ألف شاب، من ناحية أخرى لم يتمكن كل الشباب من الوصول إلى موقع المفاوضات الرسمي، فقط ما بين 500 إلى 700 شاب ممن أتيحت لهم هذه الفرصة، وكان الآخرون لا يزالون حاضرين لكن من داخل قمة الاطراف المضادة أو خارج موقع التفاوض.
مبادرات و أهداف حركة الشباب من أجل المناخ
ويتركز اهتمام حركة الشباب من أجل المناخ على أهداف تقليل الغازات الدفيئة ونقل التكنولوجيا والتكيف مع تغير المناخ والخفض من انبعاثات الغازات الملوثة والمنبعثة من عملية حرق الغابات، والإدارة الجيدة للأراضي وإعادة غرس الأشجار في المناطق التي تعرضت للحرائق، والأزمات المالية العالمية وإشراك الشباب في مؤتمرات الأطراف من أجل المناخ، شباب يريدون تغيير الأشياء وهم كلهم أمل في دفع المفاوضات إلى الأمام، ولكن بالنسبة لمعظمهم، فالمشاركة في مؤتمر الأطراف هي قبل كل شيء هدف شخصي، حيث يجد الشباب أنفسهم عموما تحت يافطتين مختلفتين: شباب حاضر مع الوفود الرسمية المشاركة في الجلسات العامة وشباب ينظم مؤتمر الشباب قبل مؤتمر الأطراف، الذين يعرضون أنفسهم على وسائل الإعلام، هم جزء من الناشطين في الموضوع شباب يقتنص الفرص لمقابلة مختلف المندوبين الرسميين، مثل القادة السياسيين أو مسؤولي مؤتمر الأطراف بالإضافة إلى ذلك لايصال ضغط الشباب للمفاوضات الداخلية، ينظم الشباب الأحداث التي تجري خلال مؤتمر الأطراف تحت عنوان “الشباب يوم وأجيال المستقبل” التي يتم تنظيمها بالاشتراك مع أمانة السلطة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطار بشأن تغير المناخ وكذلك كبار المسؤولين في الحكومات الرسمية، خلال هذا المؤتمر يسلط الشباب الضوء على خططهم وإجراءاتهم لمواجهة تغير المناخ.
بالإضافة إلى ذلك، يقوم الشباب بتفويض بعض أعضاء مجموعتهم حتى يتمكنوا من عقد اجتماعاتهم مع كبار قادة دول العالم ومجموعات العمل المخصصة التي تركز على الاتفاقات المبرمة بين الطرفين والحلول طويلة الأمد من أجل أن تكون هناك مشاركة في الآراء، ولكن قبل كل شيء حتى يتعلم الشباب المزيد عن التقدم المحرز في مفاوضات مؤتمر الأطراف، ويعرف مستجدات حالة تغير المناخ عن قرب وكذلك كيف تقوم اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بإشراك الشباب في العملية بهدف تمكينهم من زيادة مشاركتهم لضمان المزيد من التواصل الفعال مع أمانة اتفاقية الامم المتحدة لتغير المناخ.
منذ إنشاء دستور الشباب من أجل المناخ والفرصة متوفرة لدى الشباب ليأخذوا مكانهم في الجلسات العامة لمؤتمرات الأطراف، وبالتالي ليكونوا ممثلين معروفين ومسموعين، هذا ما كان في مؤتمر بالي في عام 2007 حيث ولأول مرة ولجعل الشباب أصواتهم مسموعة شاركت وفود الشباب في عدة مجالات و في جميع الاحداث و الانشطة التي أشرفت عليها منظمات الأمم المتحدة خلال أيام المؤتمر بما في ذلك: لجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم و المنظمة الثقافية وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشرية، واتفاقية التنوع البيولوجي واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وتم الاجماع في الاخير بالأهمية التي يكتسيها الشباب في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ و ضرورة تعزيز مشاركة الشباب لزيادة تأثيرهم شتى الطرق والوسائل وبالتالي لضمان نجاح أعمال الحركات الشبابية للمناخ على المدى الطويل.
تنتشر حاليا العديد من المنظمات الشبابية من اجل المناخ عبر القارات الخمس، و التي تطمح أن تشكل وفودا للمشاركة في مؤتمرات المناخ حيث من الواضح أن الوفود الأكثر عددا وتمثيلية توجد في البلدان المتقدمة، ولكن من أجل ذلك ولضمان العدالة، يقومون بجمع الأموال لتمويل مشاركة وفود من الجنوب إلى مؤتمرات الأطراف، ومن أجل الفهم الكامل لتأثير الشباب ومشاركاتهم من خلال مفاوضات المناخ الدولية.

