حقوقيون يشددون على أهمية خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان

اعتمد المجلس الحكومي، في بحر الأسبوع الماضي، خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، بعد عرض تقدم به مصطفى الرميد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، بخصوص مقاربة ومسار إعداد وتحيين الخطة ومضامينها التي تشمل الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والحقوق الفئوية والحكامة الإدارية والترابية والقضايا الناشئة.
ويأتي اعتماد هذه الخطة من قبل المجلس الحكومي، بعد الإعلان عنها رسميا في 13 دجنبر 2017، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان. وتهدف هذه الخطة إلى ترسيخ مسلسل الإصلاح السياسي ومأسسة حقوق الإنسان وتعزيز دينامية الوعي الحقوقي وتدعيم المبادرات المساهمة في انبثاق ديمقراطية تشاركية.
وتتكون الخطة من 4 محاور تتمثل أولا في الديمقراطية والحكامة، وثانيا في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وثالثا في حماية الحقوق الفئوية والنهوض بها، ورابعا في الإطار القانوني والمؤسساتي.
وفي هذا الصدد، أكد مصطفى الرميد الوزير المكلف بحقوق الإنسان، أن خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، تفيد أن المغرب سجل نفسه ضمن لائحة الدول التي بادرت للتخطيط الاستراتيجي لحقوق الإنسان، حيث إنه بات يوجد في المرتبة 39، وهذا يعني في الصف الأول ضمن الدول التي وضعت خطة وطنية في هذا الباب، مضيفا، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن الأهمية التي يحظى بها جانب اعتماد خطة وطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان، يرتبط بكونها تمثل، من جهة، نوعا من التخطيط للنهوض والارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان، ومن جهة أخرى، لكونها جاءت في إطار تشاركي ما بين الحكومة والمؤسسات الوطنية الدستورية والمجتمع المدني، وغطت كافة الحقوق، سواء تعلق الأمر بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئة والثقافية أو حتى حقوق الفئات من مسنين وغيرهم.
وأكد المسؤول الحكومي أيضا، أن الخطة تمثل مدونة إرشادية مؤطرة للعمل الحكومي ولكافة المؤسسات، كل في ميدان اختصاصه، لكي تنهض بحقوق الإنسان داخل مدة زمنية تمتد على أربع سنوات، وهذا الجانب كان محط توافق بين كافة المكونات التي شاركت في بلورتها، في أفق تحقيق التنمية الشاملة لحقوق الإنسان.
وقال مصطفى الرميد، في رده على سؤال بيان اليوم بشأن مسألة التنفيذ والتطبيق التي تثيرها وتؤكد عليها المؤسسات الوطنية الدستورية وهيئات المجتمع المدني كجزء مهم في هذا المسار، “لقد أنجزنا هذه الخطة بتشارك بين الحكومة والمؤسسات الوطنية وهيئات المجتمع المدني، وفي موضوع تنفيذها، سيتم أيضا اعتماد ذات المقاربة التشاركية، حيث سيتم بهذا الخصوص إحداث لجنة مشتركة للنظر في كل السبل التي تؤهل المغرب بكافة مكوناته لربح رهان التنفيذ العملي لهذه الخطة”.
وأعلن الرميد، في هذا الصدد، أنه سيتم تشكيل لجنة تضم كافة القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية الدستورية وهيئات المجتمع المدني ومراكز البحث بالجامعات، من أجل وضع مخطط إجرائي يحدد المسؤوليات والجدولة الزمنية المتعلقة بالتنفيذ ومؤشرات وتقييم إعمال التدابير المحددة في الخطة.

وشدد المتحدث على أن الخطة لها قيمة معنوية قوية بحكم أنها أنجزت بشكل تشاركي، والجميع معني بتنفيذيها، وتم عرضها على الجميع في حفل رسمي، كما تم عرضها على مجلس الحكومة الذي اعتمدها في اجتماعه الأسبوعي، وسيتم، في مرحلة قادمة، العمل على نشر نص الخطة بالجريدة الرسمية، وإشعار هيئات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان باعتماد هذه الخطة الوطنية.
من جهته، أكد محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، على الأهمية البالغة لاعتماد مجلس الحكومة في اجتماعه الأسبوعي، الخميس الماضي، خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، خاصة وأن ذلك سيجعل المغرب، في نظره، ضمن البلدان 39 في العالم، والبلد الثالث في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، والبلد العاشر إفريقيا والثامن على صعيد الدول الإسلامية، التي استطاعت إعداد خطة وطنية في مجال حقوق الإنسان.
وشدد الصبار، في تصريح لجريدة بيان اليوم، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان يجدد التزامه كمؤسسة وطنية بمواكبة ومرافقة الدينامية المترتبة عن الاعتماد الرسمي لهذه الخطة، ويعتبر أن اعتماد الخطة الوطنية يشكل مرحلة ذات أهمية بالغة، لكن مرحلة مهمة أخرى تخص تنزيل الخطة وتنفيذ مضامينها، تتطلب بذل جهود كبيرة على مستوى هذا المسار
وجدد الدعوة في هذا الصدد، إلى الإسراع بإخراج المخطط التنفيذي والاعتمادات المالية الضرورية لتنزيل وتنفيذ مضامين الخطة، موصيا بضرورة “استكمال النقاش حول القضايا العالقة والتي تهم إلغاء عقوبة الإعدام، والمصادقة على نظام روما الأساسي، والمصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم87 ، ومواد مدونة الأسرة المتعلقة بالإذن بالزواج للقاصر وسقوط حضانة الأم وبولاية الأب على أسرته وبولاية الأم على الأولاد وبحقوق الأطفال على الأبوين وبمالية الزوجين”.
أما بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فاعتبر أن اعتماد خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، إنجاز مهم، في الوقت الذي لم تراوح فيه الخطة مكانها منذ عشر سنوات.
وأضاف لاركو، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن الأهم في هذه الخطة، هو تحيينها وتعزيزها بتدابير جديدة، مما مكن من انتقال عدد التدابير من 215 تدبيرا، في الصيغة الأصلية، إلى أزيد من 430 تدبير في الصيغة الجديدة التي اعتمدها المجلس الحكومي، ضمنها تدابير الحكامة الأمنية ومكافحة الإفلات من العقاب وحقوق الإنسان وحقوق الشباب.
وأكد المتحدث، أيضا، أن إخراج هذه الخطة، يأتي بعد مسار تشاوري واسع، شارك فيه البرلمان والقطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية والأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات المهنية ومنظمات المجتمع المدني والجامعة، مشيرا إلى أن المطلوب، اليوم، هو ربح رهان هذه الخطة، عبر تنزيلها بوضع المؤشرات وكيفية الإنجاز، حتى يتسنى تقييمها بشكل موضوعي بعد ثلاث سنوات “2018 – 2021” في المرحلة الموالية.
من جانبه، أكد عبد الإله بنعبد السلام، الفاعل الحقوقي، على أهمية الاعتماد الرسمي لخطة عمل وطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، رغم التأخر المسجل على مستوى إخراجها، مشيرا، في المقابل، إلى عدد من الملاحظات بشأن هذه الخطة، من ضمنها التغيير الذي مس مضمون الديباجة المخصصة لها.
واعتبر بنعبد السلام، في تصريح للجريدة، أنه إذا كان اعتماد الخطة مسألة مهمة للغاية، فإن التنفيذ يبقى الجزء الأهم في العملية، معبرا عن الأمل في أن يساهم تنفيذ الخطة في تجاوز أوجه التناقض والتراجع الذي يمس واقع الممارسة الحقوقية.
وشدد الفاعل الحقوقي على أن مسار النهوض والارتقاء بحقوق الإنسان لا يكفيه أن نقوم بعدد من المبادرات كوضع خطة وطنية للديمقراطية وحقوق الإنسان فقط أو الانخراط بدينامية في منحى المصادقة والانضمام إلى الاتفاقات الدولية، لأن ذلك سيبدو كأنه مجرد مبادرات توضع من أجل الاستهلاك الإعلامي، وتبييض الصورة، لكن الارتقاء بهذا المسار ينبغي أن يرافقه الإعمال والالتزام الفعلي بحقوق الإنسان، بترجمة ذلك على مستوى الممارسة الميدانية وأساسا بالنسبة للمعنيين بإنفاذ القانون.
ومن جهته، قال عزيز ادمين، رئيس مركز الشباب للحقوق والحريات، إن هذه الخطة ليست وليدة اليوم، وأن الفكرة انطلقت، عالميا، في مؤتمر فيينا 1993، وتم إطلاق عملية العداد لها وطنيا من 2008 إلى 2010، حيث قامت حكومة عباس الفاسي آنذاك، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا والمجتمع المدني ببلورة خطة وطنية بعد عدة مشاورات، لكنها لم تخرج لحيز الوجود، بسبب وجود وجهات نظر متقاطبة، خاصة فيما يتعلق بالحريات الفردية وإلغاء عقوبة الإعدام والمساواة.
واعتبر ادمين، في تصريح لبيان اليوم، أن اعتماد الخطة، اليوم، يعتبر معطى مبدئيا إيجابيا في انتظار نشرها في الجريدة الرسمية، حتى تأخذ تلك القوة الإلزامية والأخلاقية لكل المتدخلين في مجال حقوق الإنسان.

حسن عربي – فنن العفاني

Related posts

Top