حقوقيون ومسؤولون يدعون إلى “حماية اجتماعية” فعالة للمغاربة

حماية..

قال عبد القادر باي باي، مدير ديوان وزير الثقافة والاتصال، إن العاملين في قطاع الرياضة والفن مهددون بسبب غياب الحماية الاجتماعية، مؤكدا بأن الوزارة اشتغلت على إخراج قانون الفنان إلى الوجود، والذي يستهدف جميع العاملين في قطاع السمعي البصري، والسينما، والفن التشكيلي..
وأضاف عبد القادر باي باي، يوم الجمعة الماضي، خلال أشغال الجلسة الافتتاحية للجمع العادي 71، للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، بمنطقة بين الويدان “إقليم أزيلال”، أن الفنانين أصبحوا يتوفرون هم الآخرين على خدمات اجتماعية، مباشرة بعد إنشاء التعاضدية الوطنية للفنانين.
وذكر باي باي مجموعة من الخدمات الاجتماعية التي أصبح يستفيد منها الفنانون، كبطاقة التخفيض على خدمات المكتب الوطني للسكك الحديدية بعد توقيع اتفاقية مع هذه المؤسسة، بالإضافة إلى الاستفادة من الخدمات الطبية، وذلك، عقب اجتماع 4 أبريل من السنة الجارية، بين كل من وزارة الصحة ووزارة الثقافة والاتصال، وبحضور ممثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى جانب ممثلين عن الهيئات المهنية للفنانين، حيث تمحور موضوع اللقاء حول تفعيل الإجراءات والمساطر المرتبطة بالرعاية الاجتماعية للفنانين، خصوصا ما يتعلق بالتغطية الصحية.
وبشر ممثل وزير الثقافة والاتصال في أشغال الجمع العام المشتغلين في قطاع الثقافة والفن، بمزيد من الخدمات الاجتماعية التي من شأنها بحسبه، أن تضمن وتصون كرامة الفنانين، الذين كانوا إلى وقت قريب يعانون من تردي أحوالهم الاجتماعية والصحية.
من جهتها، اعتبرت أمينة بوعياش رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أن الحماية الاجتماعية، حق من حقوق الإنسان، محيلة على القوانين والمواثيق الدولية التي تؤكد على حق الفرد في التطبيب والشغل والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وأكدت أمينة بوعياش في مداخلتها خلال الجلسة الافتتاحية، بأن الدستور المغربي لسنة 2011، أكد على جملة من المسائل، من بينها، ضرورة أن؛ “تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في؛ العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة..”.
وشددت بوعياش على أن المعاهدات والمواثيق الدولية، وكذا الفصل 31 من الدستور، هي وثائق أخلاقية، تروم إلى التأكيد على ضرورة توفير الحماية الاجتماعية لفائدة المواطنين المغاربة في مختلف المناطق التي يتواجدون بها، داعية كل المؤسسات إلى الانخراط في مبادرات برامج الحماية الاجتماعية التي يطلقها القطاع الخاص أو المؤسسات العمومية، كالتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية.