مؤتمر كوبنهاغن للأطراف في عام 2009

لذلك من العدل أن نقول أن هناك زيادة في التمثيل و مصداقية الشباب في مفاوضات المناخ، نظرا للتجربة والخبرة التي يجلبونها إلى بلدانهم من بين أمور أخرى نجد إنتاج الوثائق المرجعية، ففي مؤتمر كوبنهاغن قام التجمع الدولي للوفود الشبابية ببعث رسالة إلى القادة من أجل التأثير عليهم، وعلى الرغم من أن هذا النوع من الإجراءات عادة لا يحصل على نتائج فورية ومضمونة، فمن المثير للاهتمام أن لهجة الخطاب كانت قوية حيث استخدم الشباب الحقائق والخبرة العلمية للمناقشة، فيما يلي بعض المقتطفات من الرسالة التي تحث على تضمين العقوبات الاقتصادية في اتفاقية كوبنهاغن: “سبب القلق هو الخطر الواضح الذي سيفشل زعماء العالم في القيام به إبرام اتفاقية تضمن إعادة إنشاء مستوى مكافئ لثاني أوكسيد الكربون يبلغ حد أقصى 350 جزء في المليون في الغلاف الجوي، هذا وفقا لهيئة العلماء من أجل المناخ فإن المستوى الذي نحتاجه للبقاء دون ذلك من أجل تجنب تغير المناخ القوي” وينتهي نص الرسالة بالإشارة إلى نجاح المجتمع الدولي في التطرق الى المشاكل المتعلقة بالأمطار الحمضية وتدمير طبقة الأوزون.

مؤتمر الأطراف في كانكون عام 2010

كيف حافظ الشباب على هذا التأثير المكتسب وعلى المصداقية من خلال مؤتمر كانكون في عام 2010، كان ذلك من خلال الإجراءات الملموسة للغاية التي جعلت الشباب يظهرون مصداقيتهم في المؤتمر الدولي للمناخ في نسخته السادسة عشر، عبر المبادرات القوية التي اطلقها الشباب وكذلك مبادرة المنظمات غير الحكومية، وعلى إثرها نجحوا في الحصول على المادة 6 من الاتفاقية التي تعزز التربية والتكوين والتوعية على تغير المناخ، افتخر الشباب باعتماد هذه المادة لأنها كانت أول إجماع تاريخي بين الأطراف ولقد شكل تأثير حضور الشباب أثناء عملية التصويت ضغطا كبيرا على صناع القرار لاعتماد المادة السادسة، عندما كان قادة الدول يناقشون نص المادة أثر ممثل وفد دولة الدومينيكان في الحضور قائلا: “انظروا إلى كل هؤلاء الشباب في القاعة إنهم يتوقعون منا اتخاذ قرار” هذا المشهد المسرحي الفريد من نوعه جيش عاطفة الوفود حيث حامت من خلالها ضغوط غريبة وغير مباشرة على المندوبين الذين قبلوا في النهاية بمطالب حركة الشباب من اجل المناخ، كان الإجماع مفاجأة، لأن المادة 6 أثيرت فقط للتشاور غير الرسمي من أجل الحصول على الطلبات المقدمة من الأطراف ومع ذلك، فإن مجموعة الـسبعة والسبعين والصين دعمت اقتراح جمهورية الدومينيكان، الاقتراح الذي أيدته غواتيمالا و تم تشكيل الفريق الذي سيعمل على اعتماد المادة المعنية، هذا الإنجاز هو درس عظيم للمفاوضين في مؤتمرات المناخ، وهذا يبين أن عندما تكون هناك إرادة تكون هناك بالتأكيد طريقة للتوصل إلى توافق في الآراء وفي وقت قياسي وبنفس المنطق، يعطي هذا الأمل لعملية التفاوض بشان تغير المناخ الذي تصيبه الخلافات بالشلل.
إن عملية مشاركة الشباب في المادة 6 بسيطة للغاية، لقد لعبت المنظمات الشبابية بالفعل دور الميسر من أجل اعتماد نص المادة 6، علاوة على ذلك، كان الشباب يشكلون ثلثي المشاركين في قاعة المؤتمر وكانوا يرتدون قمصانهم التي كتب عليها: “لقد قمت بالتداول طوال حياتي، لا يمكنك إخباري أنك ما زلت بحاجة للوقت”، لم يتغير النص بصعوبة وكان اعتماده سريعا، لكي تكون قادرا على الاستفادة من المصداقية المعترف بها داخل وفود الدول أو في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ كان على الشباب تبني خطابا معتدلا.

مؤتمرات الأطراف ودينامية الشباب

من المهم تسليط الضوء على كيفية تنظيم الشباب لأنفسهم في مؤتمرات الأطراف، من خلال تجمعاتهم اليومية حيث لا تستخدم وفود الشباب نفس الطريقة لتنفيذ خطة عملهم مع المفاوضين الرسميين، فهم يحرصون خلال تجمعاتهم على ابتكار أعضاء المجموعة لعدة مبادرات من أجل تنظيم أعمالهم المستقبلية حيث يجلس الشباب في دوائر على الأرض مما يضفي على كل الاحداث التي يسهرون على تنظيمها طابع الدينامية.
من خلال كل هذه المبادرات، يكون جو التجمع أكثر استرخاء وأقل رسمية حتى يكون لجميع المشاركين الحق في الكلمة وإعطاء الرأي و سماع الأخر عن قرب، حيث ينقسمون الى عدة مجموعات فرعية ، لكل منها “قائد” يأخذ الكلمة وينظم تدخلات أعضاء المجموعة الفرعية خلال الاجتماع، يستخدم الشباب بطاقات للتواصل: بطاقة الموافقة، بطاقة التهنئة أو بطاقة المعارضة، هذه الطريقة التواصلية و اللغة المستخدمة أثناء التجمعات هي مصدر قلق كبير للمنظمين داخل مؤتمر المناخ، وكذلك نفس الأمر بالنسبة للمشاركين. و غالبا تكون اللغة المستخدمة في المناقشات هي اللغة الإنجليزية، و ترجمة الى الإسبانية في بعض الأحيان مع اللغة الرسمية للبلد المضيف لمؤتمر الأطراف، في حين أن الترجمة إلى لغات أخرى يكون ضعيفا إن لم يكن منعدما كما هو الحال مع اللغة الفرنسية و اللغة العربية، ومع ذلك، يكون حضور الشباب غير الناطقين باللغة الإنجليزية كبيرا خلال مؤتمر الأطراف و في الأحداث التي ينظمها الشباب، على الرغم من غالبية الشباب هم من بريطانيا وكندا وأستراليا وأمريكا.
بغض النظر عن الجنسية أو العمر أو الجنس، فإن الشباب مقتنعون بعملهم كل الاقتناع لشيء واحد أنهم يشكلون قوة ديناميكية داخل عملية مفاوضات المناخ، لكنهم يدركون قبل كل شيء أن سلطتهم تمارس بشكل أساسي في كل بلد من بلدانهم، وتجدر الإشارة إلى أن وفود الشباب أصبحت ضرورية لعملية مفاوضات المناخ بل الأكثر من ذلك أصبح من اللازم على مؤتمر الأطراف أن يعزز مشاركة الشباب في مفاوضات تغير المناخ ويوما بعد يوم و مؤتمر بعد مؤتمر أصبح الشباب متفائلون بشأن مشاركتهم ويتفق الجميع على أن أفعالهم ضرورية داخل المفاوضات، لكون مشاركتهم تعتبر طاقة تزود المفاوضين المحترفين بالحيوية في مؤتمرات الأطراف.
ختاما للشباب تأثير حقيقي على مسار مفاوضات المناخ، فقد استغرق الأمر سنوات عديدة قبل أن تزداد تمثيليتهم بشكل مستمر، حيث في وقت لاحق كان مطلوب من الشباب تطوير خبراتهم باستمرار لمواصلة تعزيز وجهات نظرهم، إنها الخبرة التي تستمد منها حركة الشباب من أجل المناخ المصداقية، وبفضل الخبرة والمصداقية اكتسب الشباب ورقة الاعتراف الدولي، حيث أصبح الاستماع إلى خبراء حركة الشباب من أجل المناخ خلال مؤتمرات الأطراف الحالية لا يقل درجة من الاستماع الى خبراء هيئة العلماء من أجل المناخ و من مؤتمر الى آخر أصبح أعضاء حركة الشباب من أجل المناخ يرفعون شعار #كلنا_خبراء.

بقلم: محمد بنعبو

رئيسي جمعية أصدقاء البيئة

 

Related posts

Top