حول الحراك الجزائري

من المؤكد أن ما تعيشه الجزائر يعتبر أمراً مقلقا، خاصة بالنسبة لبلد جار مثل المغرب لديه رهانات إستراتيجية وتنموية يشترك فيها مع الجار الشرقي، ولشعبه مشترك كبير مع أشقائه الجزائريين، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ومن ثم طبيعي ألا يتعاطى المغاربة مع صور وأخبار التوترات السياسية والميدانية الجزائرية بحياد أو برودة كما لو أنها لا تعنيهم.

وعندما يسأل المغاربة عما يجري في الجزائر أو عن معالم الأفق الذي تسير نحوه، فذلك لأن الأمر يتعلق أولا بأهل لهم هناك يعنيهم واقعهم ومستقبلهم، وأيضا لأن التداعيات تهم بلدهم ومصالحه الإستراتيجية.

لكن، بالرغم مما سبق، فإن ما يجري في الجزائر، بداية وانتهاء، هو شأن وطني داخلي لشعبها ومؤسساتها، والجزائريون هم المعنيون بذلك، والطبقة السياسية وقوى المجتمع هناك هي المدعوة لإيجاد الأسلوب السياسي والمؤسساتي الأمثل والكفيل بتحقيق الهدوء والاستقرار في البلاد، وفِي نفس الوقت الخروج من توترات المرحلة الحالية بما يضمن الإنصات المدرك والتفاعل الإيجابي مع مطالب وتطلعات الشعب الجزائري، وتطوير البناء الديمقراطي والتنموي لمصلحة الجزائريين.

إذن، يجب أن نعيد التأكيد هنا على أن ما تحياه الجزائر اليوم هو شأن يهم شعبها ومؤسساتها، وتحقيق التغيير أو إنجاح الإصلاحات الداخلية هو مرتبط بإرادة الجزائريات والجزائريين وليس بغيرهم.

من جهة ثانية، لا بد كذلك أن نسجل أن أهلنا في الجزائر، وخصوصا الشباب، عبروا عن المخزون النضالي الكامن بداخلهم، وأبرزوا تحررهم وتحرر التعبير عن مطالبهم، وهو المخزون الذي لم تطفئ جذوته محن السنوات السابقة وقوالب التدجين، كما أنهم نجحوا بشكل كبير في صيانة الطبيعة السلمية لحراكهم الشعبي، وهذا مهم ويمثل درسا حقيقيا، ويستحق الإعجاب، كما نأمل استمراره، وفِي نفس الآن انخراط مؤسسات الدولة والنظام في دينامية التفاعل الإيجابي مع انتظارات الشعب، ومباشرة البناء الجماعي والمشترك لواقع سياسي وتنموي جديد ضمن حياة مجتمعية هادئة ومستقرة.

وعلى صعيد آخر، فإن ما ينقل اليوم من مشاهد وأحداث من الداخل الجزائري، وأيضا ما تعانيه بالخصوص ليبيا منذ سنوات، يطرحان سؤال الانتقال السياسي، والإصلاح الديمقراطي في المنطقة المغاربية بشكل عام، وبلدان شمال إفريقيا، ويفرض على أنظمة المنطقة الانكباب على أسئلة الغد وتطلعات الأجيال الصاعدة، والتفكير بمنطق سياق هذا الزمان، وفي المستقبل.

لا يتعلق الأمر بصناعة أجوبة آنية لدفتر مطالب مرفوع حاليا في الشارع، أو إيجاد مخارج لمآزق سياسية طارئة، ولكن المطروح هو التفكير في السؤال الإستراتيجي المتصل بالديمقراطية والتحديث وبناء المؤسسات وتحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية لفائدة الشعوب، وأيضا التحرر من ثقل الزمن الماضي وحساباته العقيمة، والانخراط في مشاريع مجتمعية كبرى للبناء، بما في ذلك ضمن  الرؤية الإقليمية التي تستحضر الرهانات المطروحة على كامل المنطقة اليوم.

لاشك أن الجزائر  الشقيقة تفتقد اليوم إلى وضوح الرؤية المرتبطة بالمستقبل أو إنتاج البدائل المطلوبة والناجعة، وربما هو ذات الوضع، بهذا الشكل أو ذاك، في دول مغاربية وعربية أخرى، ولكن الشعب الجزائري  يصر اليوم، ولحد الساعة، على المضي في حراكه بسلمية تبعث على الإعجاب.

ولهذا نعيد التأكيد، ولأكثر من مرة، على أهمية ذلك ومحوريته، وأيضا على ضرورة احترام إرادة الجزائريات والجزائريين، وكون أمر بلدهم يعنيهم هم قبل غيرهم.

المغرب والمغاربة يهمهم هذا كثيرا، ويأملون أن ينتصر أشقاؤهم الجزائريون في حماية أمن بلدهم واستقرارهم، وإنجاح الإصلاحات في هدوء مجتمعي كامل، وأن يكون الحراك الشعبي والسياسي الجزائري نموذجا يفضي إلى تحقيق الديمقراطية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية، ويصون استقرار المجتمع وهدوئه.

السلام لأهلنا في الجزائر…

< محتات‭ ‬الرقاص

Related posts

Top