تعاون

وفي كلمة مقتضبة، قدم محمد احكيم رئيس هيئة “لافاييت” بالمغرب، كرنولوجية قصيرة لمنجزات التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، مشيدا بالأدوار التي أصبحت تضطلع بها خلال العشرية الأخيرة.
ووعد محمد احكيم المجلس الإداري للتعاضدية بوضع “لافاييت” لكل أطرها وخبرائها رهن إشارة التعاضدية، في إطار الاشتغال الموحد والمشترك بين المؤسسات والهيئات المدنية والعمومية، ملحا على توظيف الأفكار البناءة لتطوير المجال التعاضدي بالمغرب.
وعرفت الجلسة، تدخل مصطفى شعون رئيس الاتحاد الإفريقي لمنظمات النقل واللوجستيك، الذي أشار في كلمته هو الآخر إلى الفصل 31 من دستور المملكة، مبينا دور النظام التعاضدي في حماية المهنيين في القطاع الحر الذين يعانون من مشاكل جمة تظهر مباشرة بعد تقاعدهم.
وشدد مصطفى شعون على ضرورة سن سياسة حكيمة ورصينة من أجل بناء نظام تعاضدي يضمن الحماية الاجتماعية للمهنيين، مقدما مثال التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، وموضحا بأن فشل بعض النماذج هي نتيجة الاختلالات المالية في الميزانية المالية، وكذا الإكراهات المادية التي تعاني منها كذلك.
وأبرز شعون دور MGPAP في خلق دينامية بين موظفي القطاع العام، المبنية على عنصر التطوع والمبادرة، الأمر الذي جعل من التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية وفقه، مؤسسة قادرة على مواكبة المستجدات التي تهم هذا القطاع على المستوى الدولي.
وذكر رئيس الاتحاد الإفريقي لمنظمات النقل واللوجستيك، أن قطاع النقل في حاجة إلى تعاضدية قوية من شأنها أن تحمي شغيلة هذا المجال، وذلك من خلال الاستفادة من تجارب الآخرين في ميدان التعاضد، ثم التطوير المعقلن في الولوج إلى الخدمات، بالإضافة إلى تحسين الخدمات الصحية، وأخيرا تنويع الخدمات لفائدة جميع المواطنين بما فيهم المهاجرين.
وأكد المتحدث، بأنه لا يمكن تجويد خدمات النقل دون توفير جو اجتماعي سليم لفائدة المهنيين، مشيرا إلى أن القطاع له دور كبير في تنشيط الحركة الاقتصادية للمغرب بنسب مئوية مهمة، ومن هذا المنطق تم التوقيع على اتفاقية مشتركة بين MGPAP والاتحاد، تهم التعاون بين الجانبين.

