حفل تقديم وتوقيع كتابي “الدراسات العربية بإسبانيا” و”النفحات الأرجية”

احتضنت المكتبة العامة والمحفوظات بمدينة تطوان، حفل تقديم وتوقيع كتاب “الدراسات العربية بإسبانيا” لمحمد العمارتي ومحمد القاضي، والصادر عن دائرة الثقافة في الشارقة، وكتاب “النفحات الأرجية” لابن زاكور الفاسي، بتحقيق محمد الفهري، الصادر عن مكتبة “أم سلمى” بتطوان. اللقاء الذي نظمته دار الشعر بتطوان مؤخرا، تنقل بنا ما بين العدوتين: المغرب والأندلس، وما بين حركة الدراسات الاستشراقية والاستعرابية في إسبانيا، وحركة التأليف في فنون الشعر لدى المغاربة، عبر التاريخ.
واعتبر مدير دار الشعر بتطوان مخلص الصغير أن هذا اللقاء إنما يقيم حوارا بين المغرب والأندلس، حيث يضيء كتاب “الدراسات العربية بإسبانيا” جملة من القضايا المتصلة بمواقف الباحثين والدارسين الإسبان من الثقافة العربية بشكل عام، مثلما يضيء جهود المستعربين الإسبان في اشتغالهم على الأندلسيات بشكل خاص. بينما ينتقل بنا الكتاب الثاني إلى العدوة المغربية، وهو شرح ابن زاكور في علم العروض. هذا الكتاب الذي يشهد على حركة التأليف المغربية واهتمامها بعلم العروض، من خلال الكثير من المصنفات والشروح، والتي نقحها وشذبها ابن زاكور الفاسي واستفاد من خلاصاتها في هذا الكتاب.
وقدم محمد رضى بودشار كتاب “الدراسات العربية بإسبانيا”، حين أدرجه في أفق فتح حوار بين الباحثين المغاربة والإسبان في التعامل مع المنتَج الثقافي الأندلسي، وتوجيه أنظارهم إلى آفاق للتفكير أكثر قربا منا جغرافيا حضاريا، بعد أن ساد الاهتمام بما يُنتج في فرنسا والعالم الأنكلوسكسوني…
فهذه الخصوصية التي تتمتع بها تطوان مدينةً وجامعةً، يقول المتحدث، “فتحت بعض الأوراش البحثية التي نأمل أن تستمر وأن تحقق تراكما كفيلا بإضاءة التجربة الإسبانية في قراءة التراث العربي الأندلسي، بالاشتغال على على المشترك بين العدويتن ودعم أطروحة الحوار الحضاري”. واعتبر بودشار أن هذا الكتاب إنما يسعى في تقديم الدراسات العربية بإسبانيا إلى القارئ العربي، ورصد التطورات التي عرفتها من خلال المؤسسات التي أنشئت لتحقيق هذا المبتغى، منذ مدرسة طليلطة، مرورا بعمل المجلس الأعلى للبحوث العلمية، ثم مدرسة الدراسات العربية، والمعهد المصري للدراسات الإسلامية، وكذا المجلات والدوريات الصادرة في هذا الشأن.
أما مؤلف الكتاب محمد العمارتي، فانطلق من تحديد الجهاز المفاهيمي المرتبط بالدراسات العربية بإسبانيا كالاستشراق والاستعراب و”الاستفراق”، قبل الحديث عن المراحل التاريخية والعلمية التي مرت بها الدراسات العربية، من مرحلة السيادة الإسلامية على الأندلس، إلى مرحلة ما بعد السيادة الإسلامية على الأندلس وسقوط مدينة طليطلة وما ستمثله من أهمية بالنسبة إلى الاسبان وبداية المد لحركة حروب الاسترداد ثم نشوء إسبانيا كأمة ودولة، وبداية الاهتمام بالتراث العربي والأندلسي بالخصوص في محاولة نشره وإذاعته بين الناس في تجلياته وتصانيفه المختلفة، مع إنشاء مدرسة المترجمين الطليطليين بمدينة طليطلة. بينما تتمثل المرحلة الثالثة في العصر الحديث، لما “انبرى بعض الباحثين الإسباني لمحاولة الاهتمام بماضي إسبانيا الإسلامي واعتبره جزءا من الذات الإسبانية في صورتها العربية، ومظهرا من مظاهره الغنية والمختلفة”، مع مدرسة بني كوديرا وتلاميذه أعني فرانثسكو كوديرا إي ثايدين، وعنايتهم بنشر وإخراج عيون التراث الأندلسي.
وفي مقابل الاستشراق الإسباني، الذي يتقاطع مع باقي الأدبيات الاستشراقية في دراسة الثقافة العربية، انتهى العمارتي إلى أن الاستغراب الإسباني قد ظل مخلصا لحضارة الأندلس ولتراثها، معتبرا أن الاهتمام بماضي إسبانيا الإسلامي هو واجب قومي يجب أن ينهض به كل باحث يلمس في نفسه المقدرة على إنجاز ذلك وتحقيقه.
وقدم محمد سعيد البقالي كتاب “النفحات الأرجية” لابن زاكور الفاسي، كما حققه محمد الفهري. وهو كتاب في علم العروض، الذي اشتهر المغارةب بالتأليف فيه، منذ ابن السقاط، وصولا إلى الشروح الكثيرة لقصيدة الخزرجية، لضياء الدين الخزرجي، ومنها شرح ابن زاكور الفاسي.
وتوقف البقالي عند أهمية العمل الّذي قدمه الدكتور محمد الفهري، بوصفه “إضافة حقيقية لما راكمته المدرسة المغربية إن على مستوى التأليف أو على مستوى التحقيقات المنجزة فيي هذا السياق، والتي رامت تخريج أكبر قدر مما أنتجه السلف”. كما أن المحقق لم يتعامل مع النص المحقّق بشكل انتقائي، بل “اعتمد الشّرح والمنظومة بوصفهما أثرا واحدا وكلا منسجما ونصا واحدا من الصعب الفصل بينهما في عملية التحقيق”.
أما محقق الكتاب محمد الفهري، فأكد أن غايته من هذا العمل كانت محاولة “نفض الغبار عن أثر من الآثار العديدة التي تحفل بها المكتبة المغربية التراثية في علمي العروض والقافية، وهو أثر نفيس لم يحظ بعد بما يستحق من اهتمام من قبل الدارسين المحدثين”. مثلما تكمن أهمية شرح ابن زاكور العروضي في أن هذا العمل يغني قارئه عن الشروح السابقة، حيث “عمد فيه المصنف إلى اختيار أجود ما تحتوي عليه المصنفات والشروح السابقة، مع تحقيق آراء العلماء وتصحيح هناتهم والموازنة بين نظراتهم، وتهذيب أقوالهم، واختصار استطراداتهم…”.

Related posts

Top