حوار البرلمان حول الصحافة

احتضن مجلس النواب، الأسبوع الماضي، حوارا واسعا حول قضايا الصحافة والإعلام ببلادنا دام يومين، وذلك استحضارا لذكرى: (الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع)، الذي كان قد رعاه البرلمان قبل إثني عشر سنة، وشهد اليومان الدراسيان حضور المنظمات المهنية ووزير القطاع ومؤسسة التنظيم الذاتي للمهنة ورؤساء الفرق النيابية وفاعلين أكاديميين مرتبطين بالقطاع وعشرات الصحفيات والصحفيين…

وبغض النظر عن بعض الملاحظات التنظيمية المتصلة بالتنظيم والبرمجة والمشاركين والسير العام للأشغال، ففي كل الأحوال، يحسب لمجلس النواب ورئيسه فضل هذه المبادرة التجميعية، ورعاية هذا التشاور الوطني، وهو ما كان يمكن إنجازه من طرف المنظمات المهنية لوحدها أو بتعاون مع القطاع الحكومي المعني.

المهم الآن، أن البرلمان نجح في احتضان هذا الحوار، وهو ما يعطي للموضوع أهميته الوطنية والمجتمعية، وتم الارتقاء به لمستوى الانشغال الوطني الذي تهتم به المؤسسة التشريعية، وتضعه ضمن اهتماماتها ومجالات ترافعها، وأجمعت تدخلات رؤساء كل الفرق على ذلك، وبرز مجلس النواب مجمعا، بكل مكوناته السياسية والتمثيلية، على الانخراط في هذا الورش.

في نهاية اليومين الدراسيين المشار إليهما، اقترح رئيس مجلس النواب أمام المشاركات والمشاركين، خطة عمل تروم الإصلاح والتأهيل الشاملين لقطاع الصحافة والإعلام ببلادنا، وهو ما رحب به الحاضرون، وتفاعلوا معه بالتصفيق والتأييد والدعم.

تبدأ الخطة بالعمل المشترك من أجل الوصول إلى صياغة قانون إطار شمولي حول إصلاح قطاع الصحافة والإعلام، وبعد ذلك السعي لكي تنبثق عنه، بالتدريج، قوانين فرعية ذات صلة، وذلك بناء على توافق إيجابي بين كل المكونات المهنية، وبتعاون بينها وبين المؤسسة التشريعية والسلطات الحكومية.

وقد ألح رئيس مجلس النواب على أن هذا الورش القانوني والتشريعي لا علاقة له بأي استحقاق انتخابي أو تنظيمي للمهنة، فهذا، برأيه، جانب تنظيمي يهم الحكومة والمنظمات المهنية وله إطاره القانوني، وهو التوضيح الذي يعني أن مؤسسة التنظيم الذاتي للمهنة يجب أن تواصل مسارها بشكل طبيعي، وأن يتم الشروع في الإعداد لانتخاباتها التجديدية، وفق القانون، وضمن الحرص العام على الأفق الديموقراطي الواضح في الدستور، واحتراما لمبدأي الاستقلالية والديموقراطية المنصوص عليهما.

أما التوصية الثالثة، الواردة في خلاصات رئيس مجلس النواب، فتهم النهوض بالأوضاع الاجتماعية والمهنية والمادية للعاملين في القطاع، والتشجيع على الحوار داخل المهنة من أجل تطوير الاتفاقية الجماعية، والسعي لإنشاء مؤسسة وطنية وازنة للأعمال الاجتماعية لمهنيات ومهنيي الصحافة والإعلام ببلادنا.

وبالنسبة للتمويل ودعم الدولة للصحافة، تقترح الخلاصات أن يكون دعما عموميا عادلا ومنصفا ومنتجا، ويروم أولا تمويل ودعم الخدمة المجتمعية للصحافة، وليس دعم الرأسمال المالي فقط، وأن تكون غايته تمتين المسؤولية المجتمعية للصحافة، وتقوية مصداقيتها، وتوسيع إقبال شعبنا وشبابنا على القراءة بشكل عام، والعمل لتعزيز التعددية السياسية والثقافية والمجالية، ودعم الإعلام الجهوي وصحافة القرب، وتأمين الإنصاف بين المقاولات الكبرى والمتوسطة والصغرى بلا إقصاء أو تمييز، ويكون الهدف، في النهاية، هو الاستثمار في الجودة، وفي الخدمة المجتمعية، وفي الموارد البشرية، ودعم الصحافة الوطنية لكي تستعيد ثقة المجتمع، ومن أجل تقوية قدرتها المهنية وحضورها الإشعاعي للترافع والدفاع عن المصالح الوطنية لبلادنا.

هذه الأوراش الإصلاحية والتأهيلية، التي انتهى إليها حوار البرلمان، ولقيت تأييدا مهنيا واسعا، تستوجب اليوم التنفيذ والتفعيل، والشروع في الأجرأة، كما أنها تتطلب وجود عقلاء وعارفين يمتلكون بعد النظر، ويبتعدون عن الأنانيات الضيقة والحسابات الصغيرة، وهؤلاء موجودون فعلا في المهنة وحواليها، ويجب إشراكهم والإنصات لهم.

مرحلة الأجرأة والتنفيذ اليوم تقتضي ارتقاء لدى المنظمات المهنية، والسعي المشترك لتحقيق وحدة الجسم المهني بلا تشرذم أو حروب الديكة، وتتطلب شخصيات حكيمة وواقعية وعقلانية وذات بعد نظر لتقود هذا المسلسل، وتسهر على الصياغات والاتفاقات…

وقبل كل هذا، لا بد أن يكون هناك من يطلق مسلسل العمل ويرعاه بحسن نية، وبحرص على احترام القانون، وأن يمتلك القدرة المعرفية والكاريزما للسير بالعمل إلى نهايته.

إلى العمل إذن، قبل أن يفوت الأوان…

محتات الرقاص

[email protected]

Related posts

Top