حق أممي

من جانبه، قال عبد المولى عبد المومني، رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، “إننا من خلال هاته الندوة الافتتاحية في التعاضدية العامة، نود التذكير على أن الحماية الاجتماعية هي المكون الأساسي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، الذي نص في المادة 22 منه، على أنه “لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمانات الاجتماعية والتي تحقق بواسطتها المجهود القومي والتعاون الدولي وبما يتفق عليه ونظم كل دولة ومواردها في الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية والتربوية التي لا غنى عنها لكرامته وللنمو الحر لشخصيته”.
وأكد عبد المولى عبد المومني، على أنه في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر سنة 1966 نصت المواد من 9 إلى 12 على أنه من حق كل إنسان في الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى الحق في العمل اللائق والرعاية الصحية.
وأضاف عبد المومني في مداخلته، أن الحق في الحماية الاجتماعية تطور بشكل خاص خلال النصف الثاني من القرن العشرين ليصبح أكثر ارتباطا بمنظومة تغطية الاستشفاء والرعاية الصحية وتوسيع التغطية الاستشفائية لتشمل أكبر عدد ممكن من الفئات خاصة غير الناشطة اقتصاديا، وهو ما توج باعتماد ما أصبح يعرف منذ سنة 2001 بـ”الإجماع الدولي حول الضمان الاجتماعي”.
والحق في الصحة يعني “أن الحكومات يجب أن تهيئ الظروف التي يمكن فيها لكل فرد أن يكون متوفرا على خدمات صحية بقدر الإمكان، وذلك من خلال ضمان الولوج لهاته الخدمات الصحية، وهو ما تم التأكيد عليه كذلك في معاهدات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، ويضاف إليها على سبيل المثال الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لسنة 1981، ودستور المملكة المغربية لسنة 2011″، يوضح رئيس التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية.
ولم يقف المتحدث ذاته عند هذا الحد، بل أتى على ذكر قرار لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في عام 2000، الذي يشدد على أن “الحق في الصحة لا ينطوي على توفير خدمات الرعاية الصحية في الوقت المناسب فحسب، بل ينطوي أيضا على محددات الصحة الدفينة، مثل توفير المياه النقية والصالحة للشرب (………..) وتوفير وسائل التثقيف الصحي والمعلومات الصحية المناسبة، بما في ذلك في مجال الصحة الجنسية والإنجابية”.
ونتيجة هذا القرار، فرض الحق في الصحة على الدول الأطراف، حيث يتم الالتزام بثلاثة عناصر، وهي؛ الاحترام، الحماية والأداء.
ويقصد بعنصر الاحترام، وفق عبد المولى عبد المومني، عدم التدخل في التمتع بالحق في الصحة تحت أية ذريعة كانت خاصة منها الذرائع المسطرية والبيروقراطية، “كما هو الحال مع معاناة فئات عريضة من منخرطي التعاضدية العامة جراء العراقيل التي تفرضها جهات سياسوية للتضييق على برامج القرب الطبية على سبيل المثال لا الحصر”.
وأما المقصود بالحماية استنادا إلى كلمة عبد المومني، فهي “ضمان ألا تقوم أطراف ثالثة (جهات أخرى غير الدولة) بإعاقة التمتع بالحق في الصحة سواء عبر منع إدراج الزيادة في التعويض المقرر للمنخرطين عبر النظام المعلوماتي إسكيف، أو التعسف في حرمان التعاضدية من حقها في استرداد تعويضات الثالث المؤدى، أو باعتقال القرار المشترك الذي من شأنه تحسين وتجويد منح التقاعد والوفاة وتمدرس الأيتام والمعاقين وغيرها كثير من شواهد الإخلال بهذا المبدأ”.
بينما يقصد بعنصر الأداء “ضرورة اتخاذ خطوات إيجابية لإعمال الحق في الصحة الذي يتضمن الرعاية الصحية وتوفير الأدوية الأساسية كما تفعل التعاضدية العامة بتقريب الخدمات الصحية والاجتماعية عبر الوحدات الجهوية بشراكة من السلطات المحلية”، يبرز رئيس MGPAP.
وذكر المتحدث عينه، في الأخير بأن إستراتيجية الأمان الاجتماعي لن تتحقق إلا بوجود تعاون وتنسيق بين مختلف المتدخلين من الحكومة ومؤسسات عمومية ومؤسسات المجتمع المدني وبالأخص التعاضديات، داعيا إلى تبني مقاربة جديدة للتغطية الصحية تحتوي على تقاسم المخاطر وتحسين وتنويع وتقريب الخدمات عبر كل من الصندوق المغربي للتغطية الصحية كمؤسسة عمومية، والصندوق الوطني للمنظمات الاحتياط الاجتماعي كفيدرالية للتعاضديات، إضافة إلى التعاضديات باعتبارها فاعلا رئيسيا في منظومة الحماية الاجتماعية.

***

الـ MGPAP تطالب “الكنوبس” بأداء 11 مليار سنتيم من مستحقات الثالث المؤدى

ثمن المشاركون في الجمع العام الـ71 للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية قرار المجلس الوزاري إدراج الصندوق المغربي للتأمين الصحي، الذي حل محل الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (الكنوبس)، ضمن المؤسسات العمومية الإستراتيجية التي يتم تعيين مسؤوليها خلال المجلس الوزاري.
وشدد المشاركون على أن من شأن هذا القرار القاضي بتصنيف “الصندوق المغربي للتأمين الصحي” ضمن المؤسسات الإستراتيجية، أن يساهم بفعالية في الارتقاء بحكامة هذا المرفق الصحي الهام و ينأى به في المقابل عن أي ممارسات قد تؤثر على استقلاليته واستغلال خدماته الاجتماعية بشكل يحيد عن أهدافه.
كما جددوا التأكيد في البيان الختامي للجمع، على ضرورة” الترافع من أجل تحويل مستحقات الثالث المؤدى التي تراكمت لمدة سنوات وبلغت ما يفوق 11 مليار سنتيم ولا زال صندوق ( الكنوبس) لم يؤدها بعد لصالح التعاضدية العامة والإفراج على طلبات الموافقة القبلية لملفات علاجات الأسنان التي بلغت ما يفوق 4000 ملف”.
وندد الجمع العام بما أسماه بـ”الممارسات الأحادية لمدير الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي ضد التعاضدية العامة، ومنها على الخصوص رفض إدراج النسب الجديدة لتحسين التعويض عن ملفات المرض لفائدة المنخرطين (ما يناهز 3600 عمل طبي)، في النظام المعلومياتي”إسكيف” (Paramétrage)، والتي قررتها الأجهزة المسيرة للتعاضدية العامة وطالبت بها سلطات الوصاية، مما يحرم المنخرطين من ملياري سنتيم سنويا كتعويضات إضافية”.
وصادق أيضا، على الإجراءات الواجب اتخاذها بشأن تداعيات تفاقم العجز والهشاشة والاقتراب من حافة الإفلاس بالنسبة للصندوق التكميلي عند الوفاة مع الاستمرار في حرمان منخرطي التعاضدية العامة وذوي حقوقهم من الاستفادة من الرفع من منح التقاعد والوفاة نتيجة للتأخر الحاصل في الإفراج عن القرار المشترك المتعلق بهذا الصندوق من طرف الوزارات الوصية في سابقة خطيرة بممارسة الكيل بمكيالين بين مكوني قطاع التعاضد.
وتطرق المشاركون في الجمع العام للمحاولات “الممنهجة والمتكررة الهادفة إلى تقزيم دور التعاضديات وحرمانها من مختلق الخدمات التي تقدمها للمنخرطين وذوي حقوقهم، والتي هي من صميم عملها ومهامها، معتبرين أن مشروع القانون 12.109 بمثابة مدونة للتعاضد المعروض على مجلس المستشارين منذ بضع سنوات متناقض تماما مع القانون الدولي”، داعين إلى تشكيل جبهة وطنية للتصدي لهذا المشروع الذي يشكل خطرا على نظام التعاضد.
وعبر المشاركون في الجمع العام عن ارتياحهم البالغ لما طبع انتخابات تجديد ثلث أعضاء المجلس الإداري للتعاضدية العامة من أجواء ديمقراطية وشفافية وروح مسؤولية.
وكان الجمع العام قد تميز بالمصادقة وبالإجماع على التقارير الأدبي والمالي ولجنة المراقبة ومأمور الحسابات للسنة المالية 2018، وكذا إقرار مواصلة تنزيل وتفعيل سياسة القرب الإداري والجهوية الإجتماعية والصحية عبر تخصيص جميع الموارد الإدارية والمالية والبشرية واللوجستيكية الممكنة والمتاحة.
كما تقرر الاستمرار في تفعيل البرامج الطبية المتنقلة للقرب وكذا التضامنية كسياسة ناجعة لتقليص الفوارق المجالية وتخصيص جميع الموارد الإدارية والمالية والبشرية واللوجستيكية الكافية لذلك.
وقرر الجمع الاستمرار في تخصيص الموارد اللوجستيكية والإدارية والمالية والبشرية في حدود الممكن لدعم أنشطة واجتماعات الاتحاد الإفريقي للتعاضد والإتحاد الدولي للتعاضد من طرف التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية ودعم التعاضديات الشقيقة في إفريقيا في الميدان الطبي والاجتماعي والإداري قدر الإمكان وحسب الوسائل المتاحة.

