حزب الكمامة

إن مشروع قانون 20.22 المثير للجدل له دلالات  كثيرة ويطرح تساؤلات عميقة وإن كان ربما يؤكد في العديد من جوانبه أنه يؤسس لسلوكات أو كيانات سياسة جديدة. وقد فصلت جمعيات حقوقية وهيئات سياسية ومتتبعون للشأن الوطني هذا القانون وبينوا مدى خرقه للدستور وتكبيله للحريات، وكيف أنه لا  يتماشى لا مع روح العصر ولا مع روح التعبئة الشاملة والصعوبات التي تواجهها البلاد في الظروف الراهنة، خصوصا والشعب بقيادة ملكه يرسم صورة مشرقة لمغرب التحديات ويكتشف العالم بلدا خلاقا مبدعا جعلنا نرفع الرأس عاليا بين الأمم  ولو إلى حين.
قرائتي المتواضعة سوف تركز على روح المنطق الذي أنتج هذا المشروع، خلفياته وأبعاده. فإذا كان القانون يجرم كل مواطن عبر عن تفضيله لمنتوج دون آخر أو نبه إلى عدم استهلاكه… فإن نفس المنطق إذا أسقطناه على الممارسة السياسية يعني تجريم تفضيل مثلا مرشح على آخر أو انتقاده أو التعبير عن عدم الرضا عن برنامجه، لأن المنطق هنا هو حرية الاختيار وحرية التعبير، وهذا يعني أن “صاحب” المشروع وكل من أيده ودعمه في ذلك ينهلون من نفس المنبع وبالتالي حشر الجميع في زاوية الفكر الذي لم يتشبع بعد بروح الديمقراطية والحريات. 
وتصبح الصدمة أكبر عندما يكون صاحب المبادرة منتسبا لمدرسة سياسية وطنية عتيدة، وهنا تطرح عدة أسئلة: كيف يتسلل مثل هؤلاء إلى هرم التنظيمات الحزبية؟ كيف يصلون إلى هذه المناصب الحساسة؟ وهل يحملون ولو النزر القليل من الإرث الفكري للمدارس التي ينتسبون إليها؟ وهذا يعني أيضا أن هؤلاء لم يخضعوا ولم يجربوا تمارين الممارسة الديمقراطية الحقيقية في الهيئات التي ينتمون إليها وبالتالي فإن من الطبيعي في نظري أن لا يخجل مثل هؤلاء من تقديم هذا النوع من القوانين الكابحة للديمقراطية وحرية التعبير، لأن ذلك يندرج ضمن قناعاتهم الحقيقية التي يتسترون عنها بألوان حزبية ليس إلا. والمؤسف أن أمثال هؤلاء في تناسل مستمر، يلهثون وراء المناصب مستعملين كل الوسائل ومنهم من يتخير الألوان ويبدل الفساتين حسب الفصول والمناسبات وهم لا يخجلون من فعلتهم هاته بل يعلنون ذلك بالطبل “والغيطة”. بل من الأحزاب من تتنافس في تعزيز صفوفها بمثل هؤلاء وتشجع على ذلك في واضحة النهار ومنها من تقدم عروضا غير مسبوقة في النضال كأن تصبح قياديا محنكا في خمسة أيام وأن تيسر لك الطريق لتصبح مسؤولا كبيرا في حكومة “كفاءات”.. 
وتماشيا مع نفس المنطق الذي أسس لهذا المشروع فإن كل من ساهم في دعمه وصياغته ولو في نسخته الأولى أو عبر حتى عن موافقته المبدئية في مجلس الحكومة هم شركاء في التفكير وبالتالي في الإساءة إلى البلاد. وإن كان الأمر كذلك فإن المنطق يقتضي أن تتكتل كل تلك الكائنات ومن تضم من “كفاءات” ذات القناعة بعدم جدوى الحريات في هيئة سياسية واحدة وأن تختار لها اسما يتناسب مع تفكيرها وظروف نشأتها: “حزب الكمامة”. وهكذا يكون هذا الكائن السياسي أول مولود يخرج من رحم “كورونا” السيء الذكر.

الوسوم ,

Related posts

Top