***

3 اسئلة مع عبد المومني

يجب أن ينظر لموضوع الحماية الاجتماعية ببلادنا من المنظور الحقوقي وليس الإحسان والصدقة

< ما هي دوافع تركيزكم بشكل رئيسي خلال هذا الجمع العام العادي للـ MGPAP على دور النظام التعاضدي في الحماية الاجتماعية ؟
> اختيار الموضوع جاء نتيجة التقييم والدراسة العميقة له، من طرف الأجهزة المسيرة للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية والتي ارتأت طرحه للنقاش العمومي، كمساهمة منها في هذا المجهود الوطني وإرساء لأسس نموذج تنموي جديد مبني على مقاربة تشاركية تراعي كافة مكونات المجتمع المغربي، وتحقق العدالة المجالية وتضمن الكرامة للمواطن، بحيث يجب أن ينظر اليوم لموضوع الحماية الاجتماعية ببلادنا من المنظور الحقوقي وليس الإحسان والصدقة.
ومن أجل ضمان هذا الحق، يجب اعتماد مقاربة مبتكرة تعطي للحماية الاجتماعية الأهمية التي تليق بها، باعتبارها من الركائز الأساسية لأي جهد تنموي مستدام ببلادنا.
وفي هذا الصدد، فإن التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، تؤمن بأن الحماية الاجتماعية، تقوم على مجموعة من الثوابت، نذكر منها، اثنين، أولا؛ الحماية الاجتماعية هي حق مرتبط بجوهر مبادئ العدالة الاجتماعية المرتكزة على إعادة توزيع الثروة من خلال استعمال الإنفاق العمومي بما يخدم تأمين مستوى لائق للعيش الكريم للمواطن من خلال ضمان حقوقه الأساسية في الصحة والتعليم والعمل.
ثانيا؛ إن الحق في الحماية الاجتماعية مرتبط أساسا بضرورة مراجعة السياسات الاقتصادية القائمة على اقتصاد السوق الذي يفرض تقليص الاهتمام بالجانب الاجتماعي عوض التركيز على التنمية الشاملة، وهو ما عرض اقتصادات الدول النامية ومنها المغرب إلى مزيد من الضغوط على منظومة الأجور واعتماد تدابير تحد من مكتسبات العمال والموظفين مما ساهم في الحد من قدرة الشغيلة في الدفاع عن حقها الأساسي في الحصول على الخدمات الاجتماعية باعتباره حقا مستقلا عن الفعالية الاقتصادية، وهو وجه آخر من أوجه هيمنة التوجه الليبيرالي الاقتصادي على السياسات العامة.
وإننا في هذه اللحظة نوجه رسالتنا للجميع بشكل واضح وصريح وهي أنه لا قيمة لأية سياسات عمومية لا تأخذ في صلب اهتماماتها المساواة والعدالة المجالية بين مواطني هذا البلد العزيز، ولا تسمح باستفادة المواطنين على قدم المساواة من كل الخدمات وبنفس الجودة وبنفس الكلفة، وما عدا ذلك من السياسات فإن مصيرها الفشل.

< من بين المحاور التي اخترتم الحديث عنها في اليوم الدراسي للجمع العام، نجد دور الثقافة والفنون والرياضة في الحماية الاجتماعية، لماذا هذا الاختيار؟
> ترى التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية أن مفهوم التغطية الصحية لا يجب أن يقتصر على جوانبه الاستشفائية أو عن التعويض على ملف المرض، بل يجب أن يدخل ضمن رؤية شمولية تأخذ بعين الاعتبار عدة محددات أخرى تجعل الوقاية على رأس أية إستراتيجية للحماية الاجتماعية.
والوقاية تمر أساسا عبر نشر ثقافة الاهتمام بالصحة الجسدية والنفسية، من خلال ممارسة الرياضة أولا، على اعتبار الرياضة هي التعبير عن الحياة، فالإنسان الذي يمارس الرياضة في حياته هو الإنسان الأقدر على التعبير عن روح الحياة التي تتسم بالحركة والديناميكية، بل إن الإنسان بممارسته للرياضة يحقق مقاصد الحياة وأهدافها التي تتطلّب بذل الجهد والنشاط.
بالإضافة إلى ذلك، فالرياضة هي وسيلة للحصول على جسد سليم معافى، كما أنها وسيلة للتخلص من الأمراض، فالإنسان الذي يمارس الرياضة يستطيع الوصول إلى جسم متناسق قوي، كما أنه يستطيع وقاية جسده من الأمراض وعلى رأسها مرض السمنة الذي يكون سببا في أمراض أخرى مثل السكري والانزلاق الغضروفي وغيرها.
من هنا، فإن الرياضة تعزز الجوانب الإيجابية في نفس من يمارسها حيث أثبتت كثير من الدراسات دورها في تحسين الصحة النفسية للإنسان وتعزيز الروح الإيجابية لديه، ذلك أن الإنسان أثناء ممارسته للرياضة يفرز هرمونات معينة تبعث عن الراحة والسعادة.

< هذا عن الرياضة، وماذا عن الثقافة والفن؟
> إن التصور الجديد الذي نطمح في التعاضدية العامة إلى ترسيخه في الأذهان، هو اعتماد مقاربة مبتكرة لمفهوم الرعاية الاجتماعية ينبني على الدور المحوري للثقافة والفن والأدب باعتبارهم من المحددات الأساسية للحياة الجيدة للأفراد، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن العديد من الدراسات قد أثبتت وجود ترابط بين الممارسات الثقافية والبيولوجية والعوامل البيئية والتأثير في الظروف الصحية.
والممارسات التقليدية لدى بعض الشعوب أو اعتماد بعض المعتقدات التي ترتكز على المحظورات الغذائية خاصة أثناء الحمل والولادة يمكن أن تكون لها عواقب خطيرة على صحة الناس، وخير دليل على ذلك الزيادة الحالية في الأمراض غير المعدية مثل السرطان والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية ،والتي لا يمكن فهمها إلا بتوسيع التحليل ليشمل انتشار أنماط الحياة العصرية المبنية على ثقافة الاستهلاك.
لذلك، فإنه يتحتم علينا أن نكون قادرين على التأثير على السلوكيات، والمواقف الثقافية وأساليب الحياة للحد من المرض والوفاة بين الأمهات والأطفال، وتشجيع تنظيم الأسرة، لمنع الأمراض التي تنتقل بالاتصال الجنسي، والتشجيع على الاستخدام الرشيد للخدمات الصحية، أو الاندماج الاجتماعي للمعوقين، وتحسين التغذية، أو للسيطرة على العنف وغيرها.
ومن وجهة النظر هذه، فإن الثقافة والفن تكتسيان أهمية خاصة بالنسبة لتحقيق التنمية الاجتماعية والثقافية ذات الصلة بمجالات الصحة بما فيها صحة الأسرة والمجتمع، على اعتبار الثقافة دينامية متعددة الأبعاد تأخذ بعين الاعتبار حياة الفرد والتركيبات المتنوعة للمجموعات العرقية والإثنية، والاختلافات بين المستويات الاجتماعية والاقتصادية.
والثقافة التي نتحدث عنها هي عملية مبنية على المعرفة الرئيسية عن صحة الإنسان التي تستهدف الاهتمام بصحته، وتعديل سلوكه الصحي وصولا إلى سلامته البدنية والجنسية والنفسية والعقلية والاجتماعية، والحد من تأثيرات الإصابة بالأمراض وكل ما يسوء بصحته.
وأذكر في الأخير، بأن موضوع الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية لا يقتصر على هذه الجوانب فقط بل يتعدى جانب الصحة الجسدية إلى تحقيق مستوى لائق من العيش الكريم وفق ما نصت عليه أهداف الألفية الثالثة للتنمية، والمستوى اللائق للعيش الكريم لا يتحقق إلا بإيلاء دور كبير للثقافة والفن كمحدد أساسي للراحة النفسية والاجتماعية.

*عبد المولى عبد المومني، رئيس المجلس الإداري للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية MGPAP

 يوسف الخيدر- بين الويدان

Related posts